الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
صبية النار
رحيم فرحان صدام
2024 / 9 / 8دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
ذكر ابن أبي الحديد أسماء أسرى الأمويين في غزوة بدر بالتفصيل معتمداً على كتاب المغازي للواقدي: ومنهم عقبة بن أبي معيط: واسم أبي معيط: أبان- بن أبي عمرو بن أمية المقتول صبرا على يد عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح بأمر رسول الله وكان أسره عبد الله بن أبي سلمة العجلاني ؛ اذ أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله بالأسرى ، حتى إذا كان بالصفراء بعرق الظبية أمر عاصم بن ثابت بن أبى الاقلح أن يضرب عنق عقبة بن أبى معيط ، وكان من أشد الناس أذى لرسول الله وعداوة له ، فجعل عقبة يقول: يا ويلى علام أقتل يا معشر قريش من بين من هاهنا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : لعداوتك لله و لرسوله ، فقال : يا محمد ، منك أفضل ، فاجعلني كرجل من قومي إن قتلتهم قتلتني ، وإن مننت عليهم مننت علي ، وإن أخذت منهم الفداء كنت كأحدهم ، يا محمد من للصبية فقال : النار ، قدمه يا عاصم ، فاضرب عنقه (1) ، فقدمه عاصم فضرب عنقه ، فقال النبي صلى الله عليه وآله :( بئس الرجل كنت والله ما علمت كافرا بالله وبرسوله ، وبكتابه مؤذيا لنبيه ، فاحمد الله الذي قتلك وأقر عيني منك ) . (2)
وقيل أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه واله سلم أمر به ، فصلب. فكان أول مصلوب صلب في الإسلام. (3)
نلاحظ ان ابن ابي الحديد على وفق رواية الواقدي ذكر ان عاصم بن ثابت بن أبي الاقلح هو الذي قتل عقبة بن ابي معيط ، ولكنه ذكر رواية أخرى في موضع اخر تشير الى ان عليا عليه السلام هو الذي قتل عقبة بن ابى معيط صبرا. (4)
وقد التبس الأمر على القطب الراوندي فظن ان المقصود ب(صبية النار) في الحديث النبوي هم أولاد مروان اذ قال ما نصه :" « ومنكم صبية النار » وهم على ما قيل : ولد مروان بن الحكم الذين صاروا أهل النار عند البلوغ ، ولما أخبر عليه السلام بذلك كانوا صبية ثم ترعرعوا واختاروا الكفر" (5) .
ولذلك أنتقده ابن ابي الحديد بشدة فقال ما نصه : " ومنكم صبية النار" (6) ، هي الكلمة التي قالها النبي صلى الله عليه وآله لعقبة بن أبي معيط حين قتله صبرا يوم بدر ، وقد قال كالمستعطف له عليه السلام : من للصبية يا محمد ؟ قال : النار .
وعقبة بن أبي معيط من بني عبد شمس . ولم يعلم الراوندي ما المراد بهذه الكلمة . " (7) وقد تبع الشيخ محمد جواد مغنية القطب الراوندي: في هذا الخطأ فقال ما نصه : " ( ومنكم صبية النار) وهم طغاة الجور من الحكام الأمويين"(8).
والسؤال الذي يفرض نفسه من هم صبية النار؟ للإجابة على هذا السؤال اعتمد ابن ابي الحديد على أبي القاسم البلخي : عبد اللَّه بن أحمد بن محمود الكعبي البلخي المعتزلي المتوفى سنة ( 319 ه/931 م ) الذي قال ما نصه :" من المعلوم الذى لا ريب فيه لاشتهار الخبر به ، وإطباق الناس عليه ، أن الوليد بن عقبة بن أبى معيط كان يبغض علياً ويشتمه ، وأنه هو الذى لاحاه في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله ونابذه ، وقال له : أنا أثبت منك جنانا ، وأحد سنانا ، فقال له علي عليه السلام : اسكت يا فاسق ، فإن زل الله تعالى فيهما :{ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ}(9) ..."
الآيات المتلوة ، وسمى الوليد بحسب ذلك في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله الفاسق ، فكان لا يعرف إلا بالوليد الفاسق . (10)
وهذه الآية من الآيات التي نزل فيها القرآن بموافقة علي عليه السلام ، كما نزل في مواضع بموافقة عمر ، وسماه الله تعالى فاسقا في آية أخرى ، وهو قوله تعالى : {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}(11) ، وسبب نزولها مشهور، وهو كذبه على بنى المصطلق ، وادعاؤه أنهم منعوا الزكاة وشهروا السيف ، حتى أمر النبي صلى الله عليه وآله بالتجهز للمسير إليهم ، فإن زل الله تعالى في تكذيبه وبراءة ساحة القوم هذه الآية ... وورث ابنه الوليد الشنآن والبغضة لمحمد وأهله فلم يزل عليهما إلى أن مات ... وهو أحد الصبية الذين قال أبو عقبة(12) فيهم، وقد قدم ليضرب عنقه : من للصبية يا محمد ؟ فقال : (النار ، اضربوا عنقه) . (13)
خلاصة القول ان البلخي يرى ان الوليد بن عقبة هو احد صبية النار الذين تحدث النبي عنهم ؛ نظراً لنزول آيتين من القرآن الكريم فيه وصفته بالفاسق وان كان يعد من الصحابة ؛ اذ ذكر الجاحظ في كتابه المعروف ب( كتاب التوحيد) -وهو من كتبه الضائعة - ان الوليد هو: " الفاسق بنص الكتاب"(14) .
وقد اكد ابو القاسم البلخي اتفاق الاخبار الصحيحة التي لا ريب فيها عند المحدثين ، على أن النبي صلى الله عليه وآله قال : (لا يبغضك إلا منافق ، ولا يحبك إلا مؤمن) (15) .
ولم يحدد ابن ابي الحديد الكتاب الذي نقل منه قول البلخي ولكنه ذكر له في موضع اخر كتاب المقالات(16) الذي طبع مؤخراً في اخر كتاب عيون المسائل والجوابات وهما لا يحتوي على النص المذكور(17) مما يدعونا الى القول انه في احد كتبه الاخرى وهي كثيرة اشار الى بعضها ابن ابي الحديد من دون ان يسميها (18) ، ويبدو انه كتاب الامامة ؛ لأنه الاقرب الى الموضوع لا سيما انه يتعلق بالإمام علي عليه السلام وخصومه. (19)
الهوامش
(1) ابن أبي الحديد، عز الدين عبد الحميد بن هبة الله المدائني (ت 656هـ/1263م)، شرح نهج البلاغة كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، جمعه: الشريف الرضي، تحقيق: محمد أبو الفضل، المكتبة العصرية، (بيروت-1959م). (2/ 8) ؛ وللمزيد ينظر: الواقدي ، ابو عبد الله محمد بن عمر الاسلمي مولاهم ، (ت 207هـ/914م) ، المغازي ، تحقيق : د. مارسدن جونز، منشورات مؤسسة الاعلمي، ط3، (بيروت-1989). ج1 ، ص147.
(2) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 14، ص 120 ؛ وللمزيد ينظر: الواقدي : المغازي ج1 ، ص114؛ المقريزي، تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر، أبو العباس الحسيني العبيدي ، (ت 845هـ/1451م)، إمتاع الأسماع ، المحقق: محمد عبد الحميد النميسي، الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة: الأولى، 1420 هـ / 1999 م. (10/ 6).
(3) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 14، ص 120 ؛ وللمزيد ينظر: الواقدي : المغازي ج1 ، ص138؛ البلاذري، أحمد بن جابر بن يحيى، (ت 279هـ/885 م)، أنساب الأشراف ، تحقيق: سهيل زكار ورياض الزركلي، الناشر: دار الفكر – بيروت، الطبعة: الأولى، 1417 هـ / 1996 م. (1/ 148).
(4) ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة (2/ 8) ؛ وينظر : الصنعاني : عبد الرزاق بن همام (ت 211هـ/817م) ، المصنف، تحقيق : أ. حبيب رحمن الأعظمي، (بيروت ـ د.ت).ج 5 ص 206؛ أبو الفرج الأصفهاني، علي بن الحسين الأموي (ت356هـ/972م)، الأغاني، تحقيق: إبراهيم السعافين، د. بكر عباس، دار صادر، ط3، (بيروت ـ 2008). ج 1 ص 48 – 49؛ النحاس: أبو جعفر أحمد بن محمد (ت 338 هـ / 950 م)، معاني القرآن ، تحقيق :محمد علي الصابوني ، الناشر: جامعة أم القرى ،الطبعة: الأولى ، مكة المكرمة 1409ه. ج 5 ص 22 ؛ السمعاني: منصور بن محمد بن عبد الجبار التميمي (ت 489هـ / 1096 م)، تفسير السمعاني ، تحقيق ياسر بن إبراهيم ، غنيم بن عباس ، دار الوطن،الطبعة : الأولى ،( الرياض- 1418هـ/ 1997م).ج 4 ص 17 ؛ الصفدي، صلاح الدين بن أيبك، (ت 764هـ/1381م)، الوافي بالوفيات، اعتناء: س. ديدنيغ وآخرون، ط2، (بيروت ـ 1991). ج 20 ص 60.
(5) قطب الدين الراوندي : سعيد بن هبة الله بن الحسن (ت573 هـ /1187م) ، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، تحقيق : السيد عبد اللطيف الكوهكمري ، المطبعة : الخيام ،الناشر : مكتبة آية الله المرعشي العامة ،قم- 1406ه.ج 3 ص 77.
(6) الشريف الرضي، أبو الحسن محمد بن الحسين، (ت 406هـ/1157م)، نهج البلاغة، خطب الإمام علي ( ع ) ، ( تحقيق صبحي صالح ) ، الطبعة الأولى، ١٣٨٧ / ١٩٦٧ م. ج 3 ص 32 ؛ ابن أبي الحديد : شرح نهج البلاغة ج 15 ص 197 ؛ القلقشندي، أبو العباس أحمد بن علي (ت 821هـ/1127م)، صبح الأعشى في صناعة الانشا، المطبعة الأميرية، (القاهرة ـ 1913).ج 1 ص 275 ؛ الباعوني، محمد بن أحمد الشافعي، (ت871هـ/1477م)، جواهر المطالب في مناقب علي بن أبي طالب ، تحقيق : محمد باقر المحمودي، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية، (قم ـ 1994).ج 1 ص 373.
(7) ابن أبي الحديد : شرح نهج البلاغة ج 15 ص 197.
(8) محمد جواد مغنية ، في ظلال نهج البلاغة، دار العلم للملايين، (بيروت- 1973).ج 3 ص 471 .
(9) سورة السجدة ، الآية 18.
(10) ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة (4/ 80).
(11) سورة الحجرات ، الآية 6 .
(12) ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة (4/ 81).
(13) ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة (4/ 81)؛ وينظر: الواحدي : أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي النيسابوري، الشافعي (ت 468هـ / 1076م)، أسباب النزول ، تحقيق: كمال بسيوني زغلول ، الناشر: دار الكتب العلمية ، الطبعة: الأولى، (بيروت- 1411 هـ). 291 ، 292 .
(14) ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة (20/ 32).
(15) ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة (4/ 83) ؛ ينظر: الحميدي، أبو بكر عبد الله بن الزبير، (ت 219هـ/825م) ، مسند الحميدي، حقق أصوله: أ. حبيب رحمن الأعظمي، دار الكتب العلمية، (بيروت ـ 1988). (1/ 31) ؛ ابن أبي شيبة : أبو بكر عبد الله بن محمد الكوفي (ت 235 هـ/ 849 م)، المصنف في الأحاديث والآثار، تحقيق : كمال يوسف الحوت ، مكتبة الرشد (بيروت -1979). (7/ 494)؛ ابن حنبل، الإمام أحمد بن محمد الشيباني ( ت 241هـ/855 م)، فضائل الصحابة، تحقيق وصي الله محمد عباس، ط1، مؤسسة الرسالة، (بيروت - 1983). (2/ 563)، مسند الإمام أحمد بن حنبل ، تحقيق شعيب الأرنؤوط ، مؤسسة الرسالة ، الطبعة : الثانية ، (بيروت -1420هـ / 1999م ). (2/ 71)؛ النيسابوري، مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري، (ت 261هـ/875 م)، صحيح مسلم ، المحقق: محمد فؤاد عبد الباقي ، الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت. (1/ 86)؛ الترمذي ، محمد بن عيسى ( ت 279 هـ / 892 م ) ، سنن الترمذي، تحقيق: أحمد محمد شاكر وآخرون، دار إحياء التراث العربي، (بيروت –بلا ت). (6/ 93) ؛ ابن حبان ، محمد بن حبان البستي، (ت 354هـ/960م): صحيح ابن حبان، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، ط2، (د.م - د.ت).(15/ 367).
(16) ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة (1/ 82).
(17) طبع بعنوان عيون المسائل والجوابات ،تحقيق : د. راجح عبد الحميد سعيد كردي، واخرون ،الناشر دار الحامد للنشر والتوزيع ،عمان – 2014 .
(18) ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة (1/ 205).
(19) ياقوت الحموي : شهاب الدين ياقوت بن عبد الله الرومي (ت 626هـ/1233م)، معجم الأدباء، دار إحياء التراث العربي، ( بيروت ـ 1936).(4/ 1493).
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق لسكاي نيوز عربية: هذه هي الطر
.. جماعة أنصار الله: إطلاق مسيرات هجومية على يافا وأم الرشراش
.. اللواء فايز الدويري والعميد إلياس حنا يحللان الرسائل العسكري
.. ما أبرز ما تناولته الصحف العالمية بشأن الحرب على غزة والتصعي
.. طلب إسرائيلي لقوة اليونيفيل بإخلاء ونقل بعض مواقعها