الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التطرف الديني: عندما تصبح الأساطير تهديداً للحريات

مصطفى جمال علي

2024 / 11 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من يقرأ النصوص الإسلامية بتجرد قد يلاحظ وجود نزعة تنظيمية صارمة أشبه بالتراتبية العسكرية، إذ تقوم على مبدأ الولاء والطاعة لولي الأمر، مع تركيز على مواجهة الآخر. تُظهر هذه النصوص، وفقًا لنقاد كثر مثل سلمان رشدي وكريستوفر هيتشنز، نظامًا يتجاوز كونه دينًا روحانيًا ليصبح مشروعًا سياسيًا وعسكريًا مهيمنًا.

القرآن مليء بآيات تحث على القتال وتربط الإيمان بالمواجهة المسلحة. على سبيل المثال: “فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم” (التوبة: 5) و**“قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة”** (التوبة: 123). مثل هذه الآيات، وإن فسّرها البعض بأنها سياقية ومحدودة بزمن النبي محمد، إلا أنها تُستخدم من قبل مجموعات متشددة لتبرير العنف والعداء ضد غير المسلمين حتى في الأزمنة الحديثة. سلمان رشدي، في روايته المثيرة للجدل آيات شيطانية، وصف هذا الخطاب بأنه يشبه “نظام الهيمنة”، حيث يتم تطويع النصوص لخدمة توسع ديني وسياسي لا يعترف بالآخر إلا إذا خضع أو قُهر.

الطاعة المطلقة لولي الأمر تُعد ركنًا أساسيًا في الفكر الإسلامي. الأحاديث التي تُلزم المسلمين بمبايعة أمير، حتى في ظروف السفر، تعكس رؤية صارمة لإدارة المجتمع. الحديث: “من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية” يضع الولاء للنظام فوق الحرية الفردية. كريستوفر هيتشنز وصف هذا المنهج بأنه “أشبه بدستور عصابة”، حيث يتطلب انصياعًا كاملًا دون مجال للنقد أو المعارضة.

حتى على المستوى الشخصي، تُعزز النصوص الإسلامية مفاهيم الولاء والبراء، حيث يتم التبرؤ من الأقارب إن خالفوا العقيدة. قصة إبراهيم واستعداده لذبح ابنه إسماعيل بأمر إلهي تُبرز هذا المبدأ بوضوح. وبالمثل، نوح الذي رفض الشفاعة لابنه الكافر. هذه الروايات تُفسَّر من قبل المؤمنين على أنها تعبير عن الطاعة المطلقة لله، لكنها تُثير تساؤلات أخلاقية حول قيمة العلاقات الإنسانية في ظل هذه الطاعة.

على الجانب العملي، نجد أن الإسلام لا يتردد في تقديم “الآخر” كعدو. في معركة بدر، يُروى أن مصعب بن عمير نصح الأنصاري الذي أسر أخاه أبي عزيز قائلاً: “شدّ وثاقه فإن أمه ذات متاع”، في إشارة إلى إمكانية الحصول على فدية سخية. عندما اعترض أبو عزيز على هذا الموقف، كان رد مصعب باردًا: “إن هذا الأنصاري هو أخي دونك.” هذا المشهد، الذي يُقدّم في كتب التراث كدليل على التضحية في سبيل الدين، يراه النقاد تجسيدًا لنزعة ترى العلاقات الإنسانية خاضعة للمصالح الدينية والمادية.

هذه النزعة العملية تمتد حتى إلى تعامل الإسلام مع الفنون والترفيه. منذ بداياته، أظهر الإسلام عداءً واضحًا للموسيقى، الرسم، والنحت، باعتبارها تشتيتًا عن العبادة أو وسيلة للتشبه بالكفار. سلمان رشدي وصف هذا التوجه بأنه محاولة لتجريد الإنسان من الجمال والإبداع، وتحويله إلى آلة طاعة وخضوع. أما الرياضات المفضلة في الإسلام، مثل السباحة، الرماية، وركوب الخيل، فهي تُخدم فكرة الإعداد العسكري، وكأن الإسلام يضع الحرب نصب عينيه في كل تفاصيله.

حتى وسائل التسلية الأخرى، مثل الشطرنج، لم تسلم من الحظر. بعض التيارات الإسلامية الحديثة ذهبت إلى تحريم الرسوم المتحركة وبرامج الأطفال، بحجة أنها تتضمن تصاوير تُنافي العقيدة. هذا العداء للفنون يُعيد للأذهان وصف رشدي للإسلام بأنه “دين الظلامية”، حيث يُفضل النظام والانضباط على الانفتاح والجمال.

النصوص الإسلامية لا تكتفي بالتعامل مع القتال كظرف طارئ بل تُقدمه كحالة دائمة. صحيح مسلم يخصص بابًا بعنوان “الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله”، معتمدًا على الحديث: “أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله…”. هذا النص يُفسر لدى النقاد على أنه يلغي مفهوم التعايش، ويُبقي خيارين أمام الآخر: الإسلام أو المواجهة.

الإسلام يُقدم نفسه كدين يجمع بين الروحانية والسياسة، لكن هذا الجمع، وفقًا لنقاد الأديان، يُنتج نظامًا يسعى للسيطرة المطلقة على حياة الأفراد والمجتمعات. كريستوفر هيتشنز يرى أن هذا النظام يتطلب مواجهة فكرية قوية، تُحرر العقل من أسر النصوص الجامدة، وتُعيد بناء القيم الإنسانية على أساس من الحرية والتعددية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - بقاء الحال من المحال.
سمبر آل طوق البحراني ( 2024 / 11 / 29 - 06:51 )
اخي الكريم بعد التحية. بقاء الحال من المحال والتغيير هي صفة الزمن وما جاءت به الاديان لا ينطبق على كل الازمنة والطريق الامثل والحقيقة التي لا جدال فيها هي:
ان انت انصفتني حقي فانت اخي *** آمنت بالله ام آمنت بالحجر.
ان خالق الكائنات لا يحتاج للدفاع عنه وما جاءت به الاديان عند ظهورها هو لتوحيد المجتمع تحت قبادة واحدة ولا سبيل الى ذالك الا الصاقها بالسماء. الله لا ينفعه من آمن ولا يضره من اشرك وهناك آية صريحة حول هذا الموضوع وهي: لو شاء الله لآمن من في الارض جميعا افانت تكره الناس حتى يكونا مومنين. الالتزام بالقوانين المجتمعية هي دين الجميع والاديان الوراثية هو شان شخصي والله اولى بمخلوقاته.


2 - ظهور الحقيقه
على سالم ( 2024 / 11 / 29 - 14:12 )
من الواضح ان عقيده الاسلام البدوى الصحراوى اصبحت تحت الاضواء الساطعه الكاشفه وايضا محاولات جاده للبحث والدراسه والشك والظن , منذ ازمان سحيقه والمسلمين المساكين لايفكروا او يبدعوا او يبحثوا او يعملوا عقولهم لكشف الحقيقى من الزائف والكاذب من الصادق , نحن على اعتاب وقت متغاير وفجر جديد, وقت الحقيقه والصراحه والوضوح , وراثه الاديان عن الاباء بدون دليل اصبح من مستهلكات الماضى القبيح


3 - من ادعى بما ليس فيه كذبته شواهد الامتحان.
ابو علي آل ثآئر ( 2024 / 11 / 30 - 04:51 )
اخي الكريم. بعد التحية. مختصر ومفيد:
مشى الطاووس يوما باختيال ** فقلد شكل مشيته بنوه
فقال على ما تختالون قالوا ** بدات به ونحن مقلدوه
فخالف سيرك المعوج واعدل ** فانا ان عدلت معدلوه
اما تدري ابانا كل فرع ** يجاري بالخطى من ادبوه
وينشا نآشئ الفتيان منا ** على ما كان عوده ابوه
فالاديان جميعها (وينشا ناشئ الفتيان منا ** على ما كان عوده ابوه) ولا شيئ غير ذالك. ما هو الدليل على صحة دين وخطا الآخر؟؟؟. هل راينا معجزات لتثبيت ما اتت به الاديان بدون لبس واشكال؟؟. كلا ثم كلا ثم كلا. فاذا نحن العرب المسلمون نستند على بلاغة القرآن لاننا عرب فما هو وجه التحدي للاعاجم؟؟؟. ماذا يعني الزام الاعاجم بتعلم اللغة العربية واداء العبادات بها؟؟. هل الله لا تعجبه الا اللغة العربية وآلاف اللغات الاعجمية لا قيمة لها وهو خالق البشرية ولغاتها؟؟؟. الحقيقة لعشاق الحقيقة ـ ولا تدعي امتلاكها ـ هي: اعبد من شئت وقدس من شئت ولو كان حجرا ولا تضرب احدا به. اما قتل الابرياء لانهم ليسوا على دينك لادخالهم الجنة فهو وهم وما تريده منهم هو الطاعة والاستسلام للعبودية وليس غير ذالك.


4 - الحمد لله على نعمة الإسلام !
Magdi ( 2024 / 11 / 30 - 09:01 )
الحمد لله على نعمة الإسلام !
جزيل الشكر للأستاذ مصطفى جمال على الذى ذكرنى بما يلى :
1 - هذا الفيديو القصيربعنوان : وضع المرأة في الإسلام - الأخت / نورا محمد
https://www.youtube.com/watch?v=ufVhyKeCMxY
2 - كتاب هادى العلوى ( 1932 - 1998) :الأغتيال السياسى فى الأسلام ، 1987 ، لاحظ فى ص 68 : يتجاوز عدد المرات التى ذكر فيها القتل بمشقاته عدد المرات التى ورد فيها ذكر الصلاة بمشقاتها (حوالى 174 مقابل 99 ) .ولغة الصراع فى القرآن تحريضية شديدة ..
3 - كتاب الصديق خليل عبد الكريم ( 1930- 2002 ) : مجتمع يثرب 1997 قال فى ص89 - كم كنا مخدوعين !! ( علامات التعجب منه ) .
--
بالمناسبة ، أنظر :
حديث القاهرة| تعليق ابراهيم عيسى على قرار رفع أسماء 716 شخصا من قوائم الارهاب
https://www.youtube.com/watch?v=lSE7l02FBjs
---
تحياتى .مجدى سامى زكى
Magdi Sami Zaki

اخر الافلام

.. استطلاع: 36% من الشبان اليهود بالخارج يعتقدون أن إسرائيل ترت


.. 98-Al-araf




.. 99-Al-araf


.. أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع




.. بن غفير يحاول منع الأذان في القدس والداخل المحتل