الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما يتكلم الحجر والشجر: تأمُّل في التراث والعنف المقدس

همام طه

2025 / 3 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


حين نقرأ القرآن، نجد إشادة بجمال البيئة الطبيعية، فالأرض الخضراء مصدر بهجة، والحدائق عنوان للجمال والسكون. لكننا، في المقابل، نجد في التراث روايات تحوّل الطبيعة ذاتها إلى شريك في العنف المقدس، حيث تتكلم الأحجار والأشجار لا لتسبّح بحمد خالقها، بل لتكشف عن مختبئين خلفها يُنتظر قتلهم! كيف يمكن التوفيق بين هاتين النظرتين؟ وهل يمكن لمرويات العنف أن تبقى جزءً من تراثنا دون أن تتغلغل إلى وعينا وتنعكس على واقعنا؟
يحتفي القرآن بالطبيعة وتأثيرها النفسي الإيجابي على الإنسان، فيصف الغطاء النباتي بأنه مصدر للسعادة في قوله: "حدائق ذات بهجة"، بمعنى أن الله أنبت بساتين جميلة تبعث السعادة في النفوس. كما يقول عن التنوّع النباتي: "وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج"، بمعنى أن هذه النباتات متنوعة وجميلة الشكل واللون وتبعث السرور والفرح عند رؤيتها.
غير أن حديث "الغرقد" المنسوب إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يتناقض مع هذه النظرة الجمالية للطبيعة، ويقدّم البيئة الطبيعية ليست بوصفها ميداناً لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية فقط، ولكن بوصفها أيضاً جزءً من المعركة وشريكاً فيها وطرفاً فاعلاً في القتل والدمار والخراب!
يقول الحديث: "لا تقومُ الساعةُ حتى يقاتلَ المسلمون اليهودَ، فيقتلُهم المسلمون، حتى يختبيءَ اليهوديُّ من وراءِ الحجرِ والشجرِ، فيقولُ الحجرُ أو الشجرُ: يا مسلمُ يا عبدَ اللهِ هذا يهوديٌّ خلفي، فتعالَ فاقْتلْه. إلا الغَرْقَدَ، فإنه من شجرِ اليهودِ".
تُحوّل هذه المروية الحديثية البيئة الطبيعية، بما فيها من حجر وشجر، إلى مقاتلين يشاركون في أعمال قتل لا ترحم، ولا تستثني حتى الإنسان الذي يختفي وراء شجرة؛ بمعنى أنه يفرّ من القتال ولا يريد أن يقاتل، ومع ذلك يستمر مشهد الإبادة الجماعية الذي تتعاون فيه النباتات والجمادات مع المسلمين على قتل فئة معينة مختلفة عنا دينياً! والمفارقة أن الأشجار بما تمثّله من إلهام روحي وملاذ طبيعي يحرّك المشاعر الجمالية والروح الأخلاقية تؤدي في هذه الرواية دوراً غير أخلاقي وهو الوشاية بمن يختبئ وراءها!
هذا المشهد التخيّلي موثّق في كتبنا التراثية ويتم الاحتفاء به في خطابنا الديني، فهل يحقّ لنا بعد ذلك أن نشكو من الوحشية الإسرائيلية في التعامل مع الفلسطينيين؟! إذا كنا نؤسس للوحشية في تراث نقول إن عمره 1400 سنة، فهل يحق لنا أن نلوم الجانب الإسرائيلي على وحشية عمرها ثمانون عاماً فقط ابتدأت بالاستيلاء على أرض فلسطين وتشريد أهلها؟!
قد يقول قائل إن الوحشية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين هي التي خلقت مناخ الكراهية الذي يُستدعى فيه هذا النص الحديثي التراثي الدموي كنوع من التعويض عن العجز عن مساعدة الفلسطينيين. نعم، هذا صحيح، ولكنه لا ينفي وجود هذا الحديث في التراث، ولا يبرّر استدعاءه في خطابنا، ولا يبرّر السماح بأن يشكّل جزءً من وعينا الديني والسياسي، ولا يبرّر سكوتنا على ذلك وقبولنا به. إن أولى خطوات التحرر من العنف هي التحرر من مبرراته في وعينا وثقافتنا.
إن استدعاء النصوص التي تمجّد العنف وإدراجها في خطابنا الديني والسياسي لا يخدم إلا دوامة الصراع، ويغذي مبررات القتل المتبادل. إن كنا نرفض الوحشية حين تُمارَس ضدنا، فلا بد أن نرفضها أيضاً حين تخرج من تراثنا. لا يمكننا بناء مستقبل أكثر إنسانية إن لم نملك الجرأة على مساءلة المرويات التي تضفي على الصراع طابعاً كونياً أسطورياً بحيث تجعل من الطبيعة الجميلة شريكاً في العنف، وتغذي وعينا الجماعي بروح الإقصاء الدموي بدلاً من قيم العدل والرحمة.
إذا كنا نزجّ الأشجار والنباتات في المعركة، فهل يحقّ لنا الاعتراض على الخراب الذي تسبّب به الجانب الإسرائيلي للطبيعة في قطاع غزة والذي يجسّده الخبر التالي: "غزة.. الحرب دمرت ثلثي الأراضي الزراعية في القطاع"؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفايننشال تايمز: رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك يتهم نتنيا


.. عالم دين أم مُنظّر سياسي.. إبراهيم عيسى يبحث عن أصول حسن الب




.. تقرير يتهم الإخوان المسلمين -بالتغلغل واختراق الدولة- في فر


.. لأول مرة.. كبار حاخامات إسرائيل يدعون لعدم اقتحام المسجد الأ




.. من أين جاءت فكرة السماوات السبع ؟