الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكالية الديمقراطية في المجتمعات الإسلامية-1

علي وتوت

2006 / 12 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إن فهم منطق الوقائع الاجتماعية يجب أن يظل هاجس السوسيولوجيا، مثلما أن فهم التحولات المجتمعية لا يكون متاحاً إلا بواسطتها(1)، فمقترب الفهم يفيد في تحديد مشكلات الاجتماع الإنساني وهمومه وطموحاته الكبرى. وهذا يضعنا أمام الأدوار المهمة التي يمكن أن تقدمها الرؤية السوسيولوجية للمجتمع. لأن الفهم يساعد على القراءة الواعية لا المتسرعة للوقائع الاجتماعية مما يؤدي إلى استحضار الحذر الإبستيمولوجي (المعرفي)(2).
وعليه فإن من أكثر مهمات المشتغلين بالبحث السوسيولوجي محاولة بلورة استيعابهم لهذا (الاجتماعي) عبر إثارة الأسئلة الفاعلة، تلك الأسئلة الممنوعة أو المحرجة أو المسكوت عنها باستمرار. يقول أحد الثقاة في السوسيولوجيا: (إن مهمة السوسيولوجي هي تفجير السؤال النقدي)(3). ذلك أن الهم الأول للباحثين في السوسيولوجيا هو الفهم والتفهم، ألم يقل ماكس فيبر (أن السوسيولوجيا معرفة تتطلع إلى الفهم في البدء والختام)، فالباحثين بالسوسيولوجيا عندما يطرحون أسئلتهم إنما يودون الفهم(4)، وهُم وفقاً لهذه الرؤية يبدون مزعجين حقاً للسياسيين ورجال الدين والمستفيدين من بقاء المظاهر السلبية دون كشف، (وهنا ينبغي لنا أن نعي لماذا لا زال السلاطين ووعاظهم يكرهون الوردي، والسياسيين يكرهونه، مثلما يكرهه رجال الدين والطائفيون، بأصواتهم المنفرة، بل إننـا صرنا نسمع عدداً من الباحثين ممن يحاولون تشويه ما قدم هذا المفكر الكبير، ربما حسداً لجهوده الكبيرة التي لم يستطيعوا أن يقدموا ما يوازيها. وكل هذا الكره للوردي لأنه (وببساطة) نجح في فضح وتعرية الشخصية العراقية أمام نفسها وأمام الآخرين... بسلبياتها الواضحة... لكن المسكوت عنها.. فضحَ المجتمع في العراق وكشفه بشكلٍ لا لبس فيه!!).
لهذا لا يمكن تصور معرفة سوسيولوجية أصيلة ما لم تكن منشغلة بالفهم الذي يربك ويفكك ويقطع أولاً وأخيراً مع الأحكام العامة. فالسوسيولوجيا تجعلنا نتأمل الظواهر والتحولات بعين نقدية خالصة، وهي تحرر الباحثين فيها من اليقينيات الجاهزة، وتقودهم إلى طرح الأسئلة المهمة، فهي تمكنهم من قراءات غير متوفرة للجميع، لهذا يمكن القول بأن السوسيولوجيا ممارسة نخبوية(5).
لقد كان من الضروري في البدء أن نقدم لرؤية السوسيولوجيا تحديداً في تفهم إشكالية الديمقراطية في المجتمعات الإسلامية. إذ نحاول أن نثير في هذا المقال عدداً من القضايا الملحة التي تثيرها العلاقة الإشكالية بين هذين المستويين، مثل: ماهية الديمقراطية التي نتحدث عنها وكنهها ؟ وأين نشأ المفهوم ؟ وما هي أهم آلياته ؟ وبمَ تتسم المجتمعات لكي تنسب إليها صفة (الإسلامية) ؟ وكيف هو رد فعلها إزاء مفهوم الديمقراطية ؟ وغيرها من الأسئلة التي تحاول تقديم فهم للإشكالية بين المستويين.

في العلاقة بين الديمقراطية والإسلام:
في التصورات النظرية المنطقية فإن (فرض المحال ليس بمحال)، وعليه يمكننا الحديث ابتداءً عن علاقةٍ بين (الديمقراطية) و(الإسلام). وإذا ما كان بعض المفكرين المسلمين – ممن عدواّ من الإصلاحيين - يرون أن الإسلام والديمقراطية صنوان.. فإن معظم المفكرين العلمانيين يرون بأن الإسلام والديمقراطية ضّدان لا يلتقيان. والمفارقة أن هذا الفريق من العلمانيين يحظى بتأييد شريحة من الإسلاميين المتشددين الذين يرون الديمقراطية (كفراً !!)، وذلك لأنها تجعل الحكم لأفراد المجتمع، في حين ينبغي أن تكون هذه الحكم (لله) !!.
وإذا ما حاولنا مقاربة الإشكالية السوسيولوجية للمفهومين أو المستويين لوجدنـا أن (الإسلام) كدين يبحث دون شك في المطلق والثابت، في حين تتجّه (الديمقراطية) لتكون حديثاً عما هو نسبي ومتغير. لكن كلا المستويين (أي الإسلام والديمقراطية) يتسعان ليشتملان على مفاهيم الواقع الاجتماعي وفق رؤىً متغيرة في النظر إلى تلك المفاهيم. فكلاهما يضم منظومةً متكاملةً من القيم الاجتماعية، على الرغم من أن مستوىً واحداً منهما فقط (الديمقراطية) هو مَنْ يضع تصوراً متكاملاً لنظام الحكم السياسي يتناسب مع منظومة قيمه، فيما تظل الممارسة الإسلامية، بمختلف مشاربها عاجزة عن حل مسألة نظام الحكم في المجتمع وفقاً للتصور الإسلامي، ولو تتبعنا كتاب الشيخ علي عبد الرازق الذائع (الإسلام وأصول الحكم) لوجدنا أن عجز الممارسة الإسلامية بمختلف مشاربها وتوجهاتها عن حل مسألة الحكم يبدو واضحاً ! وإذا ما كان المسلمون الشيعة لوحدهم يشعرون بعقدة الذنب تجاه مسألة شخص الحاكم، فإنهم في الحقيقة يشتركون مع باقي الفرق الإسلامية في عدم الإشارة إلى مسألة شكل الحكم !!
الهوامش
(1) عبد الرحيم العطري: الحاجة إلى السؤال السوسيولوجي، موقع مجلة دروب، 9 أبريل 2006، http://www.doroob.com/?p=7151
(2) نفسه
(3) عالم الاجتماع الفرنسي المعروف بيير بورديو
(4) عبد الرحيم العطري: المصدر السابق
(5) عبد الرحيم العطري: المصدر السابق








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم


.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله




.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah