الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
بين الفطرة والتطرّف
أكرم شلغين
2024 / 12 / 11قضايا ثقافية
![](https://ahewar.net/Upload/user/images/1a814781-3850-4cd2-bdc8-349fc0a157d8.jpg)
حاجة الإنسان إلى العقائد تنبع من أعماق وجوده، فهي فطرية تتأصل في ذاته منذ لحظة وعيه الأولى. العقيدة، بوصفها تجربة روحية، تتجاوز كونها مجرد طقوس، لتصبح صلةً تربط الإنسان بالغيب وبالمعنى الذي يبحث عنه في عالم يكتنفه اللغز. لا شك أن التربية تلعب دورًا جوهريًا في تعزيز هذه الحاجة أو كبحها، لكنها ليست العامل الوحيد. فحيرة الإنسان أمام أسئلة الحياة والموت والكون تدفعه إلى البحث عن إجابات تُهدّئ من قلقه الوجودي، وتمنحه شعورًا بالأمان والطمأنينة.
لكن متى يتحول المعتقد من علاقة روحانية خالصة إلى حالة من التشنج أو التطرف ؟ المعتقد، والديني منه على وجه التخصيص، في أرقى حالاته هو رحلة داخلية تأخذ الإنسان نحو عمق ذاته، ليجد فيها سلامًا مع نفسه ومع الآخرين. إنه تلك اللحظة التي يشعر فيها المؤمن بشعور خاص يصفه البعض بأنه قرب من الخالق، بعيدا عن صخب العالم وضغوطه. في هذه الحالة، يصبح التدين قوة دافعة للرحمة، التسامح، والمحبة، حيث يرى الإنسان في الآخرين انعكاسا لذاته، ويجد في الكون تجليات للمعنى الأسمى.
ولكن هذا التدين قد يتحول إلى تشنج عندما يفقد طبيعته الروحانية، ويصبح وسيلة للهروب أو أداة للتعبير عن مشاعر مكبوتة أو ضغوط متراكمة. الإنسان المأزوم سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا يجد في الدين ملاذًا يعبر من خلاله عن قلقه أو غضبه. في لحظات القهر، يبدو الدين كالسفينة التي يلجأ إليها الغارق، ليس فقط بحثًا عن النجاة، بل أيضًا كوسيلة للرفض أو التمرد على الواقع المرير.
لكن هنا يكمن الخطر: حين يُستغل التدين للتنفيس عن الأزمات الشخصية أو الجماعية، يتحول أحيانا إلى حالة من التشدد. يصبح التدين أداة لفرض السيطرة أو إثبات الذات أمام الآخرين، بدلًا من أن يكون علاقة شخصية وروحانية مع الله. هذا النوع من التدين يعكس حالة من الاضطراب الداخلي، حيث تتحول المعتقدات إلى سلاح ضد كل من يخالفها.
التشنج في التدين ليس حالة تلقائية، بل يرتبط بالظروف التي يعيشها الإنسان. إذا كان الفرد يعيش في بيئة مستقرة، حيث تتوفر له احتياجاته الأساسية من طعام، وأمن، وكرامة، فإنه يميل إلى ممارسة دينه بهدوء وسلام. أما إذا كان محاطًا بالضغوط أو يشعر بالتهميش، فإنه قد يلجأ إلى الدين كوسيلة للبحث عن القوة أو العدالة المفقودة.
ومع ذلك، هناك حالات يكون فيها التشنج نتيجة لعوامل نفسية داخلية، مثل الشعور بالنقص أو الحاجة إلى إثبات الذات. في مثل هذه الحالات، قد يتحول التدين إلى حالة مرضية تُستخدم لاستعراض القوة الروحية أو لفرض رؤية ضيقة على الآخرين.
يمكننا أن نميز بين التدين الصحي والتدين المرضي من خلال الأثر الذي يتركه على الفرد والمجتمع. التدين الصحي هو الذي يخلق إنسانًا متوازنًا، رحيمًا، وقادرًا على العيش بسلام مع نفسه ومع الآخرين. أما التدين المرضي، فهو الذي يؤدي إلى الانغلاق، التعصب، والرغبة في إقصاء الآخر.
الدين، في جوهره، هو رحلة للبحث عن المعنى، وللعيش في حالة من الانسجام مع الكون ومع الخالق. لكنه قد يتحول إلى عبء أو إلى أداة للقهر إذا فقد أبعاده الروحانية وأصبح رهينة للظروف أو الأزمات. من المهم أن نعيد التفكير في كيفية تقديم الدين وتعليمه، بحيث يكون وسيلة لتحرير الإنسان من قيوده، وليس أداة لتقييده. عندما نفهم أن التدين الحقيقي يبدأ من الداخل، من القلب والعقل، يمكننا أن نحميه من التشدد الذي يحوله من نعمة إلى نقمة.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. أطيب سندويشة مكسيكانو من الشيف عمر
![](https://i4.ytimg.com/vi/3AFvievmqLQ/default.jpg)
.. عاجل | صور لبدء عملية نقل الرهينات الإسرائيليات الثلاث إلى ا
![](https://i4.ytimg.com/vi/43INZdLq1wY/default.jpg)
.. عاجل | مروحية إسرائيلية تصل إلى محور نتساريم في غزة تمهيدا ل
![](https://i4.ytimg.com/vi/OP0ABgY5NYA/default.jpg)
.. كلمة زوجة نجل الشهيد إسماعيل هنية تبارك وقف إطلاق النار
![](https://i4.ytimg.com/vi/hN7EQemQHaE/default.jpg)
.. مراسل الجزيرة يرصد الدمار في مستشفى أبو يوسف النجار
![](https://i4.ytimg.com/vi/NnjWH33ywL4/default.jpg)