الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفراغ العقلي في التصورات الجديدة

مؤيد الحسيني العابد
أكاديمي وكاتب وباحث

(Moayad Alabed)

2024 / 11 / 4
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لا ينبغي لي ان اعيد موضوعا قد تم التطرق اليه من قبلي! لكن ما اقصده الان ليس ذلك الموضوع الذي اشرت اليه سابقا الا وهو الفراغ الجغرافي او الفراغ وفق المفهوم الفلسفي بل الفراغ العقلي! وهذا المسمّى ليس بالامر الهيّن الإشارة اليه وتحديده لان ذلك يعتمد على وسائل لو دخل فيها التطور الهائل في الكثير من نواحي التقنيات الحديثة لا يصل الى نتيجة تتجاوز الخمسين بالمئة من حقيقة التشخيص او التعيين، لذلك المسمى حسب تصوري وإعتقادي. وساشير الى الاسباب الوجيهة الى ذلك الذي اعتقده. فالفراغ العقلي يكون احيانا ضرورة واحيانا اخرى نقمة على صاحبه، حيث التطرق الى ذلك الفراغ على انه نعمة اي وجود الامكانية الذهنية لتعبئته بما يوجب وبما يمتّع صاحبه بالجديد وبالتقدم المستمر الذي يجعل منه شخصا اكثر حنكة وحكمة، من خلال اغناء العقل بالجديد من التجارب ومن الآراء التي تعزّز موقعه وتعزز وجوده في هذا الوجود. اما اذا تطرقنا الى تلك النقمة عند بعضهم، فالحديث سيكون عن قصور وتقصير في التخفيف عن هذا الفراغ بما ينفع العقل، إلّا إذا كان هناك عدم الرغبة في اشغال أو ملئ أو إعناء ما يمكن إغناءه من هذا الفراغ، بما يكون افضل واحسن. هنا سأتطرق الى الفراغ العقلي في الادراكات الانسانية الجديدة، حيث تكون الاشارة الى ذلك الفراغ تصورا او وفق المتعامل معه، حيث يعتمد على الاشارة التفسيرية اولا اي لمفهوم الفراغ العقلي ثم ما المقصود بالادراكات الجديدة التي اعنيها. فالفراغ العقلي في الادراكات يعتمد على الطرق المختلفة التي تعتمد اساسا على السياق العام. فهناك الفراغ واليقظة اي في الممارسات التي يشار فيها الى يقظة حقيقية، حيث يكون العقل حاضرا في اليقظة اجمالا وخصوصا، اي فيها يشير الفراغ العقلي الى حالة من الوجود حيث يكون العقل خاليا من المشتتات والافكار المسبقة، اي تسمح هذه الحالة بتجربة الادراكات الجديدة التي تكون اكثر احتمالا ووضوحا. من الادراكات الدائمة في الحالة الطبيعية هي الادراكات العاطفية التي يمكن ان ترتبط هذه الإدراكات أو المدركات بالفراغ ليطلق عليها بالفراغ العاطفي والذي يعود بالنتيجة الى الافتقار في الانجاز ويمكن ان يرافق هذا الانسان بهذه الفراغات العاطفية الكثير من الاحساس النابع من التجارب السابقة بكل مؤثراتها، فلو كانت مؤثرات سلبية ستكون بالتأكيد مؤثرة بشكل كبير بحيث يشعر صاحبها بالانفصال او انعدام الهدف.
من الصعب جدا ان يشعر الانسان بوجود المساحة الفارغة في ذهنه ولا يستطيع املاءها وفق التاثيرات المتعددة والمؤثرات المتفرقة. من الفراغات، ما هي صعبة ومعقدة لا تملأ الا بجهد جهيد ومنها ما يكون سهل الاملاء كالشعور بالحاجة المتيسّرة. لكن الفراغ الذي يلعب دورا خطيرا ومعقدا ذلك الذي يكون من تأثيرات معقدة ومن تأريخ طويل من هذه التاثيرات التي تترك اثرا عميقا لا يمكن معالجته حتى وان استخدمنا حالة استرجاع التاثيرات الحقيقية. ومن الناس من يمتلك هذا الفراغ المعقّد من تأثيرات تمسّ أمنه الشخصي أو المجتمعيّ، بحيث تكون هذه التأثيرات مستمرة لزمن طويل وبالتالي يكون الناتج سلوكيات غريبة تحتاج احيانا لحَجْر الانسان عن المحيط الخارجي، كما اراها في بعض الشخصيات في المجتمع العربي الذي تهدد ويتهدد بالكثير من التهديدات الامنية (خاصّة تلك الشخصيات التي تتعاون مع العدو في كل تفاصيل الحياة التي تتعلق بالأوضاع كافة منها الامنية والفكرية والدينية والاخلاقية فيصبح العدو هو الصديق الحنون والحريص على بناء شخصيته التي تتعرض الى ذلك الفراغ الكبير. مما يجبرنا الوضع على القول بان هذا النوع من البشر انتقل الى مراحل دونية خطيرة لا يحكم عليها الا بالحجر والابعاد عن العامة، فمثل هذا النوع الذي يشعر بان العدو هو الملاذ يمكن ان يطلق عليه بصاحب متلازمة ستوكهولم والتي اشرت اليها سابقا في مقال آخر. لكن الذي يعنيني هو هذا التعاطف الكبير مع العدو على حساب ابن البلد وابن الانسانية المسالمة. وقد اشارت المصادر العديدة بعد الدراسات المهمة على حالات اصحاب هذه المتلازمة الى انها اضطراب عقلي واضح من خلال الالتجاء الى العدو والتلذّذ بالعبودية له والخضوع التام لتلبية كل ما يريد. والخطورة المستمرة انه لو حاول احد تخليص هذا المصاب بهذه المتلازمة سيحاول بالاتصال بالعدو لنقل ما يريد لارجاعه الى عبوديته له. اي انه علاوة على العبودية الارادية(!) هناك شعور بمرحلة تالية هي الاندفاع للفتنة والضغط على العدو بعبودية ادنى وبتصور اكثر انحطاطا كي يقوم بالاعتداء الجديد ان لم يكن التخلص الكامل من الصديق او من القريب فيما يعرف بالنفاق والفتنة الناتجة عن ليس فراغ عقلي بل إمتلاء من نوع سلبي في التصور لا ينتهي حتى يقضي على صاحبه! وفي الحقيقة حينما يصل هذا الشخص المصاب الى الحد سيكون بلا شك اكثر خطورة على المجتمع وعلى نفسه التي انتهت بشكل واضح. ونلاحظ هذه الشخصية بشكل جلي في البلدان التي تتخاصم مع العدو المشترك كما يحصل في لبنان بوجود الشخصيات التي تعبّر المعلومات المشوّهة عن بلادها ليقوم العدو بضرب المدنيين وقتلهم والتنكيل بهم في العديد من المناطق وفي ظهور احدهم من على شاشات الفضائيات يشعر بالسرور الى انه يبرر الى العدو قتل اكبر كمية من مواطني بلده!!). كذلك من أعراض هذه المتلازمة هو حمل المشاعر السلبية تجاه الدولة ونظام الحكم وان كان ديمقراطيا منتخبا من قبل الشعب. ولا يثق من يحمل هذه المتلازمة لاي شعور ايجابية تجاه الاخرين سوى العدو الذي يستعبده). عند حامل هذه المتلازمة لا شعور كبير بما يعمل وبما يحمل من مشاعر سلبية خطيرة ومما يشعرك بالغثيان وجود من له نفس المتلازمة يملك الفضاء الاعلامي لتشويه وتحريف الحقائق بل والتفنيد للعدو والتشجيع المستمر لهذا العدو الى الايغال بدماء الابرياء وخاصة الحلقة الاضعف وهي الاطفال الذين يعانون من هذه الثلة الخطيرة. لذلك نلاحظ أن لا شعور انساني عند العدو والاخطر لا شعور انساني عند صاحب المتلازمة الذي اودى بسلوكه بالالاف من البشر بقول او فتنة او حتى بعمل اعتداء ينتج عنه ما ينتج كما ذكرنا.
هناك كذلك ما يترك هذا الفراغ في ذهن الانسان ما يُملأ بغير ارادة الشخص كما يحدث مثلا في وجود برامج خاصة تخضع مموليها الناس الى اختبارات لتقطف النتائج كما نلاحظ ونراقب ان هذه البرامج هي من تمويل بعض الجامعات والباحثين ليس بقصد الاذية بل بقصد الدراسة التي ربما تسبب الاذية للشخص او حتى للمجتمع. فبرنامج يتعرض الى مقدس من مقدسات الناس باسلوب شيق وباسلوب ساخر ويجمع خلال ساعة او ساعتين المليونين من المشاهدات يحتاج الى دراسة متأنية والى معرفة الممول لهكذا بحث يمكن ان يترك اثرا عنفيا على مجتمع باكمله. هناك العديد من المتفاعلين الذي لاحظتهم لبرنامج من البرامج تصل نسبتهم الى اكثر من سبعين بالمئة من الشباب الذين لم يولدوا الا في الحصار او بعده اي ان الاعمار تتراوح بين 12 والثلاثين او اكثر قليلا. والمتفاعلون من اماكن محددة تتراوح بين دول هي نفسها تحتل البلد، حيث يتواجد فيها الالاف من هؤلاء والذين هاجروا لاسباب ضعف او انعدام الامن في البلاد او من حرمان عاطفي او حرمان اقتصادي او تهديد لاسباب متعددة اخرى. وهناك فئة من داخل البلد تتواجد في اماكن معينة كذلك مع نسبة ضئيلة ممن يتفاعل دون دراية او ممن تعرض هو او احد اقربائه الى تهديد او غير ذلك. وبالفعل هناك عدد قليل من الذين يركضون وراء سراب، بسبب قلة التعليم او بسبب هذا الذي شجّعه الوضع منذ التسعينيات على امتلاك تعليم شكلي بشهادة شكلية لا علاقة لاي علم بهذا العقل او الذهن.
لقد عانى الكثير من الفراغ العاطفي والامني والاجتماعي الرصين وبالتالي خلق حالات من القلق المستمر والتاثير المستمر وكأنه خدر يصيب هذا العقل ليكون منفصلا عن المحيط الفاعل والمؤثر وهذا الفراغ هو الذي يجعلنا نتصارع مع انعدام الهدف والرعب الوجودي. والشعور الشخصي بهذا الفراغ ليس بالامر السهل حيث يبدأ حين شعوره به بالانفصال تدريجيا عن المحيط وكلما ابتعد عن المحيط صار مشروعا من قبل الاخر ليستغل هذا الفراغ وهذا الوضع كي يملأه باي شيء يريد (كما يحصل الان في العديد من المجتمعات وخاصة العربية! فبات الشباب فريسة للافكار والسلوكيات التي تحاول تعويض نقص ما او تعويض فراغ ما من اي نوع من انواعه التي يحملها الشخص. كلما مضى الزمن تعقّدت الامور اكثر فاكثر وربما يؤدي الى عدم المعالجة بالقدر السريع والمؤثر). وهناك خطورة واضحة للعيان هي الاملاء القسري من قبل جهات تمتلك المكاتب التي سخّرت الكثير من المؤثرات في مجتمع الشباب، والتي تعتبر مكاتب خاصة إما في شركات وهمية او مراكز دراسية بحثية شكلية او حتى مكاتب في سفارات او كليات او مؤسسات بتسمية ثقافية او فنية او اعلامية، كما تتعامل سفارة امريكا وبريطانيا في العراق كدولة رخوة في وضعها الامني والاجتماعي بل وحتى الديني. حيث اختلط الكثير من الافكار الدينية مع السياسية والفكرية فبات القاصي والداني يترك اثره على المجتمع وخاصة مجتمع الشباب، الضحية الاكبر. ربما يسأل سائل عن ان من المحتّم ان يكون العقل غير ممتليء بسبب الضرورة لبقاء حيز كي لا يكون العقل مزدحما ويترك للجديد كي يعبأ. والجواب غيرما اطرحه لان المشكلة ليست بالكم الذي يحمله العقل فقط بل بالنوعية التي باتت عند عدد من الشباب مشوهة الى درجة كبيرة، وليس الامر فقط عند هذه الطبقة من المجتمع بل في الطبقات الاخرى كذلك، لكن تركيزي هذه المرة على طبقة الشباب لاهمية بناء المجتمع من قبل هذه الفئة المهمة من فئة البناء. لقد عانى ويعاني الكثير من مشكلة الشعور بهذا الفراغ ويدرك هذا الوضع، اي انه يعلم بوجود هذا الفراغ. وهذه في الحقيقة ليست مشكلة ان يشعر الانسان بوجود الفراغ ويدرك ذلك، ابدا بل مرحلة جيدة للتفاعل في حل اي اشكال اخر لانه قد كشف انه في حاجة الى ملء الفراغ اي انه قد احس بوجوده وهي مرحلة مهمة لملء الفراغ حين الكشف عن الاحتياج لهذا. لكن ياتي الدور على القوى الفاعلة والخيرة لتقوم بواجبها بالعمل على اغناء هذا الفراغ بما ينفع الشخص والمجتمع معا.
من المسائل المهمة التي تتعلق بهذا الفراغ كذلك هو مدى الامكانية في وجود مثل هذا الفراغ والامكانية في تقبّل ما يملأه من الاخر ان كان شخصا او غير ذلك.
إنّ الخطورة في ما يوضع في هذا الفراغ هو إنسياب النفس الى ما يحرّمه الشرع الانساني والاخلاق العامة كما يحدث عند قتل الناس والتنكيل بهم بحجج مختلفة كما يحصل في ملء فراغ عقلي ووجداني من قبل بعض المرضى ومن قبل بعض القتلة (كما ذكرنا آنفا) كما يحدث في غزة وجنوب لبنان حيث الغازي والقاتل يملأ فراغه بما يغذي على القتل ونسف الانسانية من قلوب وعقول الناس. والادهى والامرّ ان يقوم عربي بالسماح والمساعدة لمن يعتدي ويقتل الاطفال والنساء ويبقروا حوامل النساء وذبح الشيوخ ويبرروا ذلك بتبريرات!! هذا الفراغ الذي يملكون يكون من الاجدر ان لا يملأ بهكذا سلوكيات والا ستنتهي الحياة بالتحول الى الحيوانية بدل الانسانية. والحديث طويل ومؤلم، وهذا يكفي بالاشارات والتلميحات البسيطة. والسلام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جيني اسبر واعترافات لاول مرة


.. عاجل | مظاهرات وأحكام عرفية وإغلاق مبنى البرلمان في كوريا ال




.. فضائح جديدة تلاحق تسلا ومالكها إيلون ماسك.. ما القصة؟


.. قراءة عسكرية.. كمين للقسام في رفح وتقدم للمعارضة السورية تجا




.. سياق | هل انتهى النفوذ الفرنسي في إفريقيا؟