الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقف والمقاومة وجهان لعملة واحدة

سامح قاسم

2024 / 9 / 23
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


غالبًا ما يُتهم المثقف بالانعزال عن واقع المجتمع والمقاومة. هذه الصورة النمطية قد تعززت بفعل أن كثيرًا من المثقفين ينغمسون في التفكير النظري والتحليلات المجردة، مما يُبعدهم عن الواقع المليء بالصراعات اليومية التي يعيشها الناس. لكن في مواجهة الاحتلال أو الظلم السياسي، تتحول النظريات إلى ممارسات، ويجد المثقف نفسه أمام اختبار حقيقي. هنا يجب أن يقرر: هل يبقى في برجه العاجي، مراقبًا ومنتقدًا من الخارج؟ أم ينخرط في صفوف المقاومة؟
وُلد المثقف ليكون ضمير الأمة، عينها التي ترى وتفكر، وصوتها الذي ينادي بالحقيقة في وجه الظلم. وفي أوقات المقاومة، تتصاعد أهمية المثقف، إذ يصبح دوره حاسمًا في دعم الحركات المقاومة، ليس فقط من خلال الخطاب والتنظير، بل أحيانًا عبر الانخراط الفعلي في المواجهة.
وكما يقول الفيلسوف الإيطالي أنطونيو غرامشي: "المثقف العضوي هو الذي يتجاوز التأمل الفلسفي إلى العمل المباشر."
غرامشي، الذي نُفي وسُجن بسبب أفكاره الثورية، كان مؤمنًا بأن المثقف يجب أن يلعب دورًا مباشرًا في توجيه المجتمع نحو العدالة والحرية، وأنه لا يمكن أن يبقى مراقبًا سلبيًا.
الشرق الأوسط، بحكم تاريخه المليء بالاستعمار والنضال من أجل التحرر، يقدم لنا العديد من الأمثلة التي تجسد الدور المحوري للمثقف في المقاومة. من بين أبرز هؤلاء المفكرين فرانز فانون، المفكر الجزائري ذو الأصول الفرنسية الذي انخرط في الكفاح ضد الاستعمار الفرنسي. في كتابه الشهير "معذبو الأرض"، وضع فانون أسسًا فكرية لدعم المقاومة المسلحة ضد الاستعمار، مشددًا على أن العنف في سياق المقاومة هو وسيلة ضرورية لتحرير الشعوب المضطهدة.
يقول فانون: "العنف الذي يواجهه المستعمر ليس فقط تدميرًا لأدوات الاستغلال، بل هو أيضًا تدمير للبنية النفسية التي زرعها الاستعمار في نفوس المستعمرين."
فانون لم يكتفِ بالتنظير، بل كان ناشطًا ومقاتلًا في الثورة الجزائرية، مستخدمًا فلسفته كأداة لدعم النضال التحرري.
وفي السياق ذاته، يمكن الإشارة إلى مالك بن نبي، المفكر الجزائري الذي انشغل بتحليل مشكلات المجتمع الإسلامي تحت وطأة الاستعمار. بن نبي لم يتبنَ العنف كخيار أساسي، لكنه شدد على أهمية الوعي الثقافي كجزء من المقاومة. رأى أن الاستعمار ليس مجرد هيمنة سياسية واقتصادية، بل هو هيمنة فكرية وثقافية أيضًا، وأن المقاومة تبدأ من تحرير الفكر قبل السلاح.
في الغرب أيضا، لعب المثقف أدوارًا بارزة في دعم المقاومة ضد الظلم والاستبداد. جان بول سارتر، الفيلسوف الفرنسي، كان أحد المثقفين الذين انخرطوا بعمق في المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال النازي خلال الحرب العالمية الثانية. سارتر لم يكن فقط فيلسوفًا للحرية، بل عاش الحرية في مقاومته الفعلية للاحتلال.
سارتر قال: "الإنسان محكوم عليه أن يكون حرًا."
من هذا المنطلق، رأى أن الحرية ليست فكرة مجردة، بل هي مسؤولية تتطلب أفعالًا. شارك سارتر في الكفاح المسلح ونشر مقالات تحث على المقاومة وتدعم الفعل المقاوم كجزء من فلسفته الوجودية.
على الجانب الآخر، نجد شخصية مثل ألبير كامو، الفيلسوف والروائي الفرنسي. كامو، رغم دعمه للمقاومة الفرنسية ضد النازية، كان له موقف معقد تجاه المقاومة المسلحة. في روايته الشهيرة "الطاعون"، يصور كامو المعركة ضد الاحتلال والظلم على أنها معركة إنسانية عامة تتطلب تضامنًا أخلاقيًا، وليس مجرد أعمال عنف. بالنسبة لكامو، كانت المقاومة تعني مواجهة "الطاعون" الذي يمثل الاستبداد والظلم، ولكن دون اللجوء دائمًا إلى العنف.
ليست كل مقاومة تتطلب استخدام السلاح. المثقف، في كثير من الأحيان، يقدم مقاومة فكرية وثقافية تتحدى النظام الظالم عبر الكلمة والصوت. أحد أبرز الأمثلة على ذلك هو مهاتما غاندي، الذي قاد حركة المقاومة ضد الاستعمار البريطاني في الهند باستخدام فلسفة اللاعنف. غاندي كان يعتقد أن المقاومة يمكن أن تكون سلمية، وأن المثقف يجب أن يقود المجتمع من خلال تقديم بدائل أخلاقية وفكرية للظلم.
قال غاندي: "اللاعنف هو السلاح الأقوى، وهو سلاح الروح المتنورة."
غاندي استطاع من خلال حركته السلمية أن يحقق استقلال الهند، مما أظهر أن المقاومة ليست بالضرورة أن تكون دموية، بل يمكن أن تكون أخلاقية وفكرية.
المثقف الذي ينخرط في المقاومة يضع نفسه في مواجهة مباشرة مع الاحتلال أو السلطة والظلم، لكنه أيضًا يضع نفسه في مواجهة النقد والمساءلة. فالمقاومة ليست مجرد فعل بطولي نقي، بل هي عملية مليئة بالتعقيدات. المثقف الذي يختار المقاومة قد يواجه اتهامات بالتضحية بالمثل العليا من أجل أهداف سياسية ضيقة، أو قد يُتهم بأنه يتخلى عن دوره كناقد ومستقل. لكن في النهاية، المثقف الذي يختار أن ينخرط في المقاومة، سواء عبر الكلمة أو السلاح، يقوم بذلك إيمانًا منه بأن دوره لا يمكن أن يقتصر على التفكير والنقد، بل يجب أن يكون جزءًا من الفعل.
المثقف والمقاومة يظلان وجهين لعملة واحدة في لحظات الصراع الكبرى. المثقف ليس فقط من يُنظّر للمقاومة، بل هو من يشارك فيها بطرق متعددة، سواء من خلال الكلمة والتحليل والنقد أو من خلال الانخراط الفعلي. كما قال الفيلسوف الأمريكي هنري ديفيد ثورو:
"العصيان المدني هو المقاومة السلمية للظلم، وهو واجب المثقف قبل أن يكون حقًا للشعب."
هذا التكامل بين الفكر والفعل هو ما يجعل المثقف عنصرًا حاسمًا في معادلة المقاومة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الإيطالية تعتدي على متظاهرين مؤيدين لفلسطين في ميلانو


.. الحكومة تعالج الاختلالات المالية من جيوب المغاربة #المغرب




.. تغطية القناة الأولى للجلسة الافتتاحية للمؤتمر الإقليمي لحزب


.. محمد نبيل بنعبد الله : صفقة أكبر محطة لتحلية المياه فازت به




.. علم الحراك الشعبي في سوريا لعام 2011 شوهد وهو معلقا خارج الق