الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
صعود الهويات الفرعية الطائفية في ظل الهيمنة الغربية
علاء اللامي
2025 / 1 / 12مواضيع وابحاث سياسية

ماذا يعني أن تشتعل فجأة الأزمات والحروب الطائفية المذهبية في المشرق العربي وتتحول الى اقتتال دامٍ أحيانا بين السنة والشيعة والعلويين والدروز، بين المسلمين والمسيحيين أو بين العرب والأكراد في عصرنا وبعد قرون من التعايش على أساس الانتماء الوطني والثقافي الموروث؟ وهل كان ذلك التعايش حقيقيا وصادقا في مجتمع مندمج بعمق أم مزيفاً وديكوريا ومحمياً بالقمع السلطوي العميم؟
بعيدا عن إجابات أشباه الليبراليين المسطحة والتي مفادها إننا شعوب "متخلفة أصلا يتحكم بها الوعي الديني والخرافي، وتاريخنا كله حروب ومجازر وطغاة" (بعكس تاريخ أسيادهم الأوروبيين البيض السلمي الأنيق الوديع والعفيف النظيف والذي كان سببا في انقراض العديد من شعوب العالم القديم والمعاصر في الأميركيتين وأفريقيا)، دعونا نتأمل في إجابات أو احتمالات أخرى على هذا السؤال الشائك!
1-اننا نسينا طوائفنا ومذاهبنا وأدياننا كلها وكنا كفارا طوال قرون من التعايش التي مضت ثم أصابنا مَسٌّ من الجنون الطائفي الجماعي فعدنا إلى إيماننا فجأة وبدأنا بقتل بعضنا على الهوية!
2-اننا لم ننسَ أو نتناسَ انتماءاتنا الطائفية والمذهبية والدينية ولكننا نعتبرها شأنا شخصيا، وغلبنا عليها انتماؤنا الوطني والثقافي وحياتنا اليومية المشتركة لعدة قرون.
3-إننا انتكسنا بفعل فاعل أجنبي غربي أو بجهود عميله المحلي وهو هنا الطائفي الجاهل المتعطش للسلطة بعد أن كان محتقرا ومنبوذا طوال قرون، الذي منع مجتمعاتنا من الاندماج والانخراط عميقاً في العصر الحديث و"الزمن العالمي - بعبارة عزيز العظمة"، فالغرب هو الذي يريد تفريقنا لإضعافنا و"تخليفنا" فصفقت له بعض نخبنا وساستنا واشتعلت شرارات الغريزة وانطفأ نور العقل والانتماء الحقيقي إلى الإنسان والأرض.
4- إن أنظمة الحكم الاستبدادية في بلداننا كانت تمنع بواسطة القمع الدموي أي اندماج مجتمعي حقيقي ينتج عنه ولادة مجتمع موحد داخليا لا مظهرا وعلى أساس هوية رئيسة، وفضلت كبت وقمع كل التعبيرات الإنسانية عن الهويات الفرعية والتشوقات الإنسانية لبناء المجتمع الديموقراطي المعالج لأزماته بالمزيد من الحريات العامة والفردية ورفض الحكم الاستبدادي أيا كنت هويته السياسية.
الواقع أن تخلف - أو بعبارة أقل تشنجاً - عدم تطور مجتمعاتنا قياسا إلى المستوى العالمي المعاصر هو نتيجة لشبكة أسباب منها الهيمنة الغربية التي لم تسمح بقيام أنظمة حكم دستورية ديموقراطية مستقلة استقلالا حقيقيا لأن الغرب يرى في أية محاولة استقلال خطرا على مصالحه ولا يقبل بأقل من خضوع كامل لهيمنته لكي يتكرم بمنح شهادة الاعتدال والديموقراطية لأعتى الحكام عندنا وأكثرهم دموية. وحتى حين نجحت بعض بلداننا في الخروج من الهيمنة الغربية كما في مصر والعراق وسوريا وليبيا والسودان واليمن فقد لاحقتها الدول الغربية بالعداء والحصارات والمؤامرات الانقلابية وترسيخ الحكومات المحلية الاستبدادية وحكم الفرد أو الحزب الأوحد.
من أسباب تكرس هذا الواقع دعم الغرب الإمبريالي لأنظمة الحكم الاستبدادية والطائفية حتى لو كانت تمثل أقليات مجتمعية وعدم السماح بتفعيل حالة اندماج مجتمعي حقيقي على أساس الهوية الرئيسة الوطنية بل نرى الولايات المتحدة قدمت للعراقيين بعد احتلالها لبلادهم سنة 2003 دستورا ونظام حكم يقومان على الهويات الفرعية والحكم التوافقي الذي تشرف عليه وتنهب مواردة عدة عوائل دينية وإقطاعية معروفة، حتى وصلنا الى مرحلة التقسيم الفعلي للعراق إلى ثلاثة مجتمعات منفصلة تحكمها دويلات وعصابات طائفية وعرقية فاسدة هي كردية في الشمال وعربية سنية في الغربية والوسط وشيعية في الجنوب أجزاء من الوسط.
إن هذا الواقع المزري الذي نتمنى أن لا تسقط فيه سوريا الشقيقة مثلما سقط فيه لبنان والعراق (وإلى حد ما ليبيا) والذي يتصور الجميع أنه كان عهد سلام وتآخي واندماج مجتمعي أكذوبة كبرى فهذا الانقسام المكوناتي كان موجودا ولكن حكم الاستبداد لفترة ما بعد الاستقلال في خمسينات القرن الماضي هو الذي كان يخفيه ويدفنه عميقا بواسطة القمع ولكن ما أن سقط نظام صدام حسين أو نظام آل الأسد اليوم حتى انفجرت طنجرة الضغط وطفح الأحقاد والثارات والنزعات الانفصالية.
إن العلاج الحقيقي وربما الوحيد لهذه الحالة من الانكفاء والانحدار والحروب الأهلية والمجاعات وفقدان الاستقلال والسيادة التي تشهدها مجتمعاتنا العربية والإسلامية يكمن أولا وثانيا وثالثا ورابعا في محاصرة وعزل أنظمة الحكم المكوناتي وتفكيكها بالوسائل المتاحة والممكنة، وأن يتبنى النظامُ الجديدُ برنامجا ديموقراطيا مساواتيا واستقلاليا سياسيا واقتصاديا وثقافيا بأفق الخروج من ظل هيمنة النظام الرأسمالي الغربي وبناء تحالفات دولية جديدة مع الدول والقوى الشرقية المتصدية للهيمنة الغربية.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. تصاعد التوتر بين الهند وباكستان مع تبادل الإجراءات العقابية

.. استعراض لأبرز المحطات في مسار العلاقات السورية العراقية

.. الصين تفاجئ ترمب بعد الضربة الأولى وتدفعه للتراجع وطلب التفا

.. ماسك يحرج ترمب أمام رئيسة وزراء إيطاليا.. واشتباك في البيت ا

.. وزير الخارجية السوري يرفع علم بلاده الجديد ويلقي خطابا في مج
