الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اهتمامات الشعوب بين العالم العربي والغرب: قراءة في أولويات ثقافية متباينة.. مصر نموذجا

بهجت العبيدي البيبة

2024 / 12 / 7
قضايا ثقافية


في عالم يزداد ترابطه بفعل وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، تظهر الفروقات الواضحة بين اهتمامات الشعوب العربية والغربية. ففي الوقت الذي يُظهر فيه المواطن الغربي انشغالًا بالقضايا الحيوية كالتكنولوجيا، والعلم، والاقتصاد، نجد أن المواطن العربي، وخصوصًا في مصر، يميل إلى متابعة موضوعات ترفيهية، ودينية سطحية، ورياضية مثيرة للجدل، تفتقر في كثير من الأحيان إلى العمق أو الجدية.

ففي مصر، تتميز البرامج الدينية بتركيزها على قضايا هامشية وفتاوى غريبة تُثير التعجب أحيانًا أكثر مما تُقدم حلولًا. فبدلًا من أن تكون هذه البرامج منصات للتوعية الدينية المعتدلة ونشر القيم الأخلاقية، أصبحت ساحات لمناقشة أسئلة مثيرة مثل "هل يجوز استخدام الميكروفون في الصلاة؟" أو "حكم زراعة عضو من حيوان لإنسان"، وهي قضايا لا تعكس احتياجات الناس الحقيقية أو تطلعاتهم الروحية.

يظهر اهتمام واضح أيضًا بإثارة الخلافات عبر مناقشة موضوعات جدلية تزيد من الانقسام داخل المجتمع، مما يُعزز ثقافة الجدل بدلًا من نشر الفهم العميق والتسامح.

أما الإعلام الرياضي المصري، فيُعد أحد أبرز الأمثلة على تقديم المحتوى المثير للجدل عوضًا عن التحليل الموضوعي. فرضا عبد العال، اللاعب السابق والمحلل الرياضي الحالي، مثلًا، يُجسد هذا النهج بوضوح. فتصريحاته المثيرة وتناقضاته الواضحة تُظهر أنه يسعى لجذب الانتباه وركوب الترند بدلًا من تقديم رؤى رياضية مفيدة.

كمثال، مواقفه تجاه اللاعب المصري المحترف في الدوري الألماني، عمر مرموش، كانت مثيرة للاستغراب. فبدلًا من تقديم تحليل موضوعي عن أداء اللاعب وأهميته كأحد ممثلي الكرة المصرية في الخارج، جاءت تصريحاته متخبطة وسطحية، تُركز على التقليل من إنجازاته بطريقة تُثير الجدل أكثر من كونها تُضيف شيئًا للمشهد الرياضي.

لا يمكن الحديث عن اهتمامات الشعب المصري دون الإشارة إلى سيطرة القضايا الترفيهية على المشهد العام. فأخبار الفنانة شيرين عبد الوهاب تُعد نموذجًا صارخًا لهذا التوجه. فحياتها الشخصية، وأزماتها مع المقربين، وحتى قراراتها العاطفية، تتحول إلى "قضايا وطنية" تُناقش على الشاشات ومواقع التواصل كأنها مسائل مصيرية.

إلى جانب ذلك، انتشرت أغاني المهرجانات التي باتت جزءًا أساسيًا من الثقافة الشعبية، رغم أنها تُقدم محتوى سطحيًا يفتقر إلى العمق الفني. ورغم الانتقادات المستمرة، تظل هذه الظاهرة مستمرة، معززةً ثقافة الترفيه السطحي على حساب الإبداع الحقيقي.

وفي المقابل، يُظهر المواطن الغربي اهتمامًا أكبر بالقضايا التي تُسهم في تقدم الإنسانية. فالقضايا العلمية والتكنولوجية، مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة، تحظى بمتابعة واسعة، حيث تُناقش في سياق تأثيرها على مستقبل البشرية.

كما أن القضايا الاقتصادية تحتل مكانة بارزة في الاهتمامات اليومية، حيث يتابع المواطن الغربي الأخبار المتعلقة بالأسواق العالمية والسياسات الاقتصادية التي تؤثر مباشرة على حياته. هذا التركيز يُظهر وعيًا عميقًا بأهمية التخطيط للمستقبل والتعامل مع القضايا الحيوية بحكمة.

تُظهر مواقع التواصل الاجتماعي الفجوة العميقة بين اهتمامات الشعوب. ففي مصر، تتصدر الترندات موضوعات مثل "جدل حول شيرين"، أو "تصريحات رضا عبد العال"، أو "أغنية مهرجانات جديدة".

أما في الغرب، تتركز النقاشات على قضايا مثل التغير المناخي، تطورات الذكاء الاصطناعي، وتأثير الأزمات الاقتصادية على حياة الأفراد. هذه الاختلافات تعكس اختلافًا جوهريًا في أولويات الشعوب وتوجهاتها الثقافية.

هذا التباين في الاهتمامات ليس وليد اللحظة، بل نتاج عوامل ثقافية وتعليمية وإعلامية متراكمة. ففي مصر، يعاني التعليم من التركيز على الحفظ والتلقين بدلًا من تنمية التفكير النقدي، مما يُضعف الاهتمام بالقضايا العلمية والمعرفية.

إن الإعلام أيضًا يلعب دورًا محوريًا في تشكيل اهتمامات الجمهور، حيث يُفضل تقديم محتوى ترفيهي مثير للجدل على حساب الموضوعات التي تُسهم في تطوير المجتمع.

أما في الغرب، فإن التعليم يُعزز التفكير التحليلي والفضول العلمي منذ الصغر، ويُسهم الإعلام في تقديم محتوى متوازن يجمع بين الترفيه والتثقيف، مما يُرسخ الوعي بالقضايا الكبرى.

مع إدراك هذه الفجوة، يُطرح سؤال مهم: كيف يمكن للعالم العربي، وخاصة مصر، إعادة توجيه اهتماماته نحو القضايا الجادة التي تُسهم في بناء مستقبل أفضل؟

الإجابة تكمن في إصلاح جذري لمنظومتي التعليم والإعلام. إن التعليم يجب أن يُركز على تنمية التفكير النقدي والاهتمام بالعلوم، في ذات الوقت الذي يجب أن يسعى الإعلام إلى تقديم محتوى يُحفز النقاش المثمر ويُعزز الوعي العام.

إن مصر، بما تمتلكه من إرث حضاري عظيم، قادرة على أن تقود هذا التغيير. إذا استثمرت في تعزيز قيم العلم والمعرفة، فإنها بلا شك ستتمكن من تحقيق نقلة نوعية تضعها على طريق التقدم الحقيقي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دخول حظر تيك توك في الولايات المتحدة حيّز التنفيذ


.. قبل بدء وقف إطلاق النار.. دبابة إسرائيلية تستهدف فلسطينيين ف




.. القناة 12 الإسرائيلية: الصليب الأحمر في طريقه لجلب المحتجزات


.. من ستوديو الجزيرة.. الزميل وائل الدحدوح يستضيف مراسلي غزة




.. تحرّكات في محيط سجن عوفر قبيل الإفراج عن أسرى فلسطينيين