الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إسلامولوجيات- 5

جدو جبريل
كاتب مهتم بالتاريخ المبكر الإسلامي والمنظومة الفكرية والمعرفية الإسلامية

(Jadou Jibril)

2024 / 10 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هل إمكانية استخدام النصوص التأسيسية (القرآن والسنة)، مقروءة بالاجتهاد والتأويل من شأنها أن تؤدي إلى إسلام "ديمقراطي وليبرالي"؟


بالتأكيد، في جميع الأديان، يكيف الناس معتقداتهم ومبادئهم مع الظروف (حتى لو لم يعترفوا بذلك دائمًا): يبحثون عن دليل في النص المقدس، لكنهم قد يستشهدون بهذا المقطع وينسون آخر، أو يفهمون نفس المقطع بطرق مختلفة. وبقدر ما كان الثرات القانوني في الإسلام في كثير من الأحيان عمليًا للغاية وكان قادرًا على إضفاء الشرعية على حالات لا تتوافق حقًا مع المثل الإسلامية، يمكننا أن ندرك قدراته الواسعة جدًا على التكيف. لكن تكيف الدين لا يعني بالضرورة أن المجتمع الاسلامي يمكنه أن يصبح علمانيًا.
فهل يمكن أن يؤدي استخدام النصوص التأسيسية (القرآن والسنة، مقروءة بالاجتهاد و التأويل) إلى ولادة إسلام ديمقراطي وليبرالي، قادر على أن يكون أحد أعمدة الديمقراطية في المجتمعات المدنية العربية الاسلامية حاليا؟ علما أن الديمقراطية لن تكون دون الاقرار بشرط احترام العلمانية - وهنا تكمن المشكلة برمتها مع الإسلام، بفعل طبيعة نظرته وعلاقته بالعلمانية - وفي أحسن الاحوال هناك غموض مكثف بخصوص مسألة العلاقات بين الامور الزمانية والروحية، والسياسية والدينية، في الإسلام، فهناك صعوبات جمة يواجهها الإسلام اليوم في مواجهة العلمنة. ويظل القانون الوضعي في البلدان الإسلامية، بدرجات متفاوتة، يتميز باعتبارات دينية، على الأقل في عدد معين من المواضيع: بشكل خاص قانون الاحوال الشخصية (الزواج، وضع المرأة، إلخ)، وكذلك القانون الوضعي- مسألة الحرية الدينية وسهولة التعرض للمضايقات. .. . الردة، التجديف، وإظهار اللاأدرية أو الإلحاد علنًا، وعدم ممارسة الشعائر الدينية، دون التعرض أحيانًا لأشد العقوبات، وخصوصا حرية ممارسة دين الأقلية علنا دون أن يعتبر هذا الممارس من الدرجة الثانية في المواطنة...، كل هذا يعتبر من المؤشرات على تحول وضع الدين في المجتمعات العلمانية. إلا أن مثل هذه المؤشرات ليست واضحة جداً في المجتمعات الإسلامية – التي تقدم نفسها كمجتمعات مدنية-...
بهذا لا يزال الغموض الكثيف قائما رغم التويح بحديث
«لا ضرر ولا ضرار» في الإسلام. ولكن على أي أساس يتم تحديد ما هو "الضرر"؟
كل هذا يتوقف مرارا في العقلية التبريرية التبجيلية الزئبقية التقليدية الاسلامية على مجال المناورة الذي نسمح به لأنفسنا.
نعم يتمتع العديد من "الإصلاحيين" المسلمين بالذكاء الكافي للحفاظ على تناقض عميق وعدم الاضطرار إلى التشكيك في علاقتهم بالنصوص التأسيسية، ناهيك عن النصوص نفسها. ولكن تظل هناك مشكلة. خذ على سبيل المثال، قرار وقف العقوبة البدنية (الحدود). لا شك أن السذج قد يظنون أن الاصلاحيين من أشد المؤيدين لإلغاء بعض الحدود، وأن تجميد الحدود العنيفة وتعليق تطبيقها حاليا مع عدم التشكيك والتساؤل حول النصوص التأسيسية، ولا حتى في تفسيرها حسب الثرات الاسلامي. يمثل تقدما ذكيا في عقليات وتقاليد البلدان الإسلامية. لكن لن تجد أصلاحيا يعتبر الرجم أو قطع يد السارق ممارسة همجية قاسية وغير متناسبة، تستحق الشجب في كل زقت وفي كل مكان بمعيار المبادئ الانسانية الصرفة التي يرتكز عليها قيام المجتمع المدني.
وإنما يقولون بوجوب تعليق الرجم بسبب عدم استيفاء شروط التطبيق العادل للحدود (وهذا النوع من الاستدلال زئبقي شائع جدًا في الفقه الاسلامي،). لكن فلماذا لم يتم استيفاء هذه الشروط؟ باختصارشديد، لأن المجتمعات "المسلمة" الحالية ليست إسلامية بما فيه الكفاية.
لكن لو توفرت هذه الشروط ماذا سيحدث؟
الجواب هو ما أدلى به ب يوسف القرضاوي، ، في مقابلة أجراها في سنة 2012)، حيث قال "إن الشريعة، -وبالتالي العقوبة البدنية- يجب تطبيقها تدريجيًا: وبالتالي، لا يوجد قطع للأيدي خلال السنوات الخمس الأولى، بل عمل تربوي ، لأنه من الضروري إعداد الناس وتثقيفهم ثانيا، وبمجرد تعليم الناس، و حل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، يصبح من الممكن تلبية شروط تطبيق الشريعة ــ مع العواقب التي نتصورها".
فيما يتعلق بمسألة الحدود هذه، يجد الإصلاحيون أنفسهم أمام معضلة قاسية للغاية. لنأخذ مثال الرجم (وهو حد لا يقتصر على فعل الونا ويطبق كعقوبة على أفعال أخرى). يبدو أن هناك ثلاثة احتمالات :
الاحتمال الاول
لقد مارس النبي الرجم، وقد أخطأ - ولكن ذلك ينسب إلى النبي خطأً كبيراً في مجال له علاقة مباشرة بالدين و العقيدة، وهذا أمر من المستحيل أن يتصوره المسلم.

الاحتمال الثاني
لقد مارس النبي الرجم، وكان على حق في ممارسته كما جاء في الوحي ، وهو موقف أيضا غير مقبول لدى المسلم،

الاحتمال الثالث
لم يمارس النبي الرجم - ولكن هذه الحادثة، إذا لم ترد في القرآن، فهي مروية في جميع المصادر الثرات الاسلامي(مجموعات الأحاديث، السيرة): في هذه الحالة، ما هي درجة الفضل والموثوقية التي ينبغي أن يتنسب إلى هذه "المصادر" ومثيلاتها، وعلى أي أساس يرتكز جوهر المذهب السني؟
فمن الناحية المنطقية الصرفة، إذا اعتبرنا أن المصادر غير موثوقة في هذه النقطة بالذات، فيجب أن نعتبر أنها لا يمكن الاعتماد عليها. وهو احتمال يمكن الدفاع عنه، على المستوى الفكري، لكن عواقبه خطيرة وخطيرة جدا علس حراس الهيكل أصحاب العقلية العقلية التبريرية التبجيلية الزئبقية.
صحيح أن بعض الإصلاحيين القدامى كانوا يتمتعون بدرجة من الشجاعة الفكرية دفعوا حياتهم ثمنا لها من أمثال محمود محمد طه 1 الذي شكك في العلاقة التقليدية مع النصوص التأسيسية. ولا شك أن شروط الإصلاح الحقيقي تكمن عند هذا المستوى.
-----------------------------
1 - محمود محمد طه مفكر ومؤلف وسياسي سوداني (1909م -1985م). أسس مع آخرين الحزب الجمهوري السوداني عام 1945م كحزب سياسي يدعو لاستقلال السودان والنظام الجمهوري وبعد اعتكاف طويل خرج منه في أكتوبر عام 1951، أعلن مجموعة من الأفكار الدينية والسياسية سمى مجموعها بالفكرة الجمهورية. كان للعلماء من مختلف المذاهب مآخذ كثيرة على الفكرة الجمهورية، فعارضوها ورماه بعضهم بالردة عن الإسلام، وحكم عليه بها مرتين أُعدم في آخرهما في يناير 1985، في أواخر عهد الرئيس جعفر النميري. وكان من الذين وصفوا المدنية الغربية بأنها محاولة إنسانية نحو الكمال ومزاج بين الهدى والضلال فلم يدعوا إلى اعتناقها كلية أو اجتنابها كلية وانتقدوا كفرها بالله وبالإنسان ودعوا إلى استكمالها بإضافة البعد الروحي. وفي 18 نوفمبر 1968م حوكم بتهمة الردة عن الإسلام
من التهم التي وجهت إليه ترك الصلاة- قوله أن الزكاة ليست أصلاً في الإسلام -قوله أن الجهاد ليس أصلاً في الإسلام- المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث-
قوله بأن «الأصل في الإسلام السفور» - دعى إلى مذهب الحلول - إدعاء فهم جديد ي للإسلام
كتابه الأهم في حياته والذي أصدره في طبعته الأولى عام 1967 وعنوانه «الرسالة الثانية من الإسلام» الذي طرح فيه فكرة جريئة. قدّم محمود محمد طه حلاً جذرياً لإشكالية الإسلام والمعاصرة، والتناقض الظاهر بين الإسلام كدين وشريعة والدولة المدنية الحديثة.
ويعتبر أن الرسول هو رسول الرسالتين معا، وأنه فصل الرسالة الأولى للمجتمع القرن السابع وأجل الرسالة الثانية إلى حين وقتها المعلوم، واعتبر أن الرسول له مقامات متعددة منها مقام الرسول ومقام النبوة ومقام الولي، ، وأن هدف الإسلام هو البلوغ بالإنسان الي الكمالات الإلهية مصداقا لقوله :(ياأيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه).
ويؤمن طه بأن الإسلام الحقيقي المرسل للعالمين هو الإسلام المكي الموجه للإنسانية جمعاء وهو بذلك يعتبر أصل الدين العقائدي التوحيدي الداعي لعبادة الله الواحد الأحد، والمليء بآيات الرحمة والتسامح وهو الرسالة الأولى للإسلام. في حين أن الإسلام المدني أو إسلام المدينة هو الإسلام التاريخي المعبر عن عصر القرن السادس، ومخصوص لتلك الفترة من الزمان وهو إجابة زمنية للأسئلة الصادرة عن أهل ذلك الزمان وحلولا لما ثار أمامهم من وقائع وصعوبات ومشاكل، والإسلام المدني في رأيه هو فرع في الدين نزل على الرسول ليحكم من خلاله في الزمن الذي كان يعيش فيه، وانتهى هذا الإسلام بانتهاء عصر الرسول ومن بعده الصحابة والتابعين وتابعيهم، وما تلاهم من عصور.
فإنه من الخطأ الشائع أن يظن إنسان أن الشريعة الإسلامية في القرن السابع تصلح بكل تفاصيلها للتطبيق في القرن العشرين، ذلك بأن اختلاف مستوى مجتمع القرن السابع عن مستوى مجتمع القرن العشرين أمر لا يقبل المقارنة، ولا يحتاج العارف ليفصل فيه تفصيلا..) ثم يقول :(إنه لحق أن النبوة قد ختمت ولكنه ليس حقا أن الرسالة قد ختمت… الخ) ويقول كذلك :(إن الدين لا يتطور، يتطور الإنسان في فهمه له… لابد من تطوير الشريعة لمواجهة تحديات العصر ومطالب الإنسان) ويرى محمود محمد طه أن الرسالة الثانية هي الرسالة الأبدية باعتبارها هي الرسالة العالمية الموجهة لكل الناس والصالحة لكل الأزمان لكونها هي الرسالة التي تتضمن دعوة توحيد الألوهية والربوبية وكل آيات الرحمة والتسامح وهي في رأيه جوهر الدين الإسلامي، وهي القابلة للاستمرار، بينما كانت الرسالة الأولى ضرورية في زمانها وهي بنت فترتها، وكانت استجابة موضوعية تاريخية لبناء أمة الإسلام،، حتى يكون الخطاب مقنعا ومفهوما للمتلقين في تلك الفترة وعلى حد مبلغ علمهم وتصوراتهم الفكرية ، أما الرسالة الثانية فهي الضامنة لاستمرارية صوابية الدين وصلاحيته لكل العصور و الأزمان.
-------------------------------------
لكن لا يكفي أن يكون هناك إصلاحيون لكي يحدث الإصلاح. ما يقوله الإصلاحيون يجب أن يكون أيضا موضع اهتمام المؤمنين ، وأن تجد ضرورة الاصلاح صدى في اهتمام جماهير المسلمين. ومع ذلك، فمن الواضح أن تنفيذ الإصلاح الديني. وفي فترة كان أمل الاصلاح معقود على أجيال مسلمي الغرب المتمدن لكن خاب هذا الامل مع بروز الارهاب باسم الاسلام. وعلاوة على ذلك، فإن أولئك الذين كانوا يأملون في أن يؤدي تغريب الإسلام إلى تسهيل "تحريره" أظهروا بلا شك قدرا كبيرا من الصراحة، لكن خاب هذا الامل مع بروز الارهاب باسم الاسلام.. في الوهلة الأولى، كان هذ الآمل معقول: وذلكبفعل الحرية الدينية وحرية الرأي التي يمكن أن يقدمها الغرب ، ولتكون حافزا جيدا لإصلاح الإسلام.
إلا أن "التحديث" و "التحرير من نير حراس الهيكل و المتاجرين في الدين والمتمعشين منه وفقهاء خدمة القائمين على الامور وترويج شرعيتهم وتبريرها"، فهذا وذاك لا يسيران بالضرورة جنبا إلى جنب ، فما العمل؟
أولا، يجب الاستمرار في مواجهة خطابات العقلية التبديلية التبريرية والزئبقية والمذكورين أعلاه: يوب مواجهتها بتناقضاتها، وكشف ما تم التستر عليه أو الاستمرار في التستر عليه.
واستمرار اعتماد النقد التاريخي لإزالة الغموض الذي يكتنف خطاباتهم طرح الاشكاليات المزعجة وتمحيصها،على ضوء مناهج النقد التاريخي ، وتفكيك الكليشيهات الدفاعية التبجيلية الإسلامية. باختصار، تمحيص الموروث الاسلامي التقليدي وتسليط الضوء على مناطقه الضبابية .
بكلمة وجب التخلص من نهج الحكم على تاريخ الحضارة والثقافة العربية والإسلامية وفقًا للمنظور الوحيد للنصوص الدينية ولما ورد في التراث .
ولعل أول خطوة وجب القيام بها قد تكون الشروع في تنقنية مصادر التراث الإسلامي من الشوائب والخزعبلات عوض الاستمرار في ترديدها ترديد البغاء دون تمحيص وتدبر.
ومما لا شك فيه أن للباحث في الاسلام، والمؤرخ بشكل عام، دور يلعبه هنا، خصوصا مع انتشار هراء غير المتخصصين على النيت وسائل التواصل.
إن رفض -من حيث المبدأ أي انتقاد وتمحيص لمصدرالتراث الاسلامي موقف خطير معرفيا، وغبي فكريًا. ومهما قيل فهو أيضاً بشكل أو بآخر عدم احترام للمسلمين، وكأن المسلمين يجب أن يعفوا من أي نقاش نقدي مسؤول!
لقد أضحى اليوم أكثر من أي وقت مضى من الضروري من حل المشكلات العملية التي يطرحها الإسلام في المجتمعات المدنية بطريقة معقولة.
______________ يتبع _____________








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 107-Al-araf


.. 117-Al-araf




.. #شاهد يهود كنديون يقتحمون مبنى البرلمان ويردّدون شعارات مندّ


.. 100-Al-araf




.. 100-Al-araf