الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
كيف نغير حالنا
ضياء المياح
كاتب وباحث، أكاديمي
(Dhiaa Al Mayah)
2024 / 11 / 28
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
أنهى غيبيل دراسته الجامعية منذ خمس سنوات وبحث من غير جدوى عن عمل يناسب اختصاصه أو لا يناسبه ولم يجد. مدينة غيبيل إسلامية تقع في دولة افريقية ويتعامل أهلها فيما بينهم بغير الإسلام. حال غيبيل مشابه لحال زملائه الذين تخرجوا معه وأصدقائه وأبناء مدينته. وصلت أوضاع هذا البلد الأفريقي حدا كره الناس بسببه أنفسهم وعالمهم. كان الضجر باديا في تصرفاتهم وحتى في ضحكاتهم والآلام تنخر موسيقاهم وأغانيهم. جرب أهل البلد وشبابها كل الطرق لتغيير أوضاعهم والتخلص من ظلم من يحكمهم من الأقلية التي تسرقهم وتذلهم وتقتلهم نهارا وجهارا.
كان غيبيل شاهد على ما يجري في البلد من خلال ما يحدث أمامه وما يسمع من الأصدقاء والجيران. رآهم يملئوا صفحات الجرائد بالانتقادات والاقتراحات ثم البكاء والعويل وانهوها بالنحيب. وشهد لجؤهم إلى القضاء الذي لم يسعفهم وطلباتهم إلى الدول الكبيرة (وأولها فرنسا) والصغيرة والجميع خذلهم لمصالح بعضها مع حكومة بلدهم أو هي صديقة لها. شارك غيبيل مع أهل البلد بتظاهرات معترضين فيها على ما آلت إليهم حالهم، ورأى بعض أصدقائه وهم يقُتلون ويشَردُون ويتُهمون بالخيانة والعمالة لدول أجنبية. بعض من هؤلاء المتظاهرين باعوا ضمائرهم وحصلوا على مغانم وكراسي لمساومتهم وتغيير مواقفهم من حكم الأقلية. كان غيبيل واحد من المتظاهرين الأوائل، لكنه أنسحب منها في أيامها الأخيرة لأنها تشوهت بحسب اعتقاده.
رغم حدود البلد المشرعة والمفتوحة لهروب من يشاء من الشباب وحيثما يشاء، لم تكن هناك دولة افريقية مجاورة تستقبلهم، إلا شفطت ما يحملون من أموال وأذلتهم أيما إذلال. وبالرغم من الأجواء المفتوحة، لكن أبناء هذه البلد غير مًرحب بهم في الدول البيضاء والشقراء البعيدة، فهم موسومون بالتخلف أو بالإرهاب. شعر غيبيل وأمثاله بأن أبواب البلد مغلقة ونوافذها موصدة ولا تسمح بمرور الهواء الذي ثلوث فأختنق هو ومن يسكن هذه البلدة الحزينة. كانت أرض الوطن يابسة لا تنبت زرعا بعد أن وزعت عشوائيا لتكون أبنية سكنية، ولتقضي على ما تبقى من زراعة البلد. جفت الأنهر وتناقصت المياه وقُتلت الأسماك والحيوانات وأصبح الضرع خاويا جافا. لم يتبين من المستقبل إلا سواده، ولم يبدو من الأفاق إلا سرابها. الأجيال تاهت والأخلاق انحرفت والقيم سقطت ولا منجى من الانحدار إلى هاوية سحيقة لا يعلم قرارها إلا الله.
تدارك غيبيل الأمر مع بعض الشباب وتناجوا فيما بينهم، تذكروا ماضي بلدهم وأهاليهم وحزنوا على حاضرهم واشرأبت أمانيهم إلى مستقبل زاهر. وصلوا إلى قناعة قرآنية مطلقة تفيد بأن الله لا ولن يُغير ما بقوم حتى يٌغير هؤلاء القوم ما بأنفسهم. أدركوا إن لا منقذ لهم من أنفسهم إلا أنفسهم، ولا مغير لحالهم إلا هم. ومن خلال تجارب هذه البلد، انتبهوا إلى أن العون الخارجي لن يأتي، وإن أتى متأخرا، فسيكون مقابل ثمن كبير قد يغيرهم ليكونوا شبها لمن سبقهم. وأيقنوا إن انتظار المجهول لتغيير الحاضر إلى مجهول، أمر بعيد المنال محفوف المخاطر غير مؤكد النتائج. وعليهم أن يفكروا ويخططوا ويتحركوا ويتقدموا خطوة بدل الجمود في أماكنهم.
كان هؤلاء الفتية؛ غيبيل ومعه ثلة من الشباب وقليل من الشياب، يحمل معظمهم الشهادات في مختلف الاختصاصات. وحينما صرحوا للقريبين منهم عن ضرورة تغيير حال البلد دون أن يعلنوا آلية التغيير، نَفَرَ البعض من جرأتهم وأنكرَ البعض فكرتهم وأستهجن البعض تصرفهم. أيقن غيبيل وصحبه أنه لن يؤمن من أبناء مدينتهم بأفكارهم إلا من آمن منهم فعلا، وعليهم أن لا يبتئسوا ويسيروا في نهجهم وينفذوا خططا جديدة ومختلفة عما آلفوه سابقا؛ وبدأوا ...
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الرفيق جمال بن شقرون: رؤى جديدة وإجابات جريئة حول أداء الحكو
.. هل يلقي حزب العمال الكردستاني سلاحه؟ | المسائية
.. جمال براجع يحيي صمود الشعب الفلسطيني وإلتفافه حول المقاومة ا
.. قراءة في المشهد العربي ، في ضوء وعي الفوات الحضاري - يديرها
.. مسيرة احتجاجية إلى دافوس: المتظاهرون يعترضون على سياسات المن