الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثقافة العراقيةالذاكرةالنازفةوالراهن الملتبس

ناصرعمران الموسوي

2007 / 1 / 13
المجتمع المدني


الثقافة العراقية
الذاكرة النازفة والراهن الملتبس .. !
يستعصي مفهوم الثقافة على الاندراج تحت معايير محددة ، وهذه المسالة احدثت اشكاليات كبيرة لدى الباحثين والمفكرين فضلا عن الاتجاهات الفكرية والايديولوجية ، وان تحديد مفهوم واضح ومتناسق يبدو ( زئبقيا ) متمردا حسب ماهية المفهوم وهو الثقافة ، فالشمولية الصفة الغالبة لهذا المفهوم وان بدا في نواح كثيرة الية او مجموعة اليات تنظيمية او عبارة عن مركب كما يرى ( تايلور ) يشمل المعرفة والمعتقد الفني والاداب والاخلاق والقانون والعرف والقدرات والعادات الاخرى التي يكتشفها الانسان بوصفه عضوا في المجتمع ، والثقافة هذا الكل المتنوع المشتمل على عناصر القدرة والاصطناع والمحتوى واعطاء الرموز وتحميلها بالمفاهيم والافكار انما ينبثق من كينونة اجتماعية ملتصقة ببعد تاريخي تمنتمي اليه وتؤسس وجهتها فهي نسبية من هذا الجانب وعلى ذلك . فالثقافات متعددة تنشأ وتنمو ضمن سياق اجتماعي ، واذا عرفنا ان الاطار هو الذي يظهر شكل المحتوى ادركنا اهمية البعد التاريخي والاجتماعي للجانب الثقافي ، بل ان المستوى الثقافي يرتهن برؤى هيمنة الفكرة المساقة من مصادر القرار سواء اكان اجتماعيا او اقتصاديا او سياسيا ، فالثقافة قرينة الذات تذوب في احيانا لتشكل نسقها المعياري وان بدت خاصة فهي ليست بمطلقة بل ثقافة مهمة تشكل ثقافة المجتمع ، فالثقافة كائن ولود في مجملها تدافع عن العقل والحقيقة الانسانية والمعرفة وهي تأسيس لنسق معرفي مطلق تختلف عن التأسيسات الاخرى التي يستحيل ان تؤسس نسقا مطلقا مثل التأسيسات السياسية او التأسيسات الاخلاقية ، والذي يعنينا هو ماهو دور الثقافة والمثقف في ظل تحرك المشهد العراقي الحالي ، ماهي اسئلة الثقافة فيما يستجد وماهو دورها في ماوقع .. !!
الحقيقة ان الثقافة العراقية ثقافة تنظير لا ثقافة سلوك وهي اقرب الى المثالية الحالمة منها الى واقع راهن ، اصطبغت برداء الحاكم وتشلكت بحسب ما يشتهي ويريد هي ثقافة المنح والهبات واذا كان من تمرد ثقافي على هذه التسمية فأنه تمرد في كثير منه غير اصيل لاينتمي الى المعارضة الثقافية الحقيقية بشيء ، ربما كنا نتصور عكس ذلك قبل سقوط نظام البعث الذي يعود اليه تأسيس ثقافة الادلجة السياسية المنحرفة التي سعت واسست الى تهويل السياسي القائد والضرورة حيث أنها ركزت على فكرة ( الحلول ) حيث حل صدام حسين في كثير من تنظيرات ثقافاتها محل حمورابي تارة وهو رمز لتأسيس دولة القانون والمؤسسات وبرز وكانه هو من يتسلم مسلة القانون من الهة الشمس وفي شق اخر برز باعتباره نبوخذ نصر بالأمجاد الحمراء وهو يسوق السبي اليهودي لتبرز اقذر افكار القومية الشوفينية التي اسس لها نظام البعث ، مثل هكذا ثقافات ، ان هذه الثقافة اشتقت صورها من ذلك الارث فبات واضحا أي صورة نازفة تحملها هذه الثقافة التي لم تكتفي السلطة بترويجها ايديولوجيا بل اعتمدتها اكاديميا فصارت جزءا من النشاط التعليمي والتربوي وساهم الخضوع السلبي للمثقف الموجود ضمن اليات الهيمنة السلطوية بالترويج والعمل على ذلك بل ان المثقف الذي اصر نظام البعث على دخوله وصناعته حسب سياقات التقرير المركزي لحزبه ان يكون بالكيفية التي يراها ويروج لها ، وكنا نعتقد بان المثقف سيغادر سلبيته ويترك ذاكرته النازفة من هيمنة السياسات الايديولوجيات الا ان ذلك لم نره بعد سقوط نظام البعث في 9/ 4 / 2003 فوجدنا المثقف نفسه الباحث عن ذات جديدة لتضخيمه اشبه بمن خرج من العتمة الى الضوء فاصيب بعمى الضياء ، فصار سلوكه الخارجي مرتهن بمرحلة سالفة ، بل استهوته ادواره السابقة ليكون في علاقته الحالية نموذجا للصورة السابقة ، فأرتدى العلماني والليبرالي رداء التدين مما استهوى السياسي ان يمارس ذات الدور الاول للحاكم ، ان جزء كبير من خلق الحكام المستبدين يقع على عاتق المثقف فالمثقف هو رأي وصورة المجتمع بل هو دليلهم وماتشكله هذه الصورة هو المردود الاجتماعي للمشهد الحالي ، واذا علمنا ان ثورات العالم لم تحدث الا بناءا على تنظير ثقافي وفكري ولنا في الثورة الفرنسية خير دليل ففلوتير ، وروسو ومونتسكيو هم من اسسو لخروج الثورة الفرنسية من واقعها الجغرافي الى مداها العالمي والانساني ، وما حدث في العراق لم يكن من تنظير المثقف والمفكر وانما جاءت بحسابات استراتيجية املتها الصورة الجديدة للعالم التي اتاحت للولايات المتحدة الامريكية ان تدخل نظام صدام ضمن ضربتها الاستباقية في حربها على الارهاب ، فقط كانت الثقافة والمثقفون في زمن صدام اشبه بارجوزات يحركها هذا النظام وليس ادل على ذلك من قول وزير ثقافة النظام بانه على استعداد ( لملأ لوري من الشعراء ) على اثر عدم حضور احد الشعراء لمهرجان اقامته السلطة ، ان هذه الرؤيا السابقة للمثقف والمفكر شكلت ثنائية خاصة جانبها الاول الخاص بالسلطة وهو الجانب العنيف والجانب الاخر وهو الخاص بالمثقف وهو الجانب المعنف ، ان هذه الثنائية القت بظلالها على المشهد الحالي للثقافة ، الا ان مايشفع في وجود ضوء في نهاية النفق هو وجود مثقفين ومفكرين غيبتهم السجون والمنافي واخرين لجأوا الى طرق متعددة في مقاومة ثقافة السلطة وذلك بالتعبير عن كينونتهم المستلبة بأساليب ادبية وفنية استغلت الضعف الثقافي لدى مثقفي السلطة من جانب وجهل السلطة من جانب اخر وهذه النماذج هي المعول عليها بعد السقوط لتحمل بذرة نشوء وارتقاء لثقافة جديدة تستلهم جراح الثقافة السابقة واستبشرنا خيرا بوجود مساحات للحرية وابداء الرأي الا ان الذي حدث ان الثقافة لم تكن بحجم التغيير الذي شهده العراق ، اذ بعد انهيار الشارع القومي الفاشيستي للثقافة العراقية قابله استشراء الثقافة الدينية ، واذا علمنا بان المثقف الديني في العراق مازال اسير قوالب شكلية جاهزة ومرتهن الى طقوسية تتشكل باستمرار عند ذلك نعلم أي لبس يحيط الثقافة الان ، ان الثقافة الدينية لدينا هي ثقافة فاقدة لحالة التواصل كما ان ساحتها فارغة لاسباب متعددة ، اولا ، دور النظام السابق في افراز هذه الثقافة من منظريها ومثقفيها الحقيقيين وثانيا ، غياب المثقف الاسلامي في العراق حيث ان هناك قطيعة معرفية تمت بين الثقافة الاسلامية لدينا وثقافات العالم الاسلامي والعربي ، هذا الامر يدعونا الى إعادة هيكلة التجذر الثقافي حيث ان تركها ادى الى ان يقع البلد في حالة احتراب وتخندق طائفي فالثقافات كانت حكرا على الهيمنة السياسية فصارت صورة المشهد السياسي هي الطاغية ضمن خلاصة المحتوى الاسلامي والديني ، وهو الذي يعتاش عليه تنظيم القاعدة الارهابي الذي فقد تواصله في الساحة العراقية ولم ينجح كتنظير سلفي ديني جهادي من جانب وعسكري مقاوماتي تحرري من جانب اخر ، ان غياب الثقافة العلمانية من الشارع العراقي وضعفها في الجانب السياسي اضافة الى ازمة الثقافة الدينية ادى الى مغادرة الثقافة من ساحتها المعنوية الى الساحات الايديولوجية السياسية مما احدث لبسا كبيرا في صورة واقع البلد الراهن ، ان تفعيل دور المواطنة والمواطن هو دستور ثقافي على الدولة ان تسعى الى تكريسها في مشروع مصالحتنا الوطنية الجديدة ووجود مؤتمر مزمع انعقاده في مكة يحمل دلالات كثيرة في تأثيره على الواقع العراقي والثقافي منه بصورة خاصة وان تجاهل الدولة لعقد مؤتمر ضمن المصالحة الوطنية يسعى الى بناء ثقافة جديدة تتجاوز الثقافات السائدة واعطاء استقلالية للجانب الثقافي شبيهة باستقلال القضاء هذا الامر سيكون له مردود في الاجابة على الكثير من اسئلة الثقافة العراقية في الوضع الراهن ، وسيدفع الى وجود ساحة حقيقية لاشاعة ثقافة جديدة منبثقة تاخذ على عاتقها الدفع بكل الاتجاهات الثقافية التي تؤمن بان انحايازها الحقيقي للانسان والانسان فقط وتستوعب فكرة الاخر مهما كان انتماءه الاجتماعي والعقائدي والمناطقي والقومي والتخلي للابد عن فكرة الاحادية كنظرة وسلوك وتبني منهج الديمقراطية وشفافية الطرح تحت سقف من ثقافة حقوق الانسان والديمقراطية .

ناصر عمران الموسوي
كاتب واعلامي
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تقرير دولي يقول إن خطر المجاعة قائم في كل أنحاء قطاع غزة


.. الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق شويغو وقائد أركان ال




.. كلمة ممثلة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة | #عاجل


.. القصف الإسرائيلي يشتد على مراكز إيواء النازحين خلال آخر 48 س




.. اعتقال عارضة الأزياء اليمنية خلود باشراحيل يثير جدلا على موا