الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
هايدغر: ضد النظرة الأحادية للإنسان. تقديم وترجمة: هادي معزوز
هادي معزوز
2024 / 8 / 23الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
تقديم:
حينما نقرأ هذا النص الصغير المقتطف من كتاب هايدغر الموسوم بعنوان "ما هذا الذي نسميه فكرا" سنجد أنه يلخص مصير الإنسان من جهة، ونظرة العلوم إليه من جهة أخرى، سنجد أن هايدغر يحاكم مصيره انطلاقا من ذوبانه داخل المناهج العلمية الحديثة، والتي تلخصه إما بكونه نفسا أو موضوعا للدراسة أو كائنا حيا أو حيوانا سياسيا أو كائنا عاقلا وما إلى غير ذلك من التصنيفات، والتي كلما غرقنا بين براثنها كلما ابتعدنا عن حقيقة الإنسان المتحجبة. يدعونا هايدغر إذن ـ ليس في هذا النص وإنما في مجمل فلسفته ـ إلى ضرورة وقوف هذا الكائن أمام ما يخزنه الوجود في جعبته. أي ضرورة الوقوف أمام نفسه وقراءة مصيره باعتباره موجودا هنا، لكن ليس بناء على ما هو موجود وإنما بناء على خاصية الوجود التي تتنطع عبر الحقب التاريخية فتتبدى ميتافيزيقا تارة ودينا تارة أخرى وعلما أحيانا وتقنية أحيانا أخرى... لا ننكر أن الإنسان بات بعيدا كل البعد عن كينونته الحقيقية حينما أصبح مجرد رقم فقط، وموضوعا مبتذلا للموضة وثقافة الاستهلاك ووسائل التواصل الاجتماعي... وهو بذلك كلما تحقق وهم التفوق التقني لديه، كلما ابتعد عن حقيقة وجوده، علما أن هذا الابتعاد من صميم الوجود نفسه وهذه هي المشكلة.. نُشر الكتاب الذي اقتطفنا منه هذا النص إبان العقد الخامس من القرن العشرين، إلا أنه كلما تقدم في العمر كلما وجدناه ابنا بارا لما يحدث اليوم بالرغم من الفرق بين ما كان وبين ما يقع..
تدل الذاكرة فيما تدل بخصوص شكلها المبدئي على الروح من جهة، وعلى كونها تمثل "الجمع مع"... بيد أن هذين العبارتين تتحدثان في هذا السياق على معنى بقدر ما يبدو واسعا، بقدر ما يبدو ضروريا بدل أن يكون ممكنا. ومن الجلي أن كلمة روح لا تدل ـ إذا
أردنا التعبير وفق اللغة الحديثة ـ على الجانب الوجداني للوعي الإنساني فقط، ولكن على كل ما يمارسه الكائن البشري. والحال أنه يُعَبَّرُ عن هذا الأمر في اللاتينية بواسطة الاختلاف القائم بين عبارتي Animus و Anima
وأما فيما يتعلق بعبارة Anima وذلك في إطار سياق تمييزها عن غيرها، فإنها تدل على التحديد الأساسي الخاص بكل كائن حي، وبين هذا وذاك سنجد أن هذا الأمر يتعلق بالإنسان أولا وأخيرا. ومن ثمة يمكننا تقديم الإنسان وتعريفه بكونه كائنا حيا. علما أننا كنا كذلك منذ عهد طويل. صحيح أننا نصنفه تبعا لما قيل سلفا ضمن سلسلة النباتات والحيوانات، إلا أننا نفترض ضمن هذه السلسلة أنه ثمة تطورا، أمكننا التمييز من خلاله بين الأنواع الحية.
هذا وبالرغم من أننا حينما نمنح الامتياز للإنسان باعتباره كائنا حيا عاقلا، فإنه يستمر دوما في الظهور وفق طريقة تبقى من خلالها خاصيته "ككائن حي" هي السائدة، حتى وإن ظل البيولوجي في معناه الحيواني والنباتي تابعا للخاصية التي ترى في الإنسان كائنا يجمع بين وجوده كعقل وكشخص، وإنها لعمري هي الخاصية التي تحدد حياته الواعية. ومن ثمة فإن كل أنثروبولوجيا تظل مُوَجَّهَةَ بواسطة التمثل القائم على اعتبار الإنسان ككائن حي.
إن الأنثروبولوجيا سواء كانت فلسفية أو علمية، فإنها لا تسير بالتأكيد نحو تحديدها للإنسان، ونحو وجوده.
والحال أنه من أجل التفكير في الإنسان بوصفه كائنا بشريا وليس باعتباره كائنا حيا وقط، فقد توجب علينا وقبل كل شيء أن نأخذ الحِذْر من هذا الأمر، أي بالنظر للإنسان كموجود يسعى إلى أن يظهر على نحو ما هو موجود ـ ووفق ذلك يظهر الموجود وفق ما هو موجود. إلا أنه لا يستنفذ نفسه ضمن زيف ما هو واقعي دوما. إن هذا الموجود الذي يبقى محددا انطلاقا من الوجود، ينتمي ـ وإن لم يكن هذا هو السائد ـ إلى هذا الذي يمكن أن يوجد وقد "كان سلفا" (gewesen-ist) ومن ثمة فالإنسان هو هذا الوجود الذي يتبدى نحو الوجود، وتبعا لهذا الشأن، فإنه لا يمكن أن يوجد إلا من خلال علاقته مع الموجود وهو الأمر الذي جُبل عليه سلفا.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. لهذا السبب.. روسيا تحذر من اتساع نطاق الصراع في الشرق الأوسط
.. العميد إلياس حنا يتحدث عن ملامح معركة جباليا الجديدة وخطة ال
.. الفلسطيني محمد شوحة يروي تفاصيل نجاته من مجزرة ارتكبها الاحت
.. قصف إسرائيلي على بيروت يخلف دمارا في منطقة سكنية
.. مدير مستشفى كمال عدوان من غزة: أناشد العالم عدم إخراجنا من ا