الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الله والآلهة الحقيقية

ميشيل نجيب
كاتب نقدى

(Michael Nagib)

2024 / 9 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هل آن الآوان أن نجلس مع أنفسنا ونواجهها بقولنا: لماذا نعتقد أن العالم كله على خطأ ويتأمر علينا بينما تخلفنا يزداد؟؟‏
البشر الآخرين ناجحون ومتقدمون والدليل أننا نستخدم منتجاتهم التكنولوجية وطعامنا اليومى ونستورد الأدوية منهم لعلاج أمراضنا، ‏ويملكون كل شئ لكننا مع ذلك لم نمتلك الشجاعة لنواجه أنفسنا: ألا يمكن أن يكون الخطأ يكمن فى طريقة فهمنا للأمور؟ ‏

إصرارنا على أمتلاكنا للحق هذه هى أول وأكبر كذبة قالوها لنا وصدقناها ومستمرين فى تصديقها والإيمان بها، فالحق ليس حق واحد ‏فالحقيقة لها أوجه عديدة وليست حقيقة واحدة يمتلكها شخص بعينه أو أمة من الشعوب، فالعالم ملئ بالحقائق الكثيرة والعلم يومياً ‏يخرج علينا بحقائق علمية مبهرة وإبداعات تكنولوجية كنا نجهلها، لكننا نبرر جهلنا لها بأنها مجرد أكاذيب بل نتجرأ ونسب ونشتم بأقبح ‏الألفاظ غيرنا لو جاءوا لنا بحقيقة ما، لكننا لانستوقف لساننا بسرعة مذكرين أياه بأن الله لا يحب السب والشتيمة والألفاظ القبيحة ولن ‏يقبل منا دفاعنا عنه بتلك الطريقة القبيحة والسليطة اللسان، فالإله الحقيقى يريد مؤمنون به يملكون عفة اللغة وعفة اللسان وعفة ‏الكلمة وعفة النظرة البريئة.‏

الأرض مليئة بعباد الآلهة من كل شكل وكل طائفة وكل شعب يحاول أن يفرض دينه على الآخرين بأنه الدين الحق، لكنه يجهل أن أديان ‏أخرى فى العالم تصف نفسها بالحق لكننا لا نسمع عنها شيئاً ونرفض قراءة كتبها أو سماع أخبارها بحجة أن ديننا يكفينا وإلهنا هو ‏الحق المطلق ولسنا محتاجين لقراءتها أو التعرف عليها رغم أننا قد يكون فهمنا على خطأ، وبهذا أغلقنا على أنفسنا نوافذ المعرفة ‏وحجبنا عن عقولنا رؤية النور وما شكله وما فعله على ذواتنا؟
‏ وهل النور يكشف عوراتنا لذلك نرفض رؤية النور حتى لا نكتشف أننا لا نملك القيم الإنسانية التى يمكنها تحريرنا من القيود المسيطرة ‏على أفكارنا والتى نعتبرها أصح الأفكار بل وأفضل من أفكار كبار علماء العالم المتقدم!!‏

قرأت تعليقات وبوستات على الفيسبوك وغيرها من مواقع التواصل الإجتماعى يكتبون فيها ويعتبرون أشخاص مثل فولتير كأنه عجوز ‏يخرف بينما شيوخهم وكهنتهم هم علماء العالم الذكى، وهذا راجع إلى الأعتقاد الذى لا سند عقلى له بأن هناك إله فى مكان ما يرسل ‏أنبياء ورسل إلى شعوبهم الذكية ذات الأخلاق السامية، وأن هؤلاء الأشخاص من رسل وأنبياء منذ آلاف السنين كما تحكى قصصهم ما ‏هم إلا مجرد قصص توارثتها الأجيال عن الحضارات القديمة ورسختها بأعتبارها أديان لها آلهة حقيقية مثل آلهة الشعوب السومرية ‏والبابلية والمصرية والصينية والهندوسية وغيرهم، الذين كانوا يعتقدون بخلق السماوات والأرض والأمطار لزرع الأشجار والنباتات وإطعام ‏البشر، وأن تلك الآلهة هى الوحيدة التى تحكم العالم وستكافئ المطيع وستعاقب المخالف لوصاياها وكل ذلك مسجل منذ قديم الزمان على ‏جدران معابدهم ولا يوجد أدنى شك فى حقيقة وجود تلك السجلات الأثرية والكتابات التى تؤكد أن كل الأديان الحالية وآلهتها المختلفة ‏مأخوذة مع التعديل بما يخدم أغراض وصفات كل دين حتى وصلنا بأدياننا الخاصة إلى عصرنا الحاضر.‏

كل هذا ألا يستدعى من هؤلاء الأفراد أن يتوقفوا ويتفكروا فى كل هذا التراث البشرى الذى تركته لنا شعوب قديمة؟‏
مع كل هذا التراث الماضى ونحن ننظر إليه بعيون عصرية تملك الكمبيوتر والموبايل والتليسكوبات والصواريخ والأقمار الصناعية، ألا ‏تجعلنا مخترعات كهذه نكتشف بدائية تلك الأفكار الدينية لتلك الحضارات القديمة وعقائدها الأسطورية التى لا مكان لها فى واقعنا ‏المعاصر؟
بل يخاف الجميع ويخجل من فظائع وبشاعة تلك العقائد عندما يعاقب الإله إنسان أخطأ فتنكشف لك قباحة تلك الآلهة الغيبية الخرافية ‏بقساوتها الوحشية لتعذيب نفس إنسانية مدى الأبدية بعذابات أليمة لا يصدقها عقل لأنها من أساطير الأولين.‏

يتملكنى الإبتسام وأنا أرى هؤلاء الذين يتمسكون بمعتقداتهم ويصرون على أنها الحقيقة التى لا بديل عنها، وأن الآلهة أختارتهم من ‏وسط شعوب الأرض لتجعلهم الوحيدين الذين تنتظرهم المكافأة والجائزة الكبرى، وباقى شعوب الارض ستمحوهم الآلهة لأنهم لا يستحقون ‏الحياة، فهل الآلهة أو الإله الحقيقى يمكن أن يفكر بهذه الطريقة ونحن فى زمن التكنولوجيا ولديهم هوس يقينى بوجود الشياطين ‏والإنحلال الأخلاقى الجنسى على الأرض ويتناسون أن هذا الإنحلال بل وأسوأ منه هى وعود ومكافأت آلهة لمن يطيعها وينفذ أوامرها ‏ووصاياها فى الآخرة؟!!‏
الهجوم الشرس من أصحاب الأديان ضد الغير مؤمنين هو دليل على سذاجة الخرافات التى لا تصمد أمام عقلانية الحقائق التى ينيرها لنا ‏العلم وسط ظلمات الأديان وآلهتها التى تركت الكثير من الشعوب فى تخلفها وتمسكها بالحياة فى الماضى البدائى الذى يفضلونه على ‏حاضرنا المعاصر، لأن عقولهم ترسخت فيها فكرة الإله الأعظم من بقية الآلهة الخالقة للكون وأنهم مستعدون للدفاع عن رسولهم وإلههم ‏والموت دفاعاً عنهم ليضمنوا الدخول إلى العالم السماوى الذى لا وجود له فى الوجود الحقيقى، لكنها الحرية فى الأعتقاد بما نشاء ولو ‏على حساب حياتنا الحاضرة وأجيالنا التى ستواجه صعوبة كبيرة فى تقبل حقائق أو خرافات كل معتقد حسب ما يراه أصحابه من الحق ‏المطلق وسط ملايين الحقائق التى تملئ الكون الفسيح.‏

علينا جميعاً رفض الوصاية التى تحاول أشخاص وجماعات متخلفة فرضها على المجتمع بأسم أى دين من الأديان، وعلينا اللجوء إلى ‏العقل والمنطق فى شرح وتفسير أن الحياة هى حاضرنا الذى نعيشه اليوم ولا وجود لبديهيات ذكية من الماضى، فإكتساح البكتيريا ‏والفيروسات المميتة والتى تنجح فى القضاء على ملايين البشر مثل فيروس كورونا الأخير ليس معناه أنها فيروسات وبكتيريا صالحة ‏ومفيدة للبشر، لذلك علينا الإمساك بكل قوتنا بعقولنا والنظر إلى ما حولنا ونمسك بكتب ما كان فى الماضى ودراسته وتحليله للوصول ‏إلى نقطة البداية التى ننطلق منها لفهم العالم على أرضية عقلية سليمة.‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران في كفة واحدة مع إسرائيل؟ جدل يُقسم الإسلاميين في المغر


.. هل الأخلاق فطرية أم دينية ؟




.. وفاة الشيخ السعودي ربيع المدخلي أحد أبرز شيوخ السلفية


.. وفاة الشيخ السعودي ربيع المدخلي أحد أبرز شيوخ السلفية




.. بابا الفاتيكان يستقبل زيلينسكي وروما تستضيف مؤتمر تعافي أوكر