الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


روبسبيير .. النبي السفاح

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2024 / 10 / 31
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


٢٥٨ أركيولوجيا العدم
العدمية الثورية
٦ روبسبيير .. قاطع الرؤوس

أيها المواطنون هل أردتم ثورة بلا ثورة ؟ - روبسبيير

ومنذ البداية وجد أناكارسيس كلوتز نفسه في تناقض صريح مع مواقف روبسبيير، رجل الثورة العادل النزيه والقاسي الرهيب والذي لا يمكن أن يشتريه أحد حسب الأسطوة. ومنذ ١٧٩٢ بدأ روبسبيير يبحث عن أي سبب لإنتقاد كلوتز وإعتباره رجلا لا يمكن الثقة فيه، بل وإعتباره خائنا يخدم مصالح الدول الأجنبية. وتمكن في النهاية من إقصاءه وفصله من نادي الجاكوبيين الذي كان يضم أغلب قادة الثورة الموالين لروبسبيير.
ماكسيمليان روبسبيير Maximilien Robespierre 1758 - 1794 كان أحد أشهر وأكثر الشخصيات تأثيرًا في الثورة الفرنسية. بصفته عضوًا في الجمعية الوطنية ونادي اليعاقبة، قاد حملةً من أجل حق الاقتراع العام، ومن أجل إلغاء العبودية وإلغاء عقوبة الإعدام. كان روبسبيير مناصرًا صريحًا للمواطنين الذين لم يكن لهم صوت، ولقبولهم غير المقيد في الحرس الوطني والمناصب العامة، وحقهم في حمل السلاح دفاعًا عن النفس. لعب دورًا بارزًا في إثارة الرأي العام الذي تسبب بسقوط المَلَكية الفرنسية وعقد المؤتمر الوطني الفرنسي في عام 1790، انتخب رئيسا لنادي اليعاقبة، وازدادت شعبيته كعدو للملكية ونصير للإصلاحات الديمقراطية. وعقب سقوط الملكية في فرنسا عام 1792 انتخب روبسبير أول مندوب لباريس للمؤتمر القومي الذي ألح فيه على مطلب إعدام الملك لويس السادس عشر وعائلته وهو ما تحقق عام 1793. وسرعان ما انتخب روبسبير عضوا في الهيئة التنفيذية العليا ولجنة السلامة العامة.
ذاع صيت روبسبيير لدوره خلال عهد الإرهاب، الذي أشرف خلاله على اعتقال وإعدام عدد كبير من الخصوم السياسيين الذين أعتبرهم هو وحلفاؤه معارضين للثورة. مارس نفوذه من أجل قمع الجيرونديين من اليمين، والهيبرتيين من اليسار، والدانتونيين من الوسط. تشير التقديرات إلى أن ما يقارب 17,000 شخص حُكم عليهم بالإعدام بالمقصلة خلال عهد الإرهاب بعد تقديم قانون "المشتبه بهم". في النهاية، كان هوس روبسبيير بتصوّر جمهورية مثالية ولامبالاته إزاء التكلفة البشرية لإقامتها سببَ تشويه سمعته، ما جعل كلًا من أعضاء المؤتمر وعموم الفرنسيين ينقلبون ضده، وذلك خوفا على أن تقطع رقابهم بالمقصلة وتتدحرج رؤوسهم مثل المئات من الضحايا.
أما كلوتز والذي أكسبه نشاطه الثوري المكثف مقعدًا في المؤتمر la Convention، ومع ذلك، لم يحظ بتعاطف روبسبير Robespierre الذي شكك في كونه جاسوسًا ومعاديًا للثورة لأنه أجنبي :"هل يمكننا اعتبار البارون الألماني وطنيًا؟ هو الذي رفض بتعال وازدراء لقب مواطن فرنسي، لقد أراد فقط أن يكون مواطنًا عالميًا! ". بعد استبعاده وفصله من نادي اليعاقبة club des Jacobins، احتج كلوتس دون جدوى من خلال منشور "نداء للجنس البشري Appel au genre humain" الذي يقول فيه: "سبب كل مصائبي هو حبي للجنس البشري أكثر من اللازم، وعدم حبي كفاية للزمر والشخصيات الفردية [ ...]. فرنسا، سوف تكون سعيدة عندما تشفى من الأفراد. » تم فصله من البرلمان باعتباره أجنبيًا، رغم أنه قد حصل على الجنسية الفرنسية بموجب مرسوم تشريعي. بطبيعة الحال، كلوتز لم يستسلم وواصل صراعه مع من كان يسميه "محمد روبسبيير"، ولا نعرف سبب هذه التسمية، ربما سخرية من سمعته كرجل نزيه تطابقا مع أسطورة أمانه محمد المدعو بالأمين في التراث الإسلامي، وربما لأن روبسبيير يعتبر نفسه نبيا يقود شعبه لتحقيق الثورة، وربما لتسلطه وقوة شخصيته القيادية وبراعته في الخطابة كمحام محنك قادر على تملك عقول المستمعين.
وتم اعتقال كلوتز وتقديمه أمام المحكمة الثورية، وتم إعدامه مع الهيبرتيين - جماعة يسارية تتبع Jacques-René Hébert - في 24 مارس 1794. في الطريق إلى المقصلة من أجل تهدئة الجدال الأخير بين المدانين الآخرين، كان يقرأ عليهم أبيات من الشعر وهو يضحك ويمزح مع رفاقه في طريقهم للموت.
وانتهى عهد الإرهاب حينما اعتُقل روبسبيير بدوره مع العديد من حلفائه في انقلاب الترميدوريين في 28 يوليو 1794. تم نقل السجناء إلى المحكمة الثورية، حيث حددت هوية المتهمين، وأُدين روبسبير دون محاكمة وتم إعدامه بالمقصلة، في ساحة الثورة، وهي ساحة الكونكورد حاليا، بعد ظهر يوم 28 يوليو 1794، وسط هتافات الجماهير، بصحبة واحد وعشرين من أصدقائه السياسيين، بما في ذلك سانت جوست Saint-Just وكوثون وكذلك شقيقه أوغسطين روبسبير. ووضعت الرؤوس الاثنين والعشرين في صندوق خشبي، وجمعت الأجساد المقطوعة الرأس على عربة. تم إلقاء الكل في مقبرة جماعية في مقبرة إرانسي Errancis وتم تغطية الجثامين الدامية بالجير حتى لا يترك جسد "الطاغية" روبسبير أي أثر. وفي اليوم التالي واليومين التاليين، تم أيضًا إعدام ثلاثة وثمانين من أنصار روبسبير. وقد كتبت عنه مرثية مفادها:
أيها العابر، لا تبكِ على مصيري
لو عشتُ أنا لأصبحتَ أنت ميتاً
‏Passant, ne pleure point mon sort
‏Si je vivais, tu serais mort








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد سقوط الأسد.. ظهور مصانع -الكبتاغون- علنا بدمشق في سوريا


.. بعد إغلاق 12 عاماً.. تركيا تعيد فتح سفارتها في سوريا




.. نواب أميركيون: العقوبات على سوريا مستمرة رغم سقوط الأسد


.. مسيرة لطلاب جامعة أمستردام للمطالبة بتعليق العلاقات مع إسرائ




.. كيف ستلبي الحكومة السورية المؤقتة طلبات الإدارة الأمريكية؟