الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة تلامس الروح

جمال الهنداوي

2024 / 9 / 10
قضايا ثقافية


منذ مدة والكثير من الكلام يتردد في أروقة الإبداع العراقي عن وجود أزمةٍ حقيقيةٍ تواجه الثقافة العراقية كفعل ومنجز وتأثير..والأكثر كان هو البحث في الجذور والمسببات لما يصفه العديد من المحملين بالهم المعرفي، كشح ووهن وانحناء محسوس لقامة الثقافة العراقية الحقة المترفة أمام انتحالات تتقنع الإبداع دثاراً مزوقاً لممارسات عصية على التواجد في ذاكرة الوطن والإنسان ..
والسؤال الأكثر إلحاحاً كان عن بعض الجهد المتقطع من قبل الثقافة المؤسسية الذي يستهدف بث دبيب الحياة في أوصال المشهد الإبداعي عبر بعض الفعاليات المتفرقة هنا-والأكثر هناك-وروتينية تمخضه عن احتفاليات متوالية لا تكاد تبدأ حتى تنتهي مع القاعات الخاوية والتصفيق الخافت الخجول الذي لا يتناسب مع ما أهدر عليها من أموال ..
يختصر البعض الأمر بالقول : إنَّ المتلقي هو المسؤول عن البرودة التي تقشعر لها المحافل الأدبية وهو بكسله اللئيم، ملام عن انقطاع التواصل مع ما يريد المثقف أن يقول ويعلن ويعلي من صورة ومضمون وحرف..ويذهب البعض الآخر إلى إبعاد اللوم عن المؤسسات الثقافية من خلال الترويج لمسؤولية الانفتاح الإعلامي ووسائل الاتصال الحديثة عن عزوف الناس عن ثقافة تتلاشى في مهب إيقاع العصر اللاهث..وربما كان هذا الاحتمال وارداً، ولكنّ السؤال الأكثر مرارة هو: لماذا وصل المتلقي إلى هذه الحالة؟ ولمن توجه أصابع اللوم في كل هذا الانكفاء المؤلم للجمهور عن الوصل الفاعل مع الجهد الثقافي الذي تضاءل حتى أصبح لا يصلح إلا كأخبار وعناوين تملأ فراغات الصحف المهملة..
فرغم وجاهة وبلاغة المبررات التي ترمي الكرة في ملعب –ووجه- الجمهور..ولكننا لن نجانب الصواب كثيراً لو أحلنا الأمر بقضه وقضيضه إلى ثقافة التودد والتنطع لما في يد المتنفذ والرغبة في استمطار العطايا والهبات عن طريق ملء المساحات الأقرب إلى قلبه وعقله بكل ما يمجد ويهلل ويؤله ويدر الرضا والوعد دون العناية لأية قيمة أو أهمية أو وقع أو اكتراث للجمهور المشيح ببصره وضميره عن هذه الانتكاسات الأدبية المكلفة..
وهل نجافي الحقيقة لو أشرنا بأصابع الاتهام إلى كتاب وشعراء يتحولون إلى موظفي علاقات عامة لمن في يده خزائن الأرض ومفاتيح النفوذ ينثرون على الجمهور أدباً مخلاً يبرر التجاوز والفشل والانحراف مستهدفين الناس في وعيهم وكرامتهم الإنسانية وحراكهم الفكري من خلال ثقافة لا تلامس الروح ولا تقدح القلب ولا تراكم القيمة ولا تستثير الضمير..
إنَّ أية ثقافة لا تعيد الاعتبار إلى الحياة والإنسان والأرض التي تحمل وقع أقدامه هي محض تآمر على الناس ومدركاتهم..وكل ثقافة لا ترفع سبابة في وجه الخلل والزيف هي انتحال للفعل الإنساني وخيانة لمسؤولية الوعي التي يتحملها المثقف، ولن تقوى على ترك بصمة في ذاكرة الشعوب ولن تكون إلا فعل احتضار متدوم في ضجيج من اللعنات..
إنَّ الاتهام يوجه إلى تلك الثقافة التي تنكبت طريق الإبداع الحق واستكانت إلى دعة الصوابية الزائفة الضاجة بالنشيد المداهن المتزلف لمثقفي القصاع الذين يحاصرون المشهد الثقافي بالغث الذي يصحو عليه الناس وينامون ولا يخلف إلا رماداً تذروه رياح النسيان..
إنَّ أول الطريق هو في الالتفات إلى المبدع العراقي الأصيل والإيمان بقدرته على النهوض بواقعنا الثقافي المنهك حين تتوافر له عوامل النهضة والرعاية مادية كانت أو معنوية، وأن يكون هذا الوعي المثابة التي ينطلق من خلالها مشروع إزالة الوهن والإعياء عن ثقافتنا العراقية، فإنّ الأزمة حقيقية ومؤثرة ، وهي موجودة فينا، ومن خلالنا، وإنْ كنا نحن شرارها ووقودها فإننا نحن الوحيدين القادرين على جعلها برداً ونوراً على الوطن لكن شرط أن نعرف حدود إمكاناتنا وقدراتنا وألا نضع بطولات على الورق.. فالثقافة استثمار طويل الأمد والأجل..وهي الرهان على تغيير الواقع المعاش نحو غد آخر أفضل.
إنَّ إعادة الروح إلى جسد الثقافة العراقية مهمة شاقة ودؤوبة ولا يمكن أن تنجز ما بين ليلة وصبحها..ولكنها لن تتم بالتأكيد من خلال المناسبات التي تحل وترحل دون أن تترك بصمة واضحة في واقع الناس وأحلامهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإسرائيلي يواصل إغلاق مدخل بلدة حلحول شمال الخليل بال


.. تعرف على آخر تطورات العملية العسكرية الإسرائيلية في جنين




.. ردود فعل سكان شمال قطاع غزة عند مشاهدتهم حجم الدمار بمعسكر ج


.. انتشال رفات 50 شهيدا من بين ركام المنازل في رفح وخان يونس




.. السودان.. دخان كثيف بمحيط مصفاة الجيلي جراء المعارك بين الجي