الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
التنظيم الخاص والاغتيالات السياسية في منهج الإخوان:
خيري فرجاني
2024 / 10 / 29العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كان ولا يزال التنظيم الخاص مثارا للجدل بين المؤرخين والمعاصرين لتلك الحقبة الزمنية الهامة من تاريخ مصر من ناحية، وبين مؤيدي الجماعة وخصومها من ناحية اخرى، أنشئ النظام الخاص عام 1940م، تحت شعار: "إن الحق لابد أن تحميه قوة"، و"إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن"، وهي في الواقع كلمة حق أُريد بها باطل. فهل كان بالفعل الهدف من إنشاء النظام الخاص هو مواجهة الإنجليز فى الداخل، والصهاينة فى فلسطين. كما يزعم قادة الإخوان دائما !!
في الواقع أن فكرة البنا حول النظام الخاص كانت تقوم على تكوين مجموعة من الإخوان الشبان المخلصين، أى من صفوة الإخوان بحيث لا يزيد عددهم على عشرين شخصا، يتلقون تدريبا عسكريا يشبه تدريب فرق الصاعقة فى الجيوش الحديثة، وتكون مهمتهم حماية أمن الجماعة من أعدائها. وقد عهد البنا إلى "عبدالرحمن السندى" بتكوين هذا النظام، غير أن العدد بدأ يتوسع شيئا فشيئا، إلى أن وصل إلى حد يهدد الجماعة ذاتها ويهدد المجتمع المصري بأكمله.
حيث تخلف الكثيرين من الإخوان عن نشر الدعوة، وتحولوا من الدعوة إلى العنف وإلى الاعمال الإجرامية، للدرجة التى جعلت البنا يفكر كثيرا فى أن يقلص هذا النظام الذي استأسد واصبح خارج نطاق السيطرة، دون أن يؤدى ذلك إلى اهتزاز يصيب سير الدعوة ويعطل مسيرتها، خاصة بعد أن حدثت أخطاء جسيمة من النظام الخاص وارتكاب أفعال اجرامية استنكرها المجتمع المصري، واغضبت النظام، مثل: مقتل القاضي الخازندار، فهذه الواقعة على وجه التحديد ربما تكون قد أصابت الإخوان فى مقتل، فكيف يتم استهداف قاض كان متجها إلى مقر المحكمة للحكم فى قضية تفجيرات سينما مترو، التى اتٌهم فيها عناصر من التنظيم الخاص.
وتعد هذه الواقعة واحدة من أبرز العمليات الإجرامية التى قام بها التنظيم الخاص، وكثر حولها لغط كثير. ومن ثم، حاول البنا التنصل من المسؤلية عنها، فيما حمله عبد الرحمن السندي المسؤلية. وكعادة الاخوان دائما ارتكاب الجريمة واستنكارها، ارتكاب الجريمة والتنصل منها، وأكد أن عبدالرحمن السندى هو الذى كان مسؤولاً عنها، وأن تصرفه كان تصرفاً خاصاً بعيدا عن البنا. ولم يكن يعلم شيئاً عن عملية اغتيال الخازندار إلا بعد أن قرأها فى الصحف.
فى هذا اليوم طلب البنا عقد اجتماع بمنزل عبدالرحمن السندى، وحضر بعد صلاة العشاء وبصحبته شخص آخر، ربما يكون حسن كمال الدين، المسؤول عن الجوالة، أو صلاح شادى، رئيس نظام الوحدات، دخل البنا وهو متجهما، وجلس غاضباً، وسأل عبدالرحمن السندى قائلاً: أليست عندك تعليمات بألا تفعل شيئاً إلا بإذن صريح منى؟ أجاب السندي: نعم، قال: كيف تقوم بهذه العملية بغير إذن وبغير عرض على مجلس إدارة النظام؟ فقال السندى: لقد طلبت الإذن وصرحتم فضيلتكم بذلك. قال البنا: كيف؟ هل أصرح وأنا لا أدرى؟ قال السندى: لقد كتبت إلى فضيلتكم أقول ما رأيكم دام فضلك فى حاكم ظالم يحكم بغير ما أنزل الله، ويوقع الأذى بالمسلمين ويمالئ الكفار والمشركين والمجرمين، فقلتم فضيلتكم: "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض"، فاعتبرت هذا إذناً!!
قال البنا: إن طلبك الإذن كان تلاعباً بالألفاظ، فلم يكن إلا مسألة عامة تطلب فيها فتوى عامة، أما موضوع الخازندار فهو موضوع محدد لابد من الإذن الصريح فيه، ثم إنك ارتكبت عدة أخطاء، حيث لم تعرض الأمر على مجلس النظام، ولم تطلب إذناً صريحاً، وقتلت رجلاً يقول لا إلا إلا الله محمد رسول الله، واعتبرته يحكم بغير ما أنزل الله وهو يحكم بالقانون المفروض عليه من الدولة، ولو افترضنا أنه كان قاسياً فإن القسوة ليست مبرراً للقتل!
وهناك مؤشرات عدة توؤكد أن النظام الخاص لجماعة الإخوان لا يزال يتحكم في قرار الجماعة ويوجه مسيرتها. فمنذ بداية الإعلان عن تأسيسه، تناقض دور "التنظيم الخاص" مع ما يتم تسريبه من محاولات لتحسين صورته، ودغدغة المشاعر الشعبية بأهدافه المزعومة مثل: حماية الدعوة.. إعداد كوادر مدربة لمواجهة الاحتلال الإنجليزي.. التصدي للحركة الصهيونية في فلسطين.. إلخ.
أرادت الجماعة من خلال التنظيم الخاص، قبل توغله وسيطرته على مفاصل الجماعة، وقرارها من خلف ستار، تكوين جيش خاص وأجهزة أمنية موازية للمؤسسات الرسمية، أولًا، لمواجهة القوى السياسية والحزبية المنافسة، لاسيما حزب الوفد، وثانيًا، خوض مواجهة حاسمة مع السلطة والنظام في الدولة من خلال مشروع "التمكين" والقفز على حكم مصر.
وكانت عمليات "التنظيم الخاص" قد وضعت البنا في موقف حرج حيث تعارضت الصورة التي طالما روجت لها الجماعة منذ نشأتها عام 1928م، وأنها حركة إسلامية إصلاحية (دعويًا، وتربويًا)، وبين الواقع الذى عبرت عنه العمليات الإرهابية التي نفذها التنظيم الخاص وما تشير إليه من تحول الجماعة إلى تنظيم مسلحفي مواجهة المجتمع والدولة. وقد تمكن التنظيم الخاص من الهيمنة على الجماعة وقد تبدَّى ذلك قبل وبعد قرار حل الجماعة عام 1948م، فلم تتوقف العمليات الإجرامية لـ "التنظيم الخاص". وإن كانت قد زادت وتيرة العمليات الإرهابية بشكل خطير بعد قرار حل الجماعة. حيث تم اغتيال محمود فهمي النقراشي باشا، رئيس الحكومة، ومحاولة نسف محكمة الاستئناف، وتنفيذ حوادث أخرى متفرقة شغلت الرأي العام.
إلى أن وصل الأمر بالتنظيم الخاص إلى اغتيال المرشد نفسه "حسن البنا" لاحقا، حيث كانت هذه العملية وجها آخر للصراع الداخلي، خاصة بعد تبرؤ "البنا" من جرائم التنظيم الخاص، واستطاعت الجماعة تهيئة الساحة أمام الجماعة بـ"مظلومية كبرى"، وهو الأسلوب التقليدي الذي تلجأ له جماعة الإخوان مثلها مثل كل التنظيمات المناهضة للسلطة، فالتنظيمات الحديدية بلا مشاعر ولديها استعداد للخلاص من نصف التنظيم للحفاظ على النصف الآخر.
وعمليات التنظيم الخاص وامتداداته اللاحقة باعتباره نهجا أساسيا في فكر جماعة الإخوان، وهو ما أسس له الآباء المؤسسين للتنظيم حتى وإن اختلفت المسميات والأهداف، واستمرارا لهذا النهج جاءت محاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر في المنشية، والتي تعتبر محطة هامة وخطيرة في ديناميكيات عمل الجماعة، حيث خطط لها الجناح الأمنى المتحكم في الجماعة لتغييب رمز ثورة 23 يوليو، حتى يسهل للجماعة القفز على حكم مصر.
كان البعض يعتقد أن المحاكمات الحاسمة ستنهى دور التنظيم الخاص، لكن من الصعوبة بمكان استئصال هذا النهج المتأصل في البنية الفكرية لهذه الجماعة، بالإضافة إلى وجود عناصر التنظيم التي كانت لا تزال موجودة في السجون ساعدت في تهيئة أجيال جديدة من التنظيمات المتشددة، والتي بزغت قوتها في عملية اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، مصحوبة بمحاولة للقفز على حكم مصر والذي تمثل في أحداث أسيوط، وما تلاها من أحداث عنف في التسعينيات من القرن الماضي، وصولا إلى اقتحام السجون في أحداث 25 يناير، وأخيرا اعتصام رابعة وما تلاه من أحداث عنف وتدمير وحرق للمنشئات الحكومية والأمنية والكنائس.
وهكذا في كل مرة، يتأكد أن التنظيم الخاص لا يزال حاضرا وبقوة ويمارس عملياته النوعية بالأسلوب نفسه، لا فرق بين اقتحام وحرق السجون بعد يناير 2011م، أو بين ما يحدث في سيناء من عمليات ارهابية تستهدف القوات المسلحة والشرطة، عناصر مؤهلة ومدربة على تنفيذ عمليات تكتيكية؛ لتشتيت المؤسسات الوطنية، واستنزافها، ترتبط حركيًا، وروحيًا بالتنظيم، وتأتمر بأوامره.
وقد شرعت الجماعة بالفعل، فور تأكدها من الهيمنة على المشهد العام في مصر بعد 28 يناير 2011، في تعظيم دور جهازها الأمني.. استدعت طريقتها التقليدية في التجنيد التى كان يتبناها النظام الخاص، من خلال تَشكيل خلايا عنقودية، عبر أسلوب المجموعات الصغيرة المكونة من خمسة أشخاص، بحيث يستمر التسلسل حتى المستوى القيادي الأعلى.
لا تتخلى الجماعة عن أسلوب التربية الذى بدأ مع تأسيس النظام الخاص (تحييد المتقدمين وعزلهم عن المحيط العام، ودغدغة مشاعرهم بشعارات دينية وجهادية، ثم قياس مدى رغبته في العمل الحركي، وقياس مدى استعداد الأفراد لتنفيذ المهام التنظيمية، حتى وإن كانت خطيرة.. لا تتخلى الجماعة عن سلوكها فى المتابعة الأمنية الداخلية للمنظمين الجدد التى تنتهي بمرحلة "البيعة".
ولم يكتفي الجناح المتنفذ في جماعة الإخوان بتعزيز قوته الداخلية؛ لكنه حاول الإقدام على الخطوة الأخطر، ممثلة في إحكام قبضته على المؤسستين الأمنية والعسكرية في مصر، من خلال الزيارة "شبه سرية"، التى قام بها قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني، للقاهرة نهاية ديسمبر 2012م، حيث كانت المجموعة الضيقة المعنية بالملف الأمني داخل الجماعة تخطط لاستنساخ تجربة "فيلق القدس"، وتوسيع نطاقه حتى يصبح مشابها لقوات "الحرس الثوري الإيراني"، مع تمصير تجربة ميليشيا قوات التعبئة العامّة الإيرانية (الباسيج) في وقت لاحق.
حيث ان، الجناح الأمني داخل الجماعة لم يتخل يومًا عن حلمه في السيطرة الكاملة على أدوات القوة في مصر (الجيش، وأجهزة الأمن). فقد سارت مناقشات "المجموعة المكلفة" من قيادات الإخوان مع ضيفها الخاص قاسم سليماني، إذ لم يأت الجنرال الإيراني بمفرده، بل بصحبة وفد رفيع المستوى، تم ترشيحه من "مجلس تنسيق المعلومات"، الذي يعتبر أعلى هيئة مخابرات إيرانية.
فيما جاء اعتراض المؤسسات الأمنية في مصر على الزيارة وما صاحبها من المباحثات الإخوانية المشبوهة مع الجانب الإيراني، حيث أبدى وزير الداخلية آنذاك اللواء أحمد جمال الدين انتقادات حادة للزيارة، وتوقيتها، وجدول أعمالها، ومشاركة مسئولين إخوان يعملون برئاسة الجمهورية فيها.
وتبقى استراتيجية الجماعة الأساسية هي التمسك بالاستراتيجية الأمنية ويظل الخيار الأمنى هو الأساس في نهج الجماعة، وألا يكون الدفع بعناصرها نحو العمل السياسي بديلًا للعمل الأمنى واللجوء إلى العنف متى لزم الأمر، حيث ان التجربة الإخوانية في العمل السياسي العام منذ نشأة الجماعة وحتى الآن، تؤكد أنها تتعاطى مع الانفراجة السياسية على طريقتها الخاصة، فهى على عكس التيارات السياسية الأخرى العاملة في المشهد، حيث تعتبر الجماعة نفسها فى حالة "صراع وجود" مع الجميع، لأن من يحكم قرارها يغلِّب الأمني على السياسي.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. مختلف عليه | المعارك الدينية من وجهة نظر المغلوبين
.. الإسرائيلية الأميركية يهوديت رعنان تتوسل إلى ترمب: -افعل ما
.. 157-Al-araf
.. 157-Al-araf
.. هل هبط رجال من السماء وأسسوا الحضارة البشرية ؟ ومن هم الأنون