الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
يوميات من الماضي البعيد !.
محمد السعدي
2024 / 9 / 24اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
في ربيع عام ١٩٨٨ ، بدأت تلوح في الأفق نهاية للحرب العراقية الإيرانية عبر جهود دولية ووسطاء من منظمات إسلامية ، وتعنت الموقف الإيراني ، بدأ يلين لدعوات إنهاء الحرب ، وليس بمعزل عن ما تلقاه في الفصل الآخير من سنوات الحرب من ضربات موجعة على شرايينه الاقتصادية في تحطيم منصات تصدير النفط في الموانيء الإيرانية كميناء بندر عباس ودك العاصمة الإيرانية ومدن آخرى ببوابل من الصواريخ يومياً ، كما وصفها الامام الخميني في نهاية فصولها ، إنها جرعة سم يوم ٨ آب ١٩٨٨ . النظام العراقي وجيشه وجحوشه عدوا العدة قبل جرعة السم المميته ، في أستهداف قوى المعارضة المسلحة في جبال كردستان ، والتي تمددت في القرى والارياف وغلاف المدن والقصبات أثر حرارة الحرب وسخونتها في الوسط والجنوب ، نحن الثوار أنصار الحزب الشيوعي العراقي ، كنا أحياناً وبحكم الظروف التي نعيشها وصعوبتها نتساؤل : لو توقفت الحرب بين الجارتين الإسلامتين إيران والعراق ، ماذا سيكون مصيرنا ؟. الجواب كان يأتينا عبر قنوات عديدة وعبر أطراف مسؤولة إنه الحزب واضع خطة ستراتيجية تحوطاً لتلك التطورات من إنسحاب منظم وخطوط خلفية آمنة ، وعندما هدأت جبهات الحرب بين الطرفين أثر المفاوضات أستعداداً لإيقاف صفارة الحرب ، بدأ النظام وأجهزته القمعية في الاستعداد لإطلاق عمليات الأنفال ، فكانت الحصيلة ضياع الرفاق بين معسكرات دول الجوار وقسم غير قليل نال الشهادة . في يوم ٢٢ شباط العام ١٩٨٨ ، بدأت عمليات الانفال على المقرات الرئيسية لقوات الاتحاد الوطني الكردستاني ” سركلوا بركلوا ” كنت مع عدد من الرفاق بقيادة الشهيد ستار غانم ” سامي حركات ” نتدثر في غرف رطبة على سفح جبل الوادي ، الذي يضم مقرات الاتحاد الوطني الكردستاني ، كان صباح ممطر وبرد قاسي والثلوج تغطي الوديان والسفوح وقمم الجبال وسطوح غرف نومنا ، أستيقطنا في الصباح الباكر على غير العادة على صوت القصف المدفعي الكثيف وحركة الطيران فوق أجواء مناطق مقراتنا ، وأتخذنا الاستعدادات الممكنة في لملمة الوثائق المهمة ، وأخفينا الاسلحة الزائدة وأدوات الطبع والنشر ، وبقينا لساعات نترقب التطورات فالقصف يزداد ضراوة وشراسة على مقرات الاتحاد الوطني الكردستاني في ” سركلوا بركلوا ” ، والقرى الكردية المجاورة شاهدنا عبر ممرات الثلوج هروب طوابير من القرويين بإتجاه الاراضي الإيرانية ، فاتخذنا قرار الانسحاب بقيادة سامي حركات ، وأنا لطيف ، أبو عليوي ، نبيل ، علي كرادي ، لطيف . دلفنا الى داخل الوادي ، حيث مقرات الاتحاد الوطني الكردستاني وجدناه فارغة تماماً من المقاتلين والبشمركة ، إنهم سبقونا في الإنسحاب ، رأينا جثث ملقاة بأطراف الوادي ، إنهم معتقلين في سجون الاتحاد الوطني ، حيث نفذ بهم حكم الإعدام أثناء عملية الانسحاب ، بعد أن بدأ الجيش والقوات الخاصة والحرس الجمهوري وقوات المغاوير ومفارز الأمن والمخابرات والاستخبارات العسكرية والجحوش المرتزقة بالتقدم نحو المقرات بأستخدام الاسلحة الكيمياوية عبر القصف المدفعي وصواريخ الطيران .
لم يكن أمامنا من خيار الا الانسحاب مع الآلاف من أهالي القرى وسط العواصف الثلجية ورائحة الكيماوي والقصف بإتجاه الاراضي الإيرانية ، ثلاثة ليالي صعبة قضيناها في الانسحاب وسط الثلوج والقصف الكيمياوي ورائحة الموت وموت الاهالي والاطفال والمواشي في الوديان والجبال ، بعد رحلة مضنية من التعب والجوع والبرد والوجع ، دخلنا مع مئات من الاهالي المنكوبين والمقاتلين من قوات الاتحاد الوطني الى القرى الإيرانية الحدودية ، ونحن المفرزة الشيوعية حشرونا مع مقاتلي الاتحاد الوطني بأعتبارنا ضمن مقاتليهم ونقلونا بسيارات مكشوفة الى مدينة سردشت الإيرانية وفي أحد فنادقها الفارهة مع قيادة ومقاتلي الاتحاد الوطني ، وبعد أربعة أيام عدنا نحن الشيوعيين الى مناطق ” ناوزنك ” لكن مجريات الأمور والتطورات لم تعد مثل السابق ، حيث خطة النظام إجتياح كامل لمناطق كردستان في جبالها وسهولها وقراؤها ، وفرض هيمنته العسكرية عليها ، وهذا واحدة من تداعيات إيقاف الحرب ، التي طالت ثمان سنوات حرثت البلاد والعباد . بعد عدة أسابيع مضنية ومحبطة على النفس البشرية ، حصلنا على هويات من حزب الاتحاد الوطني بأعتبارنا من منتسبيهم ومقاتليهم وسافرنا الى العاصمة ” طهران ” أنا والشهيد سامي حركات وعلي الكرادي بواسطة منشأة نقل الركاب من مدينة خانة الإيرانية في الساعة السادسة مساءاً ، وفي الصباح الباكر وصلنا الى العاصمة طهران وحللنا ضيوفاً على رفيقنا الشيوعي الصيدلاني أبو محمد في منطقة ” كوجة مروي ” ناصر خسروا ، وبعد أسابيع في العاصمة طهران ، وفي دراسة عامة وسريعة للوضع بها وبمشورة عدة رفاق حول أمكانية العيش وسيناريوهات العودة إلى الجبل ، والتي أصبحت غير ممكنة في العيش أو الخروج من إيران ، فكنا ميالين الى السفر أنا وعلي كرادي ، أما الشهيد سامي حركات قرر العودة الى المدن الإيرانية الحدودية ، وقد سبقنا بالعودة بإتجاه أرض الوطن ، والذي ضاع بين أزقته . ونحن أمام مفترق طريق لضمان وضعنا ووجودنا القانوني في إيران وإجراء معاملة السفر يتطلب العودة الى جبال كردستان وتسليم أنفسنا الى القوات الإيرانية الحدودية باعتبارنا هاربين من بطش سياسة النظام العراقي ، ذات مساء ليس عادي في يومياته حول مصيرنا المجهول ، بعد أن قررنا العودة الى الحدود ولا خيار لنا غيره صعدنا في باص المنشأة الكبير لشركة النقل الإيرانية وأخذنا مقاعد متباعدة للجلوس تحوطاً لحالات الطواريء ، ربما يكشف أمرنا في دوريات وسيطرات التفتيش ووجهتنا كانت الى مدينة سقز الإيرانية ، وصلنا الى المحطة الرئيسية الساعة الخامسة صباحاً برد قارص والثلوج تكسو الشوارع والأزقة خالية والناس ما زالوا نيام ، حيث الشوارع خالية من المارة ، هدوء مطبق يعم المدينة إلا حركة الكلاب السائبة ، وفي أول مصادفة واجهة هوتيل بضوئه الساطع داخل المدينة دلفنا الى بهوئه ، وكان موظف الاستعلامات رجل في الخمسين من العمر ، يبدو عليه التعب والنعاس ، طلبت منه غرفة لشخصين ولمدة ثلاثة أيام ، لم يدقق كثيراً بأوراقنا ، التي أنتهت صلاحيتها ، نحن مقاتلين الاتحاد الوطني الكردستاني ، وبعد أن أخذنا قسطاً من الراحة والنوم ، خرجنا الى المدينة وألتقينا بمقاتلين من أحزاب آخرى ، وطرحنا عليهم فكرة تسليم أنفسنا الى القوات الإيرانية لإنه هذا السبيل الوحيد لحمايتنا وتبرير وجودنا في إيران ، وخطوة بأتجاه السفر خارج إيران ، في اليوم التالي سافرنا بسيارة صغيرة مع ثلاثة ركاب عابرين الى مدينة أرومية ” الرضائية ” . ومنها سافرنا إلى مدينة زيوه الحدودية ، فيها مقرات الحزب الديمقراطي الكردستاني ” حدك ” . ومعسكرات للجيش الإيراني ، طيلة سفرتنا من العاصمة طهران ومرورنا بهذه المدن الساخنة ، لم تعترضنا أي مفرزة أو نقطة تفتيش تدقق بهوياتنا ، كنا محظوظين رغم صعوبة الاوضاع وتدفق الآف البشر ناجين من ويلات الانفال والكيمياوي . وصلنا بسلام الى موقع مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني في مدينة ” زيوه ” . وطلبت منهم أن يساعدوننا في تسليمنا الى القوات الإيرانية بعد أن شرحت لهم وضعنا ، فبعد وجبة غداء لذيذة ، قادنا أحد قيادي الحزب بسيارة مظللة الى موقع للجيش الإيراني ، وهذا بحد ذاته جواز عبور لنا ، أي بمثابة تزكية ، وقال لهم هؤلاء جنود هاربين من جبهات الحرب ، وقضوا معنا فترة غير قليلة ، وقرروا الآن العيش على أراضي الجمهورية الإسلامية ، وبعد فترة دخل علينا شخص بوجه أسمر قصير القامة ذات لحية خفيفة ومرتبة بإتقان ويحمل بيده جهاز إتصال ويتقن اللهجة الجنوبية العراقية ، وعرف نفسه المجاهد أبو حسن ، بدون مقدمات طلب منا الانضمام الى العمل الجهادي لإسقاط نظام صدام الكافر ، فعتذرنا وتعذرنا بسبب حالتنا النفسية المتداعية ، وبعد ساعات نقلونا بسيارة عسكرية الى مدينة ” خوي ” . مدينة جميلة ونظيفة ، أنا شخصيا أبهرتني ، ونقلونا الى معسكر كبير بسفح الجبل وسط غابة من الاشجار ، تبين فيما بعد أنشأ هذا المعسكر في بدايات الحرب العراقية الإيرانية لاستقبال العراقيين الهاربين من جيهات الحرب ومن بطش سياسة النظام ، وجدنا في هذا المعسكر مئات من عوائل العراقيين أطفال ونساء وجنود ورفاق لنا صباح المندلاوي ، أبو حازم ، شيرين ، كانوا معنا في الجبل ولحساسية الاوضاع ، كنا نتجنب بعضنا خوفاً من أن يكشف أمرنا للسلطات الإيرانية ، كانوا زارعين وكلاء ومخبرين بيننا . بعد أقل من شهرين حصلنا على رقم يسمح لنا بالتنقل داخل الاراضي الإيرانية ، يسمى ” ليزا باص ” . وقدمنا على إجازة أنا وعلي كرادي لمدة أسبوع ولم نعود بعد للمعسكر ، وبقينا في طهران عدة شهور نعمل ونتابع معاملات سفرنا ، وفي العطل كنت أذهب إلى مدينة ” قم ” . لزيارات أبناء قريتي سيد حسين الهاشمي والمرحوم ستار صادق الطائي وبعض العوائل التي هجرت قسراً من قرية الهويدر في عام ١٩٨٠ . ساحة طهران تشهد أحداث غير طبيعية لكثرة عدد الاحزاب العراقية وصراع العراقيين بينهم ولغة التشهير والاتهامات هي الطاغية على المشهد السياسي العراقي في إيران . في ١٥ آب عام ١٩٨٨ ، توفرت لي فرصة بالسفر الى سوريا بجواز عراقي غير محترم .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. مخاوف من انهيار الهدنة بين حزب الله واسرائيل| الأخبار
.. الطوارئ في كوريا الجنوبية.. هل تقف كوريا الشمالية خلف التصعي
.. ما أثر عمليات المقاومة ضد جنود الجيش الإسرائيلي داخل غزة؟
.. حرائق وقنابل غاز في اشتباكات للمعارضة مع الشرطة في جورجيا
.. مستشفى المعمداني يستقبل مصابين بعد غارة إسرائيلية على محل تج