الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الغراب !
عبدالله عطوي الطوالبة
كاتب وباحث
2024 / 11 / 1
قضايا ثقافية
تشاءم العرب من الغراب، فاشتقوا من اسمه الغربة والاغتراب والغريب. واستخدموا تعابير غراب البين والغراب الأبقع، في إشارة الى التشاؤم لفراق الأحبة. قال عنترة:
ظعن الذين فراقهم أتوقع...وجرى بينهم الغراب الأبقع.
حَرِق الجناح كأن لحْيَي رأسه...جلمان بالأخبار هُش مولع.
فزجرته ألا يفرخ بيضه...أبداً ويصبح خائفاً بتفجع.
إن الذين نَعبْتَ لي بفراقهم...هم أسهروا ليلى التمام فأوجعوا.
جرى بينهم الغراب، لأنه أبقع، ولأنه غريب، ولأنه غراب البين. وقال عنترة: خرق الجناح، تطيُّراً، ثم جعل لحيي رأسه جلمين، والجلم يُقطع، وجعل نعيبه كالخبر المفهوم بشؤمه.
وفي الغراب وشؤمه، يقول الأعشى:
ما تعيف اليوم في الطير الروح...من غراب البين أو تيس برح.
وفي شعر حسان بن ثابت نقرأ:
وبيَّن في صوت الغراب اغترابهم...أو في غصن بان فطربا.
إذن، صوت الغراب يشير إلى الغربة والاغتراب، لذلك كرهوه وقالوا إذا نعب: خيراً خيراً. وذلك من باب التفاؤل بالأضداد. وإذا صاح الغراب صيحة واحدة، تطيَّروا منه، فإن ثنَّى تفاءلوا. وإذا صاح مرتين، فهو شر، وإذا صاح ثلاث مرات، فهو خير.
كما صنفوه بألأم الطير وأخبثها، وهو بنظرهم دنيء النفس ومن عبيد الطيور وليس من أحرارها، لأنه لا يتعاطى الصيد ويأكل من الجيف والقاذورات. لهذا، عدُّوه طائراً خبيث الفعل وخبيث المطعم، أكله عار، وكانوا يتعايرون بأكل لحمه:
فما بالعار ما عيَّرتمونا...شواء الناهضات مع الخبيص.
فما لحم الغراب لنا بزادٍ...ولا سرطان أنهار البريص.
ولأن الغراب دخل حياتهم من باب ما يستدعي التحوط والحذر، أي التطيُّر والتشاؤم، فقد كان له نصيب من حكاياتهم، ولهم فيه عادات ونعوت. من الحكايات، التي تزري بالغراب وما نزال نرددها حتى اليوم، أنه أراد تقليد الحمامة في مشيتها، فحاكاها. لكنه أخفق في المشي مشيتها، فلما أراد العودة إلى مشيته الأولى، أضلَّها، فنسي المشيتين. ومن عاداتهم بالنسبة للغراب، أنه إذا علق منقاره على إنسان، حُفِظَ من العين. وإذا علق طحاله على إنسان، هيَّجَ الشبق. وإذا غُمس الغرابُ الأسودُ بريشه في الخل، وطلي به الشعر، سوَّده. وكانوا إذا أرادوا وصف أرض بالخصب والسواد قالوا: وقعوا في أرض لا يطير غرابها. أي أن الأرض لا يُرى فيها إلا الزرع والخيرات والثمر، ولا تُرى فيها قطعة بيضاء. لذا يرتع فيها الغراب ولا يطير، لكثر الثمر. وإذا أرادوا التعبير عن انتقال شخص من مرحلة الشباب إلى الشيخوخة والتهام الشيب سواد رأسه، قالوا: طار غراب البين. ومن رأي العرب أن الغراب لا يشيب، فقالوا: حتى يشيب الغراب، ويبيض القار. كما وصفوه بالحذر، فقيل: أحذرُ من غراب.
وعلى صعيد الكنى والنعوت، فقد كنُّوا عن الغراب بكنىً عديدة، منها: أبو الشؤم، وأبو جحادف، وأبو المرقال، وأبو غياث، وأبو الجراح، وأبو زاجر.
ونعتوه بالأعور، حيث تعددت أسباب نعته بذلك. فقيل أنه نُعت بالأعور، لحدة نظره. وقيل إنهم نعتوه بذلك على التشاؤم به، لأن الأعور عندهم مشؤوم. وقيل أيضاً، إنما سُمي الغراب بالأعور، لأنه إذا أراد أن يصيح يغمض عينيه. والذي نراه هذه الأيام، أن بعض المسؤولين في ديرتنا الأردنية، لو يعرفون حقيقة ردود الناس على عرطهم لتعلموا من الغراب إغماض عيونهم خلال العرط!
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. رئيس الوزراء الفرنسي يدعو النواب لـ-التحلي بالمسؤولية- وحكوم
.. الدعم الجوي الروسي لسوريا.. ما المكاسب التي يسعى بوتين لتحقي
.. مدير مكتب الجزيرة في غزة وائل الدحدوح يفوز بجائزة الشجاعة لع
.. رئيس كوريا الجنوبية يلغي الأحكام العرفية بعد تصويت البرلمان
.. تدريبات روسية بفرقاطات وصواريخ فرط صوتية شرق البحر المتوسط