الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهوية تحث مجهر أمين معلوف

صلاح الدين الغزواني

2024 / 11 / 12
قضايا ثقافية


لطالما تساءل أمين معلوف كما يتساءل كل شخص عن ما الذي يحدد الهوية والانتماء . إن اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية وهجرته إلى فرنسا والحصول على جنسيتها والكتابة بلغتها وتدينه بالمسيحية...، كلها أحداث من حياة معلوف جعلته يقف وقفة ناقد ومحلل لما يسمى بالهوية منطلقا من ما عاشه ومن معاينته لمجموعة من الأحداث التاريخية والمعاصرة التي تنشأ نتيجة خلافات هوياتية. كل هذا دعا المفكراللبناني-الفرنسي بأن يخلخل المعتقدات حول هذا المفهوم المنفلت، ومحاولة الإجابة عن أهم سؤال قد يراود أي انسان كيف ما وأين ما كان، وهو سؤال من أنا؟ وما هي هويتي؟.
إن الهوية اليوم يمكن أن نرصدها باعتبارها محركا للتاريخ، كيف لا وهي التي باسمها قامت دول وسقطت أخرى، وباسمها ماتت الملايين من الناس عبر التاريخ، وباسمها مازالت الأحداث الشائكة حول العالم قائمة وستستمر إلى أبد الخالدين. إنه لمن الصدفة اليوم أن نطرح هذا المفهوم المنفلت، الغامض، الغير المحدد في خضم صراعات سياسية لكن بخلفيات تاريخية هوياتية. ولعل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أبرز ما يمكن استحضاره للحديث عن الهوية، وكيف للفهم المنحرف لها أن يساهم بشكل أو بآخر في تحديد مصير الشعوب والتسبب في مشاكل سياسية عظمى قد تستمر في الزمان والمكان لمدة طويلة.من وجهة نظر خاصة، أمين معلوف تبنى نظرة إنسانية، وذلك عندما لم يحصر الهوية في مكون واحد بل وضع مفهوم التعددية كصفة للهوية وبكون هذه الأخيرة غير ثابتة وعملية تكوينها تستمر طوال حياة الشخص. لقد كان يعرف ماذا يفعل هذا المفهوم الملتبس بالشعوب كيف لا وهو الذي عاش الحرب الأهلية اللبنانية التي مزقت هذا البلد، ولذلك فهو قد فهم انحرافات خطابات الهوية لذلك سعى من خلال أفكاره حول الهوية في كتابه الهويات القاتلة الى تحديد للهوية من غير مغالطات قد تأدي شعوبها الثمن غاليا.
انطلق أمين معلوف في تحديده للهوية من تجربته الشخصية واعتبر كل من المسيحية والشخصية العربية والجنسية الفرنسية...، خليط يكون هويته وأن الهوية لا يحددها ما هو ديني أو سياسي أو اجتماعي أو ثقافي بل هي خليط بين كل هذه المكونات وأخرى حسب التجربة التي مر منها الشخص وأن هذه الهوية ليست ثابتة ومحددة بل هي سيرورة من التجارب التي يمر منها الشخص ويكتسبها، وأن القلق على العالم حسب معلوف يبدأ حينما تصبح ملزما بأن تختار جزء من هويتك وتتخلى عن باقي مكوناتها مجبرا مما يؤدي إلى اعتقادات باطلة قد تجر الشخص أو المجموعات إلى ارتكاب جرائم فضيعة وهذا ما يسميه معلوف بالهويات القاتلة. إن بمجرد شعور شعب ما بالتهديد في عقيدته، يصبح الدين هو المحدد للهوية ولكن لو كانت لغتهم الأم ومجموعتهم الاثنية هي المهددة لقاتلوا بعنف ضد إخوتهم في الدين، نموذج الأكراد والأتراك فكلاهما مسلم ولكنهما يختلفان في للغة، والتاريخ يشهد على الصراع الدموي الذي دار بينهم، مما يعني أن عناصر الهوية دائما متغيرة ومتقلبة. لذلك انطلق أمين معلوف من وجهة نظر انسانية محاولا ايجاد حل توفيقي ليعتبر الهوية مجموعة عناصر فيها ما هو اثني، جنسي، لغوي، عائلي، مهني مؤسساتي، رياضي...، وبأن هذه الهوية هي شخصية تتعلق بالفرد الواحد دون سواه فهي التي تميزه عن الآخرين من حوله حتى إذا كان أخوه التوأم. وبالتالي فالفرد فريد ومركب ولا يمكن الخلط بينه وبين اي شخص آخر. وهذا ما جعل البعض ينتقد معلوف كونه لا يميز في الهوية بين ما هو اجتماعي وما هو فردي.
بالإضافة إلى هذا كله، فإن معلوف يعتبر أن وجود عنصر فطري في الهوية هو أمر مستبعد إلى أبعد الحدود وبالتالي فهي تحدد اجتماعيا، فالمحيط العائلي والاجتماعي والثقافي هو الذي يحدد الرغبات والانتماءات واللغات والأديان وعادات الأكل والملبس...وبالتالي فمعلوف لم يجد عنصرا فطريا يحدد الهوية، والدليل على ذلك هو إذا قمنا بعزل رضيعا عن محيط ولادته فهو لن يتذكر لا ديانته ولا أمته ولا لغته...، وفي لحظة من اللحظات قد يجد نفسه يحارب من كان يجب أن يكونوا أهله.
وبالعودة لمفهوم الهويات القاتلة فإن من يصنع هذا النوع من الهوية هو ذلك الاعتقاد السائد بأن الهوية يحددها مكون واحد وبالتالي تتشكل الطوائف التي يجمع بينها هذا المكون ويصبح همهم هو الدفاع عن هويتهم ضد الهويات الأخرى مما يصنع التشدد والدوغمائي، لاكننا بمجرد أن نعي أن الهوية خليط من مكونات متعددة تبدأ في تكوين شخصية الفرد منذ ولادته عن طريق وسطه وعائلته ووطنه وتجاربه...، يبدأ الوعي بجوهر الهوية والوعي بكوننا نعيش في عالم مختلفين عن بعضنا البعض، لكن نشترك في بعض الاشياء القليلة مع البعض ونشترك في مجموعة من الأمور مع البعض الآخر.
وعلى طول صفحات الكتاب يستحضر الكاتب نفسه كنموذج لتوضيح مجموعة أفكاره. فعندما يترك أحدهم بلده الأصلي وينتقل إلى بلد آخر، فإن عملية تشكل الهوية لا تبدأ من جديد أو أنها اكتمت قبل الهجرة، بل عملية تشكلها هي عبارة عن سيرورة تستمر مدى الحياة، وبالتالي فالمهاجر، بالإضافة إلى مكونات هوية بده الأصلي، تتعزز هويته بعناصر أخرى من البلد المضيف وهذا بالذات ما وقع مع معلوف حينما هاجر إلى فرنسا وتعلم لغتها وأخد من ثقافتها وبالتالي، حسب رأيه، فهويته تعززت بعناصر جديدة وهذا أمر ايجابيي، بل ويجب أن يحدث ولا ينبغي أن تصبح الهوية أداة للحرب والقتال.
أما في حديثه عن العولمة فقد قال عنها بأنها أدت إلى خلق وفرة من المعلومات وساهمت في الانفتاح الثقافي، لكن رغم ذلك فقد حذر منها لأنها في الوقت الذي قد يظهر لنا أنها تخلق تنوعا ثقافيا ووفرة للمعلومات فإنها في الواقع تؤدي بفضل قانون خفي إلى التماثل مثال( ارتداء السراويل الممزقة فقد أصبح موضة عالمية هددت ثقافات ارتداء الملابس المحلية)، بالإضافة إلى هذا فإن انتشار ثقافة الصورة أدى إلى غياب الحس النقدي مما قد يهدد هذا التنوع في الهوية الموجود ويؤدي إلى التماثل وهيمنة الثقافة الأقوى. وفيما يخص هذا الشأن دعا معلوف إلى التحلي بالحس النقدي مع ضرورة الانفتاح على الغرب وحضارته لكن شريطة العمل بمبدأ التبادل الذي يسمح بالانفتاح على الثقافات الأقوى والأخذ منها مع الحفاظ على مقومات ثقافتك الأصلية. وبالتالي وجب الحذر من العولمة لكي لا ندمر التنوع الثقافي الموجود عند بني البشر وبالخصوص تنوع اللغات وأنماط الحياة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد محاولته فرض الأحكان العرفية.. أحزاب المعارضة الكورية الج


.. الدكتور حسام أبو صفية مدير مستشفى كمال عدوان: ليس هناك مبرر




.. مستوطنون يحرقون مركبة فلسطينية في بلدة بيت فوريك بالضفة الغر


.. المرصد السوري لـ -العربية-: فشل هجوم قسد على القرى الـ 7 في




.. ماذا قالت سارة بوحجي الرئيس التنفيذي لهيئة البحرين للسياحة و