الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
اليوم هل يجوز للمرأة لبس الألوان الفاتحة ؟ وغدا هل يجوز للمرأة أن تتنفس ؟
منى نوال حلمى
2024 / 10 / 21العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
اليوم هل يجوز للمرأة أن تلبس ألوانا فاتحة ؟ .. غدا هل يجوز للمرأة أن تتنفس ؟
=============================================
«المرأة» منذ بدء الخليقة ، تحمل آثام البشر ولعنات الطبيعة.. «المرأة» يُزج بها فى الصراعات السياسية المحلية والدولية ، وفى المعارك الانتخابية ، وفى ترويج الشامبوهات والزيوت الخالية من الكوليسترول ، والأجنة الخالية من الكرامة .
دائمًا هى فى الصفوف الخلفية . تلبس الفضفاض الذى يخفى تضاريس الجسد . يضعونها أمام الكاميرات ، شبه عارية تلبس الضيق المحزق، لكى تعلن عن منتجعات الأثرياء وأعشاب استعادة الذكور للفحولة المفقودة ، وتصنع دعاية لفيديوهات غنائية ، خالية من الألحان ، مشوهة المعانى ، تؤديها أصوات أكثر تشوها .
على مر العصور، المرأة «كبش فداء» للعُقد التى يرثها الذكور وللتعصبات الدينية مدعية الفضيلة والعفة ، والحفاظ على الدين والدفاع عن شرع الله ، واحترام وتبجيل أخلاق الرسل والأنبياء. هى " المذنبة " ولو كانت هى المقتولة ، أو المذبوحة .
«المرأة» كائن تَحار فيه المجتمعات على مر الأزمنة، هل يتغطى أم يتعرى؟. هل يتكلم أم يُقطع لسانه ؟ . هل نتركها لشهوتها الجنسية ، أم نقطعها ونبترها ؟. هل يتعرض للشمس والهواء ، أم لروائح الطبيخ ، وروائح السائل المنوى ، وبلل الأطفال ، وشهوات الذكور الحاضرة طوال الأربع والعشرين ساعة ؟.
منظمات وجمعيات ومراكز ، تتلقى المعونات ، تحت اسم تنمية وتمكين المرأة، ولا تنال منها المرأة ، الا المزيد من عدم التنمية ، وعدم التمكين ، والموت بسبب جرائم الشرف ،
معدومة الشرف .
«المرأة» ، وهى جنين ، تخاف مواجهة الناس ، بأنها " أنثى " . تخاف التحرش إذا خرجت من البيت ، وتخاف «نظرة البواب " وهمسات الجيران ، وضرب " القوام " إذا تأخرت، وإذا ضحكت ومرحت تخاف إثارة الشكوك . وتخاف موت شخص فى الأسرة
والعائلة ، حتى لا ترث نصف مقدار الذكر .
تخاف من العنوسة ، تخاف ألا ينزف غشاء البكارة، تخاف ألا تطيع الزوج فيضربها ، أو يقطع المصروف عنها ، أو يذهب إلى عشيقة خفية غير شرعية ، غير مقننة غير محترمة ، أو يلجأ إلى ثلاث نساء معلنات شرعيات، مقننات، محترمات . تخاف الطلاق ، والترمل ، وضياع الشباب .
فى جميع الأحوال تخاف ، ألا تكون محجبة أو منتقبة ، حتى لا تثير حفيظة أب ، له ميول إخوانية ، أو زوج له وجدان سلفى، أو أخ له أصدقاء داعشيون، أو جيران يتعاطفون مع إقامة الخلافة الإسلامية، أو إعلام ذكورى عنصرى دينى بذىء اللغة ، يصطاد فى الماء العكر، يثير الفتن والضغائن .
هذه الأفكار مرت بخاطرى ، بعد قراءة فتوى أحد المشايخ ، عندما ساله شاب ، فى حيرة : «هل يجوز للمرأة أن تخرج إلى الشارع وهى تلبس أثوابًا فاتحة الألوان ؟ . جاءت فتوى الشيخ : " الألوان الفاتحة غير مستحبة ، لأنها تلفت الأنظار، ولفت الأنظار يثير الفتنة والشهوات، وإثارة الفتنة والشهوات ، تجر إلى المهالك والعياذ بالله .. الألوان القاتمة ، وقار وحشمة وزهد ، يرفع من شأن المرأة.. والله أعلم ".
إذا كان " الله أعلم " فلماذا إذن الفتاوى التى تنهمر علينا ، ليل نهار ، وتنفجر فى وجوهنا مثل القنابل وطلقات الرصاص ؟ . والنساء هن " الحيطة المايلة " ، التى يتفق المزاج القبلى البدوى ، الوهابى السلفى والاخوانى ، على تحقيرها ، وصناعة الشبهات الأخلاقية ، حول أبسط حقوقها . هى ليست فى نظرهم " انسانة " . بل أداة بيولوجية ، للاكثار من نسل أمة ، لا اله الا الله ، محمد رسول الله ، الذى من سنته : " تناكحوا تكاثروا فانى مباه بكم الأمم ".
يضيّقون علينا الدنيا، يجعلون الحياة ظلامًا وقيودًا تستعبدنا، يثيرون الفوضى واللخبطة والبلبلة وعقد الذنب ، وتأنيب الضمير .. ثم يقولون " الله أعلم ".
لا كهنوت فى الاسلام . وبالتالى ، فان الوسطاء بيننا وبين الله ، وهم كثر ، ينتهكون هذا المبدأ .
ان " بيزنس " الفتاوى ، الذى يكبر ويزدهر ، على حساب انسانية وكرامة النساء ، دليل دامغ ، يعاملنا كأننا " أدمغة " بلا عقول ، أو أطفال قصر ، كائنات تحتاج الى قوة أو سلطة
خارجية ، تميز لنا الخطأ من الصواب ، ما القبيح ، وما الحسن ، وبدونه سوف نتوه ، ونضيع ، وتتحول حياتنا الى فوضى أخلاقية ، وشتى أنواع الانحرافات الجنسية .
قال ابن خلدون 27 مايو 1332 – 17 مارس 1406 : " فى فترات التراجع الحضارى ،
وانحدار وضعف الأمم ثقافيا وأخلاقيا ، يصبح استغلال الدين ، أكثر الموجات رواجا ".
ان المرأة ، تخوض حربا شاملة يومية ، منذ الميلاد وحتى الموت ، كل شئ فيها متاح ، مثل كل الحروب ، التى تحتل وتستعمر وتخرب .
حرب تنهرها أن تكون " انسانة " ، تملك نفسها ، وليست فى " عهدة ذكر " ، أو " على ذمة زوج " ، أو " فى كنف مِحرم " ، أو " وراء ضل راجل " . وأغلب الفقهاء الذين يقدسهم المسلمون والمسلمات ، شرعنوا هذه الحرب ، وخططوا لها معاركها ، وأسلحتها المتجددة .
حرب شرسة متنمرة ، تأبى الا أن ينتصر " الذكور " ، " خلفاء الله فى الأرض " ، حراس الفضيلة والشرف الذكورى ، الذى لا ينتفض الا بسبب ممارسة المرأة ، الجنس ، خارج الكتالوج ، المختوم برضا الذكور .
أقترح ندوات تثقيفية عاجلة مكثفة لمنْ يشتغل فى الاعلام ، المرئى والمسموع والمقرؤء ، عنوانها " نسف الذكورية " . ليس من المعقول أو من المقبول ، ونحن ننادى بالعدالة بين الجنسين ، وعدم التمييز العنصرى ضد النساء فى جميع المجالات ، وفى مؤسسات الدولة ، وداخل البيوت من خلال تشريعات عادلة لقوانين الأحوال الشخصية ، أن يطل علينا الاعلام فى غالبية الأحوال ، بأفكار وحوارات ومقابلات ، وتعليقات ، وآراء ، من اعلاميات واعلاميين ، غارقين فى اثقافة الذكورية ، التى هى " توأم " الدولة الدينية . هما يأتيان معا ، وينتهيان معا .
ليس من المعقول أن تضع الدولة ، بجانب كل اعلامية واعلامى ، شخص يراقب عدم التمييز العنصرى ، وخلو البرامج من الفكر الذكورى ، الفاسد قلبا وقالبا ، شكلا ،
وموضوعا .
الذكورية منفرة ، تروجها النساء ، أو الرجال . لكن اذا شاهدت أو سمعت أو قرأت لاعلامية تتبنى الثقافة الذكورية ، التى تقهرها وتهينها وتجعلها ، فى مرتبة العبيد
والجوارى ، ويقتل الأمل فى التغيير .
من الناحية النفسية ، يتماهى المقهور مع القاهر ، يتخذه قدوة ، ويستميت فى الدفاع عن أفكارها ، وقوانينها . وفى أحيان كثيرة ، يصبح البوق الدعائى ، للمفاهيم التى تبقيه أدنى ، أكثر من القاهر نفسه ، ولا يفكر فى التغيير .
وهذا يعرف بمتلازمة استوكهولم . وهنا يطمئن الطرف القاهر ، فلم يعد محتاجا الى بذل الجهد ، لاعادة انتاج شروط الاستعباد . فهى تنتج نفسها ، من خلال المقهور شخصيا .
أنصح كل الذين يسعدون بالفكر القامع للمرأة ، أن يهاجروا الى أفغانستان .
هناك سيجد النساء ، وقد طبق عليهن ، حرفيا وبكل دقة ، شروط التوأم ، الدولة الذكورية والدولة الدينية .
لابد من تكثيف الوعى ، بأن تأييد وترسيخ الدولة الذكورية ، هو فى الوقت نفسه ،
وبالضرورة تأييد وترسيخ الدولة الدينية ، وأن حكم الوطن ، يبدأ بحكم النساء .
لا ينقصنا إلا فتوى تجيب عن التساؤل : " هل يجوز للمرأة أن تتنفس؟ " ، لكى
نرضى الفرع المصرى ل " طالبان " .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي