الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضجيج عربي

بشار السبيعي

2006 / 12 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يدور الحديث يومياً بين أصدقائي العرب في الغرب عن الإسلام و العرب والسياسة الشرق أوسطية والدولية، بينما نرتشف أنواع القهوة التي تقدمها محلات "ستار بوك" المشهورة و التي اصبحت موجودة على كل منعطف في المناطق السكنية والتجارية في الولايات المتحدة الأمريكية. و يأخذ الإسلام حصة الأسد من الحديث.

و بشكل طبيعي و إنسياقي نجر بعضنا البعض إلى وضع النقاط على الحروف و تعريف الإسلام كديانة أو دولة أونظام حياة إجتماعية. و من هنا تشتد الأراء وتعلو الأصوات و نجد أنفسنا في دوامة من الصياح والضجيج لم يعد بإمكان أي منا سماع الأخر، ومن كلمة إلى أخرى تخرج الألقاب من أفواه بعضنا البعض لتقع على مسامِعُنا وتُشعلُ مشاعرنا وتعود أصواتنا بالإرتفاع بنبراتها لتصل إلى أعلى حدود لم يسبق لحنجرة بشرية بالوصول إليها. وبدون شعورتنقسم مجموعتنا الصغيرة على حسب معتقداتها إلى عيّنة مصغرة من الشعوب العربية لتجد منا المؤمن والملحد والإسلامي والعلماني والمتطرف والمعتدل والقومي والوطني والثوري والسلمي.
كل ذلك في غضون بضع ساعات من الكلام الذي يترك كل منا في خندقه متربطاً بأفكاره و أرائه أكثر من ماكان عليه منذ بدء الحديث و ليعود كل منا إلى منزله ناسياً ماحدث ومنشغلاً بهموم الدنيا والحياة. تلك هي أحوال العرب عندما يُطرحُ الإسلامُ حديثاً في جلسة ودّية، عواطف هائجة و صياح مزعج بعيداً عن العقل والإتزان لايفقه منه سامعاً أوعاقلاً من شيء.

لماذا أصبح الرأي العربي متربصاً في خندق التعصب والتزمت لايسمع من أحد ولا يستعمل العقل البشري موضوعياً كلما جاء ذكر الإسلام في حديث ما؟
لماذا تخرج الشعوب الإسلامية و خاصة العربية غاضبة تحرق السفارات الغربية و تدنس الكنائس كلما ذكر الإسلام بطريقة أو بأخرى في عالم الغرب المتمدن؟
هذان السؤالين من أكثر مايتردد على أفواه العالم الغربي كلما يشاهدون وجوه عربية غاضبة مليئة بالكراهية والإحتقار لعالمهم المتمدن والمتحضر على شاشات التلفزة المتعددة. يسالون انفسهم لماذا كل هذا التعصب والغضب؟ لماذا يكرهوننا كل هذه الكراهية؟

هذه الأسئلة فيها كثير من الحق في وصف الواقع العربي، لكنها حتماً لاتخلو من السذاجة المفرطة و تصغير أمر المسلمين والعرب إلى خلاف حضاري جذوره تنبت في الديانة الإسلامية.

لست من الذين ينتقدون الإسلام بكل ماجاء فيه من خير كان أو من شر. فهناك من دون شك فوائد روحية و خيرية و إجتماعية لهذا الدين. لكنني أرى أن علماء الإسلام كديانة مصنفة من الديانات الإبراهيمية المعروفة بالديانات السماوية، لم يستطيعوا أن يُحَدِثوا تفاسير القرأن والسنة (الأحاديث النبوية ) بطريقة حضارية و متطورة بعيدة عن التفاسير الحرفية الذي أعتدنا إلى سماعها من رجال الدين و الفقه الإسلامي. وبهكذا أصبح الإسلام فريسة بأفواه الغوغائيين من أصحاب العمامات و اللحى الذين يدّعون التقى والفضيلة، والذين يشجعون على إرتكاب العنف والأذى لكل من ينتقده أو يتجرأ على وضع أُسَسِه المبدئية تحت مجهر العلم والمعرفة. هذا الغضب ليس بالضرورة ناتج عن أيات سماوية في القرأن أو أحاديث صحيحة .

هناك الكثير من الذين يتهجمون على الإسلام ويستشهِدُون بأيات من القرأن وأحاديث من السنة لإثبات مايقولونه. فكيف لمسلم أن يدافع عن قرأن يقول الله تعالى فيه؛
"قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون." (التوبة 9 : 29)؟
أو كيف لمسلم أن يرد على ناقد للإسلام بشهادة حديث رسوله محمد بقوله؛
"‏‏أُمرت أن أقاتل الناس حتى ‏يشهدوا ‏‏أن لا إله إلا الله وأن محمدا ‏‏رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك ‏‏عصموا ‏‏مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله" (صحيح البخاري)؟

من الصعب على أي مسلم مهما كان إيمانه صادقاً أن يجد أجوبة عقلانية متحضرة لهذين المثالين، و أنا لن أجرؤ على تبريرذلك. لكن كل كتاب له عصر و زمن، و إذا و ضعنا الكتب السماوية في عصرها و زمانها فنستطيع تجريد كل ماجاءت به من تعاليم في زمانها و محلها المناسب. فالقرأن كغيره من الكتب السماوية تحدث مع عصره. فهذا هو مايسمى بالعهد القديم من الإنجيل يحث قوم موسى على أفعال مماثلة في كتاب التثنية المعروف بأحكام موسى:

"إِذَا أَغْوَاكَ سِرّاً أَخُوكَ ابْنُ أُمِّكَ أَوِ ابْنُكَ أَوِ ابْنَتُكَ أَوِ امْرَأَةُ حِضْنِكَ أَوْ صَاحِبُكَ الذِي مِثْلُ نَفْسِكَ قَائِلاً: نَذْهَبُ وَنَعْبُدُ آلِهَةً أُخْرَى لمْ تَعْرِفْهَا أَنْتَ وَلا آبَاؤُكَ مِنْ آلِهَةِ الشُّعُوبِ الذِينَ حَوْلكَ القَرِيبِينَ مِنْكَ أَوِ البَعِيدِينَ عَنْكَ مِنْ أَقْصَاءِ الأَرْضِ إِلى أَقْصَائِهَا فَلا تَرْضَ مِنْهُ وَلا تَسْمَعْ لهُ وَلا تُشْفِقْ عَيْنُكَ عَليْهِ وَلا تَرِقَّ لهُ وَلا تَسْتُرْهُ بَل قَتْلاً تَقْتُلُهُ. يَدُكَ تَكُونُ عَليْهِ أَوَّلاً لِقَتْلِهِ ثُمَّ أَيْدِي جَمِيعِ الشَّعْبِ أَخِيراً. تَرْجُمُهُ بِالحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَ لأَنَّهُ التَمَسَ أَنْ يُطَوِّحَكَ عَنِ الرَّبِّ إِلهِكَ الذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ العُبُودِيَّةِ."تثنية13(6-10)

"حِينَ تَقْرُبُ مِنْ مَدِينَةٍ لِتُحَارِبَهَا اسْتَدْعِهَا لِلصُّلحِ فَإِنْ أَجَابَتْكَ إِلى الصُّلحِ وَفَتَحَتْ لكَ فَكُلُّ الشَّعْبِ المَوْجُودِ فِيهَا يَكُونُ لكَ لِلتَّسْخِيرِ وَيُسْتَعْبَدُ لكَ. وَإِنْ لمْ تُسَالِمْكَ بَل عَمِلتْ مَعَكَ حَرْباً فَحَاصِرْهَا. وَإِذَا دَفَعَهَا الرَّبُّ إِلهُكَ إِلى يَدِكَ فَاضْرِبْ جَمِيعَ ذُكُورِهَا بِحَدِّ السَّيْفِ. وَأَمَّا النِّسَاءُ وَالأَطْفَالُ وَالبَهَائِمُ وَكُلُّ مَا فِي المَدِينَةِ كُلُّ غَنِيمَتِهَا فَتَغْتَنِمُهَا لِنَفْسِكَ وَتَأْكُلُ غَنِيمَةَ أَعْدَائِكَ التِي أَعْطَاكَ الرَّبُّ إِلهُكَ. هَكَذَا تَفْعَلُ بِجَمِيعِ المُدُنِ البَعِيدَةِ مِنْكَ جِدّاً التِي ليْسَتْ مِنْ مُدُنِ هَؤُلاءِ الأُمَمِ هُنَا."تثنية20(11-15)

فإذاً ليس من الصعب أن نجد مايدعو للعنف في الديانات الإبراهمية، فقد بات كل من معتقديين هذه الديانات حريص على إثبات دينه الحق بأية وسيلة متوفرة. التعصب الديني في هذه الأديان الثلاثة، اليهودية والمسيحية و الإسلام، جذوره ممتدة من الكتب السماوية نفسها التي تدعو للخير و العدل الإجتماعي و الإيمان الروحي.
و إذا أردتم الإمعان أكثر في هذا المجال، فأنصح بقرائة كتاب المفكرة الإنكليزية الشهيرة كارن أرمسترونغ و كتابها ( المعركة للرب "تاريخ الأصوليية").
لابد هنا من التنويه أن الديانات الشرق أسيوية كالبودية والهندوسية هم من المستثنيين من هذا المرض.

لكن هناك عدة عوامل تاريخية ساعدت على وصول الإسلام لما هو عليه من حال في عصرنا الحاضر. من أكثر هذه العوامل المتناوله عند النقاد والمؤرخون هي عدم وجود هيكل هرمي تنظيمي متدين في الإسلام يقضي بأمور فتاوى شيوخ المسلمين و تفسيرات الكتاب والسنة الفقهيية. لذلك أصبح كل مسلم يدعو إلى الحق والباطل مايراه مناسباً لمصالحه الشخصية، فخرج أناس من ماهب و دب، يحرمون الحلال
ويحللون الحرام و يدعون أنفسهم بالمسلمين. إن عدم و جود مؤسسة دينيية هو من أكثر العوامل المضرة لهذا الدين، فإذا أخذنا الفاتيكان كمثال لمؤسسة قادرة على تسييرأمور الكاثوليكيية العالمية الفقهيية خلال قرون مضت، رأينا أن المسييحية كديانة سماوية أصبحت قادرة على إستيعاب أي تغيير حاصل عن نتيجة العلم و المعرفة و توجيه الكنائس التابعة لهذه المؤسسة على الطريق الصحيح و المناسب لأهداف الديانة المسيحيية. أما الإسلام فقد عانى من فقدان تلك المؤسسة الدينية و مازال يعاني من ذلك حتى يومنا هذا. المنافع من إيجاد مؤسسة مشابهة لنظيرها في الديانة المسييحة في الإسلام قد لاتعد وتضاهي كل النقاد المسلمين الذين يدعون من أنه لاحاجة إلى مؤسسة من هذا النوع لإن الإسلام لم يترك أي وسيط بين الفرد والله. هذا صحيح و لكن ذلك لايمنع من أن يكن هناك مرجع واحد مؤلف من علماء و فقهاء المسلمين ليبثوا بأمورالفتوى والتفاسيير القرأنيية و صحة الأحادييث و التصديق بها.
هناك من النقاد الأخرون الذين يدّعون أن جامع الأزهر في القاهرة يمثل تلك الهيئة أو المؤسسة الدينية. للأسف هذا أيضاً غير صحيح، فجامع الأزهر تتطبع بفكر ناتج عن مؤسسه جوهر الصقلي قائد الخليفة المعزّ لدين الله الفاطمي، ليكون جامعا و مدرسة لتخريج الدعاة الفاطميين لييروجوا للمذهب الإسماعيلي الشيعي ( الشيعة السبعية) الذي كان مذهب الفاطميين.

من المعروف في الإسلام أن هناك أربعة من المدارس الفقهية التي تبث اليوم في أمور المسلميين الدينية و الفقهية. المذهب الحنفي ومؤسسه الإمام أبو حنيفة النعمان، و المذهب المالكي ومؤسسه الإمام أنس بن مالك، والمذهب الشافعي ومؤسسه الإمام محمد إبن إدريس الشافعي، والمذهب الحنبلي و مؤسسه الإمام أحمد بن حنبل. كل من هذه المذاهب تفسّر القرأن و السنة على ماتراه مناسباً لصاحب الفكر أو المذهب. مع أن معظم هذه التفاسيير لاتختلف في الأشياء الجوهرية في صلب الدين و لكن إختلافهم جاء في باب الإجتهاد. فقد كانو من مايُعرف من العلماء الفقهاء والأتقياء وليس من شك في نواياهم و لكن إجتهادهم في أمور الحياة فتح باب الإختلاف و تركه مفتوحاً لعصرنا هذا. فهاهم تلاميذهم في الإسلام من كل مفتي في عاصمة عربية أو إسلامية يجتهدون في أمور الدين كل على مذهبه و يفتون في الإسلام من الفتاوى ما
يجعل الفرد المسلم ضائعاً وكأنه في أكبر سوبر ماركت في الغرب و أمامه من المنتجات من ماهب و دب من ماتلوذه نفسه في أمور دينه.
لهذا السبب نعود إلى فوائد المؤسسة الدينية في الإسلام، فلو كان هناك من هيكل منتخب من خيرة علماء و فقهاء الشعوب الإسلامية لتوحيد القرار و باب الإجتهاد لكان من الإمكان على ذلك الفرد أن يستمد مايعينه على الحفاظ على شيء من العقلانية المتحضرة في التعبير عن رأيه و الإبتعاد عن الهمجيية والغوغائيية التي أعتدنا عليهم من ردود فعل عند العالم العربي والإسلامي. مؤسسة من هذا النوع لتأهيل الفكر الإسلامي من خلال تدريب طواقم من أفراد بشرية من المسلمين في جميع أمورالعلم والدين ليكونوا سفراء لهذه المؤسسة قد يساعد على سلب موجة التيار التكفيري في الإسلام وتحطيمها بصخور المدنية المعاصرة.

تحضير الفكر الإسلامي ليعاصر القرن الحادي و العشرون هو من أهم المسائل التي تواجه العالم الإسلامي والعربي بشكل خاص والعالم بشكل عام.

لربما في يوم من الأيام في المستقبل القريب أعود لأجلس مرة أخرى أنا و أصدقائي في إحدى مقاهي ستار بوك لنرتشف القهوة و نناقش الإسلام من دون أن ترتفع أصواتنا بصياح وضجيج عربي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah