الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاسلام بين ثقافتين:العنف والتسامح

مهدي النجار

2007 / 1 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يقول أبو حنيفة مُلخِّصاً ما بلغه الأمر في عصره وما سيتفاقم من بعده:
" من أراد أن يزلّ صاحبه فقد أراد أنّ يكفّر صاحبه، ومن أراد أن يكفّر صاحبه فقد كَفر قبل أن يكفرُ صاحبه"
ابن البزاز الكردي/ مناقب الإمام الأعظم أبي حنيفة



سنقع بأوهام بالغة الشــــــطط حين
نطالب الشباب المنتمين إلى الاجتماع العربي الإسلامي أن يكفوا عن الانخراط في ظاهرة العنف(وهم يشكلون أغلبية الفاعلين في هذه الظاهرة)أو نقترح عليهم نبذ الكراهية والجنوح إلى حياة الأمن والاستقرار والحوار والتحدث عن الحريات والديمقراطيات،مثل هذه المقترحات والمطالبات تبدو مُزحة بين أناس يعيشون في بيئات خانقة،مشوهَة بالعوز والبطالة والفقر والتشتت،يتفرجون على ازدهار الحداثة وتقنياتها ومتعها ولذائذها بحرمان وحسرات،كأنهم من عالم غير هذا العالم ،لذا بدا مشهد الحداثة يُصدم مشاعرهم ويحبط معنوياتهم فانقلبوا عليه بتطرف،وتولدت في نفوسهم نزعات الحقد والضغينة والكراهية،ليس هذا فحسب،فميول العنف مخزونة أو متراكمة في أحشاء هذه المجتمعات(العربية الإسلامية) طيلة تاريخها المليء باللوعات والماسي،بالتفجرات والتمردات والثورات،متجسدة هذه المظاهر بعنف السلطة والعنف الضاد (على سبيل المثال:الخوارج660 ،البابكية780 ،الزنج850 ،القرامطة1050 ) لم يكن العنف ينتظر إلا الفرصة السانحة لكي يعبر عن نفسه بهذا الشكل أو ذاك،بهذه الطريقة أو تلك، ولم يقع كل اللوم على الحركات الأصولية المتشددة التي تفاقم نشاطها في عصرنا الراهن، إنما تكمن الأسباب في الواقع الفعلي الموصوف برثاثته وهشاشته الاقتصادية والتنموية والاجتماعية والمعرفية وانفجاراته السكانية الكارثية المروعة ،فوق ذلك ما آلت إليه المفسدة الاستبدادية(النظم السلالية الشمولية) عبر تاريخها الغابر والمعاصر من حماقات التشبث العائلي بالسلطة وتضييع ثروات هذه الاجتماعيات والتعثر في تنظيمها وحمايتها وانتهاك حقوق الناس المدنية، خاصة حقوقهم في الرأي والثقافة.
إن الأصولية المتشددة،المتصلبة في عقيدتها والتي تزعم هي وحدها من يمتلك الحقيقة أما بقية الآراء والعقائد فهي على ضلال وباطل وكفر،هذه الأصولية التي ينسب إليها العنف،وبالذات الأصولية الإسلامية،انتعشت بشكل هائل في هذه البيئات العربية الإسلامية التي وصفناها آنفا،وقد استخدمت بمهارة المعجم الديني القديم والطقوس والمبادئ المتعلقة به من اجل خلع المشروعية على نشاطاتها السياسية فراحت تستقطب في فضاءلتها الشباب المنهك،العاطل،المستلب،عبر خطاباتها التي تتوسل الغرائز والعواطف الخالية من المعرفيات الأبجدية والتقنية،باعثة في نفوس الناس القوى الغامضة والمظلمة للعالم العتيق،أي التقاليد والممارسات الخانقة للروح،خاصة فيما يتعلق بشان الرأي والنساء،هذه المعضلة الكبرى في ثقافة التأصيليين المتشددين،إضافة إلى تأجيجها للمشاعر الرخوة وتجييشها للعصبيات والطائفيات كي تجسد معتقداتها سلوكا دمويا ودعوة طوباوية مستحيلة،حتى وصل الأمر بهذه الأصوليات أن تشطب من قواميس الديانات كل ما يتعلق بثقافة التسامح القائمة على لطائف الحجج ومنطق الاستدلال والبراهين العقلية ،إلا إن مثل هذه الثقافة الإنسانية تظل عصية على الشطب.
إن التسامح بمفهومه الحديث يعني ما يلي: (الاعتراف للفرد ـ المواطن بحقه في أن يعبر داخل الفضاء المدني عن كل الأفكار الدينية أو السياسية أو الفلسفية التي يريدها). إن كل الثقافات الدينية تعترف بذاك المعنى ضمنيا وعلنا ،صراحة وتأويلا،خاصة الديانتين المسيحية والإسلامية،وتعبران عن التسامح بصور نبذ البغضاء والأحقاد والقتل بين البشر،وزرع المحبة والتآخي والوئام بينهم ،فمن نداءات المسيحية نورد : "من قال انه في النور وهو يبغض أخاه فهو إلى الآن في الظلمة ،من يحب أخاه يثبت في النور " رسالة يوحنا الرسول /الإصحاح الثاني.
نداء آخر على فضيلة المحبة، أساس التسامح، نورد الوصية التالية: " هذه وصيتي أن تحبوا بعضكم بعضا كما أحببتكم، ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه " إنجيل يوحنا /الإصحاح الخامس عشر.
وينبذ الإسلام بشدة دعوات العنف والاحتراب : "يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو مبين " البقرة/اية208
نلاحظ إن القران الكريم ينص بكل وضوح على قانون مبدأي وكوني في تحريم قتل الإنسان فمن يقتل شخصا واحدا فكأنما قتل البشرية كلها من خلاله،وهذا تحريم قاطع مانع لجريمة القتل : "من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمفسدون"المائدة/اية32 .
إن هذه التوصيات والتأكيدات تشغل ساحة واسعة وجوهرية في النصوص الدينية لتشكل بنية أساسية في ثقافة التسامح الديني ولا يمكن لأحد ،حسب اجتهاداته وآرائه وفقهه،أن يلغي هذه المساحة الإنسانية الداعية لفلاح البشر.
أصبح صعبا ومتعذرا ،على المجتمعات المعاصرة أن يقف أحدها خارج الحداثة الكونية أو يمتنع عن الاندراج في مسارها،هذه صيرورة تاريخية إجبارية،إلا إن على الآخرين،أهل الحداثة وثقافة العولمة(الغرب وأمريكا)أن لا يتوقفوا عند حدود مطالبة أهل الشرق الأوسط الكبير بهذا الاندراج ،حدود الإصلاحات الديمقراطية وتجفيف منابع العنف ،إنما أن يسعوا جادين لفحص الوضع الصعب لجماهير الشرق وان تكف لوبياتهم عن التلاعب بثرواتهم وخبراتهم وأمزجتهم،ويسهموا بشكل فعال وعملي في حل معضلاتهم الكبيرة والمزمنة (معضلة فلسطين ومعضلة التنميات الاقتصادية والمعرفية) لان أوطان الحداثة، وكل أوطان المعمورة،دون ذلك من الصعب أن تهدا وتعيش حياة التسامح.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah