الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التطبيقات العملية بين العلمانية والدين

محمد يعقوب الهنداوي
كاتب

(Mohamed Aziz)

2024 / 10 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الناس يخلقون آلهتهم بالصفات التي يحبون والقدرات التي يرهبون

الخطوة الاولى نحو هدم الفكر اللاهوتي الغيبي المعادي للانسان والقائم على استلاب العقل وحرف الوعي واستعباد البشرية هي تسخيف هذا الفكر الموروث ونسف جذوره المبنية على الأوهام. فلا ديمقراطية لدى الأديان ولا حريات. ولولا عوائق المسافات وأقنعة التخفي والتستر على الانترنت لرأيت جثامين المفكرين، المعترضين على حكم الدين والمناوئين لمنطقه المعوجّ المتناقض والهادف الى ارضاء غرائز الفئة المستفيدة منه من الطفيليين، معلقة على النخيل والاشجار واعمدة الطرقات. فالفكر الديني داعشي في جوهره مهما اتخذ من اقنعة وصور وذرائع وواجهات زائفة، والديانات كلها تزعم امتلاكها الحقائق المطلقة ومن يعارضها لا يستحق حتى أن يتنفس الهواء، وعليه فالخطوة الأولى تبدأ من اقناع المتدينين بأنهم أجداث سلفيون فات عهدهم وولى زمانهم وعليهم ان يتقبلوا حقائق الحياة المتجددة وواقع ان العلمانية هي الوليد الشرعي للعقل البشري والمعرفة العقلية والتقدم الحضاري، كما ان ابنك هو وليدك الشرعي الذي خرج من صلبك، وعليك ان تخلي له المكان. فاذا تم ذلك فلن يرى أتباع الديانات من العلمانيين والملحدين إلا تشييعا حافلا مهيبا الى مقابر التاريخ دون خدش كبريائهم الأجوف الذي استغلوه لاستغفال البشرية طويلا...

بين الشرق والغرب ليس مجرد مسافات جغرافية وبحار عازلة وتأشيرات سفر، ولا قدرات تصنيعية ومهارات فردية ودخل أعلى او عائدات مالية أجزى، بل ثمة حواجز حضارية هائلة تتضاعف أبعادا وسماكة كل يوم وتجعل من المستحيل على نمط معين من الوافدين من بلدان وثقافات معينة اجتيازها كتجمعات بشرية كبيرة، بل يمكن انتقال أفرادها زرافات ووحدانا على أن يمروا بأتون "مطهّر" التأقلم لسنين تكثر أو تقل حسب ظروف ومواصفات كل فرد.

ومن خلال هذا المطهر يتوجب على هؤلاء الوافدين من ثقافاتهم المتشددة غالبا الى الغرب أن يخلعوا جلدهم القديم ويستزرعوا لأنفسهم جلود جديدة لا تحمل في طياتها كل إرث الثقافة القديمة التي قدموا منها. وكثير من هؤلاء يفشلون في هذه المهمة فيعانون مضاعفات كثيرة منها أمراض الحنين ووطأة الشعور الجارف بالغربة الروحية والجسدية، ومنها الاحساس باستحالة التعايش مع الظروف الجديدة وتفضيل العودة الى مواطنهم الأصلية.

ولعل هذا ما يحصل للوافدين من المجتمعات الاسلامية خاصة الى الغرب حيث الإختلاف في كل عناصر الثقافة الموروثة والحديثة والمكونات الدينية منها على وجه التحديد. ويعود ذلك الى الطبيعة التلقينية الوراثية للأديان، والدين الاسامي خاصة والتي تجعله عصيا على التأقلم والمطاوعة وتقبل المزاوجة مع ثقافة المجتمع المضيف وضرورة تبنّي وتمثّل عناصر لابد منها ضمن تكوينه الثقافي ليتبناها وتصبح جزءا من شخصيته الجديدة.

ومن أسباب تلك الصعوبة هي فكرة المسلم عن نفسه ودينه وتقاليده من جهة وشخصية ودين وتقاليد المجتمع الغربي من جهة أخرى، فانحطاط وعي المسلم ودونية عقليته تجعله يرفض الاعتراف بأنه أقل تحضرا من الغرب وأنه يعتمد على الحضارة الغربية اليوم في تزويده بكل المنتجات المصنوعة تقريبا، الى جانب البضاعة العقلية والتي تشمل المدارس والجامعات والمناهج العلمية والمستشفيات والأطباء والأدوية والمستلزمات الصحية الأخرى ووسائل النقل والمواصلات والاتصالات ووسائل الترفيه الالكتروني والاعلام والتجهيزات المنزلية الالكترونية وما شابه.

كل هذه ولا ريب منتجات غربية أصبحت من مكونات الحياة الحديثة ويصعب ان يخلو منها بيت كما يصعب للكثيرين أن يستغنو عنها لو ليوم واحد. والمسلم يحتاج الى استخدامها في حياته اليومية لكنه يرفض الاعتراف بأنه محض عنصر استهلاكي وعالة على الحضارة الحديثة حيث لا يسهم فيها إلا بدور الكسول الذي صادف أن في أرضه مادة يحتاجها الغرب كوقود أساسي وهو النفط، فأصبح الغرب هو المستكشف وهو المنتج وهو المشرف على العدادات التي يصنعها هو ويديرها هو ويبرمجها هو ثم يكون هو الطرف التسويقي والناقل وواضع السعر والمشتري ودافع الثمن وقابضه الذي يحفظ عائدات البيع في مصارفه ويقرر للبلدان المتخلفة، واعني هنا الاسلامية على وجعه التحديد، ما تحتاجه وما يلزمها وما لا بد لهامن أن تشتريه وخصوصا السلع الكمالية والأسلحة وما شابه، واخيرا لا يفعل المسلم صاحب الأرض سوى الاستهلااك معتمدا على الغربي في كل شيء.

لكن... هل يعترف العربي والمسلم بهذا الواقع؟ بالطبع لا، فهو يرفض أن يصارحه أحد بهذه الحقيقة الساحقة لأن ل ما يمتلكه هو الانتفاخ البدوي الأهوج الفارغ الذي يسميه الكبريائ والشموخ والى آخر المصطلحات الجوفاء التي تليف بشاعر من البادية من عصور ما قبل الحضارة أكثر مما تليق بعالم اليوم. وحين يكذب العربي والمسلم على نفسه بها الصدد فهو لا ينتظر تأييد أحد أو مصادقته على ذلك كي يعتبرها حقيقة مطلقة ويتعامل مع نفسه ومع الآخرين على هذا الأساس. ومن أحد أسلحته النفسية في هذا المجال: المركزية الذاتية ونظرية المؤامرة ووهم الاكتفاء الذاتي والقدرة على استعادة الامجاد المزعومة وعدة الحياة الى عصور غارقة في القدم تسمح له بأن يكون هو المهيمن على كل شيء من جديد، واذا لم يستطع اقناع حتى نفسه بإمكانية ذلك واقعيا، هرب الى الأمام واستنجد بالخرافة واللاهوت فجعل من مهديه المنتظر سلاحه الأمضى في هزيمة خصومه الذين هم كل شعوب الأرض وحكوماتها بسيفه البتار بعد أن يشل بقدراته الإلهية كل معارف الغرب قدراته واسلحته النووية ويعطل قدراته التقنية ويسخر الله له الرياح والأعاصير والزلازل والبراكين أسلحة لا راد لها، وهنا يكم بعض السر في فرحة العربي والمسلم وتشفيه حين يتلقى الأنباء عن حصول تلك الكوارث الطبيعية في بلاد الغرب الكافر، لأنها نبوءات وبشائر بأن ظهور مهديه بات قاب قوسين أو أدنى.

نظرية المؤامرة وكل ما يأتي من الغرب أو له صلة بالغرب أو بدأ من الغرب فهو مشبوه ويستهدف التآمر على الاسلام انطلاقا من فكرة "مركزية الامسلم وفكرته المحدودة عن نفسه ودينه وعالمه وكأنه هو أهم عناصر الوجود وأعظم ما فيه

صلاح عمر العلي وأولاده وتنظيم بيته وعلاقاته
الدواعش المرتدين ضد الغرب

كثيرون من هؤلاء يخلقون بيئة لأنفسهم يسعون الى أن يكثفوا فيها واصفات البيئة الاجتماعية التي قدموا منها

ممتن لسؤالك الجميل وسأسعى للإجابة بشكل منهجي قدر الإمكان، فهناك أولا فرق كبير في تصور الشرقيين عن الله أو الرب عن ذاك الذي لدى الغربيين، كما ان طبيعة العلاقة الحياتية بين الناس والرب، ومثلما تختلف منظومة الأخلاق بين العالمين الشرقي والغربي، مختلفة جذريا، وكما يلي:

النقطة الأولى: إسم وشكل وصفات الرب المعبود:

1- حين يسمع المسلمون بأن الهنود مثلا يعبدون البقر والقرود وغير ذلك ولديهم عشرات آلاف الآلهة فانهم يسخرون منهم ويعتبرون ذلك نشازا ولا عقلانيا.

2- يعتقد السيخ بمبدأ الطهارة ويلتزمون بخمسة أشياء مقدسة في حياتهم اليومية، علما ان الديانة السيخية بدأت قبل حوالي خمسمائة عام فقط، ولم تبدأ بإله سماوي بل بقادة ارضيين خلفوا لهم ارثا مكتوبا يعتبرونه كتابهم المقدس ويلتزمون بتعاليمه، والأشياء الخمسة المقدسة في ديانة السيخ تبدأ كلها بحرف الكاف (في لغتهم) وهي:

* إطالة الشعر.
* حمل المشط دائما.
* لبس سروال متسع .
* لبس سوار من الفولاذ في المعصم.
* حمل خنجر من الفولاذ دائما.

وهذه التقاليد قد تثير سخرية واستغراب الكثير من الاقوام والديانات الأخرى.

3- يمارس المسلمون طقوسا خاصة بهم تختلف حسب طوائفهم، فالسنة يمارسون الذكر والدروشة بينما يمارس الشيعة اللطم على الصدور وجلد الظهور بالسلاسل التي يضيفون اليها سكاكين صغيرة أحيانا لتنزف الدماء وكذلك التطبير بالسيوف على الرؤوس الى حد أن بعضهم يموت، ولو أن هذه الحالات قليلة نسبيا، لكنها تحصل.

4- ما أريد قوله هو أن هذه العقائد والممارسات المختلفة سببها عبادة أرباب مختلفين. فمن هو الرب الذي خلق هؤلاء وأولئك والمسؤول عنهم وعن هدايتهم والذي يحاسبهم في النهاية؟

كل منهم يرى إلهه بشكل مختلف ويمنحه إسما وشكلا مختلفا وقدرات مختلفة أيضا. إذن فالله ليس واحدا، إذا اعتبرنا ان اسم "الله" يشير الى الرب أو الإله الخالق الذي يستحق العبادة.

النقطة الثانية: انهيار الايمان الديني وتراجع دور المؤسسة الدينية وظهور نظام الرفاه الاجتماعي في الغرب والدولة بوصفها "ولي أمر" المواطن:

تعرضت الدول الأوربية في الحرب العالمية الثانية الى خراب رهيب وعدد هائل من القتلى وفقدان عدد كبير من العوائل لمعيليها ودخلها مما أدى الى خلل كبير في قدرات الناس على الحياة والانفاق على احتياجاتهم. وأدى الفقر الشامل والكساد العام الى ركود في الأسواق وتعطيل التجارة والكسب.

ومع ان الاتحاد السوفييتي تعرض لخسائر مناظرة في الحرب، حيث خسر أكثر من عشرين مليون قتيل عدا الجرحى والمفقودين والمشوهين، إلا انه كان أكثر قدرة على مواصلة الحياة شبه الطبيعية بسبب نظامه الاقتصادي الذي كان قائما على مبدأ التعاونيات ومسؤولية الدولة عن توفير العمل والسكن وحد أدنى من الدخل المضمون للمواطن إضافة الى الصحة والتعليم وخدمات أساسية أخرى مجانية بشكل كامل.

ولم تجد دول الغرب الرأسمالي بدّاً من تقليد ومجاراة النظام السوفياتي في بناء منظومة خدمية شاملة تستند الى تنظيم جديد لإدارة الثروة المجتمعية باستيفاء نسب عالية من الضرائب على دخل الأفراد والمؤسسات والشركات، وايداع تلك الإيرادات في صندوق الضمان الاجتماعي الى جانب وضع ميزانيات ضخمة تخصص أجزاء كبيرة منها لنظام الرعاية الصحية الوطني الشامل ونظام التعليم الالزامي ونظام الخدمات البلدية والأمنية بل وحتى نظام الإسكان الوطني.

كان ذلك هو العمود الفقري لنظام الرعاية الاجتماعية والرفاه الاجتماعي الذي تلتزم بموجبه الدولة بتغطية كافة الاحتياجات الأساسية للمواطن مقابل نسبة متصاعدة من الضرائب التي يدفعها من دخله وايراداته المالية حين يجد عملا ويحقق ما يكفيه من الدخل.

هذا النظام حقق وظيفة أساسية للمواطن هي أن الدولة صارت هي ولي أمره المسؤول عن اسكانه واطعامه وتعليمه ورعايته الصحية وتوفير جميع الخدمات الأمنية والبلدية له، بشرط ان يلتزم باحترام القانون. وهكذا تأسست دولة المواطن في بريطانيا أولا ثم في عموم بلدان غرب أوربا وكندا وأستراليا ودول أخرى وسرعان ما ستلحق بها اليابان.

ولم تكن أوربا تستطع القيام بذلك من دون دعم مالي هائل من الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تتأثر بالحرب وخسائرها كثيرا بسبب بعدها الجغرافي واقتصادها القوي ودخولها الحرب متأخرة نسبيا، وسمي برنامج المساعدة الشاملة لإعادة بناء أوربا الغربية "مشروع مارشال" والذي كان من عواقبه تراجع السيطرة الاستعمارية الأوربية لصالح أمريكا التي أصبحت القوة الامبريالية الأولى بالعالم والتي أنشأت حلف شمال الأطلسي "الناتو" كقيادة عسكرية موحدة بقيادتها في مواجهة الاتحاد السوفييتي.

هذه الأحداث والتطورات التي جاءت كمحصلة للنمو الرأسمالي والحروب الامبريالية العظمى، أدت الى المزيد من تراجع دور الكنيسة في مواجهة التقدم العلمي الهائل الذي أحرزته أوربا منذ الثورة الصناعية، مما وضع الفرد الأوربي خاصة وفي عموم البلدان المتقدمة أمام حقيقة أن إدارة وتنظيم الحياة المدنية أو العسكرية وخوض لظى تلك الحروب الرهيبة لم يكن ممكنا بالاعتماد على المنظور الخرافي للدين ودور الأساطير السماوية والمعجزات الغيبية حيث دوران الآلة لا ينتظر أدعية من العامل ولا استغفارا قبل أن يطحن يده أو رأسه، وكذلك القنبلة التي تأتي عبر الفضاء ولا ينفع معها الا الخنادق الحصينة والتعزيزات العسكرية المنيعة والأسلحة المضادة التي تفوق أسلحة العدو قوة.

النقطة الثالثة: طبيعة العلاقة اليومية والحياتية بين الانسان والرب أو الإله المعبود والاختلاف في منظومة الأخلاق، وموقف المسلم من النظام واستمتاعه بسرقته وغشه:

استوجب هذا من الفرد ومن المجتمع أن يغير قناعاته تماما وينتقل من الايمان الغيبي والاتكال على إرادة الرب وتدخلاته الى النظام وضرورة التخطيط الدقيق لكل شيء وتوزيع المسؤوليات الدقيقة كنقيض لعشوائية الصدفة ودور القدر والغيبيات الأخرى التي تشكل المكمل الطبيعي لعجز الانسان بالاستعانة بالدين واللاهوت.

وفرض هذا الواقع، وتنامي دور الدولة بشكل حاسم وتبلور منظومة جديدة من القوانين التي تنظم كافة مجالات الحياة والاقتصاد والمجتمع ونشاطاته المختلفة، أدى الى تراجع كبير في دور الكنيسة التي تحولت الى مجرد ديكور وتحفة فنية لا صلة يومية لها بحياة الناس وتبدو شبه ميتة طوال الوقت حيث لا يتوافد عليها المواطنون إلا في المناسبات المتباعدة وحالات الزفاف والتعميد وما شابه.

ومن الناحية الأخلاقية، لم يعد الأمر متروكا للنوايا والفرضيات الهلامية، بل أصبحت القوانين تنظم كافة مجالات الحياة ونشاطات الأفراد وفاعلياتهم داخل الأسرة وخارجها حتى لم يعد بمقدور الأبوين أن يقررا ما اذا كان طفلهما سيذهب الى المدرسة ام لا أو يزور الطبيب عند الحاجة او لا، لأن منظومة رقابية كاملة أخذت موضعها في حياة المجتمع وصار الالتزام بها والتناغم معها سلوكا تلقائيا لدى جميع المواطنين.

ولعب تنظيم الاقتصاد وتخطيطه وشؤون الضريبة ونسبها تبعا لمستوى الدخل والتربية المجتمعية والتثقيف القانوني السليم والدؤوب دورا جوهريا في إعادة تشكيل منظومة الأخلاق العملية للأفراد.

فالجميع يعلم ويدرك أن الدولة لا تمتلك مصادر وهمية أو إعجازية للدخل والايرادات، بل تعتمد اعتمادا كليا على ما تجنيه من الضرائب، وفي حال حصل غش أو تهرب أو اختلال في عمليات جباية الضرائب فإن ذلك ينعكس تلقائيا على مستوى الخدمات والضمانات والتأمينات الاجتماعية التي تستطيع الدولة تأمينها للمواطنين.

وعليه فمن يغش الدولة هو في الواقع يغش المجتمع، أي يغش جميع المواطنين، وأصبح الغش والكذب والسرقة والتهرب الضريبي والتلاعب على القانون مرادفا للخيانة الوطنية والغدر بالمجتمع. وأصبح الصدق والنزاهة والالتزام بالقانون واحترامه طبيعة ثانية راسخة وثابتة في الشخصية اليومية السوية للمواطن الغربي.

لكن هذا النظام الدقيق والمنضبط سيعاني الكثير من المهاجرين والوافدين وخصوصا من البلدان العربية والإسلامية التي ينتشر فيها الغش والكذب والسرقة وتجاوز القانون والالتفاف عليه، إن وجد القانون أصلا وكان فاعلا.

والسبب الرئيسي في فساد العربي والمسلم وعدم احترامهم للقانون هو طبيعة العلاقة بين الفرد والدولة، إذ كانت هذه العلاقة عرجاء دائما وتميل بشدة لصالح الطبقة المتسلطة والغنية وذات النفوذ على حساب الفقير والمستضعف. وما يرويه التاريخ الإسلامي عن الخلفاء والأمراء والحكام والأثرياء وبذخهم وترفهم وصلاحياتهم المطلقة في التلاعب بمصائر الناس وحقوقهم، وتفضيلهم الاسراف على مجالس الأنس والتسلية والمتع الجنسية والحسية الأخرى على حقوق المجتمع ستتواصل الى اليوم حيث أصبحت السلطة توأما متلازما مع الفساد.

وحين يصل العربي والمسلم الى بلدان الغرب فتراه سيجدّ ويجتهد ليبتكر آلاف الحيل "الشرعية" لممارسة الغش والكذب والسرقة وخرق القانون والتجاوز على الحقوق العامة بحجة أن هذا مجتمع "أهل ذمة" و"كفار" ومستعمرين" والى آخره من مبررات نقل الممارسات السلبية من مجتمعه الى المجتمع المضيف.

والأبشع من ذلك انه يربط بين طقوس وعقائد دينه وتعاليمه وبين ممارساته السلبية هذه فيطبع دينه بصورته السلوكية ويعطي الانطباع المحتوم للمجتمع الغربي بأن العربي والمسلم يتقبل ويرحب ولا يعارض الغش والكذب والسرقة، لكنه يلوم الغربيين بكل صفاقة ويتهمهم بالعنصرية أو التحيز حين يوقفونه عند حده اذا أوقفته الشرطة مثلا أو يعاملونه بطريقة تنبئ عن حذرهم منه.

النقطة الرابعة: هل يؤمن الغربيون بفكرة الاله وان هناك قوة قاهرة قادرة وان لهذا الكون خالق، وكيف يتعاطون معه:

لا شك ان غالبية الناس في المجتمعات الغربية والبلدان المتقدمة هم أناس عاديون بسطاء طبيعيون يمتلكون عواطفهم ومشاعرهم الاعتيادية وميولهم وقناعاتهم الروحية، وكثيرون منهم يؤمنون بفكرة الاله وان هناك قوة قاهرة قادرة وان لهذا الكون خالق هو الله، أو أي إسم آخر. لكن طبيعة تنظيم الحياة في هذه المجتمعات يختلف تماما عنه في المجتمعات المتخلفة.

ففي الشرق الإسلامي مثلا، نجد الأذان يرتفع في اليوم خمس مرات، وبعض الناس يذهبون الى المساجد ودور العبادة الأخرى للصلاة على صوت كل أذان، ورمضان بأيامه الثلاثين يفرض نظاما حياتيا صارما على الناس يجبرهم على تغيير نظام يومهم ونومهم وصحوهم وعملهم وراحتهم ووجبات طعامهم وسهراتهم. وكذلك تفرض الأعياد والمناسبات الدينية الأخرى طقوسها الصارمة على المجتمع المسلم.

ومن المعتاد جدا في الكثير من المواقف الحياتية وحتى ضمن حياة الأسرة الواحدة في البيت الواحد أن تشيع الشكوك وعدم الثقة وتفتقد المصداقية في التعامل بين الناس، بل وحتى في أحاديثهم العادية جدا، الى حد اضطرارهم لإتباع ما يقولونه او يفعلونه بالقسم واليمين المغلظ لأن أقوالهم المجردة لن تكتسب المصداقية دون ذلك.

ونظام الطاعة والاحترام الرسمي والأولويات في الأسرة والبيت والشارع وأماكن العمل يختلف كليا في الشرق عنه في الغرب حيث للمرأة والطفولة وحرمة الحياة أولوياتها حمايتها القانونية التي لا بد من مراعاتها والالتزام بها، وكذلك الممارسات الديمقراطية واللياقة الاجتماعية والممارسات المرتبطة بأنظمة المرتبطة بحقوق الانسان وأخلاقياتها والتي أضحت واقعا يوميا ينعكس في السلوك التلقائي للمجتمع الغربي في كل شيء تقريبا.

واذا كان الشرقي المسلم يتحدث عن شيء عادي جدا فتعابير دينية رتيبة موروثة لا تفارقه طوال الوقت، فهو حتى حين يتحدث عن انطلاق صاروخ الى المريخ لا يفوته أن يقول: "ما شاء الله" أو "سبحان الله"، وهذا يصح أيضا ويقال بشكل مبتذل جدا وغير مبرر او ذي معنى على البشر والبهائم والأحياء والجمادات وحالات الولادة والموت والأفراح والأتراح وكل شيء، فيما يعتبر هذا في الغرب اسفافا ونشازا بالغا ولا يخطر على بال أحد.

وإذا كنت سأتذكر طبيب الاسنان أو يخطر على بالي في حالة شعوري بالألم أو معاناتي من مشكلة في اللثة او الأضراس مثلا، فان الشخص العادي في الغرب سيتذكر الرب بتواتر حتى اقل من ذلك، فالكنائس صامتة كالمقابر ولا أحد يذهب فيها للصلاة، وحتى لقاءات الأحد اذا حصلت فتكتسب طابعا اجتماعيا مرحا لا صلة له بالدين غالبا ومشروطا بظروف الأفراد ومواعيدهم والتزاماتهم أكثر مما هي مشروطة بأي شيء له صلة بالعبادة او الطابع الديني للكنيسة.

وباختصار فان الربّ في المجتمعات المتقدمة لا يذكره أحد أكثر ما يذكر طبيب الاسنان في حالات اللزوم وليس في الحالات العادية والأمراض العابرة الشائعة....

نعم هم يذكرون الله ويحبونه، لكن كفاكهة نادرة لها مواسمها، وليس صحنا يوميا مبتذلا على قائمة الطعام خمس مرات في اليوم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القمة العربية والإسلامية في الرياض تطالب مجلس الأمن بإلزام إ


.. يهود فرنسا يطالبون ماكرون بمنع سموتريش من دخول البلاد.. ما ا




.. 7 سنوات من العنـ, ف والدمـ ـ ـاء .. جر, ائم الإخوان لح, ـرق


.. هل يدرج ترامب الإخوان كمنظمة إرهابية مجدداً ؟




.. القمة العربية الإسلامية تدعم جهود مصر وقطر لوقف إطلاق النار