الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عصبة التحرر الوطني الفلسطينية في قطاع غزة دروس من غزة -الحلقة الثانية

ابراهيم حجازين

2007 / 1 / 23
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


النشاط السياسي لعصبة التحرر الوطني في قطاع غزة
كان لقرب قطاع غزة من مصر تأثير كبير على القوى السياسية الفاعلة في القطاع ، خاصة من جهة نشاط الإخوان المسلمين وعصبة التحرر الوطني في فلسطين .فالظروف كانت مناسبة للإخوان المسلمين ، فالثقافة السائدة في القطاع ساعدت بعد الحرب على توجيه السكان توجها دينيا ،كما أن الوعي السياسي للجماهير وموقفها من القضية الوطنية جعلهم عدائيين نحو الشيوعيين ، بسبب أنهم وافقوا على قرار تقسيم فلسطين وكانوا يعتبرون الموافقة عليه من أسباب الكارثة التي أصابتهم . عامل أخر لعب دورا هاما في التضييق على نشاط العصبة كان موقف السلطات المصرية وأجهزتها الأمنية في قطاع غزة منهم .
في تلك الظروف كانت الإمكانيات لعمل ونشاط العصبة محدودة . خاصة وان القوات المصرية قامت بحملة اعتقالات واسعة في صفوف العصبة . مع بداية الحرب ودخول القوات المصرية إلى القطاع شنت القوات المصرية حملة مطاردة للشيوعيين فالأمين العام للعصبة فؤاد نصار أعتقل من قبل الجيش المصري ، ويبدو أن هذه الحملة كانت معدة سلفا . فالشواهد كثيرة على أن الإعداد المسبق كان قد جرى قبل الحرب لمطاردة الشيوعيين من قبل القوات العربية التي ستدخل فلسطين. لذا أمر القائد العسكري المصري المعين للقطاع بحل عصبة التحرر وجرى اعتقال عددا من نشطاء وأعضاء العصبة ، وفرض عليها بالتالي الانتقال إلى العمل السري .
من العوامل التي أثرت بمصير الفرع في قطاع غزة وأضعفته ، أن اللجنة المركزية لعصبة التحرر المتواجدة في الضفة الغربية قررت إعادة تنظيم المنظمة ككل فدعت الكوادر القيادية أن تنتقل إلى الضفة الغربية وتتجمع هناك ، وقد حرم هذا القرار العصبة في غزة من قادة مجربين .
إذن كانت الظروف الموضوعية والذاتية غير ملائمة لا بل ساهمت في إضعاف نشاط العصبة في القطاع وحولتها إلى منظمة صغيرة خاضعة للجنة المركزية الموجودة في الضفة الغربية دون روابط تنظيمية فعلية ، وكما يلاحظ الباحث زياد أبو عمرو فإن اللجنة المركزية عينت هيئة قيادية للقطاع لقيادة نشاط العصبة في المنطقة لكن الصعوبات التي ظهرت عند تطبيق سياسة المزج بين العمل السري وأشكال العمل العلني في مخيمات اللاجئين جعلت العصبة هدفا للاعتقالات المستمرة .
ويشير عبد الرحمن عوض الله أحد قياديي العمل الشيوعي في قطاع غزة أن أعضاء العصبة كانوا يوزعون الجريدة المركزية للعصبة "المقاومة الشعبية " التي تصدر في الضفة الغربية إلى جانب قيامهم بنشر بيانات العصبة الأخرى وكتابة شعارات ودعوات تكشف وتعري سياسات الحكومة المصرية ودورها في الكارثة التي حلت بالشعب الفلسطيني ، ويشير أيضا أنه في هذه المرحلة الجديدة لم تقم العصبة في القطاع بصياغة سياسة جديدة تتلاءم مع الظروف الجديدة في القطاع، بل واستمر العمل بسياسة تستند إلى الإعلان السياسي الذي أصدرته الأحزاب الشيوعية في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين والعصبة في تشرين أول عام 1948. ومع أهمية الإعلان في حينه إلا انه لا يتلاءم مع الظروف التي نشأت بعد الحرب وخصوصا في قطاع غزة ، مما حد من قدرة العصبة في التوجه إلى الجماهير التي كانت تعاني أصلا من نتائج الحرب ولبس من أسبابها . وبقيت العصبة قاصرة عن صياغة برنامج جديد في الحالة التي تشكلت ، لقد استمرت بالعمل وفقا لتوجهات قديمة ودفعت بالتالي ثمن ذلك . إن العمل الحزبي والسياسي يتطلب إبداع أدوات جديدة لكل مرحلة جديدة فلا تصلح الأدوات السياسية لكل الظروف والأوقات . النتيجة كانت أن العصبة قد ابتعدت عن الجماهير، وأصبحت مكشوفة لقمع قوات الأمن وهكذا في شتاء عام 1949 نجحت قوات الأمن المصرية باعتقال عددا كبيرا من نشطاء وأعضاء العصبة .
لكن وبالرغم من تلك الظروف الصعبة والمعقدة ، وبهمة ونشاط من تبقى خارج السجون من اعضاء العصبة نجحت إلى حد ما من تجميع وتوسيع صفوفها ، فتم تنظيم خلايا أولية في العديد من المخيمات وقرى القطاع ، مما يدل أن العصبة استمرت في نشاطها كما يؤكد على ذلك القيادي عبد الرحمن عوض الله .
وفي حين اعلنت السلطات المصرية القضاء نهائيا على عصبة التحرر ، اصدرت العصبة ونشرت إعلانا جريئا يوضح الموقف من القضية الفلسطينية ويحمل الحكومتين المصرية والأردنية مسؤولية الكارثة التي أصابت الشعب الفلسطيني وتمزق أراضيه التي كانت مقررة لإقامة الدولة الوطنية الفلسطينية حسب قرار الأمم المتحدة 181 ، ودعى الإعلان إلى وحدة كل القوىالوطنية في جبهة وطنية للنضال من اجل تحرير الأراضي المحتلة وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم وإقامة دولة فلسطينية صديقة إلى جانب إسرائيل كما جاء في الإعلان أنذاك .
كان الإعلان محاولة أصيلة من جانب العصبة في القطاع لصياغة موقف جديد لها في ظل ضعف الارتباط مع المركز وغياب سياسة جديدة بعد المأساة الوطنية وتضمن الإعلان على مواقف تصلح لتكون نواة لاستراتيجية جديدة وخاصة فيما يتعلق بعودة اللاجئين وتحرير الأراضي المحتلة وإقامة الدولة الفلسطينية كما نص قرار التقسيم ، لكن من ناحية أخرى احتوى الإعلان على خطأين أحدهما تكتيكي والأخر استراتيجي الأول يتعلق بدعوة الفلسطينيين وخاصة اللاجئين الذين يعانون من إقامة إسرائيل التي طردتهم من أراضيهم وشردتهم وقضت على آمالهم إلى العمل إلى إقامة دولة فلسطينية صديقة لها والخطأ الاستراتيجي كان يتمثل في الوهم بأن إسرائيل ستقبل بإقامة دولة فلسطينية إلى جانبها دون تغيير حقيقي في موازين لمصلحة الشعب الفلسطيني هذا الوهم الذي بقي متأصلا ولا يزال في العمل الوطني الفلسطيني .
وبدلا من أن تحصد العصبة نتائج إيجابية بطرحها هذا كما توقعت ، ازدادت عزلتها عن الجماهير الفلسطينية وصاروا ينظرون إلى الشيوعيين كخونة وأصبحت العصبة اكثر عرضة لمطاردة السلطات المصرية التي استغلت الفرصة لمحو النشاط الشيوعي وهذا يذكر بالموقف في العراق عندما استغل نوري السعيد صديق بريطانيا الصدوق نفس الأمر لإعدام قادة الحزب الشيوعي العراقي .
عامل أخر لعب دورا في أضعاف فرع العصبة في القطاع كان قرار اللجنة المركزية للعصبة ككل بالتحول إلى الحزب الشيوعي الأردني الذي أضر بالعلاقة بين المركز والفرع في القطاع . قيادة القطاع لم توافق على القرار ورأت أنه يلغي الطابع الفلسطيني للعصبة كمنظمة فلسطينية في الضفة الغربية وأعلن الفرع أن قرار اللجنة المركزية للعصبة ليس صائبا ، وبالرغم من أن موقف فرع غزة يحتوي في جانب كبير منه على رأي جدير بالتقدير خاصة فيما يخص المحافظة على الطابع الوطني التحرري للعصبة كمنظمة فلسطينية إلا أن أعضاء العصبة في القطاع لم يطرحوا موقفا بديلا بل بالعكس أحسوا بالوحدة والانعزال أيضا إذ يتركون لوحدهم دون رابط مع باقي أجزاء العصبة التي كانوا حتى هذه اللحظة جرءأ منها .
أثار قرار التحول الذي أصدرته اللجنة المركزية ذعرا في صفوف العصبة في القطاع فهو يهز قاعدة التنظيم هناك ،خاصة بعد استلام رسالة من قيادة الحزب الشيوعي الأردني تدعو فيها العصبة في القطاع إلى التحول إلى منظمة ديمقراطية مستقلة . رفضت قيادة القطاع في ردها هذا الاقتراح كما يتذكر عبد الرحمن عوض الله لأن ذلك يعني البقاء دون منظمة حقيقية تلعب دورها كقوة وطنية فلسطينية بالإضافة إلى أن ذلك سيعني أن الحزب الشيوعي الأردني سيمثل الشيوعيين الفلسطينيين وهو أمر لم يكن مقبولا كما يبدو .
لم تقبل العصبة اقتراح الحزب الشيوعي الأردني ولم تطرح بديلا له يتلاءم مع المستجدات يشق طريقا جديدا اقلها أمام مواطني غزة وكانت النتيجة انقطاع العلاقة مع الحزب الشيوعي الأردني والشعور بالخذلان من رفاق العصبة بالأمس.
هذا أدى إلى تعمق الاتجاهات الانعزالية والهبوط والتراجع وعدم الالتزام بالتنظيم في صفوف العصبة في غزة ، وهيأ لظهور أعمال يسارية طفولية من كتابة الشعارات على الجدران ونشر بيانات وطرح مواقف متطرفة مما قوى من حملات المطاردة التي شنتها القوات الأمنية المصرية .
في آب 1952 تم اعتقال فخري مكي أحد قياديي العصبة في القطاع وجرت مصادرة وثائق تضم أسماء كل أعضاء العصبة ، فقامت قوات الأمن بالقبض على 64 عضوا ، واستطاع أربعة من الأعضاء الفرار من القطاع . وفي كانون أول من نفس العام حكمت المحكمة على أعضاء العصبة بالسجن من ثلاثة شهور إلى خمسة سنوات .هذه الضربة القاسية شلت العصبة وأفقدتها القدرة على العمل . لذا في الفترة 1952-1953 لم تقم العصبة بأي نشاط . لكن لاحقا قام عدد من المحررين من السجون بمحاولة لإعادة إنشاء العصبة إلا انهم آثروا الانتظار لحين توفر ظروفا افضل للعمل .كان الظرف لا يزال غير مناسبا في تقديرهم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ميناء غزة العائم يثير بوجوده المزيد من التساؤلات | الأخبار


.. نتنياهو واليمين يرفضون عودة السلطة إلى القطاع خوفا من قيام د




.. حزب الله يدخل صواريخ جديدة ويزيد حدة التوتر في إسرائيل | #مر


.. دفن حيا وبقي 4 أيام في القبر.. شرطة #مولدوفا تنقذ رجلا مسنا




.. البنتاغون يعلن بدء تشغيل الرصيف البحري لنقل المساعدات إلى قط