الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
المُطبعون أشد إفكا ونفاقاً
سامح قاسم
2024 / 10 / 5القضية الفلسطينية
في عالم يشهد تحولات سريعة ومتغيرة على الصعيد السياسي، تتزايد محاولات بعض الأنظمة العربية، وكذلك بعض الشخصيات العامة، ورجال أعمال، وبعض المحسوبين على الفن والفكر والثقافة للتقارب مع الكيان الصهيوني عبر ما يسمى بالتطبيع. هذا التطبيع ليس مجرد اتفاقات دبلوماسية وسياسية، أو فنية وثقافية، بل هو أيضاً موقف أخلاقي وفكري يُظهر هشاشة هذه الأنظمة والمجموعات المختلفة وعجزها عن الوقوف إلى جانب الحقوق العادلة للشعوب. إن المطبعين لا يمثلون فقط خيانة للقضية الفلسطينية، بل إنهم يُعتبرون أشد إفكا ونفاقاً، لأنهم يُضفون شرعية على الاحتلال ويبررون ممارساته العنصرية واللاإنسانية، تحت غطاء العلاقات السياسية والمصالح الاقتصادية أو التبادل الفني والثقافي .
إن التطبيع مع إسرائيل يعني تجاوز الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، الذي لا يزال يعاني من الاحتلال والتشريد والقمع اليومي. إنه بمثابة طعنة في ظهر القضية الفلسطينية، التي لطالما كانت رمزاً للعدالة والحرية في العالم. إن أي محاولة لتبرير هذا التطبيع بالحديث عن "السلام" أو "المصالح المشتركة" ما هي إلا تبريرات زائفة تخدم المصالح الضيقة للنخب السياسية والثقافية دون اعتبار لمطالب الشعوب.
يقول المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد: "لا يمكن أن يكون هناك سلام أو تسوية عادلة ما دامت إسرائيل تحتل الأراضي الفلسطينية وتمارس سياسات التمييز العنصري". التطبيع في هذا السياق ليس إلا تسوية غير عادلة، تتغاضى عن الحقائق القاسية على الأرض.
المشكلة مع المطبعين لا تقتصر على مجرد إقامة علاقات مع إسرائيل، بل تكمن في ازدواجية المعايير والنفاق الذي يظهر في مواقفهم. هؤلاء الذين كانوا في الماضي يتحدثون عن دعمهم لفلسطين وحقوق شعبها، ينقلبون الآن ليبرروا علاقتهم مع الاحتلال عبر ادعاءات زائفة مثل "تحقيق السلام" أو "اعرف عدوك" إلى أخر هذه المبررات الجوفاء. الحقيقة هي أن هؤلاء المطبعين لا يسعون إلا لتحقيق مصالحهم الشخصية، على حساب المبادئ والقيم التي يدعون الالتزام بها.
يقول الباحث الفرنسي جيل كيبيل في كتابه "جهاد" إن "الكثير من الأنظمة العربية ترى في التطبيع وسيلة لحماية نفسها من الضغوط الدولية أو لضمان دعم القوى الكبرى، في حين أن شعوبها تعيش حالة من الاغتراب واليأس". هذا النفاق لا يمكن إخفاؤه، فالجماهير ترى أن المطبعين يخونون المبادئ التي يفترض أن يدافعوا عنها.
إن إسرائيل لم تتوقف أبداً عن سياساتها التوسعية والعدوانية في الأراضي الفلسطينية. التطبيع هنا ليس سوى خطوة أخرى نحو تعزيز الهيمنة الصهيونية في المنطقة، إذ تتيح هذه الاتفاقات لإسرائيل التغلغل في الشؤون الداخلية للدول العربية، والتحكم في مصالحها الاقتصادية والسياسية، ومحو قضايانا العادلة من وجدان وأذهان الأجيال الجديدة. يعتبر التطبيع أداة لتعزيز النفوذ الإسرائيلي في الشرق الأوسط، وتحقيق مصالحها على حساب الشعوب العربية.
يؤكد المُفكر والمحلل السياسي الأمريكي نعوم تشومسكي أن "إسرائيل تسعى إلى فرض واقع سياسي واقتصادي جديد في المنطقة، حيث تكون هي القوة المهيمنة، وتستفيد من علاقاتها مع الأنظمة العربية لتأمين مصالحها، فيما يبقى الشعب الفلسطيني يعاني تحت وطأة الاحتلال". إذاً، المطبعون ليسوا فقط منافقين وآفاقين، بل هم أيضاً أدوات لتوسيع نطاق الهيمنة الإسرائيلية.
ورغم محاولات بعض الأنظمة السياسية فرض التطبيع كأمر واقع، إلا أن الرأي العام العربي يرفض هذا النهج بشكل قاطع. الشعوب العربية تُدرك أن التطبيع ليس إلا وسيلة لتبرير الظلم، وأن إقامة علاقات مع إسرائيل دون حل القضية الفلسطينية هو خيانة لدماء الشهداء وتضحيات الشعب الفلسطيني. تشير الدراسات والاستطلاعات إلى أن غالبية الشعوب العربية ترى في التطبيع تهديداً لأمن المنطقة واستقرارها.
في هذا السياق، نذكر ما جاء في استطلاع الرأي العربي لعام 2021 الذي أجرته المؤسسة العربية للدراسات والأبحاث، حيث أظهرت النتائج أن حوالي 88% من المستطلعين في الدول العربية يعارضون التطبيع مع إسرائيل. هذا يبرز الفجوة الكبيرة بين مواقف الأنظمة السياسية وبعض النُخب التي تطبع مع إسرائيل ورغبات الشعوب التي لا تزال تعتبر فلسطين قضيتها المركزية.
من الجدير بالذكر أن اتفاقيات التطبيع التي أبرمتها بعض الدول العربية مع إسرائيل لم تؤدِّ إلى تحقيق السلام الحقيقي أو العدالة. بل على العكس، ازدادت وتيرة الاستيطان وتوسعت ممارسات القمع ضد الفلسطينيين. في الوقت الذي تروج فيه بعض الأنظمة لفكرة أن التطبيع سيجلب السلام والازدهار، نجد أن الواقع يؤكد عكس ذلك تماماً.
إن المطبعين مع الكيان الصهيوني يشكلون خطراً على القيم والمبادئ التي قامت عليها القضية الفلسطينية. تطبيع العلاقات مع الاحتلال هو تبرير لظلمه وقمعه، ومحاولة لتلميع صورته أمام العالم، في حين أن الواقع على الأرض يظل كما هو: احتلال واستيطان وتشريد للشعب الفلسطيني.
التاريخ لن يرحم المطبعين، فقد كتبوا لأنفسهم صفحات سوداء في سجل النضال العربي. وختاماً، يبقى السؤال: هل يمكن أن نثق في أنظمة ونُخب افتصادية وفنية وثقافية تبيع القضايا العادلة من أجل مكاسب زائفة؟
الإجابة واضحة: المطبعون هم أشد إفكاً ونفاقاً، ليس فقط على القضية الفلسطينية، بل على الأمة العربية بأسرها.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. هل تنجح الورقة المصرية في وقف إطلاق النار في قطاع غزة؟ • فرا
.. بين الدخول والخروج.. ازدحام في معبر المصنع الحدودي بين لبنان
.. تحليل لأكثر من 100 فيديو.. كيف سقط نظام الأسد بهذه السرعة؟
.. استغلت ما يجري.. إسرائيل تدمر الجيش السوري -بحرا وجوا- | #ال
.. قصف إسرائيلي على ميناء اللاذقية السورية