الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
عن الدولة العربية الإسلامية
مازن كم الماز
2024 / 8 / 24دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
في الواقع لم توجد "دولة عربية إسلامية" في القرون الوسطى إلا لفترة قصيرة جدا , ما عدا تلك الفترة التي تمتد من وصول النبي إلى المدينة حتى اغتيال علي أو ما قبلها حتى , نسبت الدول التي نسميها اليوم بدول عربية إسلامية لحكامها فقد وجدت مثلا دولة أموية عباسية إخشيدية أيوبية حمدانية فاطمية عثمانية مملوكية الخ الخ ... و باستثناء فترة قصيرة جدا من بداية التاريخ العربي الإسلامي القروسطي وجدت على الدوام عدة "دول عربية إسلامية" في نفس الوقت في تنافس دائم مع جيرانها و "أخواتها" المسلمين , أحد أبرز الأمثلة هنا هو كيف أمضى صلاح الدين حياته في توحيد المشرق العربي تحت سلطته قبل أن يقوم بتوزيع ملكه قبل موته بين أبنائه و إخوته .. أما عن "عروبة" حكامها فاعتبارا من حكم المتوكل الذي أنهاه جنوده الأتراك بسيوفهم كان معظم الحكام الفعليين من غير العرب ... الفترة التي يمكن أن نتحدث فيها عن "دولة عربية إسلامية" تبدأ بدولة المدينة و وثيقتها المعروفة التي لم يمر عليها عدة سنوات حتى كان كل المقصودين فيها قد طردوا من المدينة أو انضموا إلى الدين الجديد بالإقناع أو بالإغراء أو بالقوة و مع كل انتصار لمحمد كانت تلك الوثيقة تداس حتى جاء النقض النهائي لتلك الوثيقة في سورة براءة التي خيرت "المشركين" بين الدخول في الإسلام أو الحرب أو مغادرة الجزيرة العربية بعد مهلة أربعة شهور ... و ما أن توفي الرسول حتى أعلن معظم مواطني الدولة الجديدة خروجهم على حكومتها المركزية التي استخدمت العنف لإعادة إخضاعهم و بعد ذلك ستشهد الدولة العربية الإسلامية الفتية صراعات حادة داخلية سواء داخل الأرستقراطية العشائرية الحاكمة نفسها أو ثورة المواطنين الساخطين المسلحة على عثمان ثم على علي و التي لم تتوقف في المراحل القادمة ... و منذ وقت مبكر جدا ارتبطت هذه الدولة في أذهان رعاياها بتحصيل الريع لحساب الحاكم عن طريق نهب "رعاياها" أو زيادة عددهم في فترات قوتها , و في مراحل صعودها و قوتها تلك كانت هذه الدول عبارة عن دولة جيش , أو كما سماها عبد العزيز الدوري : أمة في جيش , و ستستمر كذلك بشكل أو بأشكال مختلفة .. أما عن "وظيفتها الاجتماعية" مقارنة بالدولة الحديثة فهي بدأت بتوزيع الريع الآتي من الغنائم على المقاتلين بهدف الحفاظ على جيش قادر على تهديد الجيران الأعداء , سحقهم أو ردعهم , عدا عن مواجهة القوى المنافسة أو المعارضة في الداخل , و توزيع ذلك الريع أيضا على الأرستقراطية العشائرية التي شكلت نخبتها الحاكمة و تصارعت فيم بينها على السلطة في الفترة الأولى من وجودها قبل أن تنتقل السلطة فعليا للعسكر الذين تقاتلوا على الاستيلاء على السلطة كغنيمة بحد ذاتها و على نهب المجتمع "الذي يحموه و يحكموه" ... في المناطق التي لعب فيها الري دورا حيويا لبقاء المجتمع مارست تلك الدول هذا الدور كسابقاتها بدرجات متفاوتة من الاكتراث و الكفاءة .. في بدايات تلك الدول لم يكن المستوى الحضاري بعد يتطلب وجود خدمات صحية عامة أو نظام تعليم رسمي و عندما ظهرت تلك الحاجة في وقت لاحق مع تقدم المجتمع جرى تلزيم تلك الخدمات , كما في العديد من المجتمعات الإقطاعية العسكرية , لنظام الأوقاف الذي شكل جزءا من ملكية الأرض الإقطاعية الخراجية مخصصا لتأمين خدمات عامة "لرعايا" الدولة و لا يعني هذا أيضا أن تلك الأوقاف كانت كافية على الدوام لتمويل تلك الخدمات العامة فهذا كان يتوقف على استقرار الحكم , و هذا كان يستمر فقط لفترات قصيرة تقطعها صراعات جديدة على السلطة , و درجة اهتمام الحاكم نفسه و هذا عامل فردي يتفاوت من سلطان لآخر ... لكن الأكثر أهمية هو أن "الدولة العربية الإسلامية" كما يتحدث عنها الإسلاميون اليوم لم توجد بالفعل إلا لفترات قصيرة جدا و أن معظم حكامها كانوا يحكمون و يتصرفون تماما كما يفعل الحكام العرب اليوم الذين يعتبرهم الإسلاميون خارجين عن الملة أو أعداءا للإسلام و أن هذه الدول باستثناء فترة قصيرة جدا من حياة الدولة ( أو الخلافة الراشدة ) و الأموية و العثمانية تعرضت لهزائم متتالية على عكس ما يدعيه الإسلاميون أما حروب أو انتصارات صلاح الدين و المماليك فقد كانت في معارك دفاعية ضد خصوم تمكنوا من احتلال مناطق واسعة من الشرق "العربي الإسلامي" و إلحاق دمار واسع به كما في احتلال الصليبيين للقدس و المغول لبغداد .. و غير صحيح أن هذه الدول أو حكامها أو ولاتها عاملوا الرعية أو حكموها بشيء من العدالة , على العكس تماما , بدأت القصة منذ وقت مبكر يعتبره الإسلاميون "عصر الإسلام الذهبي" عندما نقض عمر بن الخطاب قرار أبي بكر مساواة الناس ( الأنصار و المهاجرين فقط ) في الأعطيات و ميز "المتقدمين في الإسلام" و آل الرسول و أقربائه و زعماء قريش و قرب عثمان و علي أبناء عمومتهم وولوهم أمر الناس و صمتوا عن فسادهم الأمر الذي أثار سخط الكثيرين و دفعهم للثورة على الرجلين , و ينسب الخوارج أساسا لذوي الخويصرة الذي طالب الرسول نفسه بالعدل في توزيع الأعطيات , هذا عن "العصر الذهبي للإسلام" أما ما تلى ذلك فكان أسوأ بما لا يقارن لدرجة أن جزءا كبيرا من الإسلاميين أنفسهم يتنكرون له أو ينتقدوه بدرجات متفاوتة من الجرأة , و يضرب المثل ببعض الولاة و الحكام من الحجاج و زياد بن أبيه إلى قراقوش كنماذج للغباء و القمع و النهب المنفلتين و البعض الآخر في البذخ الذي لا يمكن تخيله كهارون الرشيد مثلا , و الكنوز التي وجدها المغول عند آخر خلفاء بني عباس المستعصم بالله أغرت بعض المؤرخين بقصة حبسه بين تلك الكنوز حتى مات جوعا و عطشا .. أما الولاة العثمانيون الذين اهتموا بأحوال العامة و بإنشاء و تطوير الخدمات العامة فقد كانوا "إصلاحيين" أي متأثرين بالنظام الغربي المستحدث كمدحت باشا في العراق و محمد علي باشا في مصر .. أما عن "الحرية" فلم يكن لها أي وجود في تاريخ تلك الدول , و في أفضل الأحوال كان الحكم "شورى" بين أفراد الأرستقراطية العشائرية لكن سرعان ما أصبح الحكم ملكا مطلقا لا يختلف عمليا عن الممالك و الامبراطوريات الأخرى .. بدأ الحديث عن الحرية في بلادنا بعد الثورة الفرنسية و قد أدى النضال من أجل تقييد سلطة السلطان إلى الدستور العثماني عام 1876 الذي سرعان ما انقلب عليه عبد الحميد الثاني بعد عامين فقط , قبل ذلك كان حكم السلطان ( و السلاطين و الخلفاء و الأمراء الخ ) حكما مطلقا على مدى ألف و ثلاثمئة عام ... و غير صحيح أن هذه الدول حكمت بالشرع أو حكمت الشريعة إلا فيما يناسب حكامها , عدا عن ذلك كان الأمويون متهمين في دينهم و قد ثار الخوارج على عثمان و علي و خلفاء بني أمية و العباس لخروجهم عن الشرع و حكمهم بما يخالفه ... الخ الخ الخ .. لهذا بالتحديد لم يتحدث سيد قطب عن "الدولة العربية الإسلامية" في مشروعه بل عن "صدر الإسلام" و كان موقف سيد قطب سلبيا في العموم من "الدولة العربية الإسلامية" بما في ذلك موقفه من الخليفة عثمان مثلا ... إن "الدولة العربية الإسلامية" هي اختراع حديث وضعه الإسلاميون , اختراع إيديولوجي بحت بلا أي بعد تاريخي ... أعاد الإسلاميون كتابة ذلك "التاريخ" ( استمر حكم عمر بن عبد العزيز , المثال الذي يستدعوه من التاريخ , سنتين فقط و الثورة على عثمان كانت بسبب سياساته و تقريبه بني أمية و لم تكن بسبب ابن سبأ الخ ) بما يناسبهم أو يناسب مشروع استيلائهم على السلطة و إذا كان صحيحا أن مشروعهم يعبر عن قوى اجتماعية تجمع المحافظة الفكرية و الاجتماعية إلى السخط على الأوضاع القائمة لكنهم , و لأن مشروعهم ملفق و بلا جذور فكرية و لا تاريخية و لأن دورهم الاجتماعي التاريخي رجعي بالمحصلة و لأنهم يقدمون حلولا بلا معنى لأزماتنا اليوم , فإنهم في السلطة يتصرفون تماما كغيرهم من الحكام إن لم يكن أكثر سوءا
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. رقم قياسي جديد لعملة البيتكوين الرقمية | الأخبار
.. أطيب كيكة ليمون
.. انشغال نواب بتصفح هواتفهم خلال جلسة البرلمان يستفز الأردنيين
.. بارنييه يقدم استقالته للرئيس ماكرون ووزير الدفاع الأقرب لخلا
.. -علف الحيوانات والقمامة-.. للبقاء على قيد الحياة في قطاع غزة