الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أين موطن - الاسلام الصحيح - ؟

منى نوال حلمى

2024 / 9 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


=========================

يوم 3 سبتمبر 2024 ، أقامت المنظمة العالمية لخريجى الأزهر ، ورشة عمل بعنوان : احتكار الجماعات المتشددة للُسنة النبوية ، فى مقرها الرئيسى بالقاهرة .
وقد أوضحت أن هذه الجماعات لا تمثل " الاسلام الصحيح " ، ولا " الفهم الصحيح " ،
للُسنة النبوية ، ودعت الى ضرورة اعطاء " صورة مشرفة " عن الاسلام .
وتعليقاتى هى كالتالى :
أولا : هذا الكلام ليس جديدا .
منذ ما سميت " الصحوة الاسلامية " ، فى بلادنا ، التى استعادت نشاط التيارات التكفيرية ، الارهابية ، الجهادية المسلحة ، الخارجة كلها من عباءة الاخوان ، ونحن نعانى من الارهاب وبحور الدم ، لمدة نصف قرن . اتهمونا كلنا ب " الكفر " ، لآننا لا نقيم شرع
الله ، وننشر المفاسد ، فاستحلت دماؤنا ، وأن أوان استعادة الخلافة الاسلامية .
بعد كل عملية سفك دماء ، كان المتحدثون الرسميون باسم الاسلام ، يدينون الحادث ،
لأن " الاسلام " برئ من هؤلاء ، الذين لا يمثلون " الاسلام الصحيح ".
ثانيا : بما ان جميع التنظيمات التكفيرية ، الجهادية ، المسلحة ، وعددها بالمئات ، وعدد جنودها بالآف ، أينما وجدت لها " أسماء اسلامية " على تنويعات مختلفة ، وشعارهم على تباينهم : " الله غايتنا .. والرسول قدوتنا .. والقرآن دستورنا .. والجهاد سبيلنا .. والموت فى سبيل الله غايتنا " ، فان السؤال الذى يطرح نفسه ، ، هو كيف يعقل أن كل هؤلاء ،
لا يمثلون " الاسلام الصحيح " ؟. ألا يوجد تنظيم واحد ، واحد فقط ، ضمن هذه الهوجة ، يمثل " الاسلام الصحيح " ، واستطاع أن يفهم النصوص والُسنة " بالفهم الصحيح " ؟.
ثالثا : التفسير المنطقى أن " الاسلام الصحيح " ، اما مبهم ، وغير واضح ، وبالتالى ،
فان " الاسلام الصحيح " ، غير موجود أصلا .
رابعا : وفقا لهذه الحقيقة ، فان" الاسلام " ، ليس الا " تفسيرات " بشرية ، علماء وفقهاء وجمهور . والا لماذا انقسم الاسلام ، منذ نشأته وحتى الآن ، الى فرق عقائدية ، ومدارس فقهية ومذاهب وطوائف ؟. وأدت هذه الانقسامات ، والتفسيرات المتباينة ، الى التقاتل ، والحروب ، وبحور الدم ، والفتن .
خامسا : اذا سأل شخص ما ، عن حكم الاسلام فى أحد الأمور ، أو طلب الفتوى الشرعية فى قضية ما ، أليست البداية ، " اختلف العلماء " ، أو " اختلف الفقهاء " ، والنهاية هى
" والله أعلم " ؟.
هذا معناه ، أن الشخص طالب الحكم الآسلامى ، أو الفتوى الشرعية ، يحق له اختيار حكم واحد ، يتناسب مع ظروفه ، وشخصيته ، وعقله . وكلنا يعرف الحديث النبوى :
" استفتِ قلبك ، البِر ما اطمأنت اليه النفس ، واطمأن اليه القلب ، والاثم ما حاك فى النفس ، وتردد فى الصدر ، وان أفتاك الناس ، وأفتوك ". وهذا يؤكد المسئولية الشخصية للانسان عن أفعاله . والمسئولية الشخصية ، لا معنى لها ، اذا كانت أفعال الانسان ، مستقاه من
عقل غيره من البشر .
سادسا : ان أكبر طائفتين ، وهما أهل الُسنة والجماعة ، والشيعة ، نجد أن فروع أهل الُسنة والجماعة عقائديا هى أهل الحديث ، والأشاعرة والماتريدية ، وفقهيا هى الحنابلة والشافعية والمالكية والحنفية والظاهرية . والشيعة تنقسم الى الاثنى عشرية واليزيدية والعلوية والاسماعيلية . والاثناعشرية ، اما اخبارية أو أصولية . والاسماعيلية اما نزارية ، أو دروز .
كل واحدة من ألفها حتى يائها ، " بشرية " ، تختلف عن بعضها البعض ، وقد تتناقض ، فى فهم وتفسير النصوص القرآنية ، والُسنة النبوية . وبالتالى فهى لا تلزم الا أتباعها . وكلها اما تنفى الأخرى ، أو تكفرها ، زاعمة أنها " الاسلام الصحيح " .
ان الأزهر ، الذى تجاوز عمره الألف عام ، وبعد تحوله من المذهب الشيعى الاسماعيلى ، الى المذهب السنى ، عكف على نشر وتعليم وتدريس وتفسير، الاسلام السنى الشعرى ، والذى يوصف بالاعتدال والوسطية ، هو نفسه قد تم تكفيره من التيارات الجهادية ، لأنه بالنسبة اليهم ، لا يمثل " الاسلام الصحيح ".
سابعا : : اذا أخذنا على مستوى البلد الواحد ، مصر مثالا ، هل " الاسلام الصحيح " هو اسلام مصر فى الحكم العثمانى ، ولا اسلام مصر فى عهد الملك فاروق ، ولا اسلام مصر فى العهد الناصرى ، ولا اسلام مصر أيام السادات ؟.
ثامنا : على مستوى الدول الآن ، أين يوجد " الاسلام الصحيح " ، فى تونس ، التى منعت تعدد الزوجات ، وأقرت المساواة فى الارث ، وحق المرأة التونسية المسلمة بالزواج من غير المسلم ، وأباحة تسمية المولود باسم الأم ، والغاء المهر ، واباحة التبنى ، أم فى
أفغانستان ، والسعودية ، والامارات ؟.
وهل نظام " ولاية الفقيه " فى الجمهورية الاسلامية الايرانية ، الشيعية ، الاثنى عشرية منذ 1979 ، يمثل " الاسلام الشيعى الصحيح " ؟.
وهل تمثل داعش ، " الاسلام الصحيح " ، باجراءات الاعدام ، وقطع الرؤوس ، والرق ،
والقتل الجماعى للمخالفين ، وهى تسمى نفسها " الدولة الاسلامية فى العراق والشام "؟.
تاسعا : ان اليهودية والمسيحية ، تتعدد بها الانقسامات مثل الاسلام . لكن لا توجد دولة فى العالم ، تحكم بالنصوص التوراتية . وكذلك المسيحية انسحبت داخل الكنائس فقط . لا أحد يريد تكرار المآسى ، الناجمة من وصاية رجال الدين على المجتمع وحياة الشعوب . والانقسامات ليست قاصرة على الديانات الابراهيمية ، بل هى أيضا فى الديانات الأرضية ، مثل الزرادشتية والهندوسية والبوذية والسيخ والكونفوشيوسية ، والطاوية والشنتية ، والسندية ، والمانوية والجانية الدارمية ، والبهائية . لكنها لا تحكم القوانين وشئون
المجتمع .
عاشرا : ان الهند ، يوجد بها أكبر التنوعات الدينية ، لذلك كانت حريصة بعد استقلالها عن بريطانيا 1947 ، أن يكون دستورها علمانى ، حتى لا تغرق فى بحور الدم . ومع ذلك لم تسلم الهند من الاغتيالات الدينية ، بدءا باغتيال غاندى زعيم الاستقلال ، من هندوسى متعصب ، مرورا باغتيال أنديرا غاندى ، أول رئيسة وزراء للهند ، ثم اغتيال ابنها راجيف غاندى ، على يد السيخ . وتطول القائمة . ولا ننسى اغتيال بناظير على بوتو ، أول رئيسة وزراء لبلد مسلم باكستان ، على يد طالبان ، بعد فشل القاعدة فى اغتيالها .
احدى عشر : واقعيا ، لا يوجد الا التنظيمات الجهادية الاسلامية ، وانقساماتها الكثيرة ، التى تكفر وتقتل ، وتهدد ليس فقط بلادنا ، وانما العالم بأسره ، تحقيقا للخلافة الاسلامية
الكوكبية . وشاهدنا مظاهرات المسلمين فى هامبورج بألمانيا ، فى أبريل ومايو 2024 ،
نظمتها جماعة " مسلم انتراكتيف " ، مطالبة بتطبيق الشريعة الاسلامية ، وسط هتافات :
" الخلافة هى الحل " ، و " ألمانيا تساوى القيم الديكتاتورية ".
ثانى عشر: نخلص الى أن الدولة المدنية الحديثة ، هى الخلاص ، والمنقذ الحقيقى الدائم من الدائرة الجهنمية ، للجدل بين " الصحيح " و " غير الصحيح " فى الأديان . ان حجب الأديان من دخول الفضاء العام ، وحياد الدولة تجاه جميع الأديان ، واعلاء كلمة القانون الوضعى العادل ، فى جميع قضايا المجتمع ، هو جوهر الدولة المدنية . وبالتالى ، يصبح الدين خصوصية الانسان ، لا تخرج من بيته ، حيث يعبد ربه . هكذا ينتفى التقاتل الطائفى والمذهبى ، وكل أنواع الجرائم والتجارة والعنصرية والكراهية . وحيث نكتب النهاية
" للحروب المقدسة ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 23-Al-araf


.. 24-Al-araf




.. نازح من غزة: النزوح أشبه بطلوع الروح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. القضاء الهندي يأمر بوقف سياسة -عدالة الجرافات- في هدم منازل




.. من هم الذين يغيّرون المجتمع ؟