الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الثورة الفرنسية والكنيسة
سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي
(Saoud Salem)
2024 / 11 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
٢٦٠ - أركيولوجيا العدم
العدمية الثورية
٨ - عودة الكنيسة
"لن يتحرر الإنسان حتى يُشنق آخر ملك بأحشاء آخر قسيس" - ديدرو
"L homme ne sera libre que lorsque le dernier roi sera étranglé avec les entrailles du dernier prêtre"
Denis Diderot
علاقة الثورة الفرنسية مع الكنيسة كانت علاقة تصادم وحرب منذ الأيام الأولى للثورة، وقد كان القضاء على الكنيسة وسلطة رجال الدين هدف من أهداف الثورة. فقد كانت الكنيسة الكاثوليكية من أكبر ملاك الأراضي في البلاد، إذ تمتلك حوالي 10% من الأراضي الفرنسية، بالإضافة إلى العديد من الإمتيازات مثل الإعفاء من دفع الضرائب، والحق في إدارة ما يسمى بـ"العشور"، أي دفع المواطن الكاثوليكي 10% من دخله للكنيسة ليعاد توزيعه على المواطنين الأكثر فقرًا ومن لا دخل لهم، وسلسلة امتيازات إقتصادية وإجتماعية أخرى. غير أن العديد من المواطنين من الطبقة المتوسطة والطبقات الشعبية كانوا يكرهون الكنيسة لتواطئها مع الملك وحاشيته ومع طبقة النبلاء، وكان العديد منهم يكتب ويوزع المناشير النارية ضد الكنيسة. «فتشويه» سمعة الكنيسة الكاثوليكية وتعرية علاقتها مع السلطة كان ضروريا وإن لن يكون كافيا، لزعزعة استقرار النظام الملكي، ذلك انه رغم وجود نزاعات جانبية وخلافات بين العرش والكنيسة، لكنهما في تحالف وثيق؛ وانهيارهما في وقت واحد، هو البرهان النهائي على الترابط العضوي لمصالحهما المشتركة. في 4 أغسطس 1789 تم إلغاء سلطة الكنيسة في فرض العشور، وفي خطوة لحل الأزمة المالية التي كانت تعاني منها الدولة والتي كانت من أحد الأسباب للثورة، أعلنت الجمعية في 2 نوفمبر 1789 أن جميع ممتلكات الكنيسة «هي تحت تصرف الأمة»، وفي ديسمبر، دخل القرار حيّز التنفيذ، وبدأت الجمعية الوطنية تبيع الأراضي والعقارات التابعة للكنيسة بالمزاد لمن يدفع « أعلى ألأسعار ». وفي خريف 1789، ألغيت قوانين تشجيع الحركة الرهبانية؛ وفي 13 فبراير 1790 تم حلّ جميع الجماعات الدينية في البلاد؛ وسمح للرهبان والراهبات ترك الأديرة، غير أن نسبة قليلة منهم خرجت من الأديرة في نهاية المطاف. في 12 يوليو 1790 أصدرت الجمعية، «نظام الحقوق المدنية لرجال الدين»، اعتبر بموجبه رجال الدين «موظفي حكومة» وحددت أجورهم ورواتبهم وواجباتهم، وأنشأت الجمعية نظامًا جديدًا للكهنة والأساقفة والرعايا. وفي نوفمبر 1790، طلبت الجمعية الوطنية من جميع رجال الدين، قسم يمين الولاء للدستور المدني الفرنسي، ما خلق انقسام في أوساط رجال الدين، بين أداء اليمين المطلوبة، وبين أولئك الذين رفضوا وحافظوا على «وفائهم» للبابوية؛ وفي النهاية فإن 24% فقط من رجال الدين أقسموا اليمين. ولقد كان عزوف رجال الدين عن القسم بالوفاء للدستور المدني، قد ادى إلى نقمة وسخط شعبي كبير، حيث خرجت العديد من المسيرات والتجمعات تطالب «بنفيهم، وترحيلهم قسرًا، وإعدام الخونة». ولقد قبل البابا بيوس السادس، مبدأ الدستور المدني للدولة، غير أنه رفض أن ينظم القانون المدني علاقة الأساقفة والقساوسة والرهبان والرعايا خلافا للقوانين الكنسيّة، وعَزل من الكنيسة الذين قبلوا بالنظام المدني الأسقفي الجديد. وفي المرحلة اللاحقة، وهي «عهد الإرهاب»، تزايدت المحاولات سواءً أكانت شعبية أم داخل الجمعية الوطنية، لمحاربة الكنيسة وللقضاء على سلطة الدين، فذبح الكهنة، وأحرقت الكنائس ودمرت الأيقونات وممتلكات الكنيسة في جميع أنحاء فرنسا، كما منعت المهرجانات الدينية والأعياد، وأعلن البعض عن إعلان «ديانة العقل» لتكون الخطوة الراديكالية الأخيرة ضد الديانة وتحويل الكنائس إلى معابد للثورة. على الرغم من كل ذلك وعلى الرغم من كل ما تعرضت له الكنيسة من هجوم في القرن الثامن عشر من قبل فلاسفة التنوير وتقييد رجال الدين والجماعات الرهبانية، تشير الأرقام إلى أنه، على وجه العموم، ظلت فرنسا دولة كاثوليكية عميقة الإيمان، حيث لم تتعدى نسبة الذين لا يترددون على الكنائس بإنتظام 1% في منتصف القرن الثامن عشر. وهذا دليل على فشل الثورة الفرنسية فيما يخص محاربة السلطة الدينية التي استمرت في المقاومة حتى توصلت إلى الكونكوردا ـ Concordat، وهي اتفاقية بين نابليون والبابا بيوس السابع، تم التوقيع عليها في 15 يوليو 1801 في باريس والتي ظلّت سارية المفعول قرنا كاملا حتى عام 1905. سعت هذه الإتفاقية إلى المصالحة الوطنية بين الثوار والكاثوليك وعززت الكنيسة الرومانية الكاثوليكية باعتبارها الكنيسة ذات الأغلبية في فرنسا، مع استعادة معظم إمتيازاتها المدنية والمادية مما أدى إلى تهدئة عداء الكاثوليك الفرنسيين المتدينين ضد الدولة الثورية إلى حد كبير. وعاد رجال الدين الكاثوليك من المنفى أو من الاختباء واستأنفوا مناصبهم التقليدية في كنائسهم. استمرّ عدد قليل جدًا من الأبرشيات في توظيف الكهنة الذين قبلوا الدستور المدني لرجال الدين في النظام الثوري. بينما ضمنت الكونكوردا عودة الكثير من الأمور إلى السلطة البابوية، رغم أن ميزان العلاقات بين الكنيسة والدولة بقي لصالح نابليون، الذي قام بإجراء ترتيبات مماثلة مع الكنيسة في المناطق التي يسيطر عليها، وخاصة إيطاليا وألمانيا.
وبقي الوضع هكذا أكثر من مئة عام، حتى الجمهورية الفرنسية الثالثة La Troisième République، وهو نظام الحكم الذي تبنته فرنسا منذ عام 1870 عندما انهارت الإمبراطورية الفرنسية الثانية خلال الحرب الفرنسية البروسية، حتى العاشر من يوليو عام 1940 بعد هزيمة فرنسا على يد ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية، والتي أدت إلى تشكيل حكومة فيشي الموالية لهتلر في فرنسا ثم إنقلاب الجنرال ديغول وتوليه السلطة. وفي هذه الفترة، وضع حد لنظام الكونكوردا، بقانون عام 1905 الذي كرس حياد الدولة تجاه جميع الأديان وفصل الدين عن الدولة، وتحققت بذلك الجمهورية التي دفع كلوتز حياته ثمنا لها، وهو القانون المعروف اليوم باللائسية أو اللائكية laïcité، والذي يترجم عادة بالعلمانية.
يتبع
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. إدارة الشؤون السياسية في دمشق تسلم صحفيا أمريكا كان مختطفا م
.. تركيا تعلن استئناف عمل سفارتها في العاصمة السورية دمشق
.. مشاهد من داخل سجن المزة العسكري بدمشق بعد سقوط نظام الأسد
.. كاميرا مراقبة تكشف سرّ الحريق القاتل في دار لرعاية المسنين ب
.. محكمة الاستئناف الأميركية ترفض طلب -تيك توك- بوقف حظر التطبي