الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حقوق الإنسان: من خطب المهرجانات إلى متاجرة الضمير

بن سالم الوكيلي

2024 / 11 / 26
كتابات ساخرة


في عالمنا المعاصر، يبدو أن حقوق الإنسان قد تحولت من قضية إنسانية إلى تجارة رائجة، تعرض في كل مناسبة، وتستعرض في كل مؤتمر، وكأنها سلع تباع بأبخس الأثمان. في الوقت الذي ترفع فيه الشعارات عن العدالة والمساواة، تترك معاناة الناس تتناثر في أركان العالم المظلمة كأنها عرض غير مهم. فها نحن نشاهد القادة السياسيين وهم يلقون خطبا مطولة عن حقوق الإنسان، وكأنهم يتحدثون عن طعام لذيذ يوضع على طاولة فاخرة، بينما في الحقيقة، لا نرى من تلك الخطب سوى كلمات فارغة تزين منصات الإعلام وتملأ صفحات الصحف.

منذ متى أصبحت حقوق الإنسان مجرد موضة تتكرر في كل أزمة، وسرعان ما تنسى عندما تنطفئ الأضواء؟ عندما تعيش في غزة، أو في أي مكان آخر يعاني من الحروب أو الفقر المدقع، تجد أن هذه "الحقوق" تتحول إلى مجرد أرقام في تقارير الأمم المتحدة، وأوراق متراصة على مكاتب السياسيين، أما الأطفال الذين يموتون جوعا أو تحت قصف، فلا يبدو أن لهم مكانا في هذه المعادلة. إن الكلمات الرنانة التي نسمعها تخفي وراءها معاناة لا تحتمل، فيبدو أن الوعود تتناثر في الهواء، بينما المعركة الحقيقية تظل خفية.

ما الذي نفعله عندما تتلى الكلمات الرقيقة عن حقوق الإنسان، بينما يظل الواقع مصرا على تقديم مآسي جديدة في كل يوم؟ أصبحنا جميعا محترفين في سرد القصص، وكلنا نعرف ما يجب أن نقوله، ولكن هل نعرف ماذا نفعل؟ القادة يتسابقون على الشاشات ليتحدثوا عن حقوق المرأة والطفل، لكنهم ينسون أن الإنسانية لا تتحقق بالكلام وحده. فلو كانت الكلمات قادرة على إيقاف الحروب أو إنهاء المجاعات، لكانت الأرض اليوم مكانا أفضل.

إن أكبر خدعة اليوم هي تحويل حقوق الإنسان إلى شعار يرفع في الهواء دون أي ارتباط بالواقع. لقد أصبحنا نرى القادة والسياسيين يتبادلون التصريحات الرنانة حول العدالة والحرية، وفي الوقت ذاته يوقعون صفقات تجارية مع الأنظمة التي تنتهك هذه الحقوق بشكل يومي. وبذلك، تصبح حقوق الإنسان مجرد لعبة ترويجية، تستخدم عندما يحتاج القادة إلى تحسين صورتهم أو الفوز بأصوات الناخبين، ثم تلقى في الزاوية عندما تنقشع الغيوم وتختفي الأضواء.

لقد تحولنا من دعاة الفضيلة إلى محترفي السفسطة، نقول ما يجب أن يقال، لكننا ننسى أن القول دون الفعل هو مجرد لغو. فلتكن أفعالنا هي التي تتحدث، لأن الخطابات لا تجلب طعاما للأطفال الجياع، ولا تداوي جرحى الحروب، ولا تنقذ الأرواح. في النهاية، يظل السؤال الأكبر: هل نحن مستعدون للتحرك بعيدا عن الأضواء والمؤتمرات إلى حيث تظل حقوق الإنسان في خطر دائم؟ أم أننا سنظل ننتظر الكلمة التالية التي تزين غلاف صحيفة؟

إن تحول حقوق الإنسان إلى مجرد شعار إعلامي ليس مقتصرا على السياسة فقط، بل امتد ليشمل المؤسسات الدولية والمنظمات الإنسانية التي تزايدت ميزانياتها في السنوات الأخيرة، بينما تراجع تأثيرها الفعلي على الأرض. في وقت تتفاخر فيه هذه المنظمات بتوزيع ملايين الدولارات على مشاريع "الإغاثة"، نجد أن الوضع في العديد من المناطق المنكوبة يزداد سوءا. لم تعد هذه المؤسسات تقدم حلولا حقيقية، بل تكتفي بتمويل برامج قصيرة المدى غالبا ما تنتهي بتقارير خالية من النتائج الملموسة. ربما لم يكن الهدف في البداية أن تتحول هذه المؤسسات إلى واجهات تجارية تقتات على المعاناة الإنسانية، ولكن مع مرور الوقت، أصبح من السهل استغلال معاناة البشر كفرصة لجمع التبرعات وبيع الوعود. على سبيل المثال، في مناطق النزاع كاليمن أو سوريا، ترى قوافل المساعدات تتراكم دون أن تصل إلى مستحقيها، بينما يبقى كبار المسؤولين في هذه المنظمات يجوبون العواصم العالمية لتقديم تقارير عن "التقدم" الذي تحقق. في النهاية، تصبح معاناة البشر مجرد بند في جدول أعمال اجتماعات، وسطرا في تقارير لا تخرج عن نطاق التصريحات الجافة التي لا تغير شيئا في الواقع.

ومع مرور الوقت، أصبح من الواضح أن حقوق الإنسان لم تعد قضية محورية في الممارسات السياسية الدولية؛ فهي مجرد أداة للضغط أو وسيلة لتحقيق مصالح اقتصادية وجيوسياسية. الدول الكبرى تتبنى قضايا حقوق الإنسان كلما كانت تخدم مصالحها، وعندما لا يكون لذلك تأثير على حساباتها السياسية، يتم التغاضي عنها بكل بساطة. نرى كيف يتم استخدام قضية حقوق الإنسان كوسيلة لتقوية التحالفات السياسية، أو كأداة في الصراع بين الدول الكبرى، فكلما كان هناك نزاع أو أزمة سياسية، ترفع القوى العالمية شعارات حقوق الإنسان، ولكن لا تكاد هذه الشعارات تتحقق على أرض الواقع. ببساطة، الحقوق تظل رهينة التوازنات السياسية التي تخدم أطرافا معينة، بينما يترك ملايين البشر في معاناتهم. إذا كانت الدول التي تتشدق بحقوق الإنسان في العلن، تنتهكها في الخفاء عبر سياساتها الاقتصادية أو العسكرية، فكيف يمكننا أن نصدق جدية هذه الحركات؟ وهل يمكن لحقوق الإنسان أن تكون فعلا قضية عالمية إذا كانت مصالح الدول هي من تحدد مصيرها؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | بطل فيلم -هوبال- يحكي كواليس التصوير لأول مرة


.. نجوم الفن يقدمون واجب العزاء فى وفاة والد الفنانة ياسمين عبد




.. على وقع الأغاني والموسيقى.. ترمب يصل الكابيتول وان أرينا لمخ


.. المغنية كيري أندروود تتجاوز خللاً فنّياً وتغني بدون موسيقى خ




.. وصول الأسيرة الشاعرة إسراء بري لجنين عقب الإفراج عنها