الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا عزاء للمخدوعين!

عبدالله عطية شناوة
كاتب صحفي وإذاعي

2024 / 8 / 30
قضايا ثقافية


في وقت ما من سبعينات القرن الماضي، ومن على مسرح الأولمبيا في باريس صدح صوت فيروزة العرب حاملا رسالة الشعب اللبناني إلى الشعب الفرنسي:
باريس يا زهرة الحرية
يا ذهب التاريخ يا باريس
لبنان باعث لك في قلبي
سلام ومحبة
وبيقول لك لبنان
راح نرجع ونتلاقى
ع الحب وع الصداقة
ع الحق وكرامة الأنسان.
وقتها كانت باريس تمتلك موقفا أوربيا يحاول الأبتعاد عن التبعية لمركز الإمبريالية العالمية واشنطن، وتطرح نفسها منارة للحرية، بما ينأى عن تأريخها الإمبريالي، ويقدمها كوريث لشعارات الثورة الفرنسية: السلام والأخوة والمساواة.

لكن تلك الصورة التي لم تخدع فقط فيروزتنا والمساهمين في صياغة إبداعها، الأخوين رحباني، بل خدعت أوسع أوساط المثقفين العرب، كانت تخفي وراءها صورة فرنسا البشعة في أفريقيا والمحيط الهاديء، ورغم جهد التنويريين الفرنسيين لفضح الجانب المظلم من الصورة، ظل تعلقنا بالأمل في عالم إنساني يحملنا على البقاء رهينة الخديعة.

وبعد نحو خمسين عاماً من التغريدة الفيروزية في باريس، صدمتنا فرنسا الرسمية، بالعودة إلى ما طبع تأريخها من معاداة للحرية، وكشفت انتفاضة شعوب الساحل الأفريقي ضد الإستغلال الأقتصادي والسياسي الذي تمارسه باريس واستنزافها الإجرامي للثروات الأفريقية. وصدمتنا كذلك بالعودة إلى تحالف الإمبرياليات الذي تقوده الولايات المتحدة ضد حرية المنافسة الاقتصادية، وإضرام حروب الوكالة، لعرقلة التنافس السلمي الحر في مجال الأقتصاد، حتى لو هددت تلك الحروب بالتوسع الى حرب فناء نووي شامل.

وفي ذات المنحى توحدت باريس مع واشنطن ولندن وبرلين، في مد الصهاينة بكل ما يساعدهم عسكريا واقتصاديا ودبلوماسيا ودعائيا، لمواصلة جريمة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي للشعب الفلسطيني، مع إدعاءات زائفة بالتعاطف مع ما يطلق عليه "المعاناة الإنسانية" للشعب الفلسطيني.

صدمات باريس لمن خدع بكونها تمثل قيم الحرية والعدل، لم تقتصر على الموقف الرسمي المتوافق مع التأريخ الإمبريالي المشين، بل بلغت مديات شعبية غير مسبوقة في تبني الايديولوجيات والسياسات العنصرية، من خلال تصويت أكثر من ثلث الناخبين الفرنسيين في انتخابات البرلمان الأوربي للأحزاب العنصرية.

ولكي تكتمل الصورة الحقيقية ل "زهرة الحرية" ها هي السلطات الفرنسية تعتقل پافل دوروف صاحب تطبيق تيلغرام لأنه يرفض فتح باب خلفي في تطبيقه للمخابرات الفرنسية والغربية، للتجسس على المشتركين الذين يقترب عددهم من المليار إنسان له كامل الحق في الحفاظ على خصوصيته. وتوجه لدوروف تهما تصل عقوبتها إلى السجن لعشرين عاما.

دوروف المعتقل في عاصمة الحرية والمولود في روسيا، كان قد رفض ضغوطا مماثلة مارستها عليه السلطات الروسية، واختار الأنتقال إلى عاصمة النور، منخدعاً هو الآخر بادعاءاتها، التي انطلت علينا وعلى فيروز والرحابنة. وقتها أُطلقت عليه في باريس وعواصم الغرب الإمبريالي ألقاب بطولة لا تحصى ولا تعد، وحين حاول الحفاظ على موقفه الذي وصف بالبطولة مطمئناً إلى انه يعيش في عاصمة النور، ويحتمي بقيمها في الحرية وصيانة خصوصية الأنسان، أزاح ورثة الإمبريالية الفرنسية عن وجههم الحقيقي وألقوا به في غياهب السجن.

لا عزاء لدوروف، لا عزاء لفيروز والرحابنة، لا عزاء لنا،
لا عزاء للمخدوعين…








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شهيد وجرحى بقصف الاحتلال لمنتظري المساعدات شرق خان يونس


.. سفراء دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وكندا في فلسطين يدعون إ




.. إيران تتحدى وكالة الطاقة الذرية: لن يدخل مفتشوها إلى منشآتنا


.. أوروبا تشتعل تحت الشمس.. مدن تعلن التأهب مع تصاعد درجات الحر




.. هل تشعل أزمة رواتب الحشد الشعبي صراعا خفيا بين العراق وأميرك