الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عودة الى المثقف... 1

محمد انعيسى

2006 / 12 / 22
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تقديم:
من هو المثقف؟هل انه ذلك الانسان الذي يمتلك رأسمالا رمزيا نتيجة حظه في الحصول على المعرفة،أم ان كل انسان مثقف؟ وما دور المثقف اذا سلمنا أنه يختلف عن باقي أفراد المجتمع بتميزه بادراك واستيعاب التناقضات والحقائق الموجودة داخل المجتمع؟متى يرتقي المثقف ويصبح مفكرا أو ميتا مثقف بلغة ادغار موران ؟ثم ما أنواع المثقفين عندنا في مجتمعات العالم الثالث؟وما علاقة المثقف بالسلطة والايديولوجيا باعتبار المثقف سلطة وايديولوجيا في حد ذاته بلغة ميشيل فوكو؟
1ـ مفهوم المثقف
يقول علي حرب في كتابه أوهام النخبة(هاهو المثقف أصبح الآن مدار الكلام ومحور الاهتمام، فالواحد قلما يفتح صفحة الثقافة في جريدة،أو يتصفح عناوين مجلة ثقافية ،لا تتناول قضية المثقف،أو اشكالية الثقافة أو وضعية النخب المثقفة).فالمثقف ليس ذلك الانسان الذي تخرج من جامعة أو معهد وحصل على شهادة او ديبلوم،أو ذلك لذي يملك حظا وافرا من الثقافة العامة او المعارف المشتركة،أو ذلك الذي يعرف أسماء بعض الفلاسفة والمفكرين ويتمشدق على العامة بأفكار غامضةو لغة غير مفهومة، وربما هو نفسه لم يستوعب تلك المفاهيم والافكار،وما اكثرهم عندنا.بل ان المثقف في المقام الاول من تشغله هموم الشعب وقضية الحقوق والحريات ،والساعي الى تغيير وتحسين الوضع القائم،والمثقف من يلتزم بالدفاع عن القيم الثقافية ،الانسانية والكونية،عن طريق انخراطه في عملية الكتابة والسجال والاحتجاج.وهكذا فالمثقف صاحب امتياز وحظوة بوصفه ممثلا للطليعة او الصفوة داخل المجتمع،فقد يكون المثقف فنانا أو أديبا أو مهندسا ،او معطلا..وما يجمع هؤلاء هوهمهم الوحيد المتمثل في توجيه الرأي العام والانخراط في السجال العمومي دفاعا عن حرية الرأي ،والديموقراطية،والمستفيد الوحيد من المثقف هو المجتمع ،والانسانية بصفة عامة،والمثقف هو المقتنع ان لا مصلحة للفرد بدون مصلحة المجتمع،هكذا تصبح مهمة المثقف هي ادارة الحياة ودفع المجتمعنحو التقدم والرقيوالعيش في اطار حسن البقاء،والمثقف واع تمام الوعي بالتناقضات الدائرة في المجتمع،والحقائق القائمة بمجتمعه من فقر وبطالة الخ،وتكمن مهمته الاساسية في تحسيس الجماهير واعضاء المجتمع بهذه التناقضات ودفعهم للنضال من أجل المساواة ،ليصبح المجتمع على وعي ذاتي بلغة هيجل.فالمثقف ليس من تهمه وضع عشرا التعاريف للثقافة او المجتمع ،بل المثقف من يعمل وينخرط في العمل الثقافي والدفاع عن القيم الثقافية، ويدفع المهمشين للدفاع عن حقوقهم عن طريق توعيتهم بالحقائق المخفية ،ليصبح المثقف أخير ذلك الانسان الذي وعى ثنائية الانا الآخر ويعمل على التوفيق بينهما عن طريق اشتغاله ماديا ومعنويا في ساحة الفكر والنضال (تظاهرات،احتجاجات،كتابة ...).
وقد لا نكون خاطئين اذا ما قلنا ان المثقفين قد لعبوا أ دوارا طلائعية في التغيير عبر التاريخ،ودفعوا بمجتمعاتهم نحو الرقي والازدهار،عبر الثورة الفكرية التي تزعموها،ويكفي ذكر فلاسفة الانوار والدور الذي لعبوه في أوروبا بل في العالم كله، اذ أصبحت القيم التي كانوا يناضلون من أجلها قيما كونية بعد مرور زمن طويل،وقد دفع بعضهم حياتهم ثمنا مقابل افكارهم ومبادئهم الانسانية ،فهذا غاليليو يعدم مقابل ابدائه بافكاره الثورية ،وهذا ايرازم يلقى نفس المصير، بل قبل كل هؤلاء قد قتل سقراط باسم الديموقراطية الاثينية،فكانت بداية اغتيال المثقف النموذجي.
ــ المثقف النموذجي:
نقصد بالمثقف النموذجي ،ذلك المثقف الذي يعمل بكل ما أوتي من قوة في سبيل نشر أفكاره ومبادئه ،وهذه المبادى والأفكار غايتها توخي مصلحة المجتمع والشعب.المثقف النموذجي قد يدفع ثمن حياته مقابل مبادئه وافكاره،وهو تهمه الحقيقة قبل كل شيء،الحقيقة التي وعى بها وليس الحقيقة من أجل الحقيقة ، بل ان الحقيقة التي وعى بها تستلزم منه بالضرورة تنوير الرأي العام بها.والمثقف النموذجي ضروري وان تكون أفكاره ومبادئه انسانية . والتاريخ حافل بهؤلاء المثقفين ولعل نموذج المثقفين النموذجين هو سقراط الذي تجرع السم دفاعا عن مبادئه وأفكاره.
ـ سقراط الفيلسوف المثقف:
يقول سلامة موسى في كتابه حرية الفكر وأبطالها في التاريخ:(كان سقراط فيلسوفا يعيش في أثينا قبل 2400 سنة وكان مثل جميع الفلاسفة المفكرين،يقلق الأثينيين لأنه كان يدعوا الى سيادة العقل على العقيدة ،وقد قدم للمحاكمة ووجهت اليه هذه التهم الثلاث التالية:
الأولى: انه ينكر وجود الآلهة
الثانية:انه قد اخترع آلهة أخرى
الثالثة:انه قد أفسد الشباب.)
والقصة معروفة،وهي أن سقراط عند تقديمه للمحاكمة رفض التنازل عن مبادئه وأفكاره،وفضل تجرع السم رغم كبر سنه،ولسقراط فضل كبير على تقدم الفكر الحر خاصة في أوروبا، كما يؤكد على ذلك التوسير، والحقيقة أن سقراط كان همه الوحيد هو دفع الشباب الى الشك في المعتقدات السائدة والتي كانت تقف عائقا يحول دون تقدم الفكر،وسقراط هو القائل: تبدأ الفلسفة عندما نتعلم الشك،وبذلك الشك يسحب البساط على الديموقراطيين الاثينيين.وقد كان سقراط واع تمام الوعي بمهمته التاريخية،وهكذا بدأ الثورة الفكرية التي شكلت الخطر على الأثينيين بالدرجة الاولى ، وهكذا اختار الموت على التنازل على أفكاره ومبادئه،وكان اغتيال سقراط بمثابة اغتال للعقل ، اغتيال للمثقف النموذجي الذي ضحى بحياته في سبيل حرية التعبير والفكر، وكان سقراط يردد اثناء محاكمته مثيرا انتباه القضاة الى ان اماتة المعارضين لا تزيد الا روح المعارضة تزكية،فتحية لللمثقف النموذجي سقراط.
(يتبع)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زاخاروفا: على أوكرانيا أن تتعهد بأن تظل دولة محايدة


.. إيهاب جبارين: التصعيد الإسرائيلي على جبهة الضفة الغربية قد ي




.. ناشط كويتي يوثق خطر حياة الغزييين أمام تراكم القمامة والصرف


.. طلاب في جامعة بيرنستون في أمريكا يبدأون إضرابا عن الطعام تضا




.. إسرائيل تهدم منزلاً محاصراً في بلدة دير الغصون