الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
حضوة الزعيم قاسم في حضرة الشيوعيين !.
محمد السعدي
2024 / 9 / 5اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
لا يتجادل أثنيين سويين على وطنية الزعيم قاسم وعفة لسانه وقلبه ونظافة هندامه وبساطة روحه وشجاعته في مواجهة الموت في مبنى الصالحية ببغداد يوم ٩ شباط ١٩٦٣. لكن حتماً يتجادل أثنان على أداء قاسم الحكومي والوظيفي في إدارة مؤسسات الدولة وشؤون البلد ، وتخبطاته في القرارات ونزعته بإتجاه الدكتاتورية والارتجال وتشبثه بكرسيه . في صبيحة ١٤ تموز١٩٥٨ ثمة عسكر أنقضوا على ثكنات ومحميات النظام الملكي ومؤسساته ولولا التأييد الجماهيري والشعبي لبيان رقم واحد من إذاعة بغداد في مبنى الصالحية في شوارع بغداد والمدن الأخرى لبقى ذكرى هذا اليوم ضمن دائرة مغامرات الإنقلابات العسكرية . يوم دموي دشن به بإبادة العائلة المالكة في قصر الرحاب بعد أن خرجوا من فضاءات غرف نومهم رافعين رايات الاستسلام . وفي لحظة مربكة وغير محسوبة أطلق النار عليهم من قبل الضابط عبد الستار العبوسي ، ولم ينجو منهم الا الأميرة بديعة أخت الامير عبد الإله وخالة الشاب المغدور الملك فيصل الثاني . تابعت بأهتمام طيلة السنوات التي مضت ما كتب حول الزعيم قاسم . فريق وهو المؤيد له . ذهب بعيداً عن حقيقة مجريات الاحداث ليجعل من قاسم قديساً ، ونفر آخر جعل منه دكتاتوراً مستبداً. حتى ننصف الرجل والمرحلة والتاريخ في فترة حكمه التي لا تتجاوز الخمسة سنوات مرت بمخاضات عسيرة . أدت ببعضها الى إسقاطات مشوهة . في رأي أول تلك الاسقاطات كانت محكمة المهداوي تجربة فاشلة بإمتياز . عكست وجهاً سلبياً عن أهداف ثورة تموز . وفي بعض المرافعات أنقلبت سلباً على سمعة الثورة ورجالها وخدمة أعداء الثورة , بل ألبت الناس عليها . محاكمة سعيد القزاز وزير داخلية النظام الملكي نموذجاً . وهناك نماذج أخرى عديدة في ملفات المحكمة لا يقتدى بها بما حملته في جلساتها من تعابير وألفاظ تخدش الذوق العام .
كان عبد الكريم قاسم بقدر وطنيته سياسياً فاشل بأمتياز ، تذبذب مواقفه من عدة أحداث ووقائع ، كان يفترض أن تكون مواقفه متساوية وبمسافات واحدة تجاه تطورات الاحداث في البلد . الموقف من المقاومة الشعبية وشعاراتها المستفزة وتجوالها في الشوارع العامة بذريعة حماية صورة الزعيم ومنجزات الثورة . خطابه المشهود في كنيسة ” المار يوسف ”عام ١٩٥٩ ضد الشيوعيين ، الذي وصفهم بالشعوبيين ، وقد تضمن خطابه هذا اشارات إلى إستمالة القوميين على حساب الشيوعيين . الموقف من حركة الشواف في الموصل وقطار السلام . محاكمة أياد سعيد ثابت بعد عفو رئاسي وعودته من المهجر على ضوء أحداث حركة مايس ١٩٤١ ورشيد عالي الكيلاني . أعدام الضباط الاحرار ناظم الطبقجلي ورفعت الحاج سري ، الذي بدأ يبكي في يومها بمكتبه في وزارة الدفاع حسب شهود مرافقيه ، مطاردة وإعتقال وأغتيالات الشيوعيين على مرآى ومسمع من بصيرته من قبل جهازه الأمني والقوى المعادية لهم ، كل تلك الاحداث والتطورات تؤدي بنا الى دكتاتورية عسكرية في إدارة الحكم والتي كان يفترض أن تسلم الى حكم مدني أقصاه لمدة عامين بعد نجاح ثورة تموز . موقفه المتذبذب وسط التيارات والاحزاب السياسية . مرة يهادن ويغازل الشيوعيين على حساب البعثيين والقوميين . والشيوعيين كانوا أخلص الناس له ولحكمه دعنا من بعض الهفوات التي أرتكبت في حكمه . وفي الختام هادن البعثيين بالضد من الشيوعيين بل غض النظر عن تحركاتهم ونواياهم رغم تحذيره منهم ومن نواياهم , بالأخير أطاحوا به وبنظامه ودفع الثمن مئات الالاف من الشيوعيين والديمقراطيين . في الحظات الاخيرة من حياته وحكمه زاد توجسه في الخوف من الشيوعيين ، وفي باب وزارة الدفاع كان المشهد درامي تراجيدي أبناء الفقراء وساكيني بيوت الصفيح والشيوعيين يطالبوه بالسلاح للدفاع عنه وعن الثورة يتردد رغم أن زعاف الموت يقترب منه وينهي حياته بعد أن حصر نفسه في وزارة الدفاع وسلم نفسه ذليلا بعد ٢٤ ساعة من بدأ الإنقلاب ، كان خائفاً من الشيوعيين لينقلبوا ضده ويقفزوا الى دفة الحكم وليس خوفاً من سفك الدماء ، فالدماء سالت منذ الصباح الباكر في شوارع بغداد ، وكانت ساعة الصفر قتل الضابط جلال الاوقاتي أمام عتبة داره وعلى مرأى من أبنه الصغير ، الذي كان يرافقه لاحضار وجبة فطور الصباح .
من الملفات التي سارعت للاطاحه به وبحكمه . ملف دولة الكويت والتلويح به لاحقيتها لدولة العراق عام ١٩٦١. قانون رقم١٨٨ لسنة١٩٥٩ للاحوال المدنية والمساواة في الأرث وحقوق المرأة مما أرعب الدوائر الرجعية والمتخلفة والحاقدة على منجزات الثورة وتقدمها . فتوة محسن الحكيم نموذجاً ” الشيوعية كفر وألحاد ” . مما أعطى مبرر فقهي وقانوني والاخطر الموقف الاجتماعي في محاربة الشيوعية في العراق والتبرير في الممارسات الدموية ضدهم ، والدليل ما حدث في يوم ٨ شباط عام١٩٦٣ في أرض العراق . وقد جرت محاولة فاشلة من مجلس الحكم الانتقالي بعد إحتلال العراق للاطاحة بالقانون وتم التصويت على الغائه ، لكن بريمر الحاكم المدني الامريكي في العراق أنقذه في اللحظات الاخيرة . ومن الملفات التي عجلت في إنهاء حياته وفترة حكمه قانون رقم ٨٠ لعام١٩٦١ حول تأميم النفط والتضيق على عمل الشركات الاحتكارية النفطية الامبريالية في العراق ، مما دفع دوائر تلك الشركات في دعم القوى المعادية له والاطاحة به ، علاوة على ذلك الملف الكردي والصراع الدائم والدائر بين الحكومة المركزية والملف الكردي . تاريخ العراق معقد وغائر من الصعوبة أن يكتب بواقعية وشفافية بعيداً عن الانتماءات الحزبية والطائفية والاثنية . منذ الدولة الاموية ومراحل الحكم التي أعقبتها على أرض العراق تاريخاً مغلوطاً بعيداً عن واقعية الاحداث ربما نقلت شذرات منه ، لكن هذا لايكفي في تدوين تاريخ كامل ، كان لزاماً علينا نحن الشيوعيين أن نقف بجد ونقد على تداعيات تلك المرحلة بقراءات واقعية ومتأنية حتى على حساب نقد الذات وأستخلاص الدروس . فالبشر خطاؤون .. كما يقول فولتير .
الملفت في الأمر في السنوات الآخيرة من عمر إحتلال العراق يتباهى الشيوعيين العراقيين بصور الزعيم قاسم بعيدأ عن الوقائع الموضوعية في فترة حكمه وموقفه السلبي والمدمىر من الحزب الشيوعي العراقي وملاكاته في التضييق على نشاطاتهم بل في مطاردتهم ، إذ لم يسمح لهم بنشاط سياسي واضح من خلال منحهم رخصة عمل ضمن شرعية قانون الاحزاب ، وعندما قدموا طلب للحصول على أجازة رفضها بذريعة وجود حزب شيوعي يعمل ضمن قانون الاحزاب والتي منحها الى داود الصائغ فغير الطلب بأسم جريدة أتحاد الشعب الجريدة المركزية للشيوعيين أيضاً رفض طلبهم . وعلى أثر هذا الرفض طلب الشهيد سلام عادل بلقاء به وهو المعارض الى سياسته وتخبطاته مع الشهيد جمال الحيدري ومجموعة من العسكريين ، وعندما خرج من اللقاء كان متذمراً ووصفه بالطاغي والجاهل في قراءة تداعيات الشارع العراقي . وعندما توسعت الدائرة بين أوساط الشيوعيين بالضد من سياسته هنا تدخل السوفييت في الحذر من أي خطوة بإتجاه أزاحته ، في يومها أخرجوا جورج تلو ، الذي كان يرقد في مصحات موسكو وحملوه رسالة شديدة اللهجة الى قيادة الحزب الشيوعي الحذر في النية من أي خطوة ، وكما سموها بالمغامرة إتجاه قاسم وحكمه . لماذا يتباكا الشيوعيين عليه وعلى فترة حكمه إذن ؟. سؤال بحاجة الى إعادة النظر به وتقييم جديد للاحداث وتحديد موقف !.
خاض الشهيد سلام عادل صراعاً حزبياً وسياساً مع رفاقه من أجل تحيدهم بالموقف من سياسة قاسم ومعارضتها مما عرضته تلك المواقف الى أبعاده وبأمر سوفيتي الى خارج البلد وبعيداً عن الفعل الثوري عام ١٩٥٩ بحجة التأهيل الدراسي ، وعندما عاد في نهاية عام ١٩٦٢ وبقرار سوفيتي أيضاً . وجد تطورات الأحداث في العراق ” قاب قوسين أو أدنى ” من الشيوعيين في الخطورة ضدهم حيث العناصر القومية والبعثيين محتلين مواقع مهمة وحساسة في الدولة بدعم مباشر من الزعيم ومطاردة وابعاد الشيوعيين ورميهم في السجون والمعتقلات ، وعندما أنقلبوا البعثيين عليه في يوم ٨ شباط عام ١٩٦٣ وجدوا مئات من الشيوعيين في السجون والمعتقلات مما وفر لهم وقتاً سهلاً في إنهاء حياتهم . وحسب شهادات مرافقه الشخصي ”جاسم العزاوي ” أثناء مرافقته في جولاته على الافواج والكتائب يطالب قادتها البعثيين والقوميين في تطهير الجيش من العناصر الشيوعية ، وهنا سؤال يطرح نفسه بألحاح ، ما هو موقف الشيوعيين العسكر من تسلكات الزعيم تجاه رفاقهم وهم القريبين من دائرته الضيقة . مثالاً .. طه الشيخ أحمد ، جلال الاوقاتي ، وصفي طاهر ، فاضل عباس المهداوي ، ماجد محمد أمين ؟؟. درس تاريخي مهم في المشهد السياسي العراقي الحديث بحاجة شديدة الى قراءة جديدة ومراجعة نقدية جريئه .
في قراءة شخصية متأخرة حول صبيحة ٨ شباط عام ١٩٦٣ وبيان الحزب الشيوعي العراقي الداعي الى سحق المؤامرة الرجعية ومن متطلبات العمل السياسي يفترض التأني بما ستؤول إليه الامور وعلى أساسها تتخذ المواقف في حدث مثل هذا ، والذي أعطى للبعثيين والقوميين صبغة شرعية في أصدار بيانهم المرقم١٣ بإبادة الشيوعيين ، لكن هذا لاينفي نوايا البعثيين في إستهداف الشيوعيين والقوى الديمقراطية . كما أثبتت الوقائع في ذلك اليوم المشؤوم بأبادة الشيوعيين وأصدقائهم ولم ينجو أحداً من مخالبهم ، لقد دمروا البلاد والعباد ، وأستشهد زعيم الشيوعيين سلام عادل ، عندما إعتقل يوم ١٩ شباط ومات تحت التعذيب يوم ٢٣ من نفس الشهر عام ١٩٦٣ . وبعد عشرة سنوات من القتل والدم عاد الشيوعيين ليصافحوا أيادي البعثيين الملطخة بدم رفاقهم تحت يافطة ” جبهة وطنية وقومية تقدمية ”.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
التعليقات
1 - ألقراءة الاخرى للزعيم عبد الكريم قاسم
د. لبيب سلطان
(
2024 / 9 / 5 - 22:58
)
الاستاذ محمد السعدي
تأتي في مقالتكم تقييمات بعضها موضوعي والاخر وصفي يقيم الزعيم عبد الكريم
انه وطني ولكنه فاشل سياسيا ولكن لا تتناولون بالضبط اين فشله كما لم يتناوله العشرات ممن كتب عنه الاشادة بشخصيته النزيهة الوطنية ولجأوا لوصف الاحداث التي اسقطته دون اللجوء الى تحليل عجز العقل السياسي العراقي،وهو عجز فكري اساسا في تقييم الفشل، ويحملونه المسؤولية عن الفشل وحده،، تذبذبه مثلا ،كما تطرحون، انتقاله لدعم القوميين ومطاردة الشيوعيين مثالا. لا احد يذكر ان فشله اساسا كان لعدم اقامته اركان دولة جمهورية دستورية ديمقراطية بديلا عن الدولة الدستورية الملكية التي قام باغتيالها مع مجموعة من الضباط الاحرار جلهم من الناصريين. لايذكر احد انه قام بهدم بيت ولم يستطع اقامة بديل مستقرعلى اسس ديمقراطية دستورية..هل وحده يتحمل ذلك؟ قطعا لا .التيار الناصري والماركسي لايؤمن بها، كلاهما يؤمن بالدولة العقائدية، هذه هي النقطة الجوهرية فالزعيم لاينتمي لهما، بل عسكري وطني،ومن يتحمل المسؤولية هي الاحزاب التي صفقت له وجيشت الشارع دون رؤيا ودون فهم لمهمة بناء دولة ..انها
احزاب شعارات وليس فكر دولة
مع التحية
2 - الموضوع المطروح هنا تم اشباعه مسبقاً
أمير أمين
(
2024 / 9 / 6 - 15:45
)
مرحبة ..الموضوع المشار اليه هنا تمت الكتابة عنه بعمق وتوسيع من قبل الكثير من الباحثين العراقيين وبالاخص منهم الدكتور عقيل الناصري الذي استفاظ بالكتابة عن ثورة تموز وعن شخصية الزعيم عبد الكريم ويمكن الرجوع اليها بالاضافة الى مئات المقالات التي كتبها الشيوعيون والديمقراطيون عن الثورة وعن الشهيد قاسم وهذه وضعت النقاط على الحروف وازاحت الالتباس في الكثير من القضايا ..شكراً لك
3 - حظوةُ الشُّيوعيين بين يدي وفي حضرة الزَّعيم
أمير أمين
(
2024 / 9 / 6 - 20:05
)
الأخطاء الإملائيّة بَدءاً بتقويم العُنوان حتى مِسك ختام نصّ تقييم الزَّعيم الأمين!.
4 - ثورة مضادة ويوم أسود
حميد كشكولي
(
2024 / 9 / 7 - 09:06
)
فشل الانقلاب في تحقيق التغيير الجذري الذي كان ينشده الشعب العراقي، حيث استبدل نظامًا استبداديًا بنظام آخر لم يكن أفضل حالًا.
وعاد الاقطاع الى ممارسة استغلاله المجتمع بثوب جديد ثوب الملاكين الوطنيين. و شهدت الفترة التي تلت الانقلاب تدهورًا في الأوضاع المعيشية للمواطنين العراقيين، مما زاد من حدة الاستياء الشعبي.
يوم أسود
راح ضحية الانقلاب عدد كبير من الأبرياء، مما يجعله يومًا حزينًا في تاريخ العراق.
أدى الانقلاب إلى فقدان الاستقرار السياسي والاجتماعي في العراق، مما أثر سلبًا على جميع مناحي الحياة. الانقلاب كان بداية الصراعات الطائفية والعرقية التي تشهدها المنطقة حتى يومنا هذا.
إن تقييم انقلاب 14 تموز 1958 هو أمر معقد ومتعدد الأوجه. فمن جهة، كان هذا الانقلاب نتاجًا طبيعيًا للتراكمات السلبية للنظام الملكي، ومن جهة أخرى، فشل في تحقيق التطلعات الشعبية وأدى إلى عواقب وخيمة على العراق.
تحياتي
.. مسيرة لطلاب جامعة أمستردام للمطالبة بتعليق العلاقات مع إسرائ
.. كيف ستلبي الحكومة السورية المؤقتة طلبات الإدارة الأمريكية؟
.. مستوطنون يؤدون طقوسا تلمودية في منطقة جبل الشيخ السورية
.. الاحتلال يقصف منزلا بمدينة غزة ما أدى لسقوط شهداء بينهم نساء
.. توقيف أكاديميين وطلاب داعمين لغزة خلال مظاهرة في جامعة نيويو