الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدلية العلاقة بين الدين والتنوير

خيري فرجاني

2024 / 10 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الواقع أن هناك ثمة صراع حقيقي بين الدين والتنوير. ومن هنا، يظل السؤال مطروحا وبقوة حول مدى إمكانية التعايش ومحاولة التوفيق بين الدين والتنوير. ويعتبر هذا السؤال المحوري الهام هو أبرز ما شغل عقول المصلحين والتنويريين والنهضويين على مر العصور ، خاصة منذ بداية عصر اﻷنوار في أوروبا ، كما عرفت المجتمعات العربية واﻹسلامية هذه اﻹشكالية منذ وقت مبكر، وتحديدا منذ ظهور فرقة المعتزلة ، والتي عرفت كحركة عقلية تقدم العقل على النقل ، ومرورا بظهور ابن رشد بأفكاره التأويلية للنصوص الدينة التي قد تتعارض مع العقل ، وانتهاء بحركة التنوير التي ظهرت ملامحها مع بداية مطلع القرن التاسع عشر تأثرا بالفكر الغربي ، وقد رأينا كيف فشلت كل هذه المحاولات والتجارب الإصلاحية وعدم القدرة على إعمال العقل ومواكبة العصر .
ورغم هذه اﻹخفاقات المتتالية على مر العصور وفي مختلف البلدان اﻹسلامية، إلا أن هناك ثمة تحولات حقيقية وهامة قد طرأت على تلك المجتمعات سواء كانت هذه التغيرات بشكل مباشر أو غير مباشر، وذلك على المستوى السياسي والاجتماعي والثقافي والعسكري والاقتصادي.. إلخ.
ويعزى ذلك إلى الاحتكاك والتأثر بالقيم والممارسات الحديثة والمعاصرة ، سواء كان ذلك في التعليم والصناعة والثقافة ونظم الحكم الديمقراطية الحديثة ووضع المرأة والقوانين بصفة عامة ، وتعتبر الحملة الفرنسية التي قادها بونابرت على مصر التي تعتبر بحق بوابة الشرق ، هي حملة تعددت أهدافها ودوافعها وتراوحت ما بين الجيوسياسي والاقتصادي والعسكري والثقافي والعلمي ، وكان من ثمرة هذا الاحتكاك اﻷول منذ عدة قرون من العزلة التامة للبلاد اﻹسلامية في ظل الحكم العثماني الغاشم ، أن تعرف المسلمون وﻷول مرة على الكثير من جوانب الحضارة الغربية وما شملته من علوم وفنون وإدارة حديثة ، هذا الحدث التاريخي شكل الدافع الحقيقي لظهور حركة التنوير في المجتمعات العربية واﻹسلامية التي بدأت تأتي ثمارها في حركة التحديث والتجديد واﻹصلاح التي بدأت في الظهور مع بداية القرن التاسع عشر كنتيجة طبيعية للتأثر واﻹعجاب بما وصل إليه الغرب من تقدم عسكري وفكري وثقافي واجتماعي ، فقد أحدثت تلك الحملة صدمة ثقافية وفكرية في العالم الإسلامي . ومن ثم، بدأت تظهر شخصيات رائدة في شتى المجالات المختلفة من كتاب ومفكرين وأطباء وقادة سياسيين وعسكريين.. إلخ، حيث تبنى هؤلاء جميعهم جوانب من الفكر والثقافة والتكنولوجيا الغربية وشجعت على اﻷخذ بها ومحاكاتها، ولكن دون أن تتخلى عن تدينها التقليدي فهي ارادت الحداثة والتجديد والإصلاح من خلال القواعد واﻷفكار السلفية، وقد وصف ذلك الجبرتي خليط الصدمة والانبهار الذي أصاب المجتمعات اﻹسلامية بقدوم نابليون مرفوقا بفريق من العلماء والخبراء في معظم المجالات، وكان الفكر التقليدي السائد آنذاك لدى هذه المجتمعات أنها تؤمن بأن تفوق الإسلام يفترض أن يضمن لهم النصر في الحرب على الغزاة.
لكن جاءت الطامة الكبرى والهزيمة النفسية الساحقة والانهيار العسكري الرهيب مخيبا لكل آمالهم في النصر ، هذه الصدمة وهذا الاحتكاك أيقظ العقل الإسلامي من ثباته الذي استمر لعدة قرون ، وأدرك لاحقا أن القوة العسكرية والعلوم المتقدمة التي يملكها الغزاة هي اﻷكثر فاعلية ، وأنه يتعين على المسلمين محاكاة هذه العلوم وتعلمها والسير على منهاجها وطريقها ، وكان في المقدمة بلدان ثلاث هي مصر وتركيا وإيران ، حيث بدأت هذه البلدان الثلاث بالفعل خطوات جادة نحو التنوير والتجديد والإصلاح ، ولكن سرعان ما تراجعت هذه التجربة وفي انعطافة راديكالية خطيرة بدأت في مصر بظهور حركة اﻹخوان المسلمين ثم تبعتها إيران فيما عرف بالثورة اﻹسلامية واخيرا تركيا بوصول حزب العدالة والتنمية للحكم ، وتراجع مشروع التنوير بشكل جد خطير أمام ما عرف بالصحوة اﻹسلامية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الإسرائيلية الأميركية يهوديت رعنان تتوسل إلى ترمب: -افعل ما


.. 157-Al-araf




.. 157-Al-araf


.. هل هبط رجال من السماء وأسسوا الحضارة البشرية ؟ ومن هم الأنون




.. وجهاء وعشائر الطائفة العلوية يطالبون بإصدار عفو عام يشمل كل