الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما الذي حل بالكرامة العربية؟

سامح قاسم

2024 / 10 / 1
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


إن الصمت العربي تجاه العدوان الإسرائيلي المستمر على لبنان واغتيال حسن نصر الله، القائد البارز في المقاومة اللبنانية، لا يمكن إلا أن يُفهم على أنه خذلان عميق لقيم العروبة والشرف الإنساني. في وقت تستمر فيه إسرائيل في تكثيف عدوانها العسكري وتوسيع بنك أهدافها لتشمل لبنان بعد غزة، تتخذ العديد من الدول العربية موقفًا صامتًا، مكتفية بمراقبة الأحداث دون أن تحرك ساكنًا.

حسن نصر الله لم يكن مجرد زعيم عسكري أو سياسي، بل كان رمزًا للمقاومة التي تحدت لعقود الاحتلال الإسرائيلي والتدخلات الأجنبية في لبنان والمنطقة. بقتله، لم تستهدف إسرائيل شخصًا، بل استهدفت رمزية الكفاح من أجل التحرر، والصوت الذي طالما مثل نداءً للعزة والكرامة في وجه الظلم.

والأمة العربية، التي يفترض أن تكون حامية لهذه الرموز والداعمة للمقاومة، وقفت مكتوفة الأيدي، صامتة، وكأنها تشاهد سيناريو آخر من سيناريوهات الخذلان التاريخي. هذه الأمة التي يفترض أنها تملك تاريخًا مشتركًا مع لبنان وفلسطين، والتي خاضت معارك عديدة ضد الاحتلال، باتت الآن تلتزم صمتًا مخجلًا، في الوقت الذي يموت فيه أبناؤها تحت القصف الإسرائيلي.

ما الذي حل بالكرامة العربية التي كانت يومًا تفتخر بالنضال من أجل الحق والحرية؟ ما الذي حدث لروح الوحدة التي كانت تجمع العرب في مواجهة التحديات؟ لماذا تحولت أصوات الحكومات العربية إلى مجرد صدى هامس، يتلاشى وسط ضجيج الحروب والمآسي؟

الكرامة العربية اليوم تبدو على المحك، في وقت بات فيه الصمت خيارًا مفضلًا للحكومات العربية، وكأنها تقول للعالم: "لا شأن لنا بما يحدث." هذا الصمت يشكل جريمة بحد ذاته؛ إذ أنه ليس مجرد موقف سياسي، بل هو تأييد ضمني للعدوان وللاحتلال. الصمت في وجه الظلم هو إقرار به، وهذا الإقرار هو ما يجعل الأمة العربية شريكًا في المسؤولية عن كل قطرة دم تُسفك في لبنان وغزة.

الأمة العربية اليوم تشهد صمتًا مريبًا على العدوان الإسرائيلي المستمر، وما حدث في لبنان واغتيال حسن نصر الله لا يعدو كونه آخر فصل من فصول الخذلان المتكرر. بعض الدول اكتفت ببيانات باهتة تدعو إلى "التهدئة" دون أن تذكر المعتدي أو الظالم، وكأن الجاني والضحية سواسية. هذه المواقف الرمادية لا تعكس إلا افتقارًا للإرادة السياسية، وعدم القدرة أو الرغبة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي بشكل جدي.

من جهة أخرى، تعالت بعض الأصوات التي تسعى إلى تبرير هذا الصمت بحجج واهية. البعض يدعي أن المقاومة اللبنانية أو الفلسطينية هي سبب العدوان، متناسين أن المقاومة هي رد فعل طبيعي على الاحتلال والقمع، وأن الأمة العربية مطالبة بدعمها، وليس بإلقاء اللوم عليها.

إذا كان الصمت العربي الرسمي يعكس فشل الحكومات في الوقوف إلى جانب القضايا العادلة، فإن الشعوب العربية مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بإعلاء صوتها. لقد بات واضحًا أن التحرك الشعبي هو الأمل الأخير في كسر هذا الصمت المهين. الشعوب التي ناضلت في الماضي من أجل الحرية والاستقلال، تستطيع اليوم أن توجه رسالة واضحة لحكوماتها: "لا للصمت على الظلم، لا للخذلان المتكرر."

إن ما يحدث في لبنان اليوم ليس مجرد اعتداء على سيادة دولة عربية، بل هو هجوم على كرامة الأمة بأسرها. المقاومة، سواء في لبنان أو غزة، هي ما تبقى لنا من كرامة وعزة في وجه الاحتلال الإسرائيلي. وإن كانت الأمة العربية قد اختارت الصمت، فإن المقاومة ستظل هي الصوت الذي يرفض الخنوع والذل.

لقد بات من الضروري أن تعيد الأمة العربية حساباتها، وأن تستعيد مكانتها في دعم المقاومة والكفاح من أجل الحرية. الصمت لم يكن يومًا حلاً، بل هو موافقة ضمنية على استمرار العدوان. إن أمتنا قادرة على تغيير مجرى التاريخ إن أرادت، لكن عليها أولاً أن تستفيق من غفلتها، وأن تدرك أن كرامتها على المحك، وأن الصمت هو بداية النهاية لكل ما تبقى من عزتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كارولين مارليني وماريانا تختاران دراما كوين السوشيال ميديا


.. سيارات مدرعة وفسيفساء مذهلة.. شاهد ما رصدته مراسلة شبكتنا دا




.. تواصل سري بين إسرائيل والنظام السوري.. وثائق مسربة تكشف أسرا


.. مراسل الجزيرة: الكلاب تأكل جثامين الشهداء الملقاة في شوارع ش




.. بعد سقوط بشار الأسد.. مراسل الجزيرة يرصد الأوضاع من داخل مدي