الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل خسائرنا تكتيكات؟!

توفيق أبو شومر

2024 / 10 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


طلب مني أحد البسطاء أن أشرح له مصطلحين جرى إعادة بعثهما ونشرهما في الشبكات الرقمية بشكل واسع، لأن المصطلحين رددهما القيادي في حركة حماس، خالد مشعل. المصطلحان هما (خسائرنا الباهظة تكتيكية، وخسائر عدونا استراتيجية) اعتبر هذا القيادي كل المجازر في غزة والضفة الغربية وحرب الإبادة الجارية اليوم في كل الساحات تكتيكات لتحقيق استراتيجية نهائية وهي خسارة إسرائيل! هل ينطبق مفهوم المصطلحين على ما يجري في فلسطين من حرب إبادة عنصرية، وما حدث لإسرائيل من خسائر؟!
أرجعني هذا السؤال إلى أشهر كتاب ألفه السياسي وزير خارجية حكومة فلورنسا الإيطالية، نيكولو ميكافيللي، وهو صاحب أشهر كتاب في علم السياسة الواقعية "دراسات في علم السياسة" وهو مترجم للعربية باسم (الأمير).
عاش ميكافيللي في القرن السادس عشر، توفي عام 1527م أي قبل سبعة قرون، أعتبر كثيرون هذا الكتاب، أسوأ كتب الديكتاتورية في العالم، حتى أن كثيرين أسموه (كتاب الشر) وأطلق عليه آخرون (سفر الطغاة) حتى أن الكنيسة الكاثوليكية جرَّمت نشره وطبعه وترويجه، وهو كتاب عجيب لأنه جاء في صيغة نصيحة لحاكم فلورنسا، كما أنه نشر بعد موت صاحبه بخمس سنوات.
حتى أن الأديب الإنجليزي شكسبير صاحب المسرحيات المشهورة اعتبره رمزا للشر، في مسرحية (زوجات وندسور الجميلات) اعتبره كثيرون أيضا بأنه الكتاب الملهم لهتلر وموسوليني، والأستاذ لمعظم الحكام الديكتاتوريين في العالم، وحفظوا منه أشهر الأقوال في علم السياسة وهي؛ (الغاية تبرر الوسيلة) يُردد الناس هذه المقولة منذ ذلك التاريخ حتى اليوم احتجاجا وشجبا لأنها ضد العدالة والديموقراطية، إن تعبير الغاية يماثل بالضبط (الاستراتيجية) وتعبير الوسيلة يماثل تعبير التكتيك، مع العلم أن (التكتيك) ليس كلمة عربية، بل هي كلمة لاتينية، Tactic دخلت القواميس العربية في العصر الحديث، تعني الخطة أو الخطط المطلوبة أو الإجراءات المعدة لتنفيذ الغاية، أو الهدف الاستراتيجي الرئيس،
عرَّف قاموس كمبردج التكتيكات بأنها: استخدام وسائل الإغراء والتضليل في مجال الإعلانات لتحقيق هدف ترويج التجارة، وهو مجموعة الخطط المستخدمة في مجال الرياضات البدنية في ألعاب الرياضة كلها لنيل الكأس والربح!
أما في كثير من دول العالم المحكومة بالديكتاتوريين فقد استخدم تعبير (تكتيك) لقمع المعارضين داخل دولهم لهدف تحقيق استراتيجية التطويع أي؛ تمكين الحكام من رقاب الشعوب وإطالة حكمهم، أي إسعاد الحكام بإشقاء الشعوب!
ولكن هل يمكن تسمية إبادة الشعوب، وهدم الأوطان (خسائر تكتيكية) لتحقيق أهداف تقوية الحكومات والأحزاب؟ وهل صحيح أن التضحية بالشعوب وإبادتها هي تكتيك مُبرَّر يجوز التضحية بها من أجل (استراتيجية) لأن تخسر إسرائيل أعدادا من الجنود وأعدادا من الآليات، وأن تخسر أرباحها في مجال الاقتصاد؟!
معظم الفلسطينيين يؤمنون بأن مخططي هذه الحرب الفلسطينيين لم يضعوا في حسابهم مآسي أهلهم وفواجعهم وتشريدهم وقتلهم، وهم كذلك لم يحسبوا أي حساب لقوة عدوهم وطاقاته وإمكاناته ووسائل دعمه، وردود أفعاله، ولم يكن شعبهم إلا ضحايا للخطة الارتجالية غير محسوبة النتائج، لذلك لا غرابة عندما نسمع أحد القيادات يشبه إبادة الشعب بالخسائر التكتيكية، وهي عنده ليست خسائر كارثية مصيرية، هي فقط تشبه خسارة المتاع وأرصدة البنوك! مما يؤكد أن مقولة التكتيك ليست خطأ عفويا وإنما هي عقيدة حزبية، أن قياديا حزبيا آخر ألقى مسؤولية الشعب الفلسطيني غير المقاوم على عاتق الأمم المتحدة (الأونروا)!
إن كل من يؤمن بما يجري من إبادة ومجازر ويسميها خسائر تكتيكية هو نصيرٌ للأنظمة الديكتاتورية في العالم، وهو لا يقيم وزنا لمأساة شعبه!
كانت اليابان تملك أقوى الجيوش في العالم، كانت دولة استعمارية خاضت حروبا على دول أسيوية مجاورة عديدة، ووجهت أسطولها البحري إلى ميناء بيرل هاربر الأمريكي في شهر ديسمبر 1941م أثناء الحرب العالمية الثانية ودمرت عددا كبيرا من سفن أمريكا وطائراتها وقتلت أكثر من ألفين وخمسمائة جندي أمريكي، حينها قرر الأمريكيون إخضاع اليابان باعتبارها دولة معتدية، دخلت أمريكا الحرب فألقت أمريكا قنبلتين نوويتين على مدينتين، هيروشيما ونجزاكي يوم 6-8-1945م. فقتل وحرق مئات آلاف اليابانيين، لم يعتبر الإمبراطور، هيرو هيتو الحائز على سلطة القداسة في اليابان وهو بمثابة إله عند اليابانيين، لم يعتبر مئات ألاف الضحايا خسائر تكتيكية، بل سارع لإعلان استسلام اليابان بعد خمسة أيام فقط من إلقاء القنبلتين 11-8-1945م واعتراف بالهزيمة، أوقف القتال ووقع على شروط قاسية، لأنه اعتبر اليابان والشعب الياباني (استراتيجية) ولم يعتبره تكتيكا للإمبراطور!
كذلك فعل الرئيس عرفات ومناضلو فلسطين في لبنان عام 1982م حين وافقوا على مغادرة لبنان لإنهم اعتبروا لبنان وفلسطين الاستراتيجية وليس التكتيك!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شيخ الأزهر يغرد بالفارسية لأول مرة.. ويدين العدوان الصهيوني


.. لم ترحب بالمسلمين والمسيحيين الهاربين من القصف.. إسرائيليون




.. فتاوى الدم فى تاريخ الإخوان الجماعة أجازت قتل المعارضين وا


.. يهود أمريكيون يشاركون في مسيرة مناهضة للحرب على إيران




.. بعد ما ولعوا الدنيا.. قيادات الإخوان الإرهابية هربوا من اعت