الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هواجس من كل حدب وصوب 296

آرام كربيت

2024 / 9 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كان أفلاطون يدعو المرأة أن تنخرط في الشأن العام، وفي الجيش لحماية حدود الدولة على عكس الدين اليهووي، اليهودي المسيحي الإسلامي الذي احتقرها، بل حولها إلى أداة بيد الرجل، إلى متعته السلطوية.
أراد الاتحاد الأوروبي تجميد سبعة ونصف مليار دولار لمطالبته المجر الحد من الاحتيال والفساد.
إلى هون الكلام حلو، لكن ماذا عن بولونيا الأكثر فسادا وعنصرية، وعالة على الاتحاد، وماذا عن ليتوانيا واستونيا وبقية الدول الجديدة التي انضمت للاتحاد وليس في جعبتها معيار واحد يلبي شروط الاتحاد.
أين الديمقراطية يا مفوضية الاتحاد، لماذا تغلب المصالح السياسية على شروط الاتحاد؟
ولماذا الكيل بمكيالين، ولماذا هذا الخضوع الذليل للسيد الأمريكي؟
هذه الحرب عرت الجميع من ورق التوت وكشفت عورات الديمقراطية وحقوق الإنسان.
قبل هذا الاتحاد أن يدمر أوروبا مقابل أن يعلن ولاءه لأمريكا الفاسدة، راعية الإرهاب والعنف.

الحبيب مثل البحر كلما كان بعيدًا كان أجمل.

لقد انتجت الأنظمة العربية دينًا على مقاسها, مقاس هزيمتها, هزيمة العام 1967.
هذا الدين المزيف, اشتغلت عليه جيدًا, عبر رجالها, اعلامها, رجال دينها, شيوخها, تجار أخلاقها.
غيبوا العقل, قتلوا الضمير والوجدان, شوهوا الإنسان, جعلوه يتمسك بالشكليات, حولوا هذا المسكين في بلداننا إلى مجرد كائن مهزوم, مستلب, مخصي نفسيًا, منفصل عن نفسه ومجتمعه وزمنه ومكانه.
دين هذه الأنظمة, شبيه بها, ويشبه بعضه. ولا فرق هنا, بين هذا الدين أو ذاك

الثورات لا تنتصر، أنها تغير التراتبية الاجتماعية، عملية استبدالية، القوى القديمة استهلكت نفسها للكثير من الأسباب الكثيرة، ووصلت إلى الطريق المسدود.
أي، لم تعد تستطيع إعادة إنتاج نفسها إلا بوجود قوى جديدة.
ليس بالضرورة أن تكون القوى الجديدة حاملة فكرًا نهضويًا أو مشروعًا سياسيًا ما، أو لديها تصور للمرحلة القادمة، أو حل للمشاكل الاجتماعية الاقتصادية السياسية القادمة. بل ربما تكون الاسوأ، ولنا في التجارب السابقة دليل على قولنا.
فالملكية كانت أقل سوءً من التجربة البعثية أو الناصرية.
وكل تجربة لا تضع حرية المواطن في الحسبان، ولاتسخر الدولة وقوانينها لخدمة الإنسان نهايتها سيؤدي إلى طريق مسدود مسدود.

في العبودية الطواعية، تنحو النفس الإنسانية نحو الخضوع، مع هذه الصيرورة الطويلة تتشكل في ذات الفرد بنية نفسية متكاملة، بنية ترفض الخروج من هذه العبودية، بله تستمتع بها.
احيانًا، السعادة تكتمل عندم تذل من قبل الدولة أو الرئيس أو الزعيم أو الزوج او الزوجة.
نتساءل مرات كثيرة، هل من الصواب أن نتكلم عن الحرية، وفك القيد، وبناء بيئة إنسانية خارج عالم العبودية، بيئة عالمية تنشد الحق والخير والعدالة؟
أم أن قدر البشر هو التعلق بمن يشدهم إلى الأسفل، والبقاء فيه.

يقول ماركس: إنّ التاريخ يعيد نفسه مرتين، مرة على شكل مأساة، ومرة على شكل مهزلة.
وما نراه الآن هو المهزلة.
الحرب الباردة بين الكتلة الشرقية والغربية كان لها ظروفها وحساباتها وشروطها، وتموضعها القائم قبل إعلانها بسنوات طويلة. وجاءت في سياقات زمنية محددة حولت العالم إلى أحلاف وكتل وكان هناك أيديولوجية حاملة لمشروع استراتيجي أو هكذا يخيل لنا، بمعنى كان هناك كسر عظم بين قوى متنافرة، متناقضة متباعدة، وتم تجنيد كل الحسابات لخدمة هذا الصراع.
كان الصراع اصيلًا وحقيقيًا.
هل الصراع مع الصين يشبه الصراع مع الكتلة الشرقية، باقتصادها الموجه وشكل إدارة الاقتصاد والدولة والمجتمع؟
أليست الصين دولة رأسمالية، واقتصادها اقتصاد سوق، وتنافس بقية الدولة على المكانة في هذا السوق؟
إذًا، لماذا الحرب الباردة أو الساخنة على الصين، خاصة أن الصين لا تطرح نفسها بديلًا، ولا تقاتل الغرب أيديولوجيًا، ولا تضع نفسها بديلًا مغايرًا عن الغرب، تطرح نفسها كواحدة من ذات البيت؟
لماذا تبذير المال والثروات على حروب مصنعة، وتخريب الطبيعة ببحارها ومحيطاتها في حرب كاذبة؟
لماذا لا تتجه هذه الدول نحو تحالف إنساني بناء، ما دام الخصم هو ظل الخصم، يشابهه في كل شيء، بله يطابقه في كل شيء، في إدارة الاقتصاد والسياسة وفي إنتاج التكنولوجية؟

أكيد الكثير منّا سمع بشعب الإيغور، الذي يتعرض للظلم من قبل الدولة الصينية بشكل ممنهج.
ويتم تجاهله عمدًا من قبل أغلب الدول العربية والإسلامية، لأن مصالحهم هي مع الصين، وليس مع الضعفاء.
والأنكى من كل هذا، أن الفرح الإسلامي بالنصر الطالباني كان كبيرًا وهائلًا، ومثيرًا، بيد أن السؤال يقول:
هل تضامنت طالبان ولو بكلمة مع شعب الإيغور، لماذا؟
هل أشارت، ولو إشارة صغيرة إلى تضامنها مع هذا الشعب المسكين المعرض للفناء؟
هل في الصراعات على المستوى العالمي يوجد مكاييل، نتضامن مع هنا ونهمل هناك، وعامدًا متعمدًا؟
أليس شعب الإيغور، شعب مسلم، إذًا، لماذا تعاطفنا مع طالبان، ونسينا شعب مسحوق ومظلوم، وكأنهم غير موجودين على سطح هذا العالم.
في أحداث الصراع الأذربيجاني الأرمني على منطقة كاراباخ، أغلبية المسلمين في العالم وقفوا مع أذربيجان، واعتبروا نصرها إلهيًا، ولكن لماذا لم تقولوا كلمة أو تعاطفتوا مع مسلمي الإيغار؟
حتى تكونوا موضع ثقة، عليكم كدول وشعوب أن تكيلوا بمكيال واحد، هو مكيال الحق والصدق، حتى ينالكم احترام العالم، بله أن تنالوا احترام أنفسكم أمام أنفسكم.

نمط الإنتاج لا يعود إلى الوراء، هذا ما قلت قبل ثلاث أيام، بعض الأصدقاء كانوا مستغربين من كلامي.
نريد القول، أن نمط الإنتاج هو عملية تصاعدية، ارتقاء إلى الأعلى فالأعلى. بمعنى لو كانت الاشتراكية نمط إنتاج في الأتحاد السوفيتي لتحولت تحولات نوعية إلى الأعلى فأعلى.
ما حدث في الأتحاد السوفييتي والصين كان ثورة وطنية من أجل السيطرة على التركم الاقتصادي للدولة المتأخرة في جميع مجالات الحياة.
عمليًا، عمل ستالين وماو تسي تونغ، على إنجاز هذه المهام بالعنف وكان يتوجب على الاتحاد السوفييتي الانتقال إلى الرأسمالية المركزية أيام خروشوف. واعتقد كان من الممكن أن يتم هذا في الستينات كما حدث في الصين أيام دينغ سياو بينغ.
جاء البليد بريجينيف وطاقمه التقليدي وجلسوا على الدولة والمجتمع وعطلوا اندفاعه وتطوره ونالوا منه ودمره بالكامل.
جوهر الثورات هي محاولة الانتقال إلى الرأسمالية المركزية، محاولة إنجاز المهام الوطنية التي عجز تاريخ هذه الدول من القيام بها.
المهام الوطنية التي قام بها لينين وماو وبعده ستالين، لم تكن اشتراكية كما روج لها.
الاشتراكية تحتاج إلى بناء إنساني ومدني متطور جدًا. أنا شخصيًا لا أعرف ما معنى الاشتراكية. هل هو بناء سياسي اقتصادي اجتماعي. والاشتراكية ليست توزيع عادل للثروة للثروة أو التأميم أو الأرض. هي نمط إنتاج متطور جدًا لم تصل إليه البشرية إلى هذه الدقيقة.
إن نمط الإنتاج الاشتراكي يحتاج إلى بنية اجتماعية مختلف عما هو قائم في عالمنا المعاصر، ولم يكن موجودًا سابقًا، البشرية غير جاهزة لهذا الانتقال، لم يتوفر لها القاعدة الموضوعية والمادية لهذا الشيء. وإذا وصلت إلى هذا النمط، الاشتراكي، نستطيع القول، لا يمكن الرجوع إلى الوراء.
وهل تعود الرأسمالية إلى الاقطاعية

الشماتة بالناس ابتذال رخيص، سقوط أخلاقي وإنساني، فيه تشفي من المكلوم الذي اصابته الحياة في مصيبة عميقة، كأن يفقد عينه أو جزء من وجهه، أو كتفه.
كيف تفرح لمصيبة الأخرين وهم في حزن أليم، حتى لو كانوا أعداءك.
إن الاغتباط ببلية الأخرين قمة الحقارة، والدونية، إن يدل على شيء أنما يدل على أنك رخيص، دون قيم أو أخلاق.
بينك وبين الأخر هي السياسة، صراع سياسي، رد سياسيًا، تجنب التمتع بوجع غيرك ومآسيهم.
الذي يفرح لجرح، بالتأكيد هو وحش، كائن دون احساس أم عقل.
آه.. قديش الأديان موبوءة حتى تنتج أناس بهذه العداء لبعضهم، وهم في أقسى الظروف.
الشماتة ابتذال رخيص.

قلت له:
ـ لماذا أنتم مقيمون في وسط المدن؟ قال:
ـ نحن هنا من أجل حماية الوطن، قلت:
ـ أي وطن تقصد؟ قال:
ـ هذا الوطن الذي نعيش فيه. قلت
ـ قصدك الوطن الذي أنت فيه السجان وأنا السجين؟ ولماذا تحميه أنت، ومن من؟
ـ لحمايته من الأعداء.
ـ أي أعداء تقصد؟
وقف ينظر إلي بحيرة، عينه في عيني كعين الذئب الجريح.
أكملت:
ـ لماذا تحميه أنت؟ من وضعك وصيًا عليه؟ الدولة والمجتمع تتم حمايتهما من خلال الدستور أولًا، والمؤسسات ثانيًا، والقانون ثالثًا، وليس من قبل فرد مثلك.
ـ يا ابن العاهرة؟ مضى على وجودي في محافظة الحسكة عشرين سنة لم يستطع أي رجل فيها أن يرفع رأسه أمامي، فتأتي أنت يا صعلوك وتتكلم معي بهذه الطريقة.
والله لأكسر رأسك. سأنزلك إلى القبو وافرجيك الله بذاته.
قلت له:
ـ لست خائفًا منك. قبل أيام خرجت من تدمر. أنت تعرف تدمر؟ لقد سرقت من عمري 13 سنة ولم يعد هناك أي شيء يستاهل أن أبقى من أجله، سرقت زهرة عمري وشبابي.
أنا بين يديك أفعل بها ما تريد. لست خائفًا منك. ليس لديك أي شيء أخاف عليه. تريد قتلي، تفضل أقتل.
وفي هذا القتل ستريحني من هذه الحياة.
التفت العميد علي محسن إلى الملازم أول سمير وقال له:
ـ إنه مجنون. أليس مجنونًا هذا الواقف أمامنا؟
ـ نعم يا سيدي أنه مجنون.

عندما اتعب أعرج إلى مطعم صغير، مستطيل الأبعاد، جدرانه كورقة سوداء اللون من الشحار والدخان المنبعث من الكانون المركون في وسطه. سقفه منخفض ونوافذه صغيرة بالكاد يمرر الهواء للتنفس.
بيد أن طعامه لذيذ. ما أن أجلس حتى أطلب زبدية لبن بارد مع الخيار بالثوم وبعض معجنات السبانخ. وأحياناً كثيرة تغريني المشاوي كالكباب أو أسياخ اللحم والكفتة.
وهذا المطعم ملتقى العمال والحرفيين وبعض الفلاحين القادمين من الريف لبيع بعض منتوجاتهم أو دواجنهم بالإضافة إلى بعض الجنود الصغار في مثل عمري.
وأغلب الأوقات يكون المطعم غاصًا بالزبائن. ويقوم على خدمته رجل بلغاري من بلفنة. ويعج بدخان اللفائف والتنفس ورائحة الثياب المبللة. ويمتلئ بالأصوات العالية.
أذهب إليه باكرًا، قبل وصول الزبائن. وأحجز لنفسي المكان ذاته بالقرب من النافذة، في الركن الشرقي الموازي للكانون القريب من المصطبة.
أجلس في هذا المكان بالذات لأكون قريبًا من المغني الغجري والعازف جوكوف. صوته عذب أقرب إلى صوت البلابل.
كلمات أغانيه تعانق الورد والجبال والبحر والغربة والفراق بآلته الوترية الغادولكا برفقة راعي الغنم تيودور على آلة الدودوك.
وهذا الرجل العجوز، الراعي سابقًا كان قد ودع الرعي والغنم وامتهن العزف والغناء وإطلاق النكت.
كنت مسترخيًا، أمتع نظري بالتلال والجبال التي تحيط بالمدينة، وتحميها من العواصف والرياح. وعلى مبعدة قصيرة من المطعم يتكئ المدرج الروماني في حضن التلال بنقوشه وكتاباته وتماثيله الجميلة.
وفي الساحة دير صغير قريب من الحانة بأجراسه الذهبية المعلقة فوق أحشاء محرابه. في هذه اللحظة اقترب رجل بثياب رثة، ممزقة كحال أغلب الفلاحين البلغار. وحجز لنفسه مقعدًا بالقرب مني. وراح يدخن لفافته ويطلق دخانها في الحانة.
كانت تنبعث منه رائحة كريهة، كأنه لم يغتسل منذ شهور أو أنه رفيق الشوارع والطرقات أو بلا مأوى.
طلب نبيذًا وراح يحتسيه على مهل، بوقار، وكأنه فارس قادم من القرون الوسطى. ونظراته لا تخلو من الهيبة والجلال. التفت إلي وحدق في ملامحي بتمعن ثم أدار وجهه. ثم عاد وتمعن في وجهي وفي عينيه آلاف الأسئلة. ثم مسك كأسه الخشبي وجرع نبيذه دفعة واحدة.
كنت أراقبه متوجسًا كحال جميع الغرباء، بهيئته الغريبة وحضوره الطاغي ونظراته المرتابة، المرتبكة. وسرعان ما قطع الشك باليقين وطرح علي سؤالًا بدد مخاوفي وقلقي عندما قال بلغة بلغارية سليمة:
ـ هل تحب صوت العندليب جوكوف؟
ـ صوته في غاية العذوبة والرقة. إنه يأخذني إلى أم مدفع وجبل عبد العزيز ونهر الخابور الخالد. فترة الشباب والمرح والجنون والطيش والعشق. إنه يبث في اوصالي حرارة الحياة ودفئها. صوت يمتزج برائحة التراب والغربة. عندما يغني أطير إلى مرقد الآلهة في السماء والنور.
ـ يبدو أنك شاعر!
ـ لست بشاعر. أحب الصوت المعطر، النقي، المختلط برائحة الطبيعة.
ـ هل لك معرفة سابقة به؟
ـ لا
ضحك حتى بانت نواجده. صوت قهقهته ملأت القاعة حتى لفت نظر بقية الزبائن. وفاحت منه رائحة الخمرة القوية المختلطة برائحة جسده. وأضحت قوية جدًا ومنفرة ومقززة، بيد أنه كان لطيفًا وطيب المعشر. ثم عدل جلسته وملأ كاسه مرة ثانية، وقال:
جوكوف ليس غجريًا كم تظن. ولم يكن مغنيًا في شبابه. كان قوادًا، لا يخجل ولا يخاف الله.
أنظر. وأشار بيده اليمنى إلى الأراضي الشاسعة التي تقع تحت نظرنا، وأضاف:
كان منتفعًا. وحاز على أغلب أراضي بلوفديف وتولى مسؤوليتها وإدارتها.
لقد وضع نفسه في خدمة السلطان ورجاله. لهذا كان لديه قصور ومال وجاه وخدم وحشم. والناس تهابه وتخاف منه لعلاقته الوطيدة مع الحاكم.
بصراحة جوكوف رجل ديوث تستر على علاقة خفية بين زوجته والحاكم العثماني مدة طويلة من الزمن. وكانا يخرجا معًا للسهر والعربدة وصيد البط والغزلان.
إنه رجل الحسابات الدنيئة. قواد الحكومة. لقد أثقل الضرائب على كاهل الفلاحين والعمال والحرفيين البسطاء. وجلد الكثير منهم في الساحة المركزية أمام عامة الناس. وجلب نساء الضحايا وأطفالهم ليشاهدوا بأم أعينيهم ما يحدث لمن يتجرأ ويخالف إرادته وسطوته.
عدل مكانه مرة ثانية، وجرع كأسه حتى الثمالة ثم مرر كمه المتسخ فوق فمه. ومسح بقايا اللعاب ورذاذ الخمر والبزاق وأضاف:
وأغوى الكثير من النساء للدخول إلى قصره عندما يهلل الليل. وتبدأ حفلات السكر والعربدة والمرح. ويجبر تلك النسوة على الرقص تحت ظلال الشموع والقناديل عاريات بحضور الحاكم والضباط الكبار. ولإن صوته عذبًا فأنه يغني ويرقص ويعزف على آلة الغادولكا. وفي نهاية كل ليلة فاجرة يتأبط كل ضابط إحدى تلك النسوة إلى مخدعه بإشارة من الفاجر.
كانت تلك الليالي العامرة باللذة تمنح هذا النذل أن يبقى منضويًا تحت راية الإمبراطوية أملً في تحقيق حلمه السري ببلوغ المجد ويصبح حاكم المدينة.
في هذه اللحظات مر موكب صاخب، أصناج كانت تهتزة وأصوت تتناغم وطبول تدق وألحان تقرع.
التفتنا أنا والمخمور إلى مصدر الصوت، وخرجنا إلى الشارع.
مر موكب الربيع، رأينا فتيات منذورات للجمال والبهاء، يضعن على ملابسهن قصصات حمراء وبيضاء. ويغنين لشهر آذار وتفتح الزهر، شهر الجدة السعيدة ورمز التجدد. واحتفالاً بنهاية الشتاء وبدء الربيع. كن يدبكن ويمرحن ويغنين لحلب الأبقار والأغنام، ولتحل الصحة والبركة والسعادة في النفوس.
التفت إلى الرجل المخمور ودققت في كلامه، ولباقته في الحديث، وفضوله ورغبته في معرفتي.
ـ أنا عبد الله من أم مدفع، وأنت؟
ـ أنا مراد أو تشارلز.
ـ لك اكثر من اسم؟

الدولة في البلدان الغربية لا تحتاج إلى أيديولوجية، المؤسسات الفاعلة فيها هي التي تقوم مقام كل شيء، بالإضافة إلى فصل السلطات، فصلًا حقيقيًا.
في ظل الدولة التي فيها مؤسسات فاعلة تتحول العقائد إلى شأن خاص، شأن تحت سياسي، تحال إلى المجتمع المدني.
العقائد كانت ضرورة في السابق أيام حمورابي والاسكندر ابو ثلاث قرون وسليمان القانوني وخالد بن الوليد وعباس بن فرناس وبطرس الأكبر أو الأصغر وستالين وهتلر وماو تسي تونغ وموسوليني، لشحن الهمم والنفوس من أجل القتال وتحصين الذات واللحمة الوطنية.
في الأنظمة الاستبدادية أو الشمولية تتحول الأيديولوجية إلى غاية، حياة أو موت لهم.

وما زال الجرح السوري نازفًا، ويطعن من القريب والبعيد.
كانت الأصوات تتعالى في سوريا للتحالف مع كمال أتاتورك في تركيا، أو الثورة البلشفية في روسيا.
وقد شهدت حلب لقاءات بين وزير الحربية يوسف العظمة، ووفد تركي ممثلًا عن مصطفى كمال، حول دعم السوريين في نضالهم ضد فرنسا.
غير أن تلك اللقاءات لم تؤد إلى نتيجة، بسبب أن أتاتورك كان يستغل السوريين، لتحسين شروط تفاوضه مع الفرنسيين، فأدار ظهره لهم، وعقد اتفاقًا مع فرنسا، عُرف بمعاهدة أنقرة عام 1921، التي شملت:
تنازل سلطة الاحتلال الفرنسي عن الأقاليم السورية الشمالية، وانسحاب الجيش الفرنسي منها، وتسليمها للسلطة التركية الوليدة.

في ظل دولة فيها مؤسسات تتحول العقائد إلى شأن خاص.
العقائد كانت ضرورة في السابق لشحن الهمم والنفوس من أجل القتال وتحصين الذات. أما اليوم فهي عبء على نفسها والدولة والمجتمع في البلدان المتخلفة.

يا خسارة, الثورة البلشفة, التي وعدت العالم كله بعالم إنساني عادل وشفاف وخال من الظلم والحروب يكون منتوجها مثل بوتين ولافروف وبريماكوف وجيرنوفسكي وغيرهم من الحثالة, مجرمين ومافيات سياسية واقتصادية ورجال الجريمة المنظمة على كل مختلف المستويات.
ربما, مصالح الاحتكارات العالمية ترتد على قيم الدولة بالمفهوم التقليدي, أي الدولة الوطنية, دولة الرعاية الاجتماعية والضمان الصحي والتعليم المجاني, وتدفع إلى تهميشها, ودفعها إلى الخلف, وإدخال مجتمعات المركز في المستقبل, في صراعات هامشية, مثلما يحدث في أطراف النظام.
لهذا علينا أن لا نستهين بما نرى ونشاهد, نقرأ ونتابع الاحداث من منظور الشك والريبة بكل ما يجري حولنا وإلى جانبا.
لنتذكر أن المهمشين هم الضحايا, وهم أول وقود النار.

مهام الدولة في فترة ما بعد الحرب الباردة تغير كثيرًا, انفصل عن مهامه السابقة في الدفاع عن المجتمع, مصالح المجتمع, بله تحول إلى كائن عائم منفصل عنه, تحول إلى شريك فاعل في خدمة الاحتكارات العالمية, لإدارة النزاعات والقتال في داخل المجتمعات وتمزيقه. بمعنى, على سبيل المثال, أن أغلب الدول اليوم في الشرق الأوسط انفصلوا عن المجتمع, تحولوا إلى إداري, وظيفي يقدم خدامات لمصالح رأس المال العائم حول العالم, وتنفيذ أجندته ومطالبه.
نرى مؤشرات خطيرة تحدث هذه الأيام.
إن وظائف الدولة المعاصرة, استقل عن المجتمع بالكامل, عائمًا فوقه, استقل عنه, تركه أعزل, وأصبح فاعلا في تكريس نزاعات عميقة داخله. وهذه الدولة تعمل على تغذية هذه النزاعات واستمراره. أي مجرد رامي وقود على النار لتزداد اشتعالا.
ما نراه في سورية والعراق كمقدمة, وربما دول أخرى قادمة, كتركيا أو إيران أو الباكستان, بنغلاديش, مصر, الأردن وغيرهم, تحولت الدولة في هذه البلدان, وستتحول إلى مجرد مقاول أو وكيل للاحتكارات لتأكل المجتمع, ولاستمرار تمزيق نفسه بنفسه, وهم يشرفون عليه من عليائهم.
لا استغرب أن يستمر هذا الامر ليأخذ آسيا كلها وأوروبا وأفريقيا, خاصة أن هذه البلدان جاهزة موضوعيًا للاشتعال على اسس طائفية ودينية ومذهبية وقومية. والحرب في سورية والعراق واليمن وليبيا غذت, وتغذي النفوس المريضة بانتماءها إلى الماضي, وتحقنها وتشحنها بالمزيد من الانقسام على اسس قديمة, الغارقة في القدم, خاصة المذهبية والدينية والطائفية. وأوروبا, التي تستقبل مجموعات بشرية مختلفة, ستكون جاهزة للانفجار في المستقبل, تأخذ في طريقها الشعوب الأوروبية إلى هذا الاتون الحارق.
بمعنى, سيكون لدينا, دولة عالمية واحدة عائمة, موزعة على مناطق عدة, لإدارة نزاعاته, وتوظيف هذه النزاعات لخدمة الاحتكارات العالمية العائمة
هذا الرابط دعوة للحيطة والحذر مما هو قادم, وما سيحدث. وبتقديري, إذا استمرت الأمور كما نرى الأن, ستتحول حياة البشر إلى جهنم.


في السويد, الكثير من الإسلامويين, يريدون المدارس أن تعزل الفتيات عن الفتيان, وبدهم لحم حلال, ويحجبوا الأطفال.
يا لهذه المطالب السخيفة والفارغة
هؤلاء المعتوهين لماذا جاؤوا إلى بلدان متحضرة. محترمة, احترمت إنسانيتهم المهزومة.
لم يتعلموا ابدأ من هزائمهم على يد الأنظمة التي حولتهم إلى مجرد حشرات ذليلة, فوتت على بلداننا الحراك السياسي السلمي منذ عشرات السنين وإلى اليوم, للأنتقال إلى دولة, وطن.
إن هؤلاء المرضى المنفضلين عن الزمن وسياقه, عم يوقضوا اليمين الغربي من سباته, ويضعوه كسيف في وجوهنا.
ستهزمون هنا أيضًا, وفي كل مكان, لأن عقولكم محدودة.
خوفي ليس عليكم, لأنكم بلا قيمة. خوفي هو على نفسي أن اكون بينكم, منكم وفيكم. ويا خجلي أننا أبناء وطن واحد, ومنطقة واحدة.

العشائر بطربوش قومي, الماركسيين بطربوش قبلي, البدو, المذاهب, الطوائف, لا يستطيعون بناء دولة معاصرة.
باستثناء اليابان, الشرق كله لم, ولن يستطيع دخول الحداثة. إنه مريض, مأزوم. ثقافته ترتد عليه, تحوله إلى مجرد كائن مغلف بالعقد والانغلاق, وكره الأخر المختلف. إنسانه مقيد بعشرات الموانع التاريخية التي ترمي بثقلها عليه وتقيده, بله تحنط تفكيره.

انتهت السيادة الوطنية, الاستقلال الشكلي الذي ساد بعد الحرب العالمية الثانية بسقوط جدار برلين.
بدأ تاريخ جديد في العلاقات الدولية منذ ضرب بغداد 1991. لم يعد هناك حماية سياسية أو اجتماعية للبلدان الهشة سياسيا واجتماعيا.
علينا أن نعي هذه المعادلة, ونخرج من عقلية الحرب الباردة. أن نفكر موضوعيا, كيف نخرج من عنق الزجاجة, أن من يريد أن يقاوم يجب أن يستند على أرضية صلبة, بعيدًا عن الطائفية, المذهبية والعشائرية, الدينية والقومية, لأن هذا تمركز مريض حول الذات, انغلاق, ورؤية ضيقة.
ان نعمل من أجل دولة لكل المواطنين دون تمييز. وغير هيك, سنبقى مجرد أدوات في لعبة النظام الدولي. ونتحول إلى محرقة, نحترق فيها.

سيبقى التحالف الدولي على الارهاب المصنع مستمرًا إلى ما شاء القدر.
الحروب بين الكبار انتهت إلى غير رجعة, انتقلت إلى المجتمعات في البلدان الصغيرة كبلدنا سورية والعراق واليمن وسيأخذ في طريقه دول أخرى. الأيام ستكشفها.
آلة التحالف تحتاج إلى وقود لتبقى متماسكة, لتفريغ الحمولات السياسية الثقيلة في كل دوله, مؤسساته, ونقل الازمات الموضوعية إلى الأطراف, لتصريفها.
نحن اضحينا وقودا, مجرد هوامش, أدوات تفاعل بين القوى الدولية.
دون حروب, افتعال حروب, اقتتال, صراعات مجانية, لا يمكن أن يستقر النظام الدولي القائم على أزمة بنيوية عميقة. وفي صلب تكوينه.

عندما يكون هناك تضخيم اعلامي, تسليط ضوء كثيف على قضية ما, مشكلة ما, في مكان ما من هذا العالم, فهناك هدف سياسي وسخ وخطير, مبيت, لتمرير فعل سياسي ما.
الجوانب الإنسانية لا مكان لها في هذه القذارة التي تحصل في عالم السياسة الدولية, ولا شيء بريء في الإعلام الوسخ, الذي نراه هذه الأيام.
فكروا في الأبعاد السياسة لأية قضية مطروحة, واستعدوا لها. لان ما ينتظر الجميع, أكثر بكثير مما هو في الواقع.
أنا لا أقلل من الماساة الإنسانية لشعبنا في عين عرب, بيد أني أفكر في أبعد من هذا على المدى الطويل.
ماذا يريد الساسة, المخططون الاستراتيجيون, إلى أين يريدون أن يأخذوا شعبنا, بكرده وعربه, وبقية مكوناته الاجتماعية والدينية.

هؤلاء من جماعتنا, معليش يخربوا أو يغتصبوا أو يحتلوا مدن أو يسرقوا بيوت. لكن, هؤلاء الأخرين, مو من جماعتنا, لازم نضع لهم حد. أنهم مجرمين, سفلة, قتالين قتلى.
هذه الاصطفافات هي من مدرسة الاستبداد والعقل الشمولي الذي يرى في جماعته الخير كله وفي الأغراب الشر كله لأنهم لا يتوافقون مع عقله وفكره البسيط والمحدود.
الغلط هو غلط سواء جاء من أخي أو أبي. ويجب أن أقول له في عينه. أنت مجرم ويجب أن لا اتستر عليك.
هذا هو المدخل للعقل, للعقلانية, للعقل المنفتح والديمقراطية.

أقسى أنواع الغربة هي السجن, عندما تفقد العلاقة مع ابسط الأشياء. حنان الأهل, لقمة طعام مع الأصدقاء, ابتسامة مشرقة لحبيبك, إلى من يربت على كتفك, يقول لك شد حيلك, الشوق الطافح لرائحة التراب الطري أو الأشجار.
في السجن يتحول الإنسان إلى مجرد كائن منكسر القلب والروح. تنقطع علاقته بالفرح والحب والحزن والألم أو اليائس.
إنه بقايا إنسان, مجرد إنسان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية.. الكلمة الفصل للميدان | 202


.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية: تماسك في الميدان في مواجهة




.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مدينة صفد ال


.. تغطية خاصة | عمليات المقاومة الإسلامية ضد الاحتلال مستمرة |




.. 80-Al-Aanaam