الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صناعة الغناء في مصر في عهد الخديو إسماعيل

قمرات السيد

2024 / 8 / 28
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


كان الخديو إسماعيل عاشقا لسماع الطرب الأصيل لذا فقد بالغ في الاهتمام بفن الغناء، وعمل على إدناء المطربين والمطربات من مجلسه وشملهم بعطفه ورعايته، فكان كثيرا ما يقيم الحفلات الغنائية والموسيقية في قصوره ويدعو لإحيائها مشاهير الفنانين، ويأتي في مقدمة هؤلاء جميعا عبده الحامولي الذي قربه إليه وألحقه بمعيته وأغدق عليه الأموال بكثرة وجعله مطربه الخاص الذي ظل ملازما له في كل حفلاته وجولاته، حيث اصطحبه معه في رحلاته إلى الأستانة ليستمع إلى العازفين والمطربين الأتراك.
كما عمل إسماعيل أيضا على استدعاء أشهر المطربين الأتراك الذين اتصل بهم عبده واستلهم من أنغامهم ما يوافق المزاج المصري، ويناسب الطريقة العربية حيث رأي في الموسيقى التركية كثيرا من النغمات التي لم يكن للمصريين علم بها، فأضافها إلى ما ينشده ليقدم بذلك ألحاناً تجمع بين المزاجين المصري والتركي وتحمل الطابع الشرقي، حيث استخدم مقامات لم تكن موجودة في مصر من قبل كالحجازكار والنهاوند والكرد والعجم، وعلى الرغم من أن تراثه الغنائي ينتمي إلى القرن التاسع عشر إلا أن تأثيره ظل قويا على أغلب مطربي النصف الأول من القرن العشرين أمثال صالح عبد الحي ويوسف المنياوي وسلامة حجازي، وكان من أشهر أغانيه الله يصون حسنك، وكنت فين والحب فين.
وثمة قصة طريفة تدل على عشق الخديو إسماعيل للغناء وإغداقه الأموال على أهل المغنى تجلت فيما حدث منه تجاه عبده الحامولي في إحدى مرات غنائه بالقصر، حيث كان إسماعيل جالسا يستمع إليه فكلما جاء عبده بطريفة من فنه، دس الخديو يده في جيب المطرب، وتكرر هذا الأمر مرات عديدة وجد بعدها المطرب أن الخديو في كل مرة كان يضع قرطاساً من الجنيهات الذهبية به مائة جنيهاً حتى اكتملت القراطيس أثنى عشر قرطاساً.
ومثلما كان الخديو إسماعيل مولعاً بالمطربين كان أشد ولعاً بالمطربات لاسيما المطربة ألمظ التي تمتعت بحظوة كبيرة لدية، فقد بهره صوتها عندما استمع إليها وهي تشدو في إحدى الحفلات الغنائية فعهد إلى الحاج محمد نور السمنودي بتدريبها وتعليمها أصول الفن، وأعد لها جناحاً خاصاً بها في قصر عابدين مما أثار ضغينة وحقد قريناتها المطربات أمثال الأسطى مبروكة وساكنة والوردانية مما أدي إلى سرعة خروجها من القصر، وكان من أشهر أغانيها عصفور أهشه...يالعصفور... وانكش له عشه... يالعصفور التي ألفها لها الشيخ علي الليثي شاعر المعية السنية آنذاك .
وقد بلغت النفقات التي أغدقها إسماعيل على المطربة ألمظ حداً كبيراً، فقد صرف لها في عام 1868م مبلغ مائتي جنيه إنجليزي نظير قيامها بالغناء في إحدى حفلات استقباله بمديرية الغربية، ولا مبالغة في ذلك خاصةً إذا علمنا أنها كانت تتقاضى في الليلة الواحدة مبلغ خمسة عشر جنيهاً، وهو مبلغ باهظ للغاية إذا ما قورن بما كان يتقاضاه غيرها من مطربي ذلك العصر.
وعلى الرغم من كثرة العطايا والنفقات التي أغدقت على المطربة ألمظ، فإن ذلك لم يثن عبده الحامولي– بعد زواجه منها- عن منعها من الغناء في حضرة الخديو، عندما أراد يوماً ما أن يستمع إلى غنائها في قصره، فرفض عبده بشدة ووقف حائلا دون تحقيق رغبته مما أثار غضب الخديو وكاد ذلك أن يؤدي إلى أزمة شديدة بينهما لولا توسط الشيخ علي الليثي، وانتهى الأمر بعدول إسماعيل عن طلبه.
ولعل من شدة ولع الخديو إسماعيل بالمطربة ألمظ ما يقال عن أنه كان يأنف من عادات العامة في العويل والصراخ وراء الميت، ويتشائم من ذلك فأصدر أوامره بألا تمر الجنازات بساحة قصر عابدين، ولكنه عندما علم بوفاة المظ رخص بأن يمر جثمانها من الميدان، ولدى وصول نعشها أطل برأسه من الشرفة وترحم عليها.
وهكذا يتضح لنا مدى ولع الخديو إسماعيل بالغناء وأهله، وبذلك يستحق عهده أن يكون عهدا للنهضة الفنية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد إضعاف حزب الله هل يصبح الجيش اللبناني صاحب قرار الحرب وا


.. عام على 7 أكتوبر: -الحكومات العربية إما تتعاطف بالكلام أو لا




.. تجول بلا مبالاة.. كاميرا ترصد كوالا -فضولي- في محطة قطارات ب


.. عاجل | وسائل إعلام إسرائيلية: غارة تستهدف موقعا في حي السفار




.. وزير البيئة اللبناني يعبر عن شكر بلاده لدولة قطر على مبادرته