الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل شعوبنا بحاجة الى الديموقراطية ؟

بارباروسا آكيم

2024 / 11 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في نقاشاتنا مع بعض إخوتنا حول إن الديموقراطية هي الحل الأمثل لشعوب هذه المنطقة البائسة و إن الخيار الشعبي ينحو دائمًا نحو تحقيق المصلحة العامة .
و إن الظروف وحدها كفيلة بتغير الطباع العامة بعد استقرار الوضع السياسي من خلال التداول السلمي للسلطة

إرتأيت أَن أوضح مدى غباء الفكرة القائلة بأن شعوب هذه المنطقة تفهم معنى الديموقراطية .
رغم إنني كنت اتصور بأنه مثل هذه الخيالات العابثة قد انتهى وقتها بعد مأساة الخريف العربي

لكن لا زال بعض صحبنا يسبحون في خيالاتهم الطوباوية البعيدة عن الواقع علما أن أقوالهم الصبيانية التي تؤشر على مراهقة متأخرة لا تتناسب مع أعمارهم البيولوجية

على سبيل المثال : مايردده بعض صحبنا من خلال  مفهوم الثورة الشعبية في المنطقة التي ( قد ) تؤي في النهاية الى قيام نظام ديمقراطي علماني ، و إن الأحكام المسبقة المتسرعة على الظاهر  الذي يؤشر على الحضور الديني الطاغي ليس بالضرورة هو المقياس الحقيقي و إنما تكون الأمور دائما بخواتيمها
أي كما يقول المأجور عزمي بشارة : لابد من إعطاء الفرصة للإسلاميين للوصول إلى سلم الحكم طالما إنهم يحضون بالأكثرية و لطالما كنا ملتزمين بالنظام الديموقراطي

يعني تماما مثل نظرية الإخوان المسلمين
و قالت الصناديق للدستور نعم !!!

إخواني حينما نتذكر مثلاً المرحوم السيد القمني الذي شخص علة هذه المنطقة و هو السرطان الإسلامي و حينما كان يكافح بلا هوادة لإيصال فكرة أن ( الديموقراطية ) ليست صندوق انتخابات.
تصدى له ايضا بعض هؤلاء المراهقين بأن مثل هذا الخطاب يحتقر شعوب هذه المنطقة و درجة وعيها و ثقافتها !

و كأن الغوغائية الجماهيرية و نهيق القطيع هو ما يحدد الصواب من الخطأ ؟!

مع العلم إن ( القطيع الناهق ) و كثرته العددية  ليس مقياس للصوابية حتى من وجهة الفكر الديني الذي يسير شعوب هذه المنطقة .
فأنت تجد الفكر الديني يمتدح الأقلية ويذم الأكثرية في أحيان كثيرة
على سبيل المثال قوله تعالى : لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ

فلو كانت الأقلية و الأكثرية العددية مقياس للحقيقة لكان الدين الذي تعتبرونه شرعة ومنهاج هو نفسه ساقط في هذا الإمتحان

هذا مع الأخذ بعين الاعتبار إنه حتى من وجهة نظر سيكولوجية
فأن الكثرة العددية أو الشعبوية أو مايسمى بقوة الجماهير ماهي إلا قوة غوغائية همجية

و لذلك يقول غوستاف لوبون: عندما يجتمع الأفراد في جماعة، يتكون ما يُسمى بـ الروح الجماعية فيتلاشى العقل الواعي للفرد ويفقد قدرته على التفكير المستقل. يصبح الفرد مستعدًا لأن يتبنى الأفكار والمشاعر التي تنتشر في الجماعة، ويكون أقل ميلًا للتحليل وأكثر اندفاعًا نحو العمل. إن الجماهير ليست بحاجة إلى أي برهان أو منطق لتؤمن بفكرة؛ يكفيها أن تُطرح الفكرة عليها ببساطة وبشكل مؤثر. لذلك، نجد الجماهير سريعة الانقياد، وعنيفة، وغير عقلانية في تصرفاتها، تتخذ قرارات متسرعة قد لا يتخذها الأفراد لو كانوا بمفردهم.

ويضع غوستاف لوبون الوصف الحقيقي لطريقة التفكير عند القطيع البهائمي المسمى بالجاهير فيقول :

تتحرك الجماهير بالعاطفة وليس بالعقل، وهي تتأثر بالصور والمشاعر أكثر من الأفكار الواضحة. لذلك، حين تكون تحت تأثير قائد قوي أو فكرة مؤثرة، يمكن أن تتحول إلى أداة للتدمير أو البناء، دون وعي أو تمييز

يعني في النهاية هذه الكثرة العددية سيحركها شخص واحد فقط
و إما أن يأخذ هذا الشخص هذا المجموع البشري في داهية لا يعرف قرارها أو يرفع من شأنها

إذا إخواني .. الديموقراطية تقتضي الأنا و الفردانية أكثر مما تقتضيه الأغلبية و الأقلية التي هي مجرد نصاب سياسي داخل قبة البرلمان
و في هذا الصدد تذكرت ايضا كلام السيدة الفاضلة مشاعل الهاجري ..

تقول الدكتورة مشاعل الهاجري في معرض حديثها الى جريدة ( الجريدة ) عن تجربة ترجمة كتاب ( نظام التفاهة ) للفيلسوف الكندي آلان دونو
Alain Deneault
إنها نشرت ( نظام التفاهة ) بروحية القاريء لا الكاتب ..
و الحقيقة إنني شخصيا كنت معجبا جدا بالتوطئة التي قدمتها السيدة الهاجري حول مفهوم الديموقراطية الغربية بأن الديموقراطية ليست حق الاغلبية المطلق بل هي مبادئ و قيم

حيث تكتب :

يشكل العمل السياسي - بما ينطوي عليه من سلطة وخطاب ومال وجماهير - المساحة الخصبة لازدهار نظام التفاهة. وتمثل الديمقراطية، بما تنطوي عليه من مراكمه لكل هذه العناصر، بالضرورة، المجال الأخطر لذلك.

ومن أهم الانتقادات التي توجه إلى الديمقراطية، باستمرار، والتي لا تخلو من صحة، هو الخطر المتمثل فيما يمكن أن تؤدي إليه من طغيان الأغلبية على الأقلية. ذلك أن الدساتير ما وُضعت إلا لحفظ حقوق الأقلية قبل الأغلبية، فالأغلبية هي تكتل وتفاهم لا يخشى عليه من إجحاف، وإنما الأقلية هي من يحتاج إلى الضمانات السياسية كما تقدمها الدساتير. إن القول بهذا يعني أن الدولة ما هي إلا أداة بيد الأغلبية لقمع الأقلية، وبذلك فإن القانون يتم تبريره لأهداف مختلفة، مع فصله عن العدالة.

ولكن من حيث المبدأ، فالديمقراطية هي أداة ذات دور ووظيفة محددة، هو كفالة وضمان بيئة أساسية من القيم التي لا علاقة لها بالأغلبية أو الأقلية من حيث التصويت. فهي قيم يُفترض أن تُحترم وأن تُقدس أياً ما كانت مخرجات الانتخابات. هذا هو بالضبط السبب الذي يجعل تداول السلطة سلساً في أوروبا. مثلا، الفرقاء السياسيون هناك، على اختلاف منطلقاتهم الإيديولوجية، يقفون في خطبهم التغييرية دائما عند حد لا يتجاوز أي منهم حال تسلمه للسلطة.
حاجز الصد هذا يتمثل في الضمانات الدستورية، ثم المواطنة السوية، والحقوق والحريات.

ولا شك أن اختزال الأمر بالعدد وبساطة العدد فيه من الخطورة ما فيه (هل أحتاج للتذكير بأن هتلر وحزبه النازي بقيمهما المريضة إنما وصل إلى الحكم بعملية ديمقراطية كاملة من انتخابات وتصويت وأغلبية؟). وقد لاحظ المؤرخ الهولندي الشهير يوهان هويزنجا Johan Huizinga أن للثقافة الجماهيرية سمة الصبيانية puerility فعلاً، من حيث لها ذات السمات العقلية لمرحلة المراهقة، كالعاطفة القوية والشعلة للأحداث المثيرة والشعارات المؤثرة
الاسترضاءات الشعبية والانفعالات العاطفية وغيرها من مبالغات.
ولعل في الديماغوجية بما تستتبعه من تحفيز العواطف الجمعية، تم تعبئتها مثالاً جيدا على ذلك
( طائفية ، رأي عام شعبي ، عصبيات قبلية ، سلوك قومي عدواني ، اخويات طبقية ، تكتلات فئوية ) .

نظام التفاهة
د. آلان دونو
ترجمة و تعليق : مشاعل عبد العزيز الهاجري
الطبعة الأولى _ ٢٠٢٠
دار سؤال للنشر _ بيروت

إذا  نحن حينما نريد تطبيق هذه الأفكار في بلداننا ( كما يدعو إلى ذلك بعض الحالمين الرومانسيين ) أن نأخذها كعلبة واحدة و كقيم ثابتة
لا أن نفصل على مزاجنا ..

شعبنا يقبل بصندوق الانتخابات لكن في الوقت الحالي لا يمكن تخيل إمرأة في منصب رئيس الجمهورية !
شعبنا يقبل بالأقليات طالما إنهم يمارسون النشاطات البيولوجية فقط !
شعبنا يقبل بالتحريض في المساجد و الإعلام الرسمي و الدعوى لدين الله ضد الأقليات و لكنه يرفض أن يظهر صوت آخر في البلد ليس من ضمن دين الأغلبية !

لماذا ؟ لأن الإرادة الشعبية الغوغائية أي الأكثرية هي من تتسيد المشهد بأسم الديموقراطية

و هذا يتناقض مع روح الديموقراطية التي هي و كما أشرنا سابقا نظام مؤسساتي قبل أن يكون نظام يوصل اشخاص بعينهم الى سدة الحكم

و لذلك يقول الفيلسوف كارل بوبر في كتابه المجتمع المفتوح و اعدائه

The question is not Who should rule? but rather How can we so organize political institutions that bad´-or-incompetent rulers can be prevented from doing too much damage?

السؤال ليس من ينبغي أن يحكم ؟ بل كيف يمكننا تنظيم المؤسسات السياسية بحيث نتمكن من منع الحكام السيئين أو غير الأكفاء من التسبب في الكثير من الضرر؟

Karl Popper
The Open Society  and Its Enemies
Vol. 1, 121

بل إن مفهوم الديموقراطية قد يتطرف احيانا في الفكر الغربي وصولًا  الى رفض المؤسسات و الأفكار نفسها إذا كانت تلك المؤسسات أو الأفكار ستقف حجر عثرة أمام الحقوق العادلة ل الأفراد و الأقليات و بالتالي إسقاط إحدى ركائز الديموقراطية وهي العدالة أَو المساواة .

ورغم أنني شخصيا أرى في هذا التصور المغالي  نقطة ضعف و بذرة من بذور الفناء الذي يزرع في جسد الحضارة الغربية على المدى الطويل
إلا إن المفهوم بعينه يشير الى ما سبق و أشرنا إليه في سلسلة مقالاتنا السابقة
من إن الديموقراطية بمفهومها الغربي لها ركائز تتمثل بالحرية ( حرية الإرادة و الضمير ) و المساواة أَو العدالة التي تقتضي الفردانية
و لذلك يقول معلمنا الكبير جون رولز
John Rawls

Justice is the first virtue of social institutions, as truth is of systems of thought. A theory however elegant and economical must be rejected´-or-revised if it is untrue likewise laws and institutions no matter how efficient and well-arranged must be reformed´-or-abolished if they are unjust. Each person possesses an inviolability founded on justice that even the welfare of society as a whole cannot override. For this reason justice denies that the loss of freedom for some is made right by a greater good shared by others.

John Rawls: A Theory of Justice

العدالة هي الفضيلة الأولى للمؤسسات الاجتماعية، كما أن الحقيقة هي الفضيلة الأولى للأنظمة الفكرية. يجب رفض أو تعديل أي نظرية، مهما كانت أنيقة أو بسيطة، إذا كانت غير صحيحة؛ وبالمثل، يجب إصلاح أو إلغاء القوانين والمؤسسات، مهما كانت فعّالة ومنظمة، إذا كانت غير عادلة. كل شخص يمتلك حرمة تقوم على العدالة لا يمكن أن يتجاوزها حتى رفاهية المجتمع ككل. ولهذا السبب، تنكر العدالة أن فقدان الحرية لبعض الأشخاص يتم تبريره من خلال مصلحة أكبر يحققها الآخرون.

علما إن كتاب الفيلسوف جون رولز متوفر كذلك باللغة العربية
راجع كتاب
نظرية في العدالة
جون رولز
ترجمة : د. ليلى الطويل
الفصل الأول _ إنصافا للعدالة
١. دور العدالة
صفحة ٢٩ _ ٣٠
منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب
وزارة الثقافة _ دمشق
٢٠١١ م
سلسلة دراسات فلسفية ٥

إذا الإخوة في تيارات الإسلام السياسي و الصلاعمة عموما..
أنتم إخواني لا علاقة لكم بالديموقراطية
انتم علاقتكم بالديموقراطية مثل علاقة العنزة الجرباء مع النبع الصافي
تلك العنزة التي تروي عطشها و تلوث الماء الزلال








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المرشد الأعلى خامنئي: دولة جارة لسوريا لعبت دورا واضحا في إس


.. مختلف عليه | الحروب الدينية من وجهة نظر المغلوبين




.. 160-Al-araf


.. 161-Al-araf




.. مشاهد خاصة للعربية من أجواء سوق الحميدية والجامع الأموي