الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
هواجس ثقافية أدبية سياسية فكرية 335
آرام كربيت
2024 / 11 / 1قضايا ثقافية
بمجرد أن تبدأ المأساة، تبدأ الكوميديا أو السخرية أو المسخرة.
أنهما مندمجان في بعضهما أو متوازيان، الأول يقتل والثاني يتاجر بدمه.
يبدأان معًا، ويستمران على طول الخط، طوال التاريخ، واحد قاتل والثاني مقتول.
الكثير الكثير من الناس يغضون الطرف عن حماس، عن توجيه أي انتقاد لها لأنها في حالة حرب مع إسرائيل؟
هل أصبحت حماس فصيل تحرري؟ هل نسينا من هي، وما هو مشروعها الاستراتيجي؟
أين الجيوش العربية التي اتحفتنا بالتحرير؟
هل تختلف حماس عن الجيوش العربية وأنظمتها الفاسدة؟ أم أن مفهوم عليهم يا عرب هي السائدة؟
هل أصبحت حماس تعبر عن العجز البنيوي العربي بامتياز أم أن جميعنا أصبحنا مثلها، نطرح عالمية الامة من موقع ديني طائفي، متجاوزين الدول والحدود والأمم والقوميات الآخرى، والأمم المتحدة؟
الفكر الطائفي على عداء تام مع مفهوم الوطن والحداثة، بل يستخدمون هذه الآخيرة ببراغماتية مبتذلة، بذكاء شديد، يستدعونها عند الحاجة ثم يرمونها وراء ظهورهم عندما يتعلق الأمر بالحريات بالسياسي والاجتماعي والفكري والديمقراطية.
ما يحدث اليوم، غياب النقد لما يحدث، عمومية الفوضى، البكاء والصراخ ثم الاستسلام للواقع الذي يفرض نفسه.
حماس بنت خمسامئة كيلو متر انفاق تحت الأرض، ولم تبن مشفى واحد أو ملجأ للغزاويين، تركت مهمة هذا البناء لإسرائيل والأمم المتحدة، يا خيو أنهم فرسان، لا وقت لحماس لمثل هذه الأمور، يا عيب العيب.
لنسأل: هل يقبل الغزاويين ما تفعله حماس بهم، أن تأخذهم إلى الحرب مع إسرائيل بالشروط الحالية، مع إنعدام التكافئ بين القوتين؟
لا تحارب إذا كان عدوك أقوى منك في كل مجالات الحياة، فكر في النتائج، وأنظر إلى خمسة وسبعين سنة من هزائم الجيوش العربية وما زلنا في مواقعنا.
أرى أن الغرب يعاني من تحولات عميقة في بنيته الداخلية، اقصد أوروبا وامريكا، النيوليبرالية التي مضت تأكل الدولة والمجتمع، ربما ما نراه في الولايات المتحدة أضحى جليًا، صراع من أجل حيازة النخبة، النخبة على الثروة من داخل حدود الغرب، اقصد أوروبا وامريكا، وخارج حدودهما، بين الديمقراطيين والجمهوريين، بين انهاء دور الدولة التقليدية والدولة النيوليبرالية المتوحشة، كما ترى، الجمهوريين يريدون القطع مع العولمة والديمقراطيين الذي يريدون الانفتاح على كل شيء، في الطريق ستتدمر هذه الدولة العملاقة التي بدأت تتأكل مع وصول أوباما إلى السلطة ومع بايدن واليوم مع هذا السيدة البسيطة، الغير مسيسة كمالا هاريس، الشخصية الضعيفة لأنها غير قادرة على ادارة ملفات هائلة، هذا الصراع بدأ يبان أننا في مرحلة التحولات العميقة لأي التيارين سيصل ويأخذ معه الواقع المتأرجح في الغرب.
نحن في مرحلة خطيرة للغاية، أما عن العرب والمسلمين في أوروبا، أرى أن كلاهما غير مهيأ للعيش في الغرب، لم يروا وجود دولة في بلدانهم، لا حريات، لا حقوق، اعذرني اذا قلت أن أغلبهم همج، يحتاجون إلى إعادة تأهيل، مثلا ما معنى أن يطعنوا الناس في الشارع، أن يغتصب فتاة تمارس الرياضة في الهواء الطلق في الغابة.
برأي نمو التيارات اليمينية في أوروبا سببه العولمة الغير منضبطة، وأن هذه الأوطان تتجه نحو المجهول خاصة بعد حرب أوكرانية مع روسيا، ووجود تيارات داخل الاتحاد الاوروبي رهنوا بلادهم للولايات المتحدة لتلعب بهم وتسرقهم.
هذا النهج المعيب هو نتاج ضعف القوى الديمقراطية في حمل الواقع وتطويره.
ما يثير التساؤل أن هناك الكثير من الناس لا زالوا يصدقون أن هناك مقاومة لإسرائيل، وأن ابو جبة وابو لحية مدلاة يمكنهما أن يكونا كذلك.
أغلب من تاجر ويتاجر بالمقاومة على عداء مع مجتمعهم، وهذا المجتمع يكن لهم الكراهية والنفور، فكيف لقوى طائفية نابذة للحرية والجمال وكارهة لمفهوم الوطن والحداثة المعاصرة أن يدخل في صراع مع دولة متقدمة كإسرائيل؟
أليس حريًا بهم أن ينسحبوا من هذه اللعبة البايخة، بدلًا من أن يتنمروا على المجتمع والدولة، ويفرضوا أنفسهم وشروطهم الطائفية عليهما عبر لعبة سياسية سمجة، سخيفة وواضحة، وذات مضمون سياسي فاسد، وتدمير ممنهج لمفهوم الدولة..
أصبح مفهوم المقاومة تجارة رابحة، تاجر بها كل فاسد لتمييع مضمونها الوطني وحرفها عن حقيقتها.
تاجر بها النظام السوري الفاسد سياسيًا وأخلاقيًا ووطنيًا، وإيران، والمنظمات الفاسدة التابع لهما، حزب الله الطائفي للعظم والحشد الشعبي العراقي والحوثي وحماس، كلهم في المزاد السياسي مجرد مرابين، بائعي هوى سياسي.
أصبحت المقاومة بعد أن فرغت من مضمونها على يد الفاسدين، كريهة ومقرفة.
والطرف الأخر ليس أقل منهم بيعًا للهوى السياسي في المزاد السياسي الفاسد للمنطقة.
هذه المقاومة التي ولدت مريضة، زمنها الافتراضي انتهى عمليًا، لم يبق منها الان الا أن تطمر نفسها في المجرور.
كل ما يفعله هؤلاء باسم المقاومة هو للهروب من استحقاقات الحرية والديمقراطية وبناء دولة حديثة.
كلهم يتكلمون باسم الأمة، الغير موجودة إلا في الرؤوس الفاسدة.
الناس العاديون يدفعون الثمن، مجرد رافعة لهؤلاء المباعون بالمال السياسي.
أغلب الكتاب العرب أصبحوا تجار كلمة، يخافون على الإدلاء برأيهم مخافة خسارة المئة دولار من المشتري.
آرام كرابيت
على ضفاف الخابور
ـ وماذا به السجين السياسي؟ إنه إنسان مثلك. ما الذي يخيفك منه؟
ـ أنا لا أخاف منه, مستغرب أن هناك من يستطيع أن يكون سجينًا في مثل هذه الأيام؟
كان شهر آب منتصبًا, يبث حرارته في الأرض, يلهب الطرق والجسور والساحات بنيرانه وشمسه الحادة. كان لدى أهلي مكيف على الماء يرطب الغرفة في بيتنا. جاءت أختي صونيا وسيلفا من السويد للترحيب بي, ودعمي, كما جاء أبي وأمي. رأيتهما, كأني لم أغادرهما أبدًا. لم أستطع أن أفرح بهما, كما لم أستطع أن أحزن, كنت حياديًا في مشاعري. لم أتدخل في محاولة معرفة سبب نكوص حالتي, وسبب هذه السلبية الغريبة, وهذه القيم اللامبالية التي أحملها, اللا إحساس اتجاه كل ما يدور حولي. كنت مثل واحد تعرض لصدمة في الحواس وخراب في المشاعر والعواطف. لم أكن من قرر هذه الحالة, العوم فوق الواقع والانفصال عنه وعن الناس والمجتمع والزمن. قبلت الجميع كما قبلوني كعادة مكررة, كشيء تلقائي, يحدث يومياً.
ذبحت والدتي خاروفًا بالرغم من رفضي لهذه التمثيلية البائسة كفرح لخروجي من السجن. كنت مع الناس, بينهم, بيد أن المسافة بيننا كانت كبيرة وواسعة, لا يمكن أن يرممها الزمن وتكرار الأحجيات اليومية. رأيت الكثير من الأصدقاء الجدد يحاولون كسب ودي, التقرب مني, حاولوا بكل صدق أن يكونوا إلى جانبي في هذه الأوقات. مدوا لي يد العون, الخير والمساعدة كأنهم أخواتي وأهلي أو كأنهم واحد مني. الكثير تعاطف معي والكثير قال عني أنني مجنون, لأنني تركت الحياة, جمالها, رحابة المكان فيها, سعتها وأخترت المكوث في السجن والعيش في حيز ضيق, وفي مكان مضطرب وقاسي, فيه حرمان من أبسط قواعد العيش والحياة. لم يتجرأ الكثير من أبناء بلدي, تحميل الطغمة الحاكمة مسؤولية محنة الوطن, حملوها لنا, للضحايا.
أغلبنا لا يعرف حقيقة ثقافة الاسبتداد, لم نتغلغل فيها, لم نحفر في عمق تكويينا الثقافي والنفسي. لم نعرف حقيقة تفكير الإنسان البسيط في بلدنا. تناولنا القضايا المعقدة بعقلية سطحية وتحليل بسيط. لم نحلل, لم نحاول أن نعرف, لماذا الأهل لا يقبلون زواج ابنتهم من شاب مستوى معيشته متواضع, اكتفينا بالقول أن السبب هو المال, بيد أن أننا لم ندخل إلى أعماق العقل, كيف تكون, وكيف يفكر أو يبني ثقافته وتكوينه النفسي والعقلي, وكيف الخروج من هذه الذات المتحمورة حول ذاتها. لماذا الإنسان في بلدنا يعشق المستبد المتمثل بالحاكم, لماذا يخر أمامه ساجدًا كعبد ذليل. ولماذا يستمتع بهذا الدور؟ ولماذا يشعر بالأمان بوجود المستبد, وبالحماية أيضًا. هل درسنا الله؟ وعلاقته بالمستبد, وعلاقة بلدنا ومجتمعنا بالله والمستبد, وكيفية تلاحمهما, في بناء ثقافة متكاملة قائمة على الخضوع التام أمام هذه الثقافة. لماذا يتلذذ بالذل؟ أي يكون مجرد شيء؟
الإنسان مثل القربة, محشور داخل ثقافة, مأسور بها, وفيها. ولا يمكن أن يتحرر إلا بتكسير ثقافته ووعيه المزيف, لنتمكن من بناء عالم مختلف. إن الله هو الفاعل الأكثر دموية في حياتنا, لهذا نحتاج أن نعرفه معرفيًا, أن ندخل في صلب وعينا به وفيه, في صلب ثقافة تضخيم الله, من هو, كيف جاء, وتكون, وتسيد؟ وكيف يمكننا تكسيره كرمز متعالي مسيطر علينا؟ وكيف جعلنا أذلاء في خدمة مشروعه, ثقافته, وإعادة إنتاجه عبر العصور؟
عندما كان يهل الليل وتنام الشمس وراء الأفق ويغيب الناس, وأبي وأمي, كنت اتسلل من البيت لأذهب إلى الخابور. أجلس وحيدًا, أنظر إلى الخلاء والصمت. في هذه اللحظة الحميمية عندما تبتعد الذات عن الأخرين, تبدأ في نسج علاقة حقيقية مع الذات, علاقة متفردة, ذات لذات, لوحدهما, علاقة وشيجة بين الغربة والحزن والجفاف وغياب أو انزياح الجمال والفرح أو هروبهم من الأرض والسماء والمكان.
أغيب, أذهب إلى البعيد, إلى خبز التنور. كنت أرى وجه أمي الجميل, عندما كانت تقف أمام التنور, أحمرار وجهها, علامات التعب والكد في عينيها, براءة ذلك الزمن المنصرم, حيوية والدي, اندفاعه نحو الأمل, بغد أجمل. أعقد مقارنة بين الأمس واليوم, بين زمنين, كلهما زمن الإنسان المهزوم. لم يكن هناك ماء أو شجر أو لون الحياة على ضفاف الخابور. كان جافًا. أجلس في هدأة الليل الحنون على الضفة الحزينة أتامل هذه الذات, النهر الميت, أحدثه والألم يعتصر قلبي:
ـ لماذا مت أيها الرهوان الجميل؟ ما زلت شابًا, في أنفاسك روح الوجود؟ أذكرك عندما كنت صغيرًا, كنت أخضرًا, حنونًا, ملأت حياتي بالأمل, بأخضرار الزمن والحياة. آه يا نهر, يا وجع الطبيعة والبقاء, كم أحن إلى زمنك الدافق, زمن توحدي بك, بجمال وجودك بيننا. أنظر إلى الصمت, الفراغ, الجفاف انفصال الكائن عن الكون. هذه العزلة بالقرب من رحابه, موته. الذي أنا, هو.
أشاهد, الطبيعة الحية الميتة, وجفاف المكان وقدرة الناس على هضم الخراب والتعامل معه ببرودة أعصاب أو لا مبالاة. أسمع هسهسة الوجود, الخلاء المملوء بالصمت. هذا الفراغ الطاغي فرض نفسه علي مثلما فرض الزمن قدرته علي, على عدم التصالح مع ما كان وما هو كائن. قلت, بينما عيني ترسم الدوائر وتلون الأبعاد:
ـ هنا كنا نسبح, نمشي, ونقضي الأوقات الحنونة بصحبة الأصدقاء, الحبيبة. نصيد السمك, ونتأمل أو نترك خيالنا يسرح حول الدفق القادم مع نهر الخابور, وبقاءه بيننا كقدر جميل, كلوحة فنان خطها بريشته البارعة أو قصيدة شاعر يغازل حبيبته أثناء الوله بها.
كتبت قبل عشر سنوات، أقل أو أكثر، أن الهيمنة على النظام الدولي وإدارته من قبل دولة واحدة مكلف اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا، مجهدًا، ولا يمكن مسك جميع ملفات العالم بيد واحدة.
إن إدارة النظام الدولي يحتاج إلى إدارة عالمية للتخلص من أزماته ومشاكله البنيوية.
الولايات المتحدة اليوم تختلف عموديًا وأفقيًا عن الولايات المتحدة في العام 1950 ـ 1960 ـ 1970 أو 2000 أو 2020.
الصين، والاتحاد السوفييتي، والمنظومة الأمنية السوفيتية التابعة لها، اقصد أوروبا الشرقية لم يزاحموا الولايات المتحدة على المكانة الدولية أو على الثروة.
كانوا دول أمنية أيديولوجية منغلقين على أنفسهم، والصراع بين الأقطاب العالمية كان محدودا ومحددا وخطوط التماس مدروس وفق شروط واضحة، بمعنى، هذا العالم كان ملعبًا امريكيًا بحتًا، ترقص فيه وتتجول وتغني على ليلها العامر بالمرابح.
اليوم برزت الهند والصين وروسيا والمكسيك والبرازيل وفيتنام وكورية الجنوبية والأرجنتين، وإيران وتركيا والباكستان على الساحة الدولية، الأطفال كبروا وشبوا عن الطوق ويريدون لهم حصة من الثروة العالمية والمكانة والهيمنة.
تحرر المستعمر من استعماره، وبدأ يطرح نفسه رقما عالميا قويًا، ويقارع امريكا في ملفات كثيرة.
وما زالت امريكا تعتقد أنها في العام 1945، وأنها قادرة على إدارة الهيمنة العالمية لوحدها، في وسط حيتان كبيرة تنمو بسرعة هائلة.
كان على الولايات المتحدة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وخروج بقية الدول عن الطوق أن تعيد قراءة نفسها في ظل المتغيرات التي حدثت على كل دولة في العالم، اقتصاديًا واجتماعيًا وعسكريًا وتكنولوجيًا، أن تعرف أن موقعها العالمي لم يعد كما كان أيام زمان.
عليها أن تقترب من بقية دول العالم، أن تشكل بالأتفاق معهم طاولة مستديرة لإدارة هذا العالم بشكل جماعي، بمعنى أن يتم توزيع مهام إدارة العالم وأزماته البنية بالمشاركة في المهام الهيمنية.
إن تجنب العالم الصراعات العسكرية الذي لم يعد يفيدها بشيء، ولن يعيد لها أمجادها العالمية مهما، حاولت استنزاف نفسها وحلفاءها في العودة إلى الهيمنة بشكل أحادي.
كان لدى هوسيب ابن عمتي في قرية الشيخ عجيل في العام 1965 دراجة هوائية خضراء اللون يستخدمها في ذهابه إلى المدرسة في مدينة القامشلي والاياب.
نقطع الجسر الصغير على رافد الجغجغ ونتوغل في العمق. ينفتح المكان على الكروم والفضاء والأشجار. أكثر ما كان يثيرني هو برك الماء النقية مثل نبع ماء زلال. نلعب هناك مع السلاحف نركض بين البساتين.
احدى المرات ركبت في المقعد الخلفي للدراجة الهوائية. وابن عمتي وانيس المقيم في القامشلي جالسًا في الأمام. وزافين يقودها. كان هناك فائض من الماء نثره المطر على ضفاف الحياة فشكل تجمعًا كصور متماوجة.
قاد زافين الدراجة داخل هذه الأكوام المائية البريئة ناثرًا الرذاذ المتناثر في الفضاء. كنا نضحك ونصرخ من الهياج والفرح والجمال. مسكت المعقد الذي يجلس عليه زافين بقوة حتى اتوازن ولا أقع في برك الماء العائمة الذي شكلها المطر العابر.
وضممت رجلي بقوة إلى داخل الدولاب الخلفي. انحشرت أقدامي داخل العجلة مما أدى إلى تكسير أسياخ الدراجة وتقطيع لحم رجلي وجزء من العظم.
تعطلت الدراجة. ووقعنا في الماء. وتبللت ثيابنا وأجسادنا. بكيت بمرارة من الوجع. ونزف الدم مدرارًا. حملني زافين على كتفه ومضى بي إلى البيت. تمزق الكاحل وتفتت. والمسافة إلى القامشلي طويلة ولا ثقة للناس بالطب الحديث. جهزوا العربة والبغال وغطوني ووضعوني فيها. أخذوني إلى قرية دبانة، إلى الطبيب العربي، جدي. مسك رجلي وقال:
ـ أنت رجل. منذ أن ولدت توسمت فيك الخير. أنت من سلالتنا، رجلًا قويًا لا يخاف.
أنظر إلي جيدًا يا حفيدي:
ـ لقد قتل الأتراك أولادي أمام عيني ولم أبك.. أبوك رجل رقيق جدًا, يبكي كالنساء لأي مشهد فيه حزن، حتى لموت كلب عابر. أما أنت فمثلنا. عليك أن تتوقف عن البكاء. المشكلة ليست كبيرة. تمزق الجلد وتفتت القليل من عظم الكاحل. الأن سأعالجك، بيد أني أطلب منك أن لا تبكي.
طلب من أولاد عمتي أن يمسكوني. جلب أدواته الطبية. وحشائش وأخشاب صغيرة ومتوسطة. وربطهم في رجلي. وبعد أن وضع الحشائش على الجرح قال:
ـ بضعة أيام وستطيب. ستعود مثل الحصان. من المعيب أن يبكي الرجل. أبق عندي سأصنع منك راعيًا للغنم. راعي ناجح أو فلاح ماهر. والراعي أو الفلاح رجال شجعان، أوفياء للطبيعة والأرض والكائنات اللطيفة. وليس مثل والدك الضعيف الذي يركب الحديد التي يقودها الجن. أنت ابن الطبيعة والقيم الشهمة والنظيفة. لا تذهب إلى المدنية. المدينة هي المكان الحرام حيث يبول الناس في بيوتهم. وفي الأماكن الضيقة كالسجن. توقف حالًا عن البكاء:
ـ الجرح يؤلمني جدًا يا جدي.
ـ الرصاصات التي اخترقت جسدي لم تجعلني أصرخ أو اتوه. كن ذئبًا مثل جدًا. تكابر على الألم حتى تكون قويًا كالرجال.
كان جدي يخاف الله والحكومة. لأنه يعتبرهما صنوان, إرادة في إرادة. الله وضع سره في السلطان ولهذا على الناس طاعته دون سؤال أو استفسار. ولم يكن يعرف القراءة والكتابة ويحتقر المدرسة ويعتبرها مضيعة للوقت والجهد ومخالفة لإرادة الله الذي يقدس العمل.
عندما كبرت قليلًا سألته:
ـ جدي
ـ ماذا يا ابني
ـ لماذا قتل الاتراك الكثير من أولادك وعائلتك وبقية الشعب الارمني.
ـ قالوا لنا أننا كفار لا نخاف الله ووجب قتلنا.
ـ هل قاومتم السلطان؟
ـ اعوذ باللهَ! كيف نقاوم السطان وهو ظل الله على الأرض؟
ـ يقولون أنكم كنتم متمردين على السلطان والحكومة.
ـ اغلبية الأرمن في الاناضول كانوا مواطنين مسالمين تحت حماية السلطان العثماني. وكنا نعمل باخلاص في الأرض ونتعاون مع بعضنا، نحن والأكراد والأتراك.
ـ هل قاتل أي فرد من عائلتنا الجيش أو الحكومة التركية؟
ـ اعوذ بالله. لم يسبق لنا، في منطقتنا والمناطق المجاورة أن رفع أي كائن السلاح أو تكلم أي كلمة على الدولة أو السلطان أو الحكومة.
ـ إذا لماذا قتلكم الاتراك؟ يقولون عنكم أنكم الأمة المخلصة. وهل يقتلون المخلصين لأنهم كفار؟
لم احصل على إجابة تروي الظمأ للمعرفة من جدي. لم يكن يعرف إلا الأرض والغنم والطب العربي والبناء وصناعة المحراث الروماني وتحضير الأعشاب للطبابة وسائس خيل ومصلح نعل الخيول.
قلت له بينما كان يجريجر قدميه بعد أن تجاوز المائة عام. وفتاقه يصل إلى ركبته وظهره منحني ويتكئ على عكاز. بشعره الأبيض وشواربه البيض:
ـ هل اندمجت في دبانة.
ـ لا. لا يمكن أن أنسى سعرت/ باطمان حاليًا/ ونبع الماء البارد والكروم. لا تفتح الجروح يا ابني. لقد أخذوا أرضي. لقد زرعت الكروم والتين وأنواع كثيرة من الأشجار بيدي. اليوم اثمروا. ولم نأكل منها.
ـ هل تحب أن تعود إلى هناك
ـ أن ازور قبر أبي وأولادي الذين ماتوا، تم قطع رؤوسهم أمام عيني.
لم يبك أمامي. بقي متوازنًا, قويًا بيد أن الحزن كان نارًا يأكل لحمه وروحه وقلبه. وأضاف:
لقد ضاع العمر يا ولدي. ولا اريد أن أرى الغريب يسكن بيتي وضيعتي وأرضي ويأكل بالرغم عني من الثمار التي زرعتها بيدي. وشد على قبضة يده بقوة. وقال:
ـ لا أريد أن أرى من اغتصب أرضي أمام عيني. ويزرعها أو يفلحها. سأبقى خاضعًا لإرادة الله ورحمته وامتحانه.
وبطريقة استفزازيه لا تخلوا من سخرية سألته:
ـ هل اشتغلت في السياسة سابقًا؟
ـ سمعت بهذه الكلمة من قبل. بيد أني مؤمن بالله، والسياسة رجس من عمل الشيطان. لم اترك ضيعتي اكثر من مسافة قصيرة لا تتجاوز الثلاثين كيلو مترًا لمعالجة كسر اصاب ابن القائمقام. أنا رجل مربوط بالفصول والريح والحشائش. أقود البغال وأساعد من يحتاج. حلمي أن أرضي الله وابقى مستقميًا أنفذ وصاياه بأمانة.
ـ ألست متذمرًا لما حدث لكم، للأرمن؟
ـ لا أعرف لماذا ذبحنا الاتراك. لست بكافر. ولا أملك المعرفة للأسباب التي أدت لفناءنا. كيف سأتذمر ولم افعل أي شيء يخالف إرادة الله. حساب القاتل عند الله.
ضحكت طويلًا من كلام جدي. وبساطته. رقة قلبه رغم انه يدعي الخشونة.
قلت في نفسي:
ـ البساطة تغني القلب، تزوده بالراحة النفسية وتبعده عن الهموم وأوجاع الرأس. لا يتحفز أو يستنفر ولا يخاف. الضربة تأتيه مرة واحدة. ضربة قاضية وتنهي جميع الأرقام والرقيات التي كان يتلحف بها. يعيش عالمه الجميل دون مزيج من عقد ورؤى حقيقة للواقع وما يدور حوله. لكني لم أفهم كرهه لوالدي وكره جدتي. لماذا لم يهضموا بعده عنهم ولم يهضموا عمله وتمرده على قيم وعقلية الفلاح وعزلته وتكرار فصول حياته كما هي.
آرام كرابيت
انهيار الدولة السورية
إن وجود الدولة ضرورة موضوعية في هذه الحضارة، لا يمكن الاستغناء عنها أو إلغاؤها؛ حيث إنها تملك القدرة على إدارة النزاعات، وتمثيل المصالح، وتمكين الفئات الاجتماعية من التوافق والتعاون والتنسيق، ومن خلق بيئة مستقرة، كما يمكن من خلالها خلق النزاعات والصراعات المفتوحة.
مع الأسف، ما زالت العلاقة بين الفرد والدولة تحكمها حالة غربة، كلاهما يؤدي دورًا، ثم ينفصل أحدهما عن الآخر، ويذهب كل طرف إلى غايته أو إلى مصيره، من دون تحديد اتجاهه.
هناك من يريد أن يُوحّد بين ذاته والدولة، كما كان سابقًا على الدولة الحديثة، وكما هو الحال في سورية في ظل عائلة الأسد، وفق علاقة انفصال، وإرغام على التوحد؛ ما أدى إلى انشطار الدولة والمجتمع.
كان السوريون على وعي كامل بمصالحهم، بُعيد انسحاب الجيوش العثمانية من بلادهم، عام 1918؛ ولهذا عملوا على ملء الفراغ السياسي الذي تركته السلطنة، بعد أربعمئة سنة من وجودها.
من الواضح أن الحداثة العلمانية تركت أثرًا إيجابيًا في السوريين الأوائل، أي مع بداية الاستقلال عام 1918، حسب ما جاء في الجلسة الأولى للمؤتمر السوري الأول عام 1919: “إن الأمة تتطلع إلى فجر جديد، تتجلى فيه فكرة تأسيس حكومة تتفق وروح العصر، لا دخل فيها للدين، فتبقى الأديان السماوية في حرمتها وقداستها، وتسير السياسة في انطلاقها، حسب ما تقتضي مصلحة الوطن، أسوة بالأمم الراقية في أوروبا وأميركا”.
استجابت الشرائح الاجتماعية المختلفة في ذلك الوقت لتأسيس دولة معاصرة مؤمنة بتداول السلطة، كما كان سائدًا في الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية.
من خلال هذه الفقرة الواضحة، يرى المرء أن السوريين حاولوا التأسيس على هذا البناء: بناء الدولة المعاصرة، ومحاولة ترسيخ قواعدها وأُسسها للتمكن من امتلاك وجودها كفعل حداثوي، يجمع المخالفين والمصالح المتنافرة تحت قبة دستورها وبرلمانها.
بهذه الحالة؛ نستطيع القول إن الدولة تتحول إلى ضمير عام، ينظم الرغبات والأمزجة والمصالح، كيان مستقل يسعى إلى ربط المجتمع ببعضه من موقع الضرورة لجميع أبنائه.
إن سنوات الانتداب الفرنسي سارت في هذا الاتجاه، إذ ترسّخ فيها واقع جديد في تاريخ سورية الحديث: رسمت حدود الدولة، ووضعت أسس النظام الجمهوري الوليد، ونشأت مؤسسات الحكم.
فتح الجنرال هنري بونسو حوارًا مع القوى الوطنية، كبديل عن سنوات المقاومة المسلحة التي بدأت منذ عام 1920 إلى عام 1927، وتم تشكيل مجلس نيابي، وشق الطريق نحو تشكيل دستور جديد للبلاد، وتم الإعلان عن قيام الجمهورية السورية في العام 1932، وانتخاب محمد علي العابد كأول رئيس جمهورية، في حزيران من العام المذكور. وكان هناك استقرار نسبي في هذه الفترة التي امتدت من عام 1927 إلى عام 1937، إلى أن بدأت ملامح الحرب العالمية الثانية تظهر في الأفق.
حاولت فرنسا أن تُجهّز نفسها للاحتمالات القادمة، من خلال إبرام معاهدة عام 1936؛ من أجل وضع لبنة جديدة في العلاقة بين الحكم الوطني وسلطة الانتداب الذي مهّد الطريق لفتح صراع طويل بينهما، لم ينتهِ إلا بانتهاء الاحتلال وحصول سورية على استقلالها.
مارس ذلك الانتداب وصايةً مباشرة على النخبة السياسية السورية، من دون تقديم أي تنازل يضعف سلطتهم. وما أثار السخط والقهر لدى الشعب السوري هو تنازل سلطة الانتداب عن لواء إسكندرون لتركيا في حزيران/ يونيو 1939، الذي أدى إلى حدوث شرخ وتصدع عميقان، لا يمكن ترميمه بسهولة وزاد الأمر سوءًا، الإعلان عن الأحكام العرفية، واعتقال الزعماء الوطنيين، وتغيير مسار الوضع السياسي، وبدء مرحلة جديدة من الحكم المباشر لفرنسا على سورية.
كانت سورية قلقة جدًا، وما زالت، وغير متوازنة سياسيًا، تتقاذفها رياح السياسة المباشرة الداخلية والإقليمية والعربية والعالمية، سواء في فترة الانتداب أو بعده أو في فترة الاستقلال أو الانقلابات أو في فترة استيلاء عائلة الأسد عليها.
ولدت غريبة، دون رؤية أو نهج واضح. مأساتها أن أبناءها مشوشون، لا يعرفون لهم هدفًا ولا استراتيجية واضحة: أحزاب علمانية، ذات رؤية ماضوية، تستمد من التاريخ حضورها، وطنيون حاربوا المستعمر، وتعاونوا معه.
إن تناقض السياسة الداخلية والخارجية، وارتباطها بالانتداب وما أفرزته معاهدة عام 1936، أدى إلى صراعٍ بين القوى الوطنية: انقسام الكتلة الوطنية إلى حزبين سياسيين رئيسيين، هما حزب الشعب والحزب الوطني، ولكل واحد منهما له توجهه وسياساته، بيد أنهما في العمق لا يختلفان عن بعضهما. حزبان كبيران بلا أيديولوجيا، وبلا رؤية سياسية استراتيجية بعيدة المدى، وبلا برنامج سياسي أو فكر سياسي يكون حامل لهما.
إن هيمنة الاستعمار ونفوذه أدت إلى ظهور كيان سوري ضعيف، وزاد الأمور سوءًا دخول الصراع البريطاني – الفرنسي على الخط الذي أدى بدوره إلى فتح المجال للتدخل الخارجي، عبر أجنحة خاضعة، كالمحور الهاشمي عبر طرح مفهوم سورية الكبرى والهلال الخصيب، والمحور الآخر، السعودي المصري.
لقد لعبت الصراعات السياسية الداخلية، وتناقض المواقف بين القوى السياسية، غير المهيمنة، على إضعاف الدولة لتتحول إلى حصانٍ حائر لا يعرف إلى أي اتجاه يسير أو إلى أي مكان ينطلق أو يقف أو يستمر، وكل طرف يمسك الرسن بيده ليوجهه إلى الوجهة الذي يريد.
وقد ساهم العراق والأردن الهاشميان المرتبطان بمعاهدة ببريطانيا، في صراعهما مع مصر والسعودية إلى اللعب على التوازنات السياسية الداخلية الهشة في سورية من شد وجذب، أدى إلى إضعاف دور الدولة؛ ما أضعف الحزب الوطني وحزب الشعب معًا.
في هذه الفترة، الثلاثينيات، برزت أحزاب أيديولوجية، وضعت مصلحة الأيديولوجيا فوق مصلحة الضمير والدولة، فاستغلوا هذه الصراعات بأبشع شكل، كما جيّروا الواقع وقضية فلسطين لمصلحة الأيديولوجيا ببراغماتية مبتذلة، من أجل الوصول إلى السلطة بأي ثمن.
بمجرد أن قام الزعيم حسني الزعيم بانقلابه في 30 آذار/ مارس 1949؛ أيّدت هذه الأحزاب هذا الانقلاب كحزب البعث والإخوان المسلمين والقومي السوري وحركة الاشتراكيين العرب، والشخصيات البارزة، كأكرم الحوراني وميشيل عفلق وغيرهم كثر، أصواتهم عالية، وتتحدث عن الحقوق والقيم الاجتماعية من دون أن تضع في حسبانها بقاء الدولة ككيان يجب حمايته والحفاظ عليه من الانهيار، وحماية الديمقراطية السياسية كجنين صغير يحتاج إلى الرعاية والحماية.
لقد أرهق السياسيون السوريون الدولةَ في معاركهم السياسية من دون أي اعتبار لمستقبل الدولة السورية الوليدة وشعبها، وبخاصة بُعيد الاستقلال، أي بعد العام 1946. ولم يُحاول السوريون ترميم التصدعات أو الحفاظ عليها من الانهيار، بسبب الخلافات السياسية العمودية والأفقية والصراعات العبثية، والمصالح الآنية الضيقة، ودون رؤية واضحة لما ستؤول إليه الأمور.
يقول رئيس الوزراء السوري السابق خالد العظم في هذا الصدد ما يلي:
“إنني أعتبر نفسي أحد المسؤولين عما جرى، كليًا أو جزئيًا، في سورية بين 1943 و1958، فأنا لا أنكر أنني أتحمل مع غيري قسمًا من الوزر، في ما فقدته بلادي من السيادة والاستقلال، لكن المسؤول الأول هو الجيش بأركانه وضباطه وصف ضباطه؛ ذلك أنه هو الذي سيطر على مقدرات البلاد منذ 30 آذار/ مارس العام 1949”.
ليس مهمًا رمي المسؤولية على هذا الطرف أو ذاك. ففي الوقت الذي خسرت سورية السيادة والاستقلال؛ خسرت أيضًا الدولة، ككيان جامع يلتف حوله مواطنوها للتعبير عن إرادتهم الحرة في بناء شكل دولتهم ومجتمعهم وطريقة إدارتها لمصالح مواطنيها.
من غرائب الأحداث أن ما يسمى بالرجعيين، كالإقطاع والبرجوازية والانتماءات العائلية والعشائرية، هم من تعامل مع الدولة الحديثة، وآمنوا بتداول السلطة وحاولوا الحفاظ عليها من الانهيار بالرغم من الصراعات السياسية الداخلية والخارجية.
إن الانقلابات كانت الكارثة الأكبر التي حلت بسورية، وأغرقتها في دوامة المؤامرات التي كانت تحركها أطراف متعددة داخلية وخارجية. لقد استهلكت الانقلابات القوى السياسية والعسكرية وأضعفتهما، إلى أن وصلت الجمهورية السورية إلى طريق مسدود في منتصف الخمسينيات، وتبين أن النظام غير قادر على الاستمرار، لهذا لم يبق إلا خيار الهروب إلى الأمام، وتسليم سورية لجمال عبد الناصر عام 1958.
إن رهن سورية لمصر، قزّمها، وأنهى نظامَها الديمقراطي والانفتاح الذي كان قائمًا فيها. وبمجيء حافظ الأسد عام 1970 إلى سدّة الحكم؛ أسدل الستار على مرحلة سياسية غنية، وبدأ بمرحلة العائلة المالكة، عائلة الأسد.
كانت مصر ثلاثون مليونًا في العام 1970، اليوم عدد سكانها مئة وخمسة.
هل تغيرت مصر منذ العام 1952؟
لماذا قام العسكر بالانقلاب العسكري، هل تطورت مصر اقتصاديًا، سياسيًا، اجتماعيًا منذ ذلك الوقت؟
الجواب، بالطبع لا.
بالطبع تراجعت إلى الوراء، الفلاح ترك أرضه وأصبح شحاذًا في المدينة، بوابًا، مخبرًا أو تاجر حشيش، وتشوهت المدينة، بل تفسخت، تحولت مصر إلى دولة فوضى اجتماعيًا، خرابانة اجتماعيًا.
لنقارن بينها وبين الصين، ونستطيع أن نقول أنهما استقلا في فترة متقاربة، الصين تعتبر اليوم الثانية عالميًا في الناتج الاجمالي المحلي العالمي حسب اصدار الصندوق النقد الدولي للعام 2022 بعد الولايات المتحدة، ويقدر ب 18 تريليون دولار.
لنذهب إلى إسرائيل ونرى الفرق.
إسرائيل بلد منظم، دخل الفرد فيها أكثر من 2000 دولار، رائدة في التكنولوجيا، وعلى المستوى السياسي هناك مؤسسات تعمل بفاعلية، الحياة منظمة إلى حد كبير، والناتج الأجمالي المحلي للعام 2022 يعتبر الرقم 27 عالميا بمقدار 522 مليار دولار
لننظر إلى الأوساخ في شوارع مصر، الضجيج، الفوضى، الانقسام الاجتماعي العمودي والأفقي على كل المستويات، والناتج الاجمالي المحلي لها 477 مليار دولار، وهي في المرتبة 31 عالميًا.
وتعتبر إسرائيل متوسط الدخل عالميًا، بينما مصر تعتبر ذات متوسط الدخل الأدنى عالميًا.
نسأل أنفسنا، ماذا لو كانت مصر دولة ديمقراطية؟
هل كانت مصر ستكون كما هي عليه الأن، أم كان سيجري عليها تنظيم للأسرة والنسل والتخطيط العمراني والتطوير الاقتصادي والاجتماعي والتقني؟
وجود العسكر والأخوان المسلمين عامل كبح للتطور، وإبقاء الدولة والمجتمع في حالة ركود وتخلف وجعجعة فارغة.
العرب تاركين كل شيء وراءهم وراكضين وراء إعادة بناء الله وفق هندسات فراغية كارثية فارغة، رايحين وراء التاريخ. شيء مؤسف هذا التناسل اللامعقول. فقر وذل وقهر وضياع وانجاب المزيد من الأبرياء إلى مكان ينذر بالسقوط. مصر مديونة وتنتظر الصندوق النقد الدولي أن يرحمها ويمدها ببعض القروض
لم تستطع الدول العربية أن تخرس فم المفكر السعودي عبد الله القصيمي، ولم تفد كل الإغراءات التي قدمت له أن تحد من رأيه.
كان القصيمي واهابيًا إلى نقي العظام، وألف سبعة كتب.
كتب عنها في دفاع مستميت، لكنه تحول إلى الإلحاد، وألف كتابين عن ذلك.
وتعرض للاغتيال ثلاث مرات، ونجا منها بإعجوبة، حتى أنه استوقف أحدهم يريد قتله، سأله:
ـ لماذا تلاحقني؟
ـ أريد قتلك.
ـ ما هو الثمن الذي قبضته؟
ـ الأيمان بالله والذهاب إلى الجنة.
ـ هؤلاء الذين أرسلوك لقتلي لما لم يرسلوا أولادهم، أو لماذا لم يقوموا بقتلي بأنفسهم، لماذا خدعوك.
وطرد من مصر ولبنان، بعد أن علم الأمن اللبناني بموضوع احتمال اغتياله فطلبوا منه أن يرحل.
لقد طلب وزير الدفاع السوري في العام 1967 من القصيمي أن يعيش في سوريا مع تأمين كل مستلزمات الحياة الكريمة والآمنة له، بيد أنه لم يقبل، لأنه لا يريد أن يكون تابعًا لأي طرف، يريد أن يكون مستقلًا.
موقفه المتصالح مع نفسه يذكرني بكارل ماركس العظيم. هكذا هم العظماء.
لم يدخل اليأس أو الكآبة إلى قلب وعقل القصيمي إلا الإهمال.
الإهمال اسوأ من القتل الجسدي، أنه قتل معنوي ونفسي.
لقد أرسل كتابه بعد إلحاده إلى المفكر أنيس منصور، وأحمد بهاء الدين، يرجو منهما أن يكتبوا عن كتابه سلبًا أو إيجابًا، بيد انهما خنسا بضغط مباشر من الدولة السعودية، وإغراءاتها.
لم يكتب عن أعماله الفكرية بعد تركه الوهابية، تركوه للنسيان. فمات من الغيظ والقهر.
السلطة العربية هي من روجت لكتابها، ليس اليوم أو البارحة، أنما منذ تأسيسها، ونستطيع أن نصل إلى قناعة تامة أن أنيس منصور أو أحمد بهاء الدين مجرد طنابر يسيرون خلف حصان الأنظمة العرجاء؟
انتهاء الهيمنة الامريكية أضحى موضوعيًا في ظل تنامي، وتطور دول كثيرة على الساحة الدولية، وكلهم يريدون لهم حصة من المكانة والثروة.
ولا عودة إلى الماضي، هذا مستحيل.
العالم السياسي الدولي تغير موضوعيًا،خلال صيرورة كل دولة على حدا خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي..
نستطيع أن نقول أن انهيار الاتحاد السوفييتي هو نقمة على الولايات المتحدة، لكنه يندرج ضمن صيرورة الصراع وارتقاءه على المستوى العالمي.
اعتقد أننا في حرب عالمية ثالثة، فيها انضباط عسكري إلى حد كبير.
أوكرانيا هي ساحة الوغى، يجري على أرضها الصراع الدولي على قدم وساق، التراجع كارثة، والاستمرار استنزاف لأوروبا وروسيا واوكرانيا، لكن مواقع الدول سيتغير في هذه الحرب.
اعتقد أن امريكا مدركة الكلفة العالية للصراع، ولن تتراجع، ولكن مكانتها العالمية اهتزت باهتزاز مكانة أوروبا الضعيفة سياسيا وجيوسياسيا كما قال عنها بريجنسكي في كتابة رقعة الشطرنج الكبرى في العام 1996.
الصين البراغماتية إلى نقي العظام تنتظر استنزاف جميع الدول الداخلة في الصراع إلى أن ينهكوا بعضهم تماما كما حدث في الحرب العالمية الثانية. لدى أوكرانيا أسلحة محدودة المسافة، ليبقى الصراع مستمرا وطويل الأجل إلى أن ينهكوا روسيا على المدى الطويل للإجهاد عليها، وتدميرها من داخلها. النجاح مرهون بقدرة روسيا على البقاء، وتفكيك اوروبا على مختلف المستويات.
أنها حرب قذرة هجينة، بالنيابة.
اعتقد لا مفر من الجلوس على طاولة المفاوضات لأن روسيا دولة نووية، هذا ما يجعل الامر معقدا مخيفا، سيجعل الحدود قائمة والعودة للعقلانية ضروري جدًا، وولولا النووي لشهدنا حربًا إلى حد كسر العظام مثل الحرب العالمية الثانية.
اللاجئين السوريين في تركيا مجرد ورقة سياسية، لا صفة لهم، يستطيع أردوغان أن يرحلهم متى شاء. إنهم في مضافته، ممكن هو أو أي رئيس قادم أن يحولهم إلى صفقة سياسية أو أمنية أو مالية
أردوغان لم يتعامل مع السوريين إلى هذا اليوم كلاجئين لهم حقوق اللاجئ، كحرية الرأي والتنقل والاعتراف.
في الدول الأوروبية بمجرد أن يتقدم اللاجئ بطلب لجوء يصبح تحت وصايا قانونية وتشريعية، وعندما يأخذ إقامة يحق له استئجار بيت، وله حق التعليم والعمل والطبابة وراتب شهري، وحقوق مثل أي مواطن.
في تركيا اللجئ السوري مضطهد ومظلوم، ويتنمرون عليه في العمل والشارع ومهدد بالترحيل وكأنه ابن الجارية.
يشتغل السوري عشرات الساعات في محل ما، براتب بسيط، يا دوب تكفيه إجار بيت ولقمة الخبز.
من المعيب ما فعل الناس الأتراك بتلك الصبية السورية الجميلة التي وقفت تدافع عن ابناء وطنها، من إذلال وتنمر وبهدلة في الشارع، لقد وقف الجميع ضدها:
ـ أذهبوا إلى بلدكم.
ـ جئنا إلى هنا بسبب الحرب.
هل السوريين المكلوين بوطنهم سبب تراجع الاقتصاد التركي، أم أن سياسات وفتوحات أردوغان وجبهات حربه الغازية هي السبب؟
المطلوب من تركيا أن تعامل السوريين كلاجئين حسب شرائع الأمم المتحدة، تحترم وجودهم كبشر وناس، دفعتهم ظروفهم للهرب من وطنهم واللجوء المرحب بهم في البداية، ثم ليتحولوا إلى ورقة سياسية في جيب الرئيس التركي، يرفعها متى شاء، بله حول بعض الشباب السوري إلى جيش لتنفيذ مهمات قتالية لمصلحة نظامه وبقاءه السياسي.
قالت:
ـ أتمنى كثيرًا الرد على ما تكتبه على يومياتك، بيد أني لا أملك الجرأة.
ـ لماذا؟
أنا امرأة مقيدة بكل ما يخطر في بالك.
والأن حين قرأت ما كتبته لي تمنيت بدلاً من الكتابة، أن أضع رأسي على كتفك وأبكي لعل دموعي تحررني.
وبكيت فعلًا شوقًا وحنينًا لرؤياك.
اعذرني واعطني وقتًا، ربما نعود كما كنا أصدقاء ولكن على الصفحات.
أنت أول وأخر من آمن بي كامرأة وإنسان، ولم ولن أستطع يوما نسيانك.
قلت لك سأنشر ما كتبته لي.
قلت:
لا أعرف الاجابة على سؤالك. أفعل ما تراه، لن يزيدني حزنًا.
أودعك الأن.
لم يعد منطق السيادة الوطنية يأخذ حيزًا من الاهتمام في النظام الدولي الجديد.
فعولمة الاقتصاد بعد تطور السوق العالمية وتداخله، دخل في مرحلة جديدة.
مرحلة موضوعية، أن يأخذ السياسي الرئيسي دوره كحامل للاقتصاد الدولي.
"وجنبًا إلى جنب مع هذا السوق العالمية ودورات الإنتاج العالمية، برز نظام عالمي له منطق وآلية جديدة لإدارة العالم السياسي الدولي الجديد".
هذا الاقتصاد الدولي، غير مقيد بسيادة وطنية، كسر الحواجز السياسية والسيادات أو الوحدات السياسية التي كانت قائمة، وفسح المجال لبروز شكل جديد للسيادة، عالمي يتولى إدارة العالم.
المسالة مسألة وقت.
لإن الذاتي المتمثل بالبنوك ورجال المال والشركات الاحتكارية الفوق وطنية تدفع بهذا الاتجاه، خاصة أن هذا الاقتصاد الفوق وطني أي، الموضوعي، أضحى جاهزًا ومستعدًا ليأخذ السياسي القيادة السياسية العالمية.
هذا أضحى واقعي موضوعي، وهناك تزاوج أو تلاصق أو تداخل بين الذاتي اللاهث وراء الثروات والمال السائل والنقدي والموضوعي، جاهزية النظام الدولي لتحقيق هذه اللهفة للتحول إلى بنية واحدة يلف العالم.
هناك تحول نوعي، نقلة نوعية منذ أقل من عشرين سنة، ركائزه بدأت قبل ثلاثين سنة، حرب الخليج الأولى، بدأت مؤشرات موت السيادة الدولية وموت الأمم المتحدة ومجلس الأمم، والتأسيس لعالم ما بعد وطني عمليًا.
وإنه مستمر بقوة وسرعة.
الصين القادمة ستلتصق في الولايات المتحدة وسيسيران معًا يحملان بقية الشعوب والدول إلى أفاق عالمية متداخلة أو نحو الوحدة وفق منطق السوق وآليات السوق وقوانينه.
كثيرًا ما استشهد برواية، حين تركنا الجسر، للمبدع عبد الرحمن منيف.
فبطل الرواية زكي النداوي شاب في مقتبل العمر، ذهب إلى الصيد برفقة كلبه وردان، بيد أنه يفتقد إلى الحنكة والمعرفة والتخطيط والتنظيم.
ولا يعرف يصيد
صياد ولا يعرف نوع الطيور ولا موسم الصيد ولا زمن هجرتها أو طريقها أو اتجاهها.
ولا اتجاه الرياح ولا سرعتها ولا تضاريس الأرض ولا يعرف استخدام البندقية الاوتوماتيكية الحديثة، ولا مكان وقوفه ولا موقعه.
ويريد أن يصيد. وفي النهاية صاد بومة.
نحن في بلدان الضياع، نقدم الشهداء وراء الشهداء والتضحية وراء التضحية المجانية لأننا لا نعرف نخطط ولا نعرف نضع الاستراتيجيات ولا نعرف نفكر، لهذا نفشل ونفشل ونفشل، وسنبقى نفشل لأننا نفتقد للتنظيم الدقيق.
الثورات البريئة لا يمكنها أن تخيف السلطات التي تجذرت بالتبعية والفساد واللصوصية والعهر وبيع الشرف والذمة والكرامة الشخصية والوطنية.
إن النظام العربي ديايثة، يرى زوجته تنام في مخدع الغريب رافعة رجليها له، وفي التحام تام به، بينما هذا الديوث يغني لهما بسعادة.
خامئني، جعل من الدول العربية مطية أو مجالًا حيويًا له ولنظامه السياسي الذي ولد عاجزًا بسبب تركيبته الطائفية وتكوينه الماضوي.
لقد زرع هذا الطائفي الحقود ميليشيات مسلحة في البلدان العربية للعبث فيها، ولتتحول إيران الولي الفقيه إلى وصي على الدولة والمجتمع في العراق ولبنان واليمن والبحرين، وتدخل عسكريًا لحماية النظام الفاسد سياسيًا ووطنيًا في سوريا،
وما زال هذا المجرم يريد أن يبقي بلداننا حديقة خلفية لطموحاته المريضة.
أصبحت الدول التي غزاها خامئني عاجزة سياسيًا، وفاقدة القدرة عن القيام بواجبها من حيث القيام بتأمين الخدمات الاساسية في هذه المجتمعات كالكهرباء والعمل والماء والسكن وغيره.
عبث خامئني بكل شيء، ونشر الفساد والمحسوبية بين جماعته ومحاسيبه وزلمه لينعكس هذا على داخل هذه البلدان.
وفرغ الخزينة العامة من المال لمصلحة استمرار نهجه وسياسياته وحروبه في سوريا واليمن والعراق ولبنان ضد المجتمع في هذه البلدان.
لقد تدخل خامنئي في كل صغيرة وكبيرة، في الشأن الداخلي لدول الجوار الإيراني، وعندما ثار المجتمع من أجل تحقيق الحد الأدنى من المطالب في العيش الكريم، حمل الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض الدول الغربية المسؤولية عن الثورة، وبرأ نفسه.
أعرف أن الشعب الإيراني يعيش محنة أقسى وأمر تحت ظل هذا حكم هذا المجرم وزمرته الكريهة، ولكن الزمن لن يطول حتى يثور الشعب الإيراني ويستعيد حقه في الحرية.
فحرية الشعب الإيراني جزء لا يتجزء من حرية الشعب العربي في كل مكان، وقتها سيموت نهج الحشد الشعبي في العراق والحوثي في اليمن وحزب الله في لبنان وسيتعرى بشار الأسد ونظامه من ورق التوت والدعم.
لا ننسى أن الأخوان المسلمين لهم نهج مماثل لنهج الخامئني.
إن المطالبة ببناء دولة المواطنة، ديقراطية علمانية هو المخرج، وهذه المطالب لن تسمح لأحد بالمزاودة على غيره.
هذه الحضارة ثقيلة, تحتاج إلى قناع, ولا يمكن أن نتعرى في ظلها.
التعري, هو إنكشاف, حقيقة ووضوح, حرية وشمس ونقاء. من منا يستطيع أن يضع قناعه في, الحفلة ـ الحضارة, التنكرية جانبًا, ويخرج إلى الشمس, الحرية, كما هو دون كذب وزيف؟
ما دام هناك مال وقيصر, سيبقى القناع, التورية, وسيبقى الكذب والنفاق والظلم.
وإن الحجاب ظاهرة حقيقية, تمثلنا جميعًا, لإنها تمثل الواقع, وتقلبه, وتعيده إلينا كامل مكمل.
السوق, يقبل المحجب, والمخفي والمزيف.
لا اعتقد أن هناك قومية في العالم تعرضت للاضطهاد والتهميش مثل الأكراد. ويمكن لا يوجد قومية في هذا العالم مثل الاكراد لديهم هوس, وسواس قهري, رغبة دفينة في بناء كيان سياسي لهم. ومع هذا, لم يتحقق لهم أي شيء إلى اليوم. ودائما يتلقون الضربات القاسية من هذا الجانب أو ذاك. من هذه الدولة أو تلك. ويعودون, ويقعون في الخطأ ذاته. تحالفاتهم غلط, علاقاتهم السياسية يربطوها مع دول وقوى عابرة لحدود المكان الذي يعيشون عليها.
سأقول كلمة واحدة لا غير. بوجود تركيا في حلف الاطلسي, لا مكان للدولة الكردية في الافق المنظور. ورتبوا حياتكم ضمن هذا السياق.
لا تكونوا وقودا للذي يسوا والذي لا يسوا.
في العام 1970 كان الحزب الشيوعي السوري مع موقف صلاح جديد ونور الدين الاتاسي السياسية والاجتماعية. وما أن قام انقلاب حافظ الاسد واعتراف الاتحاد السوفييتي المقبور به حتى انقلبوا مائة وثمانون درجة, وايدوه بشكل دوغما.
وكشفت التجربة عورة قوى كانت تتنطح للدفاع عن قضايا الفئات الفقيرة والمهمشة وسطحية مواقفهم الهشة.
براتب وسيارة باعوا أنفسهم من ذلك اليوم. وتفسخوا وتشرذموا. وتبين أن مواقفهم لم تكن سوى ورقة توت شفافة انكشفت على أول منعطف.
واليوم نرى ونشاهد, الكثيرين, يبيعون أنفسهم ب 12 قطعة من الفضة.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. موريتانيا.. لا مياه في أحياء العاصمة نواكشوط!! • فرانس 24 /
.. إردوغان -يأمل- أن يتواصل تقدم مقاتلي المعارضة في سوريا -من د
.. هل سيسقط النظام السوري إن سقطت حمص بأيدي المعارضة المسلحة؟
.. وزارة الصحة في قطاع غزة: سقوط 44580 قتيلا فلسطينيا منذ بدء ا
.. هل يتجه المشهد في سوريا نحو التقسيم؟ | #الظهيرة