الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكالية الديمقراطية في المجتمعات الإسلامية -2

علي وتوت

2007 / 1 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في الديمقراطية:
أما مفهوم الديمقراطية Democracy فالأصل اللغوي لـه في اللاتينية متأتٍ من مقطعين، هما: (Demo) [وفي الأصل Demas] بمعنى الشعب. و(Cracy) [وهي في الأصل Kritia) بمعنى حكم أو حكومة. وبهذا فإن المعنى الحرفي لمفهوم الديمقراطية هو (حكم الشعب). وقد نشأ المفهوم حاله في ذلك حال معظم مفاهيم العلوم الإنسانية في بلاد الإغريق، التي كانت تنتظم في تجمعات سياسية واضحة المعالم تدعى (دولة المدينة)، فـ(أثينا) كانت دولة و(كريت) كانت دولة وهكذا. تلك الدول المدن كانت تعيش نوعاً مميزاً من الديمقراطية وفقاً لما هو سائد في تلك العصور. إذ كانت تسمح لمواطنيها بانتخاب من يمثلهم في البرلمان.
ولكن كيف يتم حكم الشعب، أي بأية آليات ووسائل ؟ لاشك أن هناك آليات عدة لتحقيق حكم الشعب، منها ما يتم في الجماعة الصغيرة الحجم (في عدة دول حديثة يحدد عدد تلك الجماعة بأقل من خمسة آلاف)، فيصار إلى آلية الاقتراع الحر المباشر. وهناك آلية التمثيل (انتخاب ممثلين في برلمان لإدارة السلطة السياسية وإصدار القوانين) والتي تطبق في الجماعات الكبيرة (التي يزيد عددها عن خمسة آلاف). ونحن نقصد بمفهوم الديمقراطية الاصطلاح الغربي للمفهوم تحديداً.
لقد نشأت الديمقراطية الحديثة وتطورت أسسها الفكرية والنظرية وآلياتها العملية في مجتمعات ذات ثقافةٍ مغايرة (هي المجتمعات المسيحية الغربية التي نحت نحو العلمانية)، وعلى خلفية مرور تلك المجتمعات بظروف تاريخية واقتصادية وسياسية عاشتها وتفاعلت معها وبها، مثل محاكم التفتيش المسيحية وعصر الأنوار ومن ثم النهضة والثورة الصناعية (كما في بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة)، فأصبح المعطى الحضاري والثقافي الحديث لتلك المجتمعات واقعاً يفرض نفسه على المجتمعات الأخرى، لتقليده والاستعانة بنموذجه.
إذ تحاول المنظومة الحديثة للديمقراطية التعامل مع الحاضر برؤىً نسبية، متغيرة، بعيدةً عن الثبات. فمنظومة القيم في المجتمع الغربي الديمقراطي باتت وفق صيرورتها - مع تطور الفكر الديمقراطي- منظومة (تُصنع صنعاً باستمرار) ولا تقوم على ثوابت، فما كان صالحاً بالأمس، قد لا يكون كذلك اليوم، والعكس صحيح، وقد يتبدل وضعه غداً. وهذا هو ما يفسر مثلاً النقلة النوعية الكبيرة في مفاهيم يتخيلها البعض مفاهيم ثابتة، كمفهوم الأسرة والزواج ومكانة ودور المرأة والقيم الأخلاقية والتربوية والشفافية والعدالة والمساواة أو التكافؤ أمام القانون و... ما إلى ذلك.
فالمؤسسة الأسرية، على سبيل المثال لا الحصر، والتي تبدو ظاهرةً تمتد في الزمان والمكان، لم تعد تحتفظ بصورتها الشائعة عنها في المجتمعات الغربية الحديثة. فإذا ما كان المعروف لدى المختصين في علم الاجتماع أن صوراً عدة من الأسر يمكن إحصاءها لهذه المؤسسة (زوج وزوجة مع أطفال، أو بمفردهما أو كما تدعى بالأسرة النواة (Nucleus Family)، أو داخل عائلة الأب لتشكل ما يدعى بالأسرة الممتدة (Extended Family)، مع أطفال). هذه الصور للمؤسسة الأسرية في الغرب تغيرت اليوم بشكل واسع، وازدادت تعقيداً، فضلاً عن تنوع العلاقات الاجتماعية ومنها (العلاقات الجنسية) التي تضمها، وذلك بالمقارنة بأوضاعها قيل جيل أو جيلين على سبيل المثال(1 ).
أما على المستوى السياسي تحديداً، تشيع في المجتمعات الديمقراطية مفاهيم دولة القانون، وفصل السلطات، ومجتمع المؤسسات. المؤسسات التي تؤدي كل واحدةٍ منها وظائفها وتشغل دورها، ولا تتدخل كل واحدةٍ منها في دور غيرها من المؤسسات، وكقاعدة ثابتة فإن المجتمع يتكون من خمسة مؤسسات اجتماعية هي: المؤسسة الأسرية، والمؤسسة التربوية، والمؤسسة الاقتصادية، والمؤسسة الدينية والمؤسسة السياسية. (قد يضيف بعض الباحثين المؤسسة العسكرية وبخاصة في المجتمعات التي لا تستطيع ثقافتها من إنضاج أدوار الأفراد بشكل يوافق مفاهيم المجتمع المتحضر).
وفقاً لهذا الاتجاه، يُعدّ ُالتمأسس عملية تمثيلٍ للممارسات الاجتماعية التي تُصبِح منظمة بشكلٍ محبك، وتسـتمر في وضعها على أساس أنها مؤسسات. إن الفكرة هي هذا الإلزام المفيد للمجتمع الذي تقوم بـه المؤسـسات عن طريق ترسيخها للأدوار التي تشـتمل عليها في أذهان الأفراد. فالمدرسـة كواحدة من المؤسسات الاجتماعية، على سبيل المثال لا الحصر، تشـتمل على أدوارٍ عدة يقوم بها الأفراد المنضوين تحت لوائها (كأدوار المعلم والمدير والتلميذ، والدور الأخير يضم عادةً أدواراً مختلفة مثل المبتدئين والمتقدمين) والتي تعتمد أيضاً على اسـتقلال المدرسـة عن الوكالات الخارجية، كذلك تضم أدوار الآباء والمفتشـين والتي تكون مقترنة مع سلطة التعليم. وفي المجتمعات الحديثة والمتحضرة، فإنه لا يحصل أن تتداخل وظائف المؤسسات فيما بينها، ولا تتدخل المؤسسة في وظائف واختصاصات مؤسسة أخرى.

الهوامش
(1) نبيل شبيب: الديمقراطية.. منظومة قيم أم نظام حكم؟، موقع قناة الجزيرة، http://www.aljazeera.net/NR/exeres/A6FAAFAC-4F89-4C5E-9E07-0AADA80BD593.htm








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah