الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اشكالية الدين والدولة

محمد القطاونة

2024 / 10 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


فالفرق بين الفكر الإسلامي في الماضي والحاضر وتحديات كل منهما، أن الفكر الإسلامي كان يحتضن من قبل سلطة تخشى عليه وتوجه كل طاقاتها للدفاع عنه، سواء كانت تلك الطاقات سياسة أم اقتصاد أم فكرية فإنها تمثل بمجموعها شياً واحداً اسمه الإسلام، كل ذلك كان دافعا قويا للمتكلم أو المفكر المسلم ان يكون قويا، بفكره وقويا أمام خصمه ليريه الحقيقة. أما اليوم فالإسلام بلا دوله ولا سلطة وبلا قياده سياسية ولا قوة اقتصادية تدافع عنه وعن قضاياه، حتى أصبحت قضايا العقيدة الإسلامية مسرحا للعابثين، إن كانوا من أعداء الإسلام أو من أبناء المسلمين وبني جلدتهم. نعم، إن أكبر نكسة في تاريخ الفكر الاسلامي والحضارة الاسلامية بشكل عام كان يوم انفصلت المرجعية العقدية عن المظاهر التطبيقية في مختلف وجوه النشاط الانساني، بحيث يكون كل حكم من أحكام السلوك متفرعاً عن أصل من أُصول العقيدة الاسلامية، ولكن مجريات الواقع الإسلامي خلال عهد التراجع الحضاري أفضت الى تراخي الصلة بين أصول العقيدة الإسلامية وبين مناشط الحياة المختلفة، فلم تعد مظاهر السلوك المختلفة تندفع في تلقائية ووضوح من مرجعيتها العقدية، وغدت حقائق العقيدة تشبه أن تكون تصديقات ذهنية غايتها في ذاتها، وضعف الشعور بغايتها السلوكية، وقد أدى هذا الوضع الى ما يشبه الانفصال بين الاجتهادات الفرعية وبين مرجعيتها العقدية وخذ مثالاً في ذلك حقيقة التوحيد التي كانت في عهود الازدهار الإسلامي تسّير حياة المسلمين كلها، تشريعات وآدابا وفنونا وعمارة، ثم اصبحت بعد ذلك منحسرة في أذهان المسلمين الى بُعد واحد تجريدي هو وحدانية الذات الإلهية، وتقلص اثرها في مناحي الحياة العملية. وخذ مثالا الإمام فخر الدين الرازي يمثل المرحلة المتأخرة التي وصل اليها علم الكلام الذي كان يعيش واقعاً حياً يعبر عن واقع الأمة الاسلامية بكل اشكالياته، حيث انتقل من مجرد كونه علما جدليا مهمته الدفاع عن العقيدة إلى كونه فلسفة دينية تستطيع ان تحاور الثقافات الأُخرى. وهذا يعود في أساسه الى الصراع الإسلامي العلماني لتباين الرؤى والأفكار فيها، فهي تصادمية بحته وهذا ما يشير اليه راشد الغنوشي في مقال على الجزيرة نت بقوله: يعد مفهوم العلمانية من أكثر المفاهيم الاجتماعية والسياسية والفلسفية التباسا. وبالنظر إلى سياقات منشأه الأوروبي يمكن اعتباره ثمرة لجملة من التسويات الإجرائية جاءت لحل إشكالات مستعصية في البيئات الغربية تتمثل أساسا فيما حصل من تنازع طويل مدمر على السلطة بين سلطان الملوك وسلطان رجال الدين، وتنازع كذلك بين هؤلاء الأخيرين وبين تيارات الفكر الحر التي نشأت متأثرة بأصداء وترجمات آثار إسلامية ويونانية، للعقل فيها مكانة متميزة، مقابل ما كان يرزح تحته من قيود وصاية كنسية، لم تكن تعترف بحقيقة خارج الكتاب المقدس. وقد أدى ذلك إلى نزاع واسع واضطهاد للعلماء بلغ حد التحريق وتكميم الأفواه. لقد كان نضال الفكر الحر يصطدم بسلطة رجال الدين إن على المستوى الفكري تأسيسا لحرية العقل المطلقة أو على المستوى السياسي الاجتماعي سعيا لتحقيق السلم المدني والوحدة الوطنية بما يضع حدا للتحارب الديني الذي كان فاشيا، ويعترف معه بحق الشعوب في اختيار حكامها. فكانت العلمانية حلا إجرائيا يتمثل في تحرير العقول من كل وصاية وإطلاق عنانها بلا حواجز ولا قيود ولا تهديد، ويضع حدا لتدخل الكنائس في المجال العام باعتباره مجالا عقليا خاليا من المقدسات تتدافع فيه كل الآراء والتجمعات، وتتولى أدوات الديمقراطية تنظيمه، وذلك مقابل حصر سلطان الكنائس في خصوصيات المسائل الروحية. واضح أن هذا التصور الشمولي للعلمانية الفلسفية الأصولية التي تحكم اليوم العلاقات الدولية اليومية السياسية والاقتصادية وعالم السياسة والاقتصاد والفنون عموما، لا تتصادم مع الإسلام وحسب، بل تتصادم مع كل دين، بل مع كل منظومة قيمية أخلاقية، وتمثل تهديدا جادا لكل روابط اجتماعية وإنسانية وتربوية، كما هي تهديد للبيئة ذاتها ولمصير الإنسان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مشاهد خاصة للعربية من أجواء سوق الحميدية والجامع الأموي


.. المرشد الأعلى في إيران يعلق على ما حدث في سوريا




.. عبد الجواد الرشد يدخل إلى ساحة الجامع الأموي في المدينة القد


.. كاميرا العربية ترصد أعمال إزالة القمامة من أمام بوابة الجامع




.. مشاهد جوية خاصة لـ-العربية- من المسجد الأموي وسوق الحميدية ف