الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقامة الحضن الدافيء .

صباح حزمي الزهيري

2024 / 11 / 4
الادب والفن


مقامة الحضن الدافيء :

كتب الدكتور محمود الجاف نصا بعنوان (نشتاق حضنا دافئا ) , قال فيه (( بين جنباتنا روحا يُؤلمُها الفراق , والليل يُؤذينا والفجر السعيد الكاذب الأفاق , نشتاق يوماً غائباً يأتينا وأحباباً واراهُم الثرى ورفاق , ومساءً مُقمراً يجمعنا أو صُبحا كامل الإشراق , أو ذاك الذي ينظرنا حبيباً للقائنا تَواق , نشتاق الذي يسمعنا وحُضنا دافئًا وعناق )) , ولما كنت أشعر بنفس هذا الأحساس , احببت ان اناوحه بهذه المقامة .

نشتاق , ولكنهم يقولون ان للحب تاريخ أنتهاء , كما للعمر, وكما للمعلبات والأدوية , كما اني أخشى اذا (( أتتْ وحياضُ الموتِ بيني وبينها وجادتْ بوصلٍ حيِث لا ينفعُ الوصلُ )) , فدعوها تأتي في غمار الشوق , كسرابٍ من انتظارٍ لا ينطفئ , لم تكن لحظةً , بل زمنٌ من الأحلام ينحني لحضورها, ففي عينيها أسرارٌ تتلاشى كلما اقتربت , كظلٍ يتبعني , ويختفي حين ألمسه , هي الشوق ذاته , رغبةٌ لا تعرف الاكتمال , وجوابٌ يعانق السؤال , في صمتٍ لا ينتهي , وهي تأتي , لا لتطفئ نار الانتظار, بل لتزيدها اشتعالًا , فكلما نظرتُ إليها , أحسست أن الطريق أطول ,هي حلمٌ وحقيقة , مزيجٌ غامضٌ من الاثنين , وفي غمار الشوق تصبح الحدود غير واضحة , وكلما اقتربتُ , ابتعدت , وكلما نسيتُ , تذكرت , كغيمة تمطر مرةً ثم تذوب في الأفق , يا حلمي الجميل , كلما أطلت التفكير فيك , تاهت مني كلماتي , واختزلت بك كل أبجديتي بنقطة في نهاية السطر.

يقف القلب بدونك على عتبة الصمت الباكي , تخذلني الألوان حين تعجز أناملي عن رسمك , سنابل الخفايا تراود أبواب القصيدة وتصرخ هيت لك , كأنك أنت وكفى , تقيم في معبد الآلهة , وأمواج الشجون لا زالت تجدف بي صوب قطيع من السهر , فيا أيها الرابض بين حروف التكوين , والقابع خلف نجمة ضاربة في تضاريس الحروف, تطل مكتظًا بالنور, في منتصف المسافة بيني وبين العوسج البري , بغفلة من جنوح الريح , وعند الصحو , ألعن الليل واحلام المساء , والسويعات التي مابين وعد ولقاء , فلا تقولي نم , فأني قد هجرت النوم والتاريخ طوعا بأشتهاء , أنني ماعدت يوماً شاعراً يكتب كذبا بانتقاء , أتركيني أنني اليوم غريب .

حتى الاحلام أصبحت ضيقة , تؤلمني المسافات , تؤرقني العثرات , تحاصرني عينيك في زوايا عالمنا المزدحم , أين أجدك آه يا حلم , لم تُمهل شهقة تمنحك الحياة , ياويلتي فنحن نقع في حُب أشخاصٍ لا يُمكننا الحصول عليهم , اما نصحونا ؟ وقالوا إياكم والمقاعد الأمامية في قلوب الآخرين , لأنها ستكون الأكثر تضررا بحوادث فقدان الثقة وسوء الظن , كونوا على الحياد : لاوصال دائم , ولا فراق موجع , وستنعموا بدفء القلوب .

تتكدس الحكايات على الشفاه التي تخاف البوح , وأنتظر الراوي الذي نسي حروفه وبقيت قصصه عارية من روحها ومن المعاني , وأنا أتصدع مثل الرخام عندما يأتي صدى صوتك البعيد , وعندما تتساقط ذيول الكلمات لتفتش عن نصوصها تبحث عيوني عنك في مفترق بين الحضور والغياب , ولا تكف عن سؤال كَونيّ ولِد من رحم الأزل : لماذا ؟ لكن الجواب يتكور كحبة لؤلؤ ليعود الى صدفته وينغلق الى الأبد , فأتبعثر أنا من إنكسارات الألم , وألتحم من جديد حول قطرة حب سقطت صدفة في بحر وتلاشت مع أمواجه.

وفي التأوّه (( يكون الحلم بالنسيم ُ الدافيء في جُرح فمها, اكثر ُ نشوة ً من الاغنية , وأغنية ٌواحدة ٌ بعشرات الألحان , ويكون لها الأنفاس ُ, ولَك الطَرَب ُالمكتوم )) , قضايا إنسانيّة تعبّر عن حالة الفقد , وما يترتّب عليها من أحزان , لتنتج بوح عاطفيّ وجدانيّ يغلب عليه الحزن , وهذه هي عاصفة الرّوح عندما تخلع عنّها رداء التكتم , وقديما قالت العرب :البعض تعيش معه عمرا , لا تذكر منه لحظةً , والبعض تعيش معه لحظة تتذكرها طول العمر , لأن الذي يحتل القلوب هي المواقف وليس الزمان .

ايها المشتاق , الحب ملاذنا الآمن , وحضن الحبيب على ضيقه أكثر الأماكن أتساعا على ظهر الأرض , الا وأن المحبين يتعزون بالروائح , تريد ان تشم رائحة حبيبك البعيد , تلك الرائحة الكفيلة بأن تجعلك تتماثل للشفاء , تخاف ان تخبر بها من حولك فيحسبونك مهووسا , السلام على قلبك من أن يكسر , فان كسر القلب موجع , وأن لم يحدث صوتا , وأشد ما في كسر القلب اعاذك الله منه أن لا جبيرة له , وستبقى دوما تتحسس هذا الشرخ الذي حدث مهما تظاهرت ان هذه الفجوة قد ألتأمت .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم وثائقي عن الانتهاكات بحق العاملين في المجال الصحي بغزة


.. بعد فنانة دنماركية وفنان فرنسي.. رسامة ألمانية تطل باتهام جد




.. -ما فينا نلوم المنتج دائما-... هذا ما قاله الممثل طوني عيسى


.. تابعوا العرض الكوميدي The Blue Comedy Show للممثل فادي رعيدي




.. وزيرة التنمية المحلية ووزير الثقافة ومحافظ القاهرة يزورون مو