الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سر القبور الجماعية المكتشفة في فنلندا ؟

يوسف ابو الفوز

2006 / 12 / 22
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


لم يعد أكتشاف القبور الجماعية ، حكرا على البلدان التي عاثت فيها الانظمة الديكاتورية والظلامية ظلما وفسادا ، مثل العراق ويوغسلافيا وافغانستان ، فالبلدان الاوربية الديمقراطية ، بين الحين والاخر صارت تواجه صفحات مظلمة وغامضة من ماضيها ، الذي تعتقد انه صار بعيدا واسدلت عليه الستائر ، وذلك باكتشاف أثار صفحات منه ، فتعود الكوابيس والاسئلة الى الواجهة ، ومع وجود اجيال جديدة من الباحثين والمؤرخين تعمل باطار موضوعي باحثة عن الحقيقة ، يتم نبش الذكريات وصفحات التاريخ ، وتتصاعد اصوات مسؤلة تدعوا للتمسك بالمنجز الحضاري المعاش من اجل مستقبل اكثر اشراقا . فنلندا ، ( نفوسها 5 ملايين نسمة ، مساحتها 338 الف كم مربع ) ، البلد المسالم ، المرمي على حافة القطب الشمالي ، في الايام الاخيرة ، راحت وسائل الاعلام فيه تسلط الضوء على صفحات مظلمة من تأريخ البلاد يحيطها الغموض وتكتنفها الاسرار ، وذلك اثر العثور بشكل عرضي ، في منتصف شهر تشرين الاول الماضي ، على مقبرة جماعية شمال شرقي العاصمة الفنلندية ، هلسنكي ، في منطقة هوهتينيمي Huhtiniemi في غابات لابيرانتا Lappeenranta ، حيث تمتاز هذه المنطقة بكثافة الغابات ، وهي من المناطق المفضلة عند الفنلنديين لصائدي الايائل . فور اكتشاف المقبرة ، التي تبين انها تضم رفات 11 جثة ، وضعت تحت حماية الشرطة المحلية ، وشكلت فرق رسمية للكشف والبحث والتحقيق بشكل جنائي مع احتمالات ان تكون القضية جنائية ، ارتباطا بكون القبور وجدت على عمق متر واحد ، وبلا توابيت ، وموضوعة بشكل متراصف ، مما اثار الشك في أن تعود لضحايا عصابات المافيا ، خصوصا ان المنطقة ملاصقة الى الحدود الروسية (30 كم ) ، وتشهد بشكل دائم نشاطا لمختلف عصابات التهريب. ولكن مع بدء العثور على دلائل تكشف بأن المقبرة تعود لفترات زمنية طويلة ، تولت جامعة هلسنكي مهمة الكشف والبحث ، وشكلت لجنة خاصة من الباحثين المختصين لدراسة المقبرة وفك الغازها . الكشوف الاولية ، بمساعدة خبراء طب الاسنان ، بينت ان اعمار المدفونين في المقبرة تتراوح بين 20 الى 22 عاما ، ولم يتمكن فريق الكشف الاول من تحديد سبب وفاة اصحاب الجثث . واذ ان المقبرة المكتشفة كانت قريبة الى موقع مقبرة قديمة سبق ان اكتشفت عام 1971 ، وايضا بشكل عرضي خلال اعمال حفر قناة ، فالتخمينات الاولية تشير الى ان المقبرة المكتشفة حديثا قد تكون تعود الى فترة الحرب العالمية الثانية ، في عام 1944 او الحرب الاهلية الفنلندية عام 1918 . احد التخمينات التي اطلقتها وسائل الاعلام المحلية تشير الى انه ربما تكون الجثث تعود الى هاربين من حرب عام 1944 ، والتي تسمى في تأريخ فنلندا بأسم "حرب الاستمرار" ، وهي الحرب التي خاضتها فنلندا ضد الاتحاد السوفياتي . وحسب اشاعات وحكايات وتحقيقات صحفية فأن قيادة الجيش الفنلندي ايامها شكلت محكمة عسكرية سرية لمحاكمة العسكريين الهاربين من جبهة الحرب ، وكان يتم نقل الهاربين جميعا الى معسكرات خلفية في منطقة لابرانتا لتنفيذ حكم الاعدام بهم . والاشاعات تقول ، حسب بعض الروايات ، ان عدد المعدومين بلغ ما بين خمسمئة الى ستمئة عسكري هارب ، واتلفت سجلات المحكمة ايامها عمدا من قبل قادة الجيش ، لان المحكمة كانت صورية ولم تكن دستورية. وهناك من يعتقد بأن المقبرة تعود الى فترة الحرب الاهلية الفنلندية ، المعروفة في تأريخ فنلندا بأسم "حرب الشتاء"، والتي اشتعلت عام 1918 بين معسكري البيض (قوى اليمين) والحمر(قوى اليسار)، وفي اوضاع وتفاصيل تشبه بشكل ما الاوضاع السائدة حاليا في العراق ، حيث الموت ، وعلى الهوية ، يطرق باب كل مواطن فنلندي بمجرد الشك بولائه الى اي من المعسكرين. واهتمت قيادة الدولة الفنلندية الحالية بالمقبرة المكتشفة ، وبقرار مباشر من رئيس الوزراء ، شكلت لجان رسمية على مستو عال للمتابعة والاشراف ، وتسلم مسؤولية التحقيق والكشف " المكتب الوطني للتحقيق " بالتعاون مع مؤسسات البحث العلمي ، مثل معهد الطب العدلي في جامعة هلسنكي ، والمتحف الوطني الفنلندي ، وسط متابعة وترقب شديدة من قبل الراي العام الفنلندي . المفارقة التي تلفت الانتباه ، هو ان احد الباحثين في هذه القضية هو البروفسيورة هيلينا رانتا Helena Ranta ، وهي طبيبة اسنان جنائية مختصة ، ولها تجربة كبيرة في الكشف والبحث في المقابر الجماعية في يوغسلافيا وفي تايلند وفي العراق ايضا ، حيث قامت بزيارة المقابر الجماعية المكتشفة في العراق اكثر من مرة ضمن وفود دولية ، واشارت بعض التوقعات الى انها قد تستدعى للشهادة في محاكمة صدام حسين. فريق الباحثين في مقبرة هوهتينيمي Huhtiniemi اعلن عن اكتشاف عِدّة معلّقات برونزية وفضّية ، أزرار عظمية ، وقِطَع قماشِ ، وايضا صلبان ورموز تعود الى ديانة الكنيسة الأورثوذكسية ، مما ساعد على بروز فرضية مقبولة عند كثير من الباحثين تفيد بان القبور تعود الى مرضى مستشفى عسكري روسي اقيم هناك خلال فترة 1830 ، حيث في تلك الفترة كانت فنلندا بالكامل تخضع لاحتلال جيوش الامبراطورية الروسية . يستند الباحثون في تقديرهم لذلك الى عدم وجود علامات تشير الى حالة الاعدام سببا للموت ، والى تقارير اطباء الاسنان العدليين لتحديد فترة الوفاة ، وايضا الى طريقة دفن الجثث حيث ان التقليد الأورثوذكسي ، يقضي بأن عند دفن المَوتى يوضع الصليب على الصدر، وتكون اقدام الميت بأتجاه الغرب ووجهه الى الاعلى الى جهة الشرق ، ووذلك حسب الاعتقاد بأن الميت اذا بعث من القبر سيواجه اولا الشمس لان السيد المسيح مصدر الضوء . يذكر ان الاحصاءات الرسمية الفنلندية تشير الى انه على مدى تاريخ فنلندا ، فأن الغالبية من السكان الفنلنديين يتبعون الكنيسة اللوثرية ، بينما نسبة ضئيلة من الفنلنديين يتبع الكنيسة الأورثوذكسية ، التي تتبعها النسبة الغالبة من سكان روسيا القيصيرية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حيوان راكون يقتحم ملعب كرة قدم أثناء مباراة قبل أن يتم الإمس


.. قتلى ومصابون وخسائر مادية في يوم حافل بالتصعيد بين إسرائيل و




.. عاجل | أولى شحنات المساعدات تتجه نحو شاطئ غزة عبر الرصيف الع


.. محاولة اغتيال ناشط ا?يطالي يدعم غزة




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات الميدانية في قطاع غزة