الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرقابة الأبوية على المراهقين بين حرية المقاهي وسلطة الأهل

عقيل الفتلاوي
صحفي وباحث

(Aqeel Al Fatlawy)

2025 / 3 / 25
المجتمع المدني


في زوايا المقاهي المزدحمة، حيث تتصاعد روائح الأرجيلة الممزوجة بضحكات المراهقين، تُختزل معركة خفية بين رغبة الأبناء في الانطلاق وسعي الآباء للحماية. المشهد يتكرر كل يوم بعد المدرسة، وفي عطلة نهاية الأسبوع، حين يتحول المقهى إلى "وطن مؤقت" لشبابٍ يعتبرونه فضاءً للحرية، بينما يراه أهلهم بوابةً لمخاطر التدخين والضياع.
تلك المقاهي التي كانت فيما مضى مقصورةً على كبار السن، أصبحت اليوم ملاذاً للمراهقين الذين يجلسون ساعاتٍ طويلةً بين كؤوس الشاي وأباريق النرجيلة، يتبادلون الأحاديث، ويُجرّبون – ربما للمرة الأولى – طعم "الاستقلال" بعيداً عن عيون الأهل. لكن ما يبدو لهم حريةً، يراه الآباء انحرافاً، وما يعتبرونه مجرد "شيشة عادية"، تحوّل في الدراسات الطبية إلى قنبلة موقوتة تهدد الرئتين والقلب قبل الأوان.
في هذا السياق، تبرز معضلة الرقابة الأبوية: كيف يفرض الأهل سطوتهم دون كسر إرادة الأبناء؟ وكيف يوازنون بين تحذيرات الأطباء من تدخين الأرجيلة، ورغبة المراهق في أن يكون "مقبولاً" بين أقرانه؟ بعض العائلات تختار أسلوب الحزم، فتمنع الخروج نهائياً، أو تفرض حظراً على مصاحبة أصدقاء معينين. لكن هذه القيود غالباً ما تأتي بنتائج عكسية، إذ يتحول الممنوع إلى مغريّ، ويبدأ الابن في البحث عن حيلٍ جديدة للالتفاف على رقابة الأهل، كأن يدّعي الذهاب إلى المكتبة وهو في الحقيقة يتجه إلى المقهى الأقرب.
في المقابل، هناك أسرٌ تفضل أسلوب المصارحة، فتفتح حواراً مع الابن حول مخاطر التدخين، وتشرح له كيف أن ساعةً واحدةً من الأرجيلة تعادل تدخين مئة سيجارة. لكن حتى هذا النهج قد يصطدم بجدار المراهقة الصلب، حيث يصرّ الشاب على أن "كل زملائي يفعلون ذلك"، أو أن "الأرجيلة ليست إدماناً مثل السجائر". هنا يجد الأهل أنفسهم في حيرة: هل يصمتون خشيةً من نفور الابن، أم يتدخلون بقوة رغم احتمالية الصدام؟
الخيط الرفيع بين التوجيه والتسلط يدفع بعض الخبراء إلى اقتراح حلول وسطى، كأن يسمح الأهل لابنهم بالخروج مع أصدقائه، لكن بشروطٍ محددة، مثل تحديد الوقت، أو اختيار المقهى الذي لا يسمح بالتدخين لمن هم دون السن القانوني. آخرون يرون أن الحل لا يكمن في مراقبة المكان، بل في ملء وقت الفراغ بأنشطة بديلة. فلو كان الشاب منخرطاً في رياضةٍ يحبها، أو ورشة فنية، أو حتى عمل تطوعي، فلن يجد وقتاً فارغاً يدفعه إلى "تسكع" بلا هدف.
لكن تبقى المشكلة الأعمق، وهي أن بعض الآباء يريدون التحكم في كل خطوة، بينما ينسون أنهم في عمر أبنائهم ربما كانوا يفعلون الشيء نفسه! فالشاب الذي يُمنع منعاً باتاً سيشعر بأنه محاصر، وسيحاول كسر القيود بأي طريقة، حتى لو أدى ذلك إلى الكذب. أما الذي يجد في بيته مساحةً للاستماع دون تهويل، فسيكون أكثر استعداداً للاعتراف بأخطائه، وأكثر تقبلاً للنصيحة عندما يدرك أن والديه لا يتدخلان "لمجرد التحكم"، بل لأنهم قلقون حقاً.
في النهاية، المسألة ليست معركةً بين "أهل متسلطين" و"أبناء متمردين"، بل هي اختبارٌ لذكاء الأسرة في اجتياز مرحلة المراهقة بأقل خسائر. فالشاب الذي يعرف أن والده يثق به، سيفكر ألف مرة قبل أن يخون هذه الثقة. والأم التي تستبدل لغة الاتهام بـ"أين كنت؟" بـ"هل أنت بخير؟"، قد تحصل على إجابات صادقة بدل أكاذيب مُتقنة.
ربما يكون الوقت قد حان لأن ندرك أن الرقابة الأبوية ليست أسواراً عاليةً يُحاصر خلفها الأبناء، بل أضواءً خافتةً تُنير لهم الطريق، ثم تتركهم يسيرون – بحذر – نحو اختياراتهم. لأن المراهق الذي يتعلم اليوم تحمّل نتائج أفعاله، سيكون غداً بالغاً قادراً على مواجهة الحياة، لا بالهروب إلى المقاهي، بل بالثقة التي غرسها فيه أهلٌ عرفوا كيف يكونون حماةً دون أن يكونوا سجّانين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تغطية خاصة | عباس مهاجماً حماس: يجب تسليم السلاح والأسرى الإ


.. واشنطن بوست: مقتل فاطمة حسونة ضربة جديدة لحرية الصحافة في غز




.. اعتقال المسؤول العام لحركة الجهاد في سوريا


.. إلى أي درجة تؤثر مقاطع الأسرى الإسرائيليين على نتنياهو؟




.. عباس يدعو حماس إلى تسليم الأسرى الإسرائيليين ويهاجم محتجزيهم