الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جمهورية مهاباد ضحية النفط والمصالح الدولية

عارف جابو

2006 / 12 / 24
القضية الكردية


قبل ستين عاماً وبالتحديد في 23 كانون الثاني 1946 أعلن القاضي محمد جمهورية مهاباد محققاً بذلك الحلم الكردي بالحرية. الجمهورية الفتية ولدت في ظرف عالمي استثنائي حيث كانت الحرب العالمية الثانية قد حطت أوزارها بهزيمة دول المحور وانتصار الحلفاء، وبروز ملامح نظام عالمي جديد خطط له المنتصرون.
في بداية الأربعينات وأثناء الحرب سعى السوفييت إلى الاتصال بزعماء العشائر والمثقفين الكرد في ايران، فتم عام 1943 تأسيس الكومله التي تحولت عام 1945 إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة القاضي محمد. طالب الحزب في برنامجه بالحكم الذاتي لكردستان ايران، وبالكردية لغة رسمية ولغة للتعليم بالاضافة إلى إدارة الشؤون الاقتصادية والصحية والتربية في المناطق الكردية، والمطالبة بالتعايش السلمي مع الشعوب الايرانية الاخرى.
كان برنامج الحزب واضحاً ومطالبه محددة ومتناسبة مع الظرف الدولي الجديد ومتوافقاً مع المبدأ الذي أخذ يترسخ بعد الحرب في القانون والعلاقات الدولية القائل بعدم المساس بسيادة الدول والمحافظة على كيانها. فكان قادة الجمهورية يدركون بأن الحلفاء بما فيهم السوفييت لن يسمحوا بتقسيم الدولة الايرانية وقيام دولة كردية مستقلة، فتعاملوا مع الموضوع بحنكة ودراية وعقلانية بعيداً عن الشعاراتية والمغامرة.
بعد اعلان جمهورية الحكم الذاتي في آذربيجان بقيادة الشيوعيين في 12 كانون الثاني 1946، اقتحم انصار الحزب الديمقراطي الكردستاني دار الحكومة في مدينة مهاباد ورفعوا عليه العلم الكردي، وأعلن القاضي محمد في 23 كانون الاول في ساحة جار جرا جمهورية مهاباد، بعد ذلك انتخب المواطنون برلماناً وتم تشكيل مجلس للوزراء يضم 13 وزيراً. وكانت حدود الجمهورية مقتصرة على حوالي ثلث مساحة كردستان ايران فقط وتضم مليون نسمة.
وبالرغم من حداثة الدولة وعدم وقوفها على قدميها بثبات، إلا أن إنجازاتها ولا سيما في المجال الثقافي كانت كبيرة نسبياً حيث تم اعتماد اللغة الكردية لغة رسمية للدولة ولغة للتعليم وتم طبع الكتب المدرسية والصحف والمجلات بالكردية.

صحيح أن النفوذ السوفياتي وتأثيره على جمهورية مهاباد كان قوياً، إلا أن النموذج الاشتراكي كان بعيداً وغير وارد لأن ملاك الأراضي الكبار كانوا يسيطرون على قيادة الحزب ويرفضون اجراء اصلاح زراعي اشتراكي هذا بالاضافة إلى نفوذ رجال الدين القوي ومنهم القاضي محمد ذاته وبذلك كانت الشيوعية والنموذج السوفياتي غير مرغوب فيهما.
كانت جمهورية مهاباد كما الآن اقليم كردستان العراق قبلة لكل الوطنيين الأكراد الذين تدفقوا عليها من الأجزاء الأربعة، فقدم الضباط الأكراد الذين خدموا في الجيش العراقي ليضعوا خبرتهم تحت تصرف الدولة الفتية واستعدادهم لتدريب جيشها الذي كان السوفييت قد وعودوا بتسليحه بالدبابات والمدافع والأسلحة الثقيلة ليتمكن من الدفاع عن الوطن، لكن المساعدة السوفياتية لم تتعدى الرشاشات والأسلحة الفردية الخفيفة، فكانت بداية الخديعة الشيوعية.

بعد ان ضمن ستالين مصالحه النفطية في شمال ايران في ربيع عام 1946 ، بدأ الجيش الأحمر بالانسحاب وبالتالي بدء انهيار الجمهورية الاذربيجانية والكردية الفتيتين. زحف جيش الشاه الايراني على جمهورية اذربيجان في 10 كانون الاول عام 1946 واحتل تبريز منهياً بذلك الدولة الآذرية، وتابع الجيش الايراني زحفه باتجاه كردستان ليدخل مهاباد التي استسلمت بعد أن تخلى عنها الكثير من العشائر الكردية لعدائها للسوفييت، وقد آثر قادة الجمهورية التسليم والتضحية بأنفسهم حقناً لدماء شعبهم بعد ما رأوه من فظائع الجيش الايراني في اذربيجان وخيانة الحليف الأحمر، فاعتقل رئيس الجمهورية مع العشرات من كوادر الحزب الديمقراطي الكردستاني في 17 – 18 كانون الاول 1946، والذي اعدم فيما بعد مع شقيقه صدر وابن عمه سيف في فجر يوم 31 آذار من العام التالي في ساحة جار جرا التي أعلن فيها جمهورية مهاباد قبل عام.
بانهيار الجمهورية الفتية ذات الحكم الذاتي والتي لم تتجاوز شهرها الحادي عشر، كان الشعب الكردي مرة أخرى ضيحة السياسة والمصالح الدولية، حيث تخلى عنهم السوفييت بعد ان تفاهموا مع الأمريكان والانكليز وضمنوا مصالحهم النفطية في ايران، فكانت التضحية بجمهوريتي مهاباد وآذربيجان ثمناً لذلك الاتفاق.
العامل الدولي لم يكن السبب الوحيد للانهيار الدراماتيكي لجمهورية مهاباد وإنما كانت هناك جملة عوامل داخلية ايضاً، من ابرزها غياب وحدة الصف الكردي وتشتت القوى الكردية، وفيما كانت قيادة الحزب والدولة من أبناء المدن كان قوام الجيش وقيادته من زعماء العشائر ورجالاتهم، هذا ناهيك عن بعض العشائر التي قاومت الجمهورية كما قاومت سلطة الدولة المركزية لانها بطبيعتها ترفض السيطرة والانضباط والقانون المدني، لهذا السبب ونظراً لتحالف القاضي محمد مع السوفييت وقفت معظم العشائر ضده إلى جانب الجيش الايراني، مما كان إلى جانب تخلي الحلفاء المفترضين السوفييت السبب الرئيسي لانهيار جمهورية مهاباد.
بانهيار جمهورية مهاباد تم طي صفحة مشرقة من التاريخ الكردي الحديث مازالت ذكراها حية في ضمير الشعب الكردي في أجزاء كردستان الأربعة والتي وحدت الشعب الكردي من خلال العلم والنشيد الوطني اللذين يعتبرهما جميع الأكراد رموزاً وطنية توحدهم أينما كانوا.
__________________________
*عارف جابو: محرر موقع عفرين –نت








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتقال 300 شخص في جامعة كولومبيا الأمريكية من المؤيدين للفلس


.. ماذا أضافت زيارة بلينكن السابعة لإسرائيل لصفقة التبادل وملف




.. لحظة اعتقال الشرطة أحد طلاب جامعة ييل الأمريكية المتضامنين م


.. اشتباكات واعتداءات واعتقالات.. ليلة صعبة في اعتصام جامعة كال




.. تقرير: شبكات إجرامية تجبر -معتقلين- على الاحتيال عبر الإنترن