الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
البجعة السوداء(دارين آرنوفسكي) 2010 : اوبرا تشايكوفسكي تحولت الى دراما نفسية عميقة جدا
بلال سمير الصدّر
2024 / 10 / 6الادب والفن
ناتالي بورمان:اوسكار أفضل ممثلة
من العنوان اعلاه،فالفيلم له علاقة بمقكوعة تشايكوفسكي الشهيرة بحيرة البجع،ومن الجيد هنا اقتباس نيتشة:الحياة ستكون غلطة لولا وجود الموسيقى...
ابصرت أكثر احلامي جموحا ليلة البارحة...كنت أؤدي رقصة البجعة البيضاء،لكن اللحن كان مختلفا،كان يُشبه بألحان مدرسة بولوشوي...كان مشهد المقدمة عندما القى روزبارت بتعويذته.
نينا،تعيش مع امها التي تفرض عليها سلطة واضحة،لكنها تفتقد الى ذلك التحايل الاضطرابي الذي تتمتع به رواية الفريدة يلنيك:معلمة البيانو
بل الحكاية بعيدة عن نظرة الفريدة يلنيك،وان كانت نينا ترى نفسها في مكان آخر،كما في فيلم (الحياة المزدوجة لفرونيكا) للمخرج الكبير كريستوف كيسلوفسكي،لكن الحكمة الشاعرية الموسيقة في فيلم كيسلوفسكي تجعلنا نرفض حت ان نقارنه به،فالموضوع بعيد ايضا،وليس الحياة المزدوجة لفرونيكا ومعلمة البيانو سوى نماذج للتقارب بين هذا الفيلم وبينهما،لكنه ليس نموذجا للتطابق على الاطلاق.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه:هل هناك اقتباس ادبي لهذه المقطوعة الموسيقية...؟!
بالتأكيد كان هناك،لكن الطرح هنا في الفيلم ليس أدبيا بكل معى الكلمة،بكل ما تحمله الكلمة من معنى الى درجة التطرف،فالطرح هنا ليس أدبيا،بل هو تركيب شخصية نينا بطريقة معقدة لتصبح النموذج الأمثل لمقطوعة بحيرة البجع...
فإن قلنا أن لفظ سوريالي نُسب الى الفيلم،فهذا اللفظ من الممكن ان يكون صحيحا كوصف للفيلم،ولكن في نفس الوقت من الممكن اعتباره مجرد لفظ تجميلي:
الجميع يعرف القصة...
فتاة عذراء نقية صافية وفاتنة،سجينة داخل جسد بجعة،تتوق الى الحرية،لكن وحده الحب الحقيقي يمكنه ابطال هذه التعويذة.
تتجسد امنيتها ف صورة أمير،لكن قبل ان يصارحها بحبه،تقوم التوأم الشهوانية-البجعة السوداء-بخداعه واغرائه.
تعتصر المراة قلب البجعة البيضاء فتنتحر بالقفز من منحدر،تقتل نفسها وفي الموت تجد حريتها
لنتابع الاقتباس...:
المتحدث بالمناسبة هو توماس ليروي المدرب والمشرف الأول على العرض-الممثل الفرنسي جيمس كاسيل-:
سنفتتح الموسم بعرض بحيرة البجع...أعلم بانه بات مبتذلا لكنه سيكون مختلفا هذه المرة،سنجرده من اصوله ونضفي عليه العتمة والواقعية.
والعرض الجديد يلزمه ملكة جديدة...وجه جديد لنقدمه الى الجمهور...لكن ايكن تستطيع تسجيد كلتا البجعتين:البيضاء والسوداء...؟!
عندما يتلفظ ليروي بهذه الجملة تظهر مرآة تقسم صورة نينا الى نصفين...
من هنا،نينا فتاة مغلقة الى درجة لايمكن وصفها،تعامل الحياة بحياد وليس ببراءة الثقة العمياء،وهذا الدافع الكبير المثالي بالنسبة لها هو الحصول على البطولة وتسجيد دور البجعتين في رقصة الباليه القادمة يدفعها الى...دعونا نقول.....:أن تنتج أناها الأخرى
الكثير من لقطات الفيلم تقبع بين الواقع والخيال،وفي نفس الوقت من السهل جدا الحكم عليها بانها من انتاج نينا الذاتي،لكن هناك عوامل أخرى ستساهم في اعادة البجعة السوداء الى الواقع المعاش المالوف بالنسبة لنينا:
ليروي:عندما انظر اليك لا ارى سوى البجعة البيضاء،صحيح انك فاتنة ومخيفة ورقيقة،مرشحة مثالية للدور،لكن من العسير عليك تادية الدورين...
هنا يعمل ليروي بقسوة على ايقاظ الجزء النائم الطبيعي داخل تلك الفتاة المنكسرة...الهشة بالانكفاء على الواقع...
وعندما تتعرض لقبلتها الأولى،ربما تلحرش الجنسي الأول في حياتها...هنا ما هو الساطع أكثر في داخلها: البجعة البيضاء أم البجعة السوداء...؟!
ليروي يريد ان ييقظ ذلك الجزء الأسود لبجعة بيضاء غاية في البياض...
من الواضح ان نينا تعاني بالاضافة الى كل شيء،نوعا من الاضطراب،فالصور تنبض بالحياة وتراها تتحرك بعينيها،وهذه الحركات الشريرة ليست سوى تحرك البجعة السوداء من مكان الاقصاء.
هناك ظهور واضحة في ظهر نينا،وهي حالة ليست غريبة طارئة على احداث الفيلم،بل هي تعاني من خدش نفسها منذ فترة طويلة،أي انها مريضة بالمازوشية،او دعونا نقول المازوشية فوق الطبيعية،وهذه المازوشية اساسها الضعف ومقاومة روحها السوداء التي تريد الانبعاث الى نقطة الوجود الأولى...الموضوع هنا ليس تحول بل انبعاث
الجروح تزداد،اي ان المقاومة تزداد،ولكن المقاومة على الجهة الأخرى تزداد ايضا،لأن الأنا الأخرى بدات بالظهور في أوهام وخيالات نينا كعلامة على تحدي الكبت،وهذا التحدي لم يظهر جزافا بل كان المحرك له الرغبة فوق العادية لنينا للحصول على الدور بينما ساعد ليروي وكارولين لاحقا-صديقتها-هذا الانبعاث ايضا،وإن قلنا ان هذه محركات ابداع –من ناحية فنية وليست سايكولوجية-فالأم في هذه اللحظات الزمية هي محرك كبير للإبداع ايضا.
بث ماكنتير-وينونا رايدر-كانت في السابق الأولى وهي الآن تنكفأ لتحل محلها نينا،ومع قسوة توماس ليروي يقول:
لأن كل تصرفات بيث تنبعث من داخلها،من دوافع مظلمة،برايي هذا ما يشعل الإثارة لدى المتفرجين وينذرهم بالخطورة مما يجعلها كاملة وفي نفس الوقت يدفعها للتخريب.
بث ماكنتير ستلعب من ناحية،دورا ايجابيا كونها محرك ينبع من داخل نينا اساسه الخوف من ان تعود الى مكانتها الطبيعية،وهذا بحد ذاته سيدفعها على الإصرار اكثر،وفي نفس الوقت،سيساهم في انبعاث البجعة السوداء،لأن الحقد والغيرة وشيئا من الانانية هي محركات مصدرها الهو....مصدرها الانا السفلي وهي المسألة الغائبة تماما في وعي نينا.
دعونا نخمن/المخرج استفاد بشدة من نظريات التحليل النفسي...فالقائ المتوسط لفرويد من الممكن ان يدرك ذلك ببساطة...من دون الخضوع لأي تأويلات أخرى.
لكن ما نوع استجابة نينا للمسات توماس الجنسية...؟!
توماس يحاول بعث الغرائز عند نينا لتساهم اكثر في واقعية العمل لدرجة انه ينصحها بلمس نفسها.
كما قلنا فهي ترى انقساماتها الذاتية...ترى أناها الأسود،لكن هذا الأنا الآخر مضطهد الى درجة الاقصاء،والحالة هنا خاصة الى درجة التطرف،لأن نينا تعامت عن امورها المظلمة ومن ضمنها رغباتها الجنسية طبعا الى درجة قصوى اقصائية حتى ابعد مما يتصوره فرويد،فحتى في حالة الدكتور جيطل والسيد هايد،فالأنا سمح لها بالظهور،لكن نينا اوصلت الكبت الى حالة قصوى من اسبابها الظروف التي تعيشها،الأمر الذي جعل من الأنا الأخرى بحاجة الى ثورة لتعود الى الحياة...الى نقطة الوجود كونها مختفية من الوجود...ونظرا لهذا الاقصاء الكامل،فالأنا الآخر يمارس عليها سلطة خشنة تعذيبية،وهذا هو تفسير الحالة المازوشية التعذيبية التي تمر بها،كما انه سبب لها اضطراب عصبي واضح جعلها تؤذي نفسها الى حالة أكثر تطرفا من المازوشية...من الممكن القول ايضا ان حالة نينا لها علاقة بفنتازيا القرين ولكن ايضا ضمن حالة اكثر تعقيدا.
كارولين-وعلى مايبدو بطلب من ليروي-تقود نينا في رحلة تحت ارضية تتعرف فيها على المخدرات والرذيلة،وفي نفس الوقت تتمرد على الأم ةتمارس الجنس مع اناها الذاتي...معتقدة ان الطرف المقابل هو كارولين،وتختلط الأوهام بالواقع،لأن المحركات الاقصائية بدات بالظهور،فمشهد جماع ليروي لكارولين وهو يرتدي قناع وحش ليس الا وهم من حالة اقصاء اساسها الغيرة...ويمدنا المرخج بالأدلة الكاملة ليحعلنا نيقن ان الكثير من الغريب الذي يدور هو محض خيال نينا...
توماس ليروي يقول لها:
الشخص الوحيد الذي يعترض سبيلك هو انت،حان الوقت كي تنسي نفسك...انسلخي عن شخصيتك
وابسط تحليل للفيلم،أن ليروي يريدها ان تحاكي الجانب المظلم في شخصيتها،المحاكاة حتى ارض الواقع،وهنا اوبرا تشايكوفسكي تحولت الى دراما نفسية عميقة جدا.
هذا عمل فني كبير...كبير جدا وفوق متوقع في اداء فوق العادة..فوق المألوف
ان تكون رغباتك مكبوتة الى درجة العدم فهذا معناه رفض لانظير له من قبل،وتلك المحركات الت تحدثنا عنها سابقا ساهمت في الانبعاث،وفي تحولها الى انسانة طبيعية اكثر،على ان هذا ايضا ساهم في ازدياد عصابها ومرضها النفسي،وذا قلنا ان الرفض الذي في داخلها رفض اصيل يناظر القوة الانبعاثية التي باتت تظهر على شكل اوهام ملموسة تجعل من نينا تطعن نفسها بقطعة من زجاج ظانة انها تطعن كارولين بسبب انها حلت محلها-في اوهامها وظنونها وشكوكها طبعا-وايذاء النفس لهذه الدرجة –لأن المخرج لم يقل لنا مباشرة ان نينا ماتت بل لمح بذلك بوضوح من خلال رؤية نينا المعتمة للحياة في المشهد الأخير من الفيلم-له علاقة طبعا بالحالة النفسية القاسية التي وصلت اليها نينا بينما-وهذا الأهم حسب ما اعتقد-من ناحية فنية هو يمثل حالة البجعة البيضاء التي انتحرت رافضة فكرة الغواية التي تمت من قبل البجعة السوداء وقبولها ايضا من قبل الأمير.
فإن كانت البجعة البيضاء انتحرت رفضا لسقوط رؤاها المثالية للحياة،فإن نينا انتحرت لقوة انبعاثاتها الذاتية،ولا نستطيع القول انها رفضت هذه الانبعاثات بل كانت هي نفسها محركا لها...لكن دعونا نضفي على الموضوع شيئا من المثالية:
نينا انتحرت نظرا لقوتها الاقصائية،وهذا الاقصاء نابع من ايمان أولا وأخيرا...
لكن،هل كان نيتشة يعلم ان الموسيقى ذات اثر في التحليل النفسي...؟!
05/05/2024
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. حزن نجل الفنان فكرى صادق بعزاءه بمسجد الحامدية الشاذلية
.. الفنان الكوميدي العراقي أحمد وحيد لـ-ترندينغ-: -طموحي الوصول
.. الفنان أحمد مكي بلطجي تائب
.. سمو الممثل الخاص لجلالة الملك يحضر تخريج الفوج الثاني من برن
.. ياسمين عبد العزيز تشيع جثمان والدها والعوضي يساندها رفقة مجم