الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هواجس ثقافية وإنسانية ــ 285 ــ

آرام كربيت

2024 / 9 / 10
قضايا ثقافية


اسوأ مأساة يعانيها عصرنا هو انعدام المعايير الأخلاقية في كل شيء.
العراق الديمقراطي الطائفي يريد محاكمة يزيد بن معاوية الذي مات قبل ألف وأربعمائة سنة.
هل هناك حقد أكبر من هذا الحقد، صحيح أنه تسويق سياسي بايخ وساقط، لكنه قائم بفضل القائمين على إدراته واستثماره، وإعادة إنتاجه يومًا بعد يوم.
ولد يزيد في يوليو 647 ومات في 12 نوفمبر 683 م
كان شيعة الحسين مختلين عقليًا، ولا يزالون، هم الذين دفعوه إلى ساحة الحرب ثم تخلوا عنه، وتركوه لمصيره، ثم أداروا ظهرهم، وبدأوا بالبكاء عليه كالأرامل زيفًا وبهتانا.
أخجلوا على أنفسكم وكفى لعب بهذا التاريخ المأسور بسببكما، أنتم وخصمكم.

القاتل الميت والقاتل الحي لا يزالان واقفان أمام التاريخ، عراة من الرموز والأحجيات، كلاهما في ثيابهما الطهورية يعلنان عن عدالة قضيتهما.
بالرغم من أنهما ماتا منذ زمن طويل، بيد أنهما لا يزالان يمسكان السيف ذاته والترس أيضًا، ويلوحا بهما لنا كإعلان عن وجودهما بيننا، ومستمران.

المأساة الكبرى أن يتحول القاتل إلى ضحية، والضحية إلى قاتل.
ويتحول الضحية إلى متهم والقاتل إلى بريءّ
هذه ليست أحجية. إنها الحقيقة.
لقد قتل الشاب الأرمني تهلريان طلعت باشا في وسط برلين.
طلعت باشا كان رئيسًا لوزراء تركيا أبان إبادة الأرمن بقرار سياسي منه، وكان المشرف والمساهم الأول على الإبادة، ولم يرف له جفن عندما رأى الملايين يقتلون أمام عينيه.
وفي لحظة الضعف التاريخية أصبح تحت حذاء الضحية، ينزف الدم، وينظر إلى قاتله، والدموع تنهمر من عينيه، ويطلب من قاتله أن يشفق عليه إلى أن لفظ أنفاسه.
تهلريان كان طفلًا عندما رأى أمه وأبيه وأخوته وأهله وجيرانه وأصدقاءه يقتلون أمام عينه بقرار من طلعت.
وشاء القدر أن يبقى حيًا يرزق ويتحول إلى قاتل بفعل مأساة التاريخ والإنسان وقذارة تشعباته ودهاليزه وتعرجاته.

كلاهما كانا على مفترق الطرق قبل أن يبدأا.
من الطبيعي أن يذهب كل واحد إلى النهاية الحقيقية له، الأشياء المشتركة بينهما لم تكن مشتركة، ولن تكون.
ولد كل واحد منهما، وفي جعبته الكثير من الرموز المنثورة في الطبيعة، وكان من الطبيعي لملمة ما يمكن لملمته، وعندما تعذر عليهما ذلك افترقا.
إن العلاقة بينهما، لم تكن أصيلة، ولن تكون.
إنها الرغبات، اِنْبِعَاث وتَدَفُّق وإِفَاضَة، ومُضِيّ ثم نكوص فخواء.

إن ما تكتبه ليس النص الأصلي
النص الأصلي ولد ليتحول إلى ظل، بمجرد أن يخلق يتحول تحولات نوعية.
والنصوص الأصلية في بحث دائم عن ذاتها.
دائمًا هناك ممكنات أكثر مما بين يديك.
بمجرد أن تنتهي من كتابة النص الأصلي وفي لحظة نشره يتغرب، يتحول إلى ظل.
إن الصراع بين النص الأصلي والظل، كالصراع بين الوجود والعدم، سيبقى قائما ومستمرًا ما دامت الحياة قائمة ومستمرة.
بمجرد أن تولد أو تخرج من رحم أمك تتحول تلقائيًا إلى ظل وفي صيرورة دائمة ومستمرة في محاولة الوصول إلى الأصل.
هل أنت الكائن الأصلي أم الظل، ومتى ستصل إلى المبتغى؟
هذا مرهون بجريك الدائم تحت ظلال الظل؟
لهذا لا تحاول أن تعلن عن نفسك أنك الأصل يا ظل.
والأصل غير موجود، هو العدم، ولن يولد لأنه جزء من هذه المتاهة الغريبة.
الأصل هو اللحظة التي تنفصل فيها عن ذاتك، اللحظة الحية التي تتبدد ولن تقبض عليها.

الانتخابات في السويد لا سياسة فيها، انتحابات مطلبية، أي تحت سياسة.
والأحزاب عم تركض من زاوية إلى زاوية لتجمع الأصوات للفوز بها، للوصول إلى البرلمان.
أصبحت رئيسة وزراء السويد قريبة الشبه بأساليب الأنظمة الدكتاتورية في طريقة تسويقها لنفسها:
تزور البيوت، تجلس مع العجائز، تداعب الأطفال، والدعاية الانتخابية متعوبة عليها بشكل ملفت للنظر، هذا يدل على أن البرامج الانتحابية لا ثقة فيها من قبل المواطن، وربما المواطن لا يعرف مصالحه لهذا تلجأ ماجدلينا اندرشون إلى استعطافه للقبول بها وبحزبها.

قبل الحرب العالمية الأولى كانت الولايات المتحدة دولة مديونة، وكانت الخزائن الأوروبية ممتلئة بالمال.
دخلوا الشباب في حرب، فرنسا وبريطانيا وألمانيا وروسيا وغيرهم.
الولايات المتحدة لم تدخل الحرب، إلا في الأشهر الأخيرة منها.
اضطر الأوروبيون إلى شراء الأسلحة والمعدات والثياب وكل مستلزمات الحرب من الولايات المتحدة، سواء نقدًا أو بالدين أو ببيع الذهب والفضة وغيرهما.
أصبح لدى امريكا فائض مالي هائل، وعجز مالي أوروبي، اضطر هذه الاخيرة إلى الأستدانة من أمريكا بفوائد عالية من أجل دفع تكاليف الحرب والطعام والثياب والأعمار.
شفتوا الغباء الأوروبي إلى أين سار؟
وتكرر المشهد مرة ثانية في الحرب العالمية الثانية، كمان خرجت أوروبا من الحرب مدمرة، محطة، ضعيفة، تجر خيبات الهزيمة والانكسار، ومديونة ورهينة بيد امريكا.
في الحالتين، استثمرت الولايات المتحدة في الحرب، وملأت بنوكها وشركاتها بالمال الأوروبي
اليوم، افتعلت الولايات المتحدة الحرب بين روسيا أوكرانيا، واستثمرت في هذه الحرب أفضل استثمار، ازاحت الغاز الروسي من التداول مع اوروبا، غاز رخيص جدًا، وسهل الانتاج والوصول إلى السوق والمواطن الأوروبي، مقابل شراء الغاز السائل من الولايات المتحدة بسعر مرتفع يقدر بعشرة أضعاف السعر من الغاز الروسي.
الولايات المتحدة التي كانت تئن تحت ثقل التراجع الاقتصادي قبل الحرب، ومديونة بتراليوانات الدولارات، هذه الحرب فتحت لها أبواب قارون.
اليوم الشركات الامريكية للغاز والسلاح منتعشتان، المال الأوروبي يتدفق عليها بسهول ويسر، وينعش الاقتصاد الأمريكي مقابل استنزاف الاقتصاد الأوروبي وخزائنه المالية.
هذه الحرب هي مصلحة امريكية، وأوكرانية هي الجوكر في يد أمريكا تلعب فيها بوجود ولد سياسي أسمه زيلنسكي
الحكومات الاوروبية عاجزة، ضعيفة، مخصية، لا يمكن التعويل عليها أن تأخذ موقفًا وطنيًا يعيد لهذه البلدان ألقها من جديد، وتفكر في مصلحة شعوبها.
إلى متى ستبقى أوروبا رهينة للامريكان، ملعب لكرتها، تتقاذفها كالرياح العاتية، إلى متى ستبقى المنقذ لأمريكا وشركاتها، هل هناك من يصرخ في أوروبا من أجل مستقبل أوروبا؟
الواقع لا يبشر بالخير، الأمل هو بخروج المجتمعات الأوروبية من تحت الوصايا وشق عصا الطاعة على الحكومات وسيدتهم أمريكا.

إذا كان النص الأصلي لم يلد ولم يولد وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ أو ما زال قابعًا في الغيب، لهذا يمكننا طرح السؤال:
ـ من نحن؟

في اللحظة التي تكتب فيها يكون النص أصليًا، بمجرد أن تغادر الكلمة تتحول إلى اغتراب، تنفصل عنك ولا تتعرف عليك، تصبح ظل. يكون النص أصليًا عندما تبدأ بقرأته، بمجرد أن تطوي الصفحة يصبح ظلا. تحليلك كتير جميل وغني ويطابق الواقع.

ما هو سر الإبداع
الموهبة في المقام الأول، الحس السليم في رؤية الوقائع والبشاعة الإنسانية، محاولة الحفر في مناجم الخلود، الدخول إلى الأماكن المعتمة التي لا يمكن أن تصلها الأيدي العابثة أو المتطفلة.
الغوص في الظلام، لمحاولة فتح معالم النور من خلال هذا النفق المظلم.
إن يكون لدى الكاتب نكران للذات والتضحية بوقته وحياته من أجل البحث عن الحقيقة والجمال. الرغبة في الانعتاق من آسر العبودية والالتصاق بجدران الحرية، ومحاولة الارتقاء بالذات للوصول إلى جوهر الموضوع.
إن الكتابة أنبل فن على ورق. بحث عن الخلود، عبر ممرات الظلام. إنه الجنون المتكامل.
إن لم تكن مجنونًا، لا يمكنك أن تكون كاتبا جيدًا، ولا يمكن أن تنتج نصًا جيدًا، يخرج عن الرتابة والتكرار والخمول.
النصوص الإبداعية، هو الالتحام بالحرية والجمال والحس بقيم العدالة والحق. إنه انتماء إلى الطبيعة والكون والخلود.
إن تكون مبدعًا إنسانًا نبيلًا عليك أن تنزل إلى الدرجات السفلى من الحياة، إلى مستنقع الحياة، إلى أعماق الظواهر السوداوية.
إن تتحول إلى ناسك في محراب البحث عن الحقيقة.
إن تتجرد من الأصوليات القديمة والجديدة. إن تغرز مدادك في دمك وتنثره في الهواء الطلق كريشة فنان متعبد طلق الغيم والضباب وسكن قاع مرسمه ليلون الأعماق السحيقة للوجود.

البادية والخابور والجبل في رواية « في الأرض المسرة» للروائي آرام كرابيت.
يقول النص:
" وضعت يدي في يده، أمسكته جيداً، مخلباً في مخلب، ويداً في يد، ذئبين في جلدين مختلفين ".
" الذئاب لا تترك أوكارها إلا في حالة الموت أو الفناء. إنهم أكثر نبلاً من البشر، أكثر وفاء للمكان، ولنسلهم ".
هذا نص من رواية في الأرض المسرة للروائي آرام كرابيت، يسلط الضوء فيها على عدة أحداث إنسانية واجتماعية وسياسية في منطقة مضطربة، منطقة العمليات السياسية الدولية، تداخلها المباشر وغير المباشر في حياة الناس والمكان، وتلعب بمصائرهم، ولا تترك حجراً على حجر.
إنها رواية متداخلة، تسرد الأحداث العظيمة على أكثر من مستوى، وتنتقل من حدث إلى آخر ضمن بنية النص ذاته دون محاور، في تداخل الشخصيات ببعضها، وكذلك تداخل الأزمان المتقاربة، والمتباعدة تجعل من يقرأها يحتاج إلى الكثير من التركيز في القراءة، ومعرفة أبعاد السياسة الدولية وثقلها على الشعوب، وما تلحق بهم من ويلات ومحن.
يبدأ النص عبر شخصية عبد الله، الشاب البدوي البريء، والبسيط، الذي لم تلوثه الحياة الحضرية. نقي السريرة والقلب، والضمير.
إنه في مقتبل العمر، يقطن في قرية اسمها «أم مدفع» بالقرب من جبل عبد العزيز في منطقة الجزيرة السورية، راعي أغنام، همّه أن يبقى تحت ضياء الشمس وزقزقة العصافير، والعزف على الربابة والناي.
عبد الله ذلك الشاب المسحور بقريته أم مدفع وبنهري الفرات والخابور، شاءت الأقدار أن يتحول إلى جندي في جيش السلطنة، يجول في أرض الله الواسعة، في منطقة البلقان، المكان الذي يحط الجند فيه ويجتمعون، يحط قدميه ولا يبالي.
عاش في بلوفديف، في بلغاريا أثناء الوجود العثماني هناك، يتعرف على تلك البلاد، تراثها، الغناء فيها، الرقص وحلقات الدبكة الشعبية. يدخل عوالم لم يألفها من قبل، حكايات الفلاحين والأرض، وجني المواسم وقسوة الحياة والزمن عليهم، وعمال الحرف اليدوية الصعبة، بيد أنه لم يكن مستعداً نفسياً لدخول هذا العالم الواسع, بيد أنه يدخله.
يتعرف على لغات مختلفة، وأنماط حياة مختلفة، ويحتك بالناس والأرض دون إرادة منه.
في المطعم، بينما يتناول الغذاء، ويسمع الصوت العذب للمغني الشعبي لتلك البلدة، جوكوف، يرى ويتعرف على الآثار الرومانية، على وجود حضارات كبيرة تركت بصماتها بعد أن انهارت وغابت.
بالمصادفة يقترب منه إنسان عجوز، خبرته الحياة، عجنته، يدخل معه في حوار عميق عن الفن، والمال والتجارة والسياسة. له أسماء متعددة، وتجارب ناضجة. عاشر الكثير من النساء، ورفع أنخاب توحد رجال المال والسلطة في أوروبا والسلطنة، عقد الصفقات على المال والناس والأوطان والمصائر. يقول له معتبراً:
" كل مغامرة يقوم بها الإنسان هي حرية، كل محرقة تقف أمامه تستفز دمه هي حرية، وكل فكرة غريبة تطرق بابه هي حرية. وكل مواجهة جديدة مع المجهول هي حرية. وكل باب مغلق يطرقه أو يفكر في فتحه هو حرية. إن تطأ أرضاً لم يطأها غيرك هي حرية".
تقتحم الرواية باباً صعباً في المجال الأدبي، حيث ترصد العلاقة بين المركز والأطراف في النظام الدولي، وكيف يجري تنسيق هذا التداخل عبر الاستثمارات، والمعاهدات والبرامج الإنمائية وبناء وحدات إنتاجية في البلدان المتخلفة، وكيف تترك آثارها السلبية على المدى الطويل على مصائر الناس المهشين والبسطاء في كل بلد؟. ويبقى المستفيد الوحيد من اللعبة، من هم في مراكز القرار السياسي والمالي.
من خلال شخصية عبد الله تدخل الرواية إلى عوالم أخرى، رغبته الدفينة في العودة إلى البادية، إلى النقاء والفرح، السعادة النابعة من القلب. بيد أننا نكتشف من بعد ذلك عدم قدرة البطل عبد الله على الصمود هناك فيقرر العودة إلى الديار، إلى البادية السورية، بعد أن عاش ردحاً طويلاً من الزمن في استانبول مع زوجته الممرضة نازلي، ملّ من الغربة، من المدن الكبيرة والصغيرة، من روائح روث الحيوانات وعطور رجال الأعمال المزيفة، ذات التراكيب المصنعة.
في بداية الرواية يعلن النص، أن عبد الله قرر الخروج من قريته أم مدفع في الصباح الباكر، وحيداً، سيراً على الأقدام، متوجهاً نحو نهر الخابور، حيث العشيرة تسرح هناك بالأغنام، يصطدم بالطبيعة، بالبادية وقسوتها، بالمطر غير المتوقع، بالذئاب المملوءة في تلك الوهاد، والغزلان على طول الرقعة الجغرافية الطويلة، وأثناء هطول المطر ينصب خيمته على ربوة صخرية، رآها بالمصادفة، معه كلبه وردان، أنيسه في رحلة الألم. هناك، يجلس في العراء برفقة الطبيعة العارية، يشعل النار ويتدفأ، ويبعد عنه بقية الحيوانات. يتذكر استانبول، حبيبته نازلي، الرصاصة التي اخترقت فخذه أثناء تأديته الخدمة العسكرية، جمال المرأة، اللذائذ التي تنبع منها. هناك يعزف على الربابة في العراء وداخل الخيمة يعزف.
هناك، في استانبول يتعرف على سيلفا أيضاً، في المشفى، وينسج معها علاقة صداقة عبر صديقتها، التي ستتحول لاحقاً إلى زوجته, نازلي، اللتان تعملان في المشفى ذاته.
في بيتها تسرد سيلفا له الحكايات، الموهبة التي اكتسبتها من أسرتها، عزفها على الآلات الشرقية، الكمنجة، الجمبش، العود والدودوك. وتحت ضوء الشموع، في جلساتهم الطويلة، كانت تعزف على الدودوك. وتتحدث كيف:
" شكلت لها مسرحاً، مع بقية زملائها عندما كانت صغيرة. جلبت عظام موتى، دمى خشبية، وطرزتهم بالحبال والستائر، ونصبت أعمدة".
كان شغف والدها أن يبحث عن تاريخ الموسيقى في الأناضول، زمن نشوء الفرق الموسيقية، ومسيرتها التاريخية وعلاقتهم بالآلهة والمعابد والمرأة، والملاحم والمسرح والرقص والرسم والنحت. والبحث عن زمن الأوزان الموسيقية وزمن ظهورها، وزمن دمج الموسيقى المحلية بالعالمية، الشرقية بالغربية، التركية والأرمنية والكردية والسريانية والفارسية بالرومانية واليونانية، وعلاقة الشعر بالمسرح والملحمة والموسيقى ببعضهم.
الرواية تجوب عوالم مختلفة، عوالم الناس، أحزانهم، أوجاعهم، وعلاقة الظروف بتشكلهم وبتكوينهم النفسي والثقافي.
«الأرض المسرة» رواية، تبحث في ضمائر الناس عن ما تبقى من إنسانية لا بد أنها فقدت بريقها بعد أن غرق أصحابها في لعبة المال والسياسة والقتل والتدمير.
صدرت الرواية عن دار أرواد العام 2014

النص الأصلي يبقى طوال الوقت باحثًا عن نسبه وأصله كطفل فقد أو أضاع أبويه في خضم الحياة العبثية.
سيبقى النص في حالة بحث دائم عن أصله إلى حين طويل، إلى أن يصل إلى مطابقة الواقع مع المفهوم المنتج له.

كانت معاهدة وستفاليا تمردًا أصيلًا على الكنيسة التي رعت الملوك والطبقة الاجتماعية المالكة للأرض, ومارست القمع والسادية على الشرائح الاجتماعية المهمشة, كالفقراء والمعوزين والفلاحين المنتجين, والقنانة.
لقد حولت الواقع الاجتماعي إلى وباء اجتماعي وأخلاقي, ووقفت إلى جانب الطغاة, وباركت نهجهم بمنتهى القسوة. كما مارست التعمية والتورية على العقل, عبر تغييبه في محاولة تخدير الناس, لإبعادهم عن مصائرهم الحقيقية, مقابل وعود كاذبة بالجنة.

في حلبات الصراع الرومانية القديمة, كان الأبطال عبيدًا, والمتفرجون الجالسون على المدرجات من الأسياد. من يقتل ليس مشكلة, يجلبون غيره ليكمل الدور.
كان الصراع جزء من لعبة الكبار, لتزجية الوقت وتفريغ الطاقات السادية الكامنة في نفوس مواطني, أسياد, تلك المرحلة الزمنية.
الحكاية لم تتبدل في هذا الزمن, باستثناء أن الذين على أطراف الحلبة، الهامشيون يهربون، يهيمون على وجهوههم في العراء والبحار ويتوهون في ربوع المجهول أمام كاميرات وعدسات المصورين, وأنخاب الساديين من رجال النخب المالية والسياسة والدين.


إن تكون كاتبًا, إنساًنا, عليك أن تنزل إلى الدرجات السفلى, إلى مستنقع الحياة, إلى أعماق الظواهر السوداوية. إن تتحول إلى ناسك في محراب البحث عن الحقيقة, تتجرد من الأصوليات القديمة والجديدة. إن تغرز مدادك في دمك وتنثره في الهواء الطلق, كريشة فنان متعبد, طلق الغيم والضباب, وسكن قاع مرسمه, يلون الأعماق السحيقة للوجود.
أغلب الدول يستطيعون على المدى الطويل, وضع خطط حول ذلك، والانسحاب من منطقة الدولار أو وضعه امام معيار الذهب.
اما أن ينسجم الاقتصاد مع السياسة أو تتحكم السياسة في رقاب الجميع. امريكا عم تشتغل سياسيا وعسكريا لتحطيم آسيا وأفريقيا واوروبا, لهذا, أرى هذا الصراع يعيش تناقض هائل بين اقتصاد معولم ومفتوح ومتداخل, وسياسة رجعية تريد ابقاء العالم أمام ايديولوجيات عفى عليها الزمن. سياسة مقيدة لا تواكب العصر. نحن أمام أزمة مفاهيم, إنتاج مفاهيم يتناغم الاقتصاد المعولم مع السياسة. هذا التناقض ربما يجرنا الى حرب عالمية ايضا اذا لم يعملوا على تجسير هذا الامر.
عبر سياسة محاربة الارهاب المعولمة, تسعى الولايات المتحدة الى تدمير البنى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في آسيا كلها وافريقيا وأوروبا, والجماعة ما عم يخبو رغبتهم وافكارهم وممارساتهم السياسية. انهم يشتغلون بوضوح تام. كتب هنتكتون, بريجنسكي, كيسنجر وغيرهم. واخذوا قواتهم لافغانستان والعراق, واليوم يريدون العودة للعراق وسوريا. هل المطلوب من هو قويا الان أن يسكت, ويبقى مكتوف الايدي, ويرى بلده مدمرًا. تعرف أول شغلة يعملوها الامريكان انهم يوقفون تدفق اللاجئين اليهم, ويغرقوا أوروبا بهم لينهاروا اقتصاديا.
لتجفيف منابع الارهاب, يحتاج الأمر إلى توظيف القدرات في بناء مجتمعات سليمة, في عالم خالي من الحروب, في بناء ثقافة إنسانية, في تحسين شروط الوجود الإنساني.

الأخلاق زوائد فائضة عن الحاجة, ادخلت إلى الحضارة من خارجها عنوة. جرى رسمها, وتزييتها بريشة فنان ماهر, عرف كيف يشذب الإنسان, يقلمه ويقصقص جناحيه, ويعمله صالحًا, جاهزًا للخضوع والركوب.
قبل 11 سنة
أنهم، يحددون قواعد اللعبة، ويجبرونك على اللعب في ملعبهم.
ففي دفاعك عن نفسك، تنزلق وتغرق في بحرهم. وإن صمت يضعونك في مرمى نيرانيهم، وتصبح متهمًا، مدانًا ومنبوذاً.
هذه هي السياسات التي تحدث في عالمنا المعاصر.

هؤلاء الذين يبكون على الأحلام الوهمية المؤجلة. أريد أن اطمئنكم أن تلك الأحلام ستبقى مؤجلة.
تلك الأحلام التي تصاغ بأيدي الأغراب لن تنفع. البدائل الواقعية افضل

العلاقة بين الغربة والأنس هو هذا الصمت والسكون، الوشم الذي يطبع التماثل والتباعد بينهما








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مواجهة ساخنة.. أنس الشايب ولانا محمد في حوار مثير!


.. إيران تحذّر إسرائيل من أي هجوم وتتوعد برد أقوى




.. هل نتوجه نحو منع البيجر والأجهزة اللاسلكية على متن الطائرات؟


.. -أي اعتداء سيستدعي ردا أقوى-.. ما الرد الإسرائيلي على التهدي




.. هل ستنجح إسرائيل في تفادي الفخاخ التي ينصبها حزب الله في عمل