الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
السيرة.. بين التوثيق والتلفيق
جمال الهنداوي
2024 / 10 / 1دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
كثيرٌ من التساؤلات قد تطرأ على ذهن المراقب لكل ذلك التناقض الواضح -بل قد يكون الفاضح- في تصريحات الشخوص المتصدين لقيادة المشهد السياسي في العراق عن مدى صعوبة الباحث المستقبلي في بناء تصورٍ تاريخيّ أقرب إلى الحقيقة عن مفردات ووقائع الحياة السياسية في هذه المرحلة الصعبة اعتماداً على الملاحظات الشخصية لرموز هذه المرحلة وعناوينها، هذا طبعاً إذا تجاوزنا بعض الشهادات التهريجية التي ظهرت مؤخراً في بعض وسائل الإعلام .. وهي الملاحظات التي تكون عادة ركيزة لأية قراءة تاريخية مستقبلية للأحداث التي نعاصرها مرغمين بناء على ممارسات نفس هذه الرموز..ناهيك عن ألاعيب الحواة الفكرية التي تملأ كتب المذكرات والسير التي أصبحت هواية أو وسيلة للظهور أكثر من كونها شهادة وتوثيق لأحداث قد تدفع المجتمع إلى تحديد مساراته بصورة أكثر عقلانية وواقعية..
فعلى الرغم من تباين المبررات التي يلجأ لها من يندفع لكتابة تاريخه الشخصي، واختلاف الدوافع وراء تلك المبررات، إلا أننا يمكننا أن نضعها جميعها تحت طائل رفع شأن الذات وإعلائها وتلميعها في عيون التاريخ الذي يلتقط ما يقولونه ويسجله في سفر الأيام وذاكرة الشعوب. وهذا ما يجعل العديد من كتب السير -وخاصة المتعلقة بحياة السياسيين منها-أقرب إلى مرافعات دفاع طويلة أمام القارىء -المرتبك من تشوش الصور-لدرء التهم وإزالة الأوحال التي قد تكون لطخت العديد من محطات تنقلهم في مسالك السياسة الشائكة.
وفي الواقع فنحن لا نقوى إلا أن نصدّق على جملة المفكر جان جاك روسو الصارخة في"اعترافاته" والتي قال فيها: "أنا أفعل شيئاً لم يفعله شخص قبلي، ولن يقدر شخص بعدي على تقليده". وبالفعل فقد كان كتابه الأكثر جرأة وصراحةً منذ لحظة صدوره حتى الآن. وتضاءل الأمل في أن نقرأ مثله بعد أن تخلى الأدباء والفلاسفة والفنانون عن احتكارهم لكتابة المذكرات لتمتلىء الساحة بالكثير من السياسيين والملوك والرؤساء والثوّار الذين تعاملوا مع الوقائع بحرفية السياسي، وأمالوها كيف مالوا ولووا عنقها تجاه ما يحقق لهم أهدافهم وأمجادهم الشخصية على حساب الحقائق, مما يضع الكثير من السير الشخصية في خانة الرأي والتبرير المتكلف أكثر مما هي توثيق وبحث علمي رصين يتجاوز الأهواء والميول.
وقد يكون هذا الأمر هو الذي يدفع بمؤرخينا للاعتماد على مذكرات الشخصيات الأجنبية المعاصرة أكثر من ثقتهم بهذا الكم الكبير والمربك مما يمكن أن نطلق عليه اعادة الانتاج الروائي للأحداث المزوقة بانتقائية واضحة للوثائق والشهادات الداعمة, وفي مزيج قلق من الحقيقة والخيال الموظف في كتابات تنتحل التاريخ وتتنكب سيرورته وتصنع واقعها الخاص في ذهن القارئ., إنَّ قارىء السير الشخصية لسياسيينا عليه أن يكون مهيئاً لدخول عوالم قد تلتبس فيها الأحداث وتختلط الوقائع بالأماني وعليه أن يحاول أن يعيش في الجو السياسي الذي كان سائداً، وطبيعة العوامل التي تحكم العلاقات بين العناوين السياسية، ويبتعد عن الأحكام المسبقة والمؤدلجة التي قد تفسد الحقيقة بصرامتها المقننة، وأن يقارن بين العديد من الرؤى والطروحات لكي يستطيع أن يدعي بعدها تحصله على الجزء الأقرب للحقيقة، ولو استعرضنا التناقض والتقلبات التي تسود تصريحات بعض سياسيينا المعاصرين وايحاءاتهم المفخخة وتفسيرهم الملتوي للأحداث نستطيع ان نجزم أنَّ مهمة القارىء- وكذلك الباحث والمؤرخ- المستقبلي لسير أعلامنا الأعلام ستكون أكثر صعوبةً بكثير.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين في غزة تدعو للتظاهر لضمان صفقة
.. رئيس منظمة حماية الصحفيين: السلطة الفلسطينية تُعاون نهج إسرا
.. إسرائيل تُبلغ اليونيفيل والولايات المتحدة نيتها تمديد بقاء ق
.. بعد وقف إطلاق النار في غزة: هل تكفي المساعدات لمواجهة برد ال
.. الجيش الإسرائيلي يواصل إغلاق مدخل بلدة حلحول شمال الخليل بال