الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صور الحياة وتحليل المعني في اللغة عند الفيلسوف النمساوي لودفيج فتجنشاتين

محمد احمد الغريب عبدربه

2024 / 8 / 29
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


مقدمة
يعتبر الفيلسوف النمساوي البريطاني لودفيج فتجنشتاين من أهم وأكبر فلاسفة القرن العشرين، وترجع أهميته إلي مهامه، ومساعيه في تغيير مفهوم ومهمة الفلسفة، ووظيفتها، بجانب أنه سعي لتأسيس فكرة تحليل اللغة، وعمل أساسًا في المنطق وفلسفة الرياضيات وفلسفة العقل وفلسفة اللغة . وقد ولد في26 أبريل 1889 حتي توفي في 29 أبريل 1951. وقد دّرس خلال الفترة منذ عام 1929 حتى 1947، في جامعة كامبريدج. وعلى الرغم من مكانته، لم يُنشر طوال حياته إلا كتاب واحد عن فلسفته، وهو معنون بـ "مصنف منطقي فلسفي" عام (1921) بالاضافة إلي عمل أخر منشور هو مقال بعنوان «بعض الملاحظات على الشكل المنطقي» عام (1929)، ومراجعة كتاب وقاموس للأطفال. بينما أول كتاب نشر ما بعد وفاته هو كتاب تحقيقات فلسفية الصادر عام 1953. وقد صنّفت دراسة استقصائية بين معلمي الجامعات والكليات الأمريكية التحقيقات على أنه الكتاب الأهم في فلسفة القرن العشرين.
وقد وُلد فتجشتاين في فيينا، في واحدة من أثرى عائلات أوروبا، وورث ثروة عن والده في عام 1913. منح في البداية بعض التبرعات لفنانين وكتّاب، ومن ثم، في فترة اكتئاب شخصي حاد عقب الحرب العالمية الأولى، منح كامل ثروته لأخوته وأخواته، واعتاد علي العمل في اكثر من وظيفة، فكان فيلسوفا، ومهندسا معماريا، ومحاربا مغوارا وبستانيا، ومعلما.
وكان له اسهامات كثيرة، ونجاحات في مجال الفلسفة والعلوم المنطقية، وايضا في فلسفة العلم، وفيه نتائج كثيرة ترتبت علي نظرياته وأفكاره مثل ظهور الفلسفة العلاجية، وفلسفة اللغة العادية، ونشأة الوضعية المنطقية. ويقول سنتيوس عن تأثير رسالة فتجنشيتن المنقطية الفلسفية في الفكر المعاصر، أنها كانت بلا شك عملاً من أكثر الأعمال تأثيراً في الفلسفة المعاصرة ونوع التأثير الذي تركته الفلسفة ليس من السهل تحديده، او وصفه، (عويضة، 1999،ص 213).
ويعتبر فتجنشتاين من رواد الفلسفة التحليلية ذات الاتجاه اللغوي، فخلال منتصف القرن العشرين، كان هناك مدرستين، داخل فلسفة اللغة التحليلية، أما المعسكر الاول، اصحاب فلسفة اللغة المثالية، وكان من رواده فريجه ورسل، والوضعيين المنطقيين، وكان هؤلاء مناطقة في المقام الأول يدرسون اللغات الصورية. أما المدرسة الثانية اصحاب فلسفة اللغة العادية أ, الطبيعية، وكان من روادها فتجنشتين المتأخر، وأوستن ورايل، وجرايس وستراوسون، حيث أكدوا علي الطبيعة الاستعمالية للغة الطبيعية، فيما تمخض عنه علم الاستعمال المعاصر. ( إسماعيل، 2018، ص12).
يتناول البحث هذا، موضوعاً أساسياً وهاماً، للغاية، وهو صور الحياة وأشكال الواقع عند هذا الفيلسوف، وقبل عرض ما سيذكر في البحث، نلاحظ أن تأثير فتجنشتاين بهذه الفكرة، الكثير من المدارس والفلاسفة، فمثلا نجد مارتن هيدجر، يقول ان اللغة بيت الوجود، وان الواقع يجب ان نتحاور معه، وننصت للاشياء، وكل ذلك نراه يخرج من عباءة فتجنشتاين، كما أن ما اتجه الي تحليل الاشياء والموضوعات في الفلسفة المعاصرة متبعا التحليل اللغوي، نجده قد تأثر بفتجشتاين، ومنهم الفيلسوفتان أليس أمبروز، وإليزابيث أنسكوم، بجانب الأمريكي البراجماتي المشهور ريتشارد رورتي، والقائمة تطول.
ويؤكد د. صلاح إسماعيل "أن التحول اللغوي الذي حدث في الفلسفة في النصف الأول من القرن العشرين ، وهو التعبير الذي ابتكره "جوستاف برجمان"، ينسبه "بيتر هاكر" إلى "فتجنشتين"، الذي قرر في رسالة "منطقة فلسفية" عام 1921 أن الفلسفة برمتها نقدٌ للّغة، وقدمت الرسالة التحول اللغوي في ستة جوانب؛ الأول : بيان أن معظم القضايا والأسئلة الفلسفية ليست كاذبة وإنما خالية من المعنى، أي تتجاوز حدود اللغة، وتنشأ نتيجة إخفاق فهم منطق اللغة".
ويضيف أسماعيل "أنه وفقا لفتجنشتاين تعتبر المهمة السلبية للفلسفة، هي إثبات عدم شرعية التقارير الميتافيزيقية عن طريق إثبات أن هذه التقارير تتجاوز حدود ما يمكن قوله في أي لغة تتجاوز حدود المعنى، بينما المهمة الإيجابية للفلسفة هي التحليل المنطقي للأفكار عن طريق التحليل المنطقي-اللغوي للقضايا". (كتاب يرصد اتجاهات فلسفة اللغة المعاصرة، 2018).



المبحث الاول: ملامح ودلالات صور الحياة:
قبل الدخول في نظريات فتجنشين بشكل مباشر حول صور الحياة، او تحليل افكاره الفلسفية المباشرة، هناك بعض المؤشرات التي توضح لنا صور الحياة في العالم، او كيف هو اتجه نحو تحليل الحياة والتعامل معها مباشرة، وذلك في عدة نقاط:
1-صور الحياة الذاتية
جاءت حياة فتجنشيتن متقلبة وحيوية للغاية، ولا يمكننا البحث عن فتجنشتين واحداً، فحياته كانت أحد صور الحياة، فتمثلاته الشخصية دابت فيما هو علمي وافكاره، فتصوراته الفلسفية حول صور الحياة كانت نتيجة أنها انغرس في الحياة فلم يكتفي بحياة علمية اكاديمية صرفة، وحياة المفكرين المنعزلين اصحاب النظريات الكبري، والتأثيرات العظيمة، فكانت مشاركته في الحرب العالمية الثانية واهتمامه بمزيد من النجاح العسكري، وتحوله الي شخص غير عادي، بل غريب الاطوار وسريع الغضب، وايضا قيامه بعد الانتهاء من العمل في كتابه الاول الرسالة المنطقية إلي العمل كمدرس، وتعليم التلاميذ وقد سبب كثير من المشاكل مع اهالي الطلاب لشدته، ثم اتجه للعمل كبستانياً في دير خارج فيينا.
وهناك مثال حي علي ذلك، فعندما قام بناء منزل احد اخواته البنات، علقت اخته علي أن هناك منطق يدور منزل وليس مسكنا بشرياً، وقد علق الناس علي وجود علاقة بين المنزل ومؤلفه كتاب الرسالة المنطقية، وأشار تلميذه فون رايت كان للمنزل جمال ساكن مثل الرسالة. ( سلوجا، 2014).
2- مقولات فتجنشتاين حول صور الحياة
(العالم هو كل ما هناك / ما لا نستطيع أن نتحدث عنه، ينبغي علينا أن نصمت عنه؟)، (هيتون، جروفز، ص34، 2011)، مقولتين لفتجنشتين، لهم دلالات كثيرة علي وجود المعني وصور الحياة، فالمقولة الأولي تشير أن العالم، أو الوجود هو كل شئ هناك، والتي تشير إلي وجود الإنسان بفكره، وواقعه، فالحياة، تتضمن الفكر والواقع، العالم في الوجود، والمقولة الثانية، تعني، اذا كانت الكلمات والاسماء ليس لها معني في الواقع او تمثل معني وتشير الي شئ في الحياة والعالم الخارجي، يجب عدم التفظ بها، وتصبح الكلمة واللغة ليس معني لها، والصمت افضل اختيار.
"بأن كل ما يمكن التفكير فيه علي الإطلاق يمكن التفكير فيه بوضوح وإن كل ما يمكن أن يقال يمكن قوله بوضوح"، وهو اشارة الي اهمية الوضوح والتفسير في الافكار والتفكير، وفيما يتعلق بالافكار يحب ان تعطي معني في الحياة، وهو ايضا تصور علي صور الحياة، فالافكار المعقدة او الغير واضحة قد لا يمكن الالتفاف إليها وفق فتجنتشين، أو السعي نحو تفسيرها، لجعلها مفهومها، وذلك من الممكن التعبير عنها باللغة العادية كما ركز علي ذلك فتجنشتين.
3- صورة الفيلسوف ومذهبه
رفض فتجنشتاين فكرة المذهبية في الفلسفة، وكان يرى أن على الفيلسوف ألا يستكين لأية مذهبية. وأن العمل في الفلسفة هو دائما عمل حول الذات. الفيلسوف في نظره هو ذاك الذي يندهش من كل شيء، ويشك في كل شيء، شأن سقراط. كانت القضايا الأقرب إلى البداهة هي التي استأثرت باهتمامه، وكان تحليل اللغة هو سلاحه في هذه المعركة. ( فرطميسي، 2021)،
فكانت طريقة كتابة كتابيه الاثنين، الرسالة المنطقية في مرحلته المبكرة، وتحقيقات فلسفية الكتاب الثاني في مرحلة المتأخرة، عبارة عن شذرات وتأملات، تكادت تخلو من المذهب أو النظامية في البحث، والكتابة، وأن دل ذلك علي شئ فيدل علي طريقته السقراطية في التسائل حول الاشياء، وايضا طريقته في الكتابة، واتباع اسلوب الدهشة الفلسفية، وطرق الشك الفكرية، والبحث عن البداهة والوضوح، ولعل فكرة قد تعتبر منهاجية، او هدف فلسفي لديه، او محور رئيسي لديه، هو ابتغاء الوضوح، والبداهة، والسعي نحو مزيد من الفهم والحقيقة.


المبحث الثاني مراحل تطور فكر فتجنشتاين وصور الحياة
مر فتجتشتين بمرلحتين، بتأليف كتابي، المرحلة الاول هي المرحلة المبكرة، وهي المنطقية الذرية، والتي حلل فيه الاشياء والعالم والقضايا واللغة بلغة المنطق والرموز وفلسفة اللغة، وهي مرحلة كتاب الرسالة المنطقية الفلسفية، أما الثانية، اتجه الي تحليل صور الحياة واللغة، بتحليل اللغة العادية نفسها، ولغة الحياة، ولم يستخدم لغة الرياضيات والمنطق بشكل مطلق، وهي مرحلة كتاب " تحقيقات فلسفية"، وتعلقت باللغة العادية، وهي مرحلة انتقال من تحليل اللغة بشكل منطقي، إلي البحث عن صورة الحياة، واللغة العادية، والتأكيد علي أهمية الوضوح، والمعني، والقضية.
أولاً : المرحلة المبكرة : بدايات صور الحياة واللغة العادية
لاحظ فتجنشتين ان هناك تمثلات بين الواقع والفكر، فالفكر يمثل العالم، وهذا التمثل يعتبر وفقا لفتجنشتين قضية ذات معني، أن الفكر ايضا قضية لها معني يمكن الاشارة إليه، ويمكن الانتقال منها الي تحليل منطقي، فهو يري أن العالم والفكر والقضية يشتركون في نفس الصورة المنطقية، ويمكن للفكر والقضية أن يكونا صوراً للوقائع. (بلتزكي، مطر، 2019).
ونلاحظ أن فتجنشتين اتجه الي هذه العلاقة، لوجود تمثل للافكار في الواقع، فالتحليل المنطقي والصورة المنطقية للفكر هي الوقائع، ونري أن فتجشتين وجد عدم وجود انفصال بين الواقع والفكر، وأن الافكار هي صور الحياة، وان الذات المفكرة، والتأمل هم نتاج الواقع، ويتفاعلون دائما مع الواقع، وهنا يكون الأمر بحاجة الي اللغة، وبنودها، وذلك لفهم علاقة الفكر بالواقع.
ويمكن وفقا لما سبق تحديد بعض الاشتباكات او الطرق نحو صور الحياة في الواقع ويمكن الاشارة الي الوقائع بأنها الحياة، وذلك عبر طرح مقترح حول اتجاهات فتجنشتاين، في هذه الفترة التي تنقسم الي ثلاثية ملكات الذات أو ادراكات الفهم ( الادراك- اللغة- التحليل والمنطق) والي ثلاثية أدراكات العالم الخارجي او صور الحياة بمعني دقيق وهي (الانطولوجيا- المعني-القضية). وهذه النقاط تتعلق بالفهم عن طريق الأدراك والتحقيق، ثم التعامل باللغة، ثم مهارة التحليل والمنطق، ثم توظيف هذه المهارات في فهم القضايا في العالم وتمثلها في افكار، فالاشياء والوقائع وفقا له تتمثل في قضايا ذات محتوي لغوي والفاظ وكلمات .
1-الوقائع خلال الادراك والتحقق
وفقا فتجنشتين الوقائع تكون متمثلة مع الفكر، ولكن الواقعة وفقا للاعتقاد تعتبر ادراك، ويمكن أن تكون بخلاف ماعليه في الواقع، فيقول "لابد أن نكون قادرين علي إدراك الإمكانات، بطريقة مستقلة عن تحققها"، ويضيف في أستطاعتنا أن نصور الوقائع لأنفسنا". (هيتون، جروفز، ص40، 2001)، ويضيف فتجنشتين " الوقائع موجودة في المكان المنطقي مستقلة الواحدة عن الأخري ويمكن تقريرها أو تأكيدها"، العالم هو مجموع الوقائع لا الأشياء وهو يتكسر في وقائع مستقلة تقسم العالم، (هيتون، جروفز، ص 38-39، 2001).
2-اللغة والوقائع
بعد التحقق من الوقائع وادراكها، نستطيع ان نلاحظ دور اللغة، وهي ايضا ضمن عمليات الادراك والتحقق، ولكنها تظهر بشكل اقوي خلال انعكاس الوقائع، "حيث تنعكس الصور عن الوقائع في اللغة لاعطاء معني، حتي يمكن القول أن فرس البحر ليس موجوداً في الغرفة" (هيتون، جروفز، ص40، 2001).
ويعني ذلك أن الوقائع أو القضية التي تعطي معني، يتم ادراكها عن طريق اللغة، والكلمات والاسماء، "فالعناصر أو الاسماء في القضية لا يمكن توضيحها إلا بالاستخدام الفعلي للغة لتصف شيئاً"، (هيتون، جروفز، ص42، 2001).
ويلاحظ أن اشار الي فكرة ادراك الوقائع عن طريق الصور، وحيث يقول " من الواضح أنه مهما كان العالم الذي نتخيله مختلفاً عن العالم الحقيقي، فلابد من وجود شئ ما، صورة ما، مشتركة بينه وبين العالم الواقعي". (فتجشتاين، 1968، ص65).
ويضيف " أن كل ما في وسع جوهر العالم أن يحدده هو الصورة فقط، صفات مادية لها، لأن هذه الصفات أنما تساق أولاً في قضايا، وهي تنشأ أول ما تنشأ لتشكل الاشياء"، (فتجنشتاين، 1968، ص66)، ويضيف أن "الجوهر ما يوجد وجوداً مستقلاً عن الوجود القائم، وهو صورةو مادة/ والمكان والزمان واللون، ( التلون بلوم ما ) كلها صورللأشياء. ( فتجنشتاين، 1968، ص66).
3-الوقائع والتحليل
وفقا لفتجنشتاين، العالم يتألف من موضوعات بسيطة تناسب الواحدة منها الأخري، أشبه بالحلقات في السلسلة لتشكل الوضع العام"،(هيتون، جروفز، ص40، 2001) فالواقع والعالم يخضع للتحليل وتقسيمه الي حلقات حتي يتم ادراكه، واستواعبه،ويتم تحليل عناصر القضية الي اسماء واشارات بسيطة، وتتركب بطريقة معنية لتمثل الطريقة التي توجد عليها الأشياء ،(هيتون، جروفز، ص40، 2001)
ويساعدنا هذا التحليل المنطقي للعبارات التي تحولت الي ذلك من ادراك قضية ما في تبيان كيف تركبت عن طريق تركيبات مستمدة من موضوعات بسيطة، ،(هيتون، جروفز، ص42، 2001).
4- الوقائع والانطولوجيا
"الواقع لدي فتجنشتين هو وجود أو عدم وجود، هذا الوضع العام"،(هيتون، جروفز، ص40، 2001). وهي انتباه من فتجنشتين للتحقق، من انطولوجيا الواقع والحياة، والتنبه الي وجود الشئ او عدم وجوده، ويشير رسل أنه اكد في ذات مرة أن جميع قضايا الوجود لا معني لها "،(هيتون، جروفز، ص41، 2001). وهنا ارتباط انطولوجي بالمعني حول الوقائع والاشياء والعالم الخارجي.
5-القضية والموضوعات
تأتي فكرة القضية التي تشير الي معني إذا كانت قضية حقيقية إلي ان جميع القضايا الحقيقية عبارة عن قضايا مركبة نشأت من ذرات منطقية، وتعتبر قضايا ذرية، (عويضة، ص199، 1993) .
ونلاحظ ان مرحلة القضية عند فتجنشتين هي تأتي بعد فهم الاشياء والعالم الخارجي كأنه وقائع، حيث تنحل اللغة إلي قضايا، والقضايا تنحل إلي قضايا أولية تتكون من اسماء كل منها يشير إلي شئ من الاشياء فيكون معني، والقضايا ليس لها إلا تحليل واحد كامل، وذلك بردها إلي القضايا الاولية، ثم نري أن هناك ما يسمي بالنظرية التصورية للغة، حيث تعتبر القضايا ذات المعني تكون رسماً للوقائع الموجودة في الواقع الخارجي. (عويضة، ص189، 1993).



ثانيا: المرحلة المتاخرة (اللغة والمعني في صور الحياة والواقع )
اتضحت الصورة أكثر حول اللغة العادية، صور الحياة، والانتقال الي فهم الاشياء والموضوعات والمعني والذات عبر الواقع واللغة العادية، خلال فتجنشتين المتأخر، وذلك من خلال مصطلحات ( الاستعمال / المعني/ الأفكار / اللغة العادية/ صور الحياة) حيث دعا فتجنشتين الي الاهتمام باللغة والالفاظ، والبحث عنها وفهمها من أجل الوصول الي الوضوح ومزيد من الفهم.
واجمالاً لا تعتبر اللغة في ذاتها ذات معني، او اسماء الاشياء والاشارات له معني ودلالة، حيث يري فتجنشتاين، أن اللغة لا تحمل معني كامن، حيث فصل بين اللفظ من جهة وهو اللغة، وبين معناه من جهة أخري وهو العقل والافكار، او بين الفكرة الموجودة في الذهن من ناحية، بمعني أننا نفكر أو نفهم أولا ثم نعبر عن افكارنا بسلوك لغوي مناسب، وهو يتفق مع رؤية الفلاسفة ومن جون لوك، بأن "الكلمات في دلالتها المباشرة الأولية، لا تشير إلا إلي الافكار الموجودة في ذهن قائلها".( عويضة، ص4، 1993).
استعمالات اللغة والمعني
اللفظة التي تكون اللغة مثل مطرقة ومنشارا ومفك، لا يمكن أن تتطابق مع وظائف هذه الاشياء، فالخلط ذلك نتيجة تماثل المظهر المطرد للألفاظ في القول أو الكلمات في الكتابة، فاستعمال الالفاظ لا يظهر بكل وضوح علاقتها بالشئ نفسه، وتماثلها، ( فتجنشتين، ص127، 2007)، وقد طرح فتجتشين هنا رؤية حول، كيفية استعمالات اللغة، والالفاظ ان اللفظة والشئ لا يعنوا نفس الشئ، أو أن اللفظة لا تشير إلي شئئ، فالمفك يقوم بمهمة فصل الاشياء عن بعضها، وربط المسامير، وهي مهمة مختلفة عن اللفظ نفسها.
وهنا يقوم بفتجنشتين بتفكيك اللغة، وتحليلها، وذلك في علاقتها بالحياة، وأن الواقع له خصوصيته في استخدام في الاشياء والفاظها معاً، والأمر يختلف اذا تحول الي تفسير وتحليل فيخص العقل والذات، لأن اللفظة مختلفة عن المعني الذي يحصله الانسان . واللغة في الواقع كألفاظ لا معني، لها، تعني عالم خارجي، واذا تحولت لادراك تبحث عن التفسير والتحليل والوصول إلي المعني.
وحيث يشير إلي معني الاستعمال اللغوي، والمعني، حيث يعارض رد العبارات الي البناء المنطقي الصوري لها . وهو يتفق بذلك مع موقف فريتز موتنر، الذي رفض أن تفهم عبارات اللغة استنادا إلى نموذج الحساب الصوري المنطقي على اعتبار أنها أداة توظف لسد حاجات إنسانية متعددة ومن ثم فهي بالضرورة وسيلة غير مناسبة لتمثيل الواقع صوريا. ( عبد الرحمان، ٢٠٢٣).
وترتيبا علي ما سبق في مفهوم المعني واللغة ايضا يشرح فتجنشتاين أن هناك فرق بين ما نفهمه في اللفظ والكلمة وبين الاستعمال للفظة في الحياة، حيث يقول " إذا قال لي أحدهم لفظة مكعب مثلا، فأنا أعرف مدلولها، لكن هل يحضر كامل استعمال اللفظ أمام ذهني عندما افهمها بهذه الصورة ؟, ويضيف " " افترض الآن أنه عندما تسمع لفظة " مكعب"، تطوف بذهنك صورة ما، شئ قبل رسم مكعب، إلي أي مدي يمكن لهذه الصورة إن تلائم شئ مثل رسم مكعب، إلي مدي يمكن لهذه الصورة أن تلائم استعمال لفظة مكعب، أو لا تلائمه. ( فتجنشتاين، 2007، ص206، ص207).

ويرفض فيتجنشتاين النظرية التصويرية ومعايرها في المعني أنه لا يوجد منطق واحد بل أكثر من منطق، إن اللغة هي مجموعة متباينة من الممارسات لكل منها منطقها الخاص، ولا يتمثل المعني في علاقة الدلالة القائمة بين الألفاظ والأشياء وفي العلاقة التصويرية بين القضايا والواقع، بل إن معني عبارة ما هو استعمالها في الممارسات المختلفة التي تشكل في مجموعها اللغة. بالإضافة لهذا فاللغة غير تامة وغير مستقلة لتدرس بمعزل عن أي اعتبار اخر، أنها نسيج يجمع مختلف النشاطات والسلوكيات،( عبد الرحمان ٣٠٢٣،ص139).
ونحن كبشر استعمالاتنا للغة هي التي تعطي معناها ومحتواها من خلال الممارسات والاساليب في التعامل مع الاخرين ومع العالم وفي الحياة ( عبد الرحمان، 2023، ص139)، فعادة مبدأ الاستعمال يدلنا في اكثر الاشياء صعوبة ما هو معني الحياة ومحتوي التفاصيل اليومية، ولغة الفهم الواضحة، والتحاور بين الذات العارفة وبين الموضوع الواقع المتغيرة، وايضا اللغة العادية التي تتفاعل مع مبدأ الاستعمال لدي فتجنشتين، لديها أهمية في ادراكات الواقع، وتغيرات الزمن، وانطولوجيا الوعي والوجود.
واللغة العادية او استعمالاتها، هي تعني نسيج شامل يدعي "شكل حياة". وبالنسبة ايضا لفتجنشتاين في هذا الصدد فيما يخص الاستعمال، هو فكرة البحث والتغير حول المعني في اللغة ومبدأ الاستعمال، فهو لا يسعي إلي التعميم وإصدار الأحكام العامة، في صيغة قوانين كلية شاملة بذلك بوجود معني او لا، ووجود حالات قد لا يرتبط فيها المعني بالاستعمال، ( عبد الرحمان، 2023، ص139). ورغم دعوة فتجنشتاين الي التحرر من الثنائية، ألا يقسم اللغة الي لغة جامدة وهي اللغة المعقدة التي تبتعد عن الحياة، ومن سوء استخدام اللغة، واللغة الفلسفة التقليدية، واللغة العادية، وهي لغة الحياة لما هو يومي، وايضا تقسيمه للحالات لما هو حالات عادية، وغير عادية، وهذا التقسيم لا يدل علي نقد سلبي لفتجنشتاين، ولكن علي طبيعة الانسان التي تتميز بما هو ثنائي، وتفاعلي دائما، ومسعي فتجنشتاين هنا دائما هو شكل الحياة، والتخلص من المشكلات المعقدة التي تحيط بالانسان، وحالات الاغتراب الدائمة، وهو حتي يضرب كثير من الأمثال في كتابيه المهمين، الاساسيين، بحوث فلسفية، والرسالة المنطقية، وهي تدل ايضا علي ثنائية، ما بين مرحلة منطقية جامدة الي حد ما، او مرحلة تأسيسية للمبادئ التي سوف تتغير او تنظم التغير، ومرحلة في البحث في الفلسفة، والسعي نحو مزيد من أشكال الحياة.

اللغة والأفكار
واجمالاً لا تعتبر اللغة في ذاتها ذات معني، او اسماء الاشياء والاشارات له معني ودلالة، حيث يري فتجنشتين، أن اللغة لا تحمل معني كامن، حيث فصل بين اللفظ من جهة وهو اللغة، وبين معناه من جهة أخري وهو العقل والافكار، او بين الفكرة الموجودة في الذهن من ناحية، بمعني أننا نفكر أو نفهم أولا ثم نعبر عن افكارنا بسلوك لغوي مناسب، وهو يتفق مع رؤية الفلاسفة ومن جون لوك، بان "الكلمات في دلالتها المباشرة الأولية"، لا تشير إلا إلي الافكار الموجودة في ذهن قائلها.( عويضة، ص4، 1993).
يري فتجنشتاين أن اللغة لا يمكن تعريفها كترتيبات لها أهداف محددة . فاللغة هدفها هو التعبير عن الأفكار، فالفكر هو نشاط، لعبة لغوية، أو شكل حياة وأذا أردنا توضيح كلمة فكر فنلاحظ أنفسنا أثناء التفكير، الذي يعتبره فتجنشتين منتج المعني والاستراتيجيات، التي تأخذ بعين الاعتبار كل شكل حياة وبذلك يعني أن التفكير نشاط، وهذا النشاط المنتج لا يمكن انجازه دون لغة ( فيتغنشتاين، 2007، ص283).
والأفكار والفكر، غير مفصولين عن التعبير، والالفاظ، ويقول فتجنشتاين " غالبا ما نفكر عندما نتكلم. وعندما أفكر أثناء الكلام فإنه تمر بذهني مدلولات علاوة على العبارات اللغوية: بل إن اللغة هي نفسها ناقلة الأفكار"(فيتغنشتاين، ،2007، ص286).
ويفرق فتجنشتاين بين الصورة التي يكونها الذهن اثناء رؤية شئ وتكوين صورة عنها، وهو فرق ين الصورة داخل الذهن والشئ نفسه في الخارج الذي تكونت الصورة عنه حيث يقول " نحن نعترف بالطبع بوجود نوعين من المعايير : الصورة ( مهما كان نوعها) التي تطوف بذهنه في وقت ما من ناحية، واستخدامه ما يتصور عبر من الزمن من ناحية أخري"، ويضيف " الآن، هل بإمكان الصورة أن تناقض استخداماتها؟ طبعاً، بإمكانها ما دامت الصور تجعلننا نتوقع استخداماً مختلفاً". (فتجنشتاين، 2007، ص208، ص209)، وهي مرحلة إدراكية، قبل تناوله للغة، ويمكن الاسترشاد بها، للتفرقة بين مرحلة الذهن بالواقع، ثم الانتقال الي فهم اللغة لأنها تربط الواقع بالذهن، وهي حلقة وصل، او مرحلة لتحليل الذهن بالواقع..


اللغة العادية والوعي باللغة:
علينا بتفحص اللغة اليومية بشكل أدق، حيث يكون الصراع بينها وبين النتيجة المرتقبة أقوي، ويقول فتجنشتين " لقد سلكنا طريقاً جليدية منزلقة حيث لا وجود فيها لأي احتكاك، لذلك فإن الظروف مثالية شيئاً ما، لكن هذا بالذات هو الذي يجعلنا غير قادرين علي المشي، وبما أننا نريد أن نمشي، فنحن بحاجة إلي الاحتكاك"، ( فتجنشتين، ص193، 2007). وهو يدعونا الي الاحتكاك باللغة والالفاظ والوعي، وهنا توضيح حول أن اللغة هو عالم للوقائع في لفظته، ولكنه وعي وادراك في تحليله، فيحصل أن يكون وعي وادراك له، وذلك بتفسير الالفاظ والعبارات.
ويقول، ستانلي كافل S. CAVELL، أن الاهتمام باللغة العادية، يعود في نظر فتجنشتاين، إلى الوعي بمحدوديتها، تجاه اللامعنى والجهل الكامن في كل واحد منا، والذي علينا في أحسن الأحوال قبوله. (رسل ، 2021) وذلك منحي انطولوجي للغة العادية، او اللغة بشكل عام، التي حدد لها فتجنشتاين، وان الجهل واللامعني بداخل الذات، لذا علي اللغة العادية أن يتم وضعها في مرآة الفحص والتنقيح والدقة، والاعتماد علي عدم الغموض.


الفلسفة واللغة وإصلاح الحياة
يهتم فيتغنشتاين اولاً بتحليل اللغة، قبل السعي دائما إلي معارف جديدة، فهو يريد تنظيم ما نعرف:"إن المشكلات لا يتم حلها بإعطائها تفسير جديدا بل بواسطة ترتيب وتنظيم ما نعرفه بالفعل من قبل، فالفلسفة عبارة عن معركة ضد البلبلة التي تحدث في عقولنا نتيجة استخدام اللغة" ( فتجنشتاين، 2007، ص 165) ، و"ما تحققه الفلسفة في هذا السياق هو" الكشف عن جزء أو آخر من الكلام الواضح خلي من المعنى( فيتغنشتاين،2007، ص119) .
ويضيف "والمشكلات الفلسفية هي أشبه بالتقييد العقلي الذي ينتج عن سيطرة نموذج لغوي معين على الذهن ويمكن التخلص منه عن طريق التحليل الفلسفي، أي أن ضرورة هذا الموقف تكمن في أنه يؤدي وظيفة علاجية فبواسطته تزول الاضطرابات اللغوية، مثلما يساعد التحليل النفسي على عالج الاضطرابات النفسية". ( فتجنشتاين، 2007، ص198-197).
وأجمالاً علي ذلك، وضع فتجنشتاين اللغة في الأهمية، وأنه يجب الالتفات اليها، حتي في الفلسفة يجب الحذر من اللغة، رغم أن الفلسفة لها مكانتها ولكن وجدها فتجنشتين أنها تحتاج الي توضيح، حيث يقول " نظرتي إلي الاعمال الفلسفية لا تعني بما إذا كانت النتائج التي وصل إليها صادقة إو غير صادقة، فالمهم أن منجاً جديداً قد وجد، وأصبحعمل التحليليين ليس هو تقرير أحكام من نوع معين أو عدة قضايا معنية،بل هو حل للمشكلات التي نشأت نتيجة لسوء فهم منطق اللغة، وذلك بالتجليل المنطقي للغة", ( فتجنشتاين، 1968، ص5).
تحتفظ الفلسفة وفقاً فتجنشتاين بوظيفة: علاج “الداءات” التي تسببت فيها هي نفسها. ويوضح هو ذلك في كتابه التحقيقات فلسفية في أن الفلسفة لا تحيلنا على المنطق، بل على علم النفس، إذ لا يتعلق الأمر قطعا، بتحليل بنية القضايا الميتافيزيقية بغية إيضاحها، بل يتعلق قبل كل شيء، بـ”البرهنة” على العمليات الذهنية التي تدفع بنا لصياغة قضايا كهذه. (دولاكمباني ، 2021) . وقد تحول فتجنشتاين في هذا الأمر من ادوات وتحليل المنطق في دراسة الفلسفة وقضايا الميتافزيقا إلي البحث عن السيكولوجيا في والعمليات الذهنية، التي تقوم بصياغة القضايا، فهو يريد تحليل بنية تناول قضايا الفلسفية، وليس فهم وتحليل المشاكل الفلسفية، وهي كانت مهمة الفلسفة دائماً، وذلك لمزيد من الضبط والدقة في عمل الفلسفة، وعدم الاستهانة، بفحص طرق وصياغة المشكلات الفلسفية، واهمية ودور اللغة في هذه الاجراءات والصياغات وإلي اخره.
وبنقد فتجنشتاين للفلسفة، يعتبر من المساهين، بمذهب التحليل العلاجي الذي انتشر في ثلاثينيات القرن الماضي، وعل يد من التحليليين، ومنهم جون ويزدم وموريس ليزرويتز ومالكوم وسواهم. حيث أخذوا عن فتجنشتين أن التحليل المنطقي «علاج» للالتباسات والبلبال الناشئ عن سوء استخدام اللغة، ويشفينا من الترهات الفلسفية. إلا أنهم لم يهاجموا الفلسفة بالضراوة التي هوجمت بها من فتجنشتين، بل رأوا المشاكل الفلسفية الكبرى تقوم بدور في تنوير العقل البشري، ولا بد أن ثمة أسبابًا وجيهة تدفع إلى الانشغال بالمشاكل الميتافيزيقية الكبرى كحقيقة المادة ووجود الآخرين وخصائص المطلق . (طريف، 2017، ص21)، وعلي عكسهم فتجنشتاين، الذي سعي الي عدم الاتجاه نحو القضايا الفلسفية بل تحليلها عبر اللغة، والتركيز علي اللغة العادية لمزيد من الوضوح والبداهة، وقد يتفق هؤلاء التحليليين مع فتجنشتاين في أن مهمة التحليل الفلسفي التوضيح وإزالة اللبس والغموض، وما يترتب عليه تهدئة القلق الفلسفي وعلاج العقول من الهم الميتافيزيقي وتحريرها من ضغوطه، ولكنهم اضافوا مهمة أخري للفلسفة، وهي بالكشف عن حقيقة المشاكل الفلسفية بواسطة التحليل المنطقي الدقيق.
ولذا قد تكون فلسفة فتجنشتاين، أحد الطرق للعلاقات العقلية والنفسية، حيث اهتمت بتحليل الافكار والقضايا وذلك بتقريبها من الواقع والحياة، عن طريق تحليلها، وخاصة باللغة، وهو نفس الامر وجد في العلاج السلوكي المعرفي وايضا كما وجد في الفلسفة الرواقية؛ وكلاهما مرتبطان سوياً، حيث أن العلاج السلوكي المعرفي مبني على الفكرة الرواقية حول أن مشاعر الفرد مرتبطة ومعقتداته وافكاره، حيث يستطيع الفرد تعلم كيفية الوصول إلى مسافة معرفية تبعده عن اعتقاداته التلقائية وعدم اعتبارها حقيقة، ولكن مجرد استنتاجات، قد تحتمل الصواب او الخطأ، او أنها في مؤشر متغير، ويجب فحصها والتدقيق فيها. (نايجل، 2019)


المبحث الثالث : مفاهيم ومهارات تطبيقية في العاب اللغة وصور الحياة خلال المرحلة المتأخرة:
خلال تفسيرات فتجنشتين لمقولاته في كتاب تحقيقات فلسفية، والجزء الذي تبحثه الدارسة، المتلعق بصور الحياة، والدعوة للاهتمام باللغة العادية،نجده يحلل بألفاظ لم يحددها أطار تحليلي بشكل مفصل، او بمعني أنه لم يشير بالتركيز عليها كبداية للتحليل، ولكنه استخدمها واعتمد عليها، ولكنه لم يشير إليها كمنطلق وكمصطلح للتحليل، وهناك اكثر من لفظ ومفهوم، لذلك، وهي تقريبا جاء فيما يسمي بأطار ألعاب اللغة التي تحيلنا الي صور الحياة، وأشكال اليومي للأنسان، ومنها :
الفهم والتعلم
فمثلا هو يعرض مشكل الأفهام، وهو القدرة علي الفهم، الي طابع تحليلي في طرحه لمثال علي العاب اللغة في الحياة، حيث كان يحلل اللغة والالفاظ وعلاقته بالمنطق والذهن والحياة، ثم يشير إلي اهمية تحليل صيرورة الفهم خلال الالفاظ والحدث واستعمال اللغة، وذلك خلال مثال حول قيام تلميذ باختبار له حول تعلم العدد والحساب، حيث يقوم باختبار واعداد الحسابات العشرية من واحد لحتي رقم عشرة، حيث يقول فتجنشتاين في ذلك " ستكون أولي هذه التسلسلات سلسلة الاعداد الصحيحة في النظام العشري. كيف يتعلم "ب" استعمال هذا النظام؟، سنريه أولاً كيف تكتب هذه السلاسل العددية ونطلب منه نسخها، ( لا تتوقف عند لفظة تعاقب عددي، الذي لم يقع استعماله بطريقة خاطئة ) ونري للمتعلم، من الوهلة الأولي، ردة فعل عادية وأخري غير عادية؟_ ربما سناخذ بيده في المراحل الأولي لينسخ التسلسل من صفر إلي تسعة، لكن إمكانية إفهامه تتعلق بعد ذلك بمواصلته كتابة الأعداد بمفرده؟_ وهنا يمككنا أن نتصور، مثلاً أنه ينسخ الأعداد دون الاعتماد علي أحد ولكنه لا يحترم نظام ترتيب الأعداد، فيكتب مرة هذا الرقم ((ziffer ومرة ذاك الرقم دون اعتبار أيه قاعدة. وفي هذه النقطة تتوقف عملية الفهم._ أو "يخطئ" في التسلسل الترتيبي؟_ والفرق بين هذه الحالة والحالة الأولي هو بالطبع فرق في التواتر".( فتجنشتاين، 2007، ص 210).


التوتر والتغير
نلاحظ هنا سرده في نهاية مقولته إلي لفظة " التواتر"، وهو بمعني تغير في العدد وفي الفهم، ففي الحالة يستخدم القاعدة المحددة وفي الثانية لا يستخدمها، والفهم يختلف وطريقة استعماله واستخدامه كطالب تتغير او تثبت حسب ما يحدث، ونلاحظ انه تناول كلمة " إمكانية إفهامه"، وايضا " تتوقف عملية الفهم"، وأيضاً " أو يخطئ في التسلسل الترتيبي"، وهي متعلقة بالاحتمالية وترتيبات الحدث والواقع، ولعل ذلك يحلينا الي اهمية صور الحياة، واستعمالات اللغة، او الانتباه الي اهمية اللغة العادية وحالات الفرد والواقع، والاهتمام بتحليل اللغة واستخداماتها.



اشكاليات الدراسة:
ربط فتجنشتين، افكار الفرد، بالواقع، وذلك بتحليل اللغة، واعطاءها وظيفة ما، وذلك للوصول الي الصدق واليقين، بتطابق الفكرة بوجود لها معني او صدق في الواقع، وهذا ارتباط بحياة الناس، والعوالم الخارجية، ولكن صفة الصدق تكون في وقائع غير صادقة، فالحياة تتميز بالكذب، والانكار والخدع، والمهارات المتعلقة بالمتع واللسعادة، والواقع الخيالي، وكل ذلك مهماً جداً في الاقتراب من عالم فتجنشيتن حول اللغة والواقع.
كما نلاحظ تركيز فتجنشيتن حول موضوع اللغة التي تتكون من كلمات، وهو أمر اشكالي جداً، ويدخل في متاهات في عدم التأكد من الصدق واليقين، وذلك يتناقض مع اتجاه فتجنشتين حول اتباعه المدرسة التحليلية، والمنطق، وايضا يتناقض مع توجه في تحليل الحياة، وربط الفكر بالواقع، واللغة بالاشياء، والبحث عن المعني عن طريق تحليل القضايا التي تنعكس في ذهن الفرد عبر ادراك الواقع.
ووفقا عبد الرزاق أن تصورات فتجنشتين حول اللغة والحياة وعلاقتها بالافكار تثير إشكالية حيث يقول بأننا عندما نتصور لغة فنحن نتصور شكلا من أشكال الحياة، وذلك إقرارا بديهيا، علي الرغم من أن الفلسفة غالباً ما تتعامي عنه كما يقول فتجنشتين، ولما كان شكل الحياة مرتبطاً بالمجتمع البشري، تختلف الالعاب اللغوية-باعتبارها الشكل المنطوق من أشكال الحياة بحسب اختلاف الثقافات والطبائع والأزمنة والعلاقات الاجتماعية وقواعد التصرف عامة، حيث يشير فتجنشتين إلي أنه تكون طريقة تصرف البشر النظام المرجعي الذي تؤول بواسطته لغة مجهولة لدينا، (بنور، ٢٠٢١).



المصادر، والمراجع
1-سلوجا، هانس، (2014) فتجنشتين، ترجمة صلاح أسماعيل، سلسلة عقول عظيمة، القاهرة، المركز القومي للترجمة، أفاق للنشر.
2-مطر، د. أنت، بلتزكي، أنت، (2018) فلسفة لودفيج فيتجنشتاين وأعماله الكاملة بالعربية، ترجمة : علي رضا، موسوعة ستانفورد للفلسفة، مجلة حكمة.
هيتون، جون، جروفز، جودي (2001)، أقدم لك : فتجنشتين، ت. إمام عبد الفتاح، القاهرة، المركز القومي للترجمة.
3-فتغنشتاين،لودفيج (2007)، تحقيقات فلسفية، ت. عبد الرزاق بنور، بيروت، المنظمة العربية للترجمة.
4-عويضة، كامل، (1993)، لدفيج فتجنشتين:فيلسوف الفلسفة الحديثة، بيروت، دار الكتب العلمية.
5-عبد الرحمان، قادري (٢٠٢٣), التأسيس الفلسفي للتداولية في نظرية ألعاب اللغة عند فتغنشتاين، عدد يوليو ٢٠٢٣, رقم ٢٢, دورية ,imago
https://www.asjp.cerist.dz/en/article/228419.
6-فتجنتشاين، لودفيج، (1968) رسالة منطقية فلسفية، ت: إسلام عزمي، القاهرة، مكتبة الانجلو المصرية.
7-دولاكمباني، كرستيان، و راسل، برتراند ( 2021)، من أجل فلسفة أخري، ت: محمد فرطميسي، موقع مجلة الحكمة.
https://hekmah.org/%D9%84%D9%88%D8%AF%D9%81%D9%8A%D8%BA-%D9%81%D8%AA%D8%AC%D9%86%D8%B4%D8%AA%D8%A7%D9%8A%D9%86-%D9%81%D9%84%D8%B3%D9%81%D8%A9/.
8-طريف، يمني (2017) تيارات الفلسفة في القرن العشرين، القاهرة، هنداوي للنشر.
9-حوار بين نايجل واربرتون وجولز إيفانز ( 2019)، هل الفلسفة علاج أم هي -ببساطة- سعيٌ للحقيقة؟، ت: عبير حمّاد، موقع منصة الالكتروني، 18 /3/ 2019 .
10https://mana.net/%D9%87%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D9%81%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D8%A7%D8%AC
10-إسماعيل، صلاح ( 2018)، اللغة والعقل والعلم، القاهرة،دار رؤية.
11-كتاب يرصد اتجاهات فلسفة اللغة المعاصرة، (1/ 8/ 2018)، عمان، صحيفة الوطن.
https://alwatan.om/details/275597








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة البريطانية تعتقل ناشطتين بعنف خلال مظاهرة أمام مصنع ع


.. نادي بالستينو التشيلي يستذكر غزة بلافتة تدين عاما من الإبادة




.. في الذكرى الأولى لحرب -7 أكتوبر-.. نتنياهو يهدد بتوسيع القتا


.. لهذا السبب قد تختار إسرائيل اجتياح جنوب لبنان من البحر




.. فلسطينيات يودعن أبناءهن الشهداء إثر غارة إسرائيلية على غزة